الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كل ما يعترضهم على المحك في شريعة الإسلام، والتعلم ممن هو أقدر منهم، فلا ينال العلم مستح ولا متكبر.
- ترسم خطا سلف هذه الأمة، والتربية على منوال المدرسة الأولى، التي رعت شباب المدينة المنورة، الذين بحرصهم حملوا علما غزيرا، وتركوا أثرا بارزا في الاهتمام بالمثابرة والتعليم، والحرص والمتابعة، أمثال: عبد الله بن الزبير وأخويه مصعب وعروة، وعلي بن أبي طالب ثم أولاده: الحسن والحسين، ومحمد، وعبد الله بن عمرو، ومعاذ ومعوذ ابني الحارث، وجابر بن عبد الله، وأسامة بن زيد الذي قاد جيشا جهزه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمره (17) عاما، وعمر بن عبد العزيز - الخليفة الأموي - ومحمد بن القاسم، الذي فتح الهند والسند ولم يبلغ عمره العشرين، وغيرهم كثير من شباب الإسلام في كل زمان ومكان. . ممن اهتموا بدينهم، ودافعوا عنه بكل ما يستطيعون: باللسان وباليد وبالجهد؛ لأنهم أدركوا الدور الذي عليهم، فبذلوا طاقاتهم من أجل الذود عن حياضه، فهابهم الأعداء، وتعاضدوا فيما بينهم، يقول الشاعر:
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم
…
إن التشبه بالكرام فلاح
دور الأمانة:
إن الأمانة التي عرض الله حملها على السماوات والأرض والجبال، فأبين أن يحملنها وأشفقن منها، فظلم الإنسان نفسه
بحملها (1)، فهي مسئولية كبيرة على شباب الإسلام، بالحرص عليها أداء ودفاعا، وخاصة في هذه الأيام التي تسلط فيها الإعلام الغربي، والتنفس الصهيوني ضد الإسلام، واعتبرها بعضهم عودة للحروب الصليبية كما جاء على لسان أحد ساستهم يقوله: الآن عادت الحروب الصليبية وذلك بعد أحداث 11 سبتمبر عام2001م. . مما يعني أنها تحديات مكشوفة، ليست بالقول فقط، وإنما قد يكون وراء الأكمة، ما وراءها. . نسأل الله أن يقي العثرات، وأن يحمي دينه من كل متطاول وعابث.
وإن من المهم أن نذكر شيئا لازما، عن الأمانة المطلوبة من الشباب، والأمانة المطلوبة لهم ممن يتولى أمرهم، ويهتم برعايتهم وتوجيههم.
وهذا يستلزم توجيه الشباب للأعمال التي يتطلعون لها، وتتناسب مع مدارك كل واحد منهم؛ لتكون قاعدة انطلاقهم في الدفاع عن دينهم وأمتهم ونصحهم في بناء مجتمعهم.
هذه القاعدة التي يجب أن تكون متينة وراسخة تؤتي ثمارها اليانعة، بنتائجها التي يترقبها المجتمع من الشباب، وهم يتحملون المقاليد في بناء أمتهم:
أولا: يحسن أن لا يغرب عن البال: أن الصغير يكبر، وبعد كبره
(1) تراجع آية الأمانة رقم 72 في سورة الأحزاب، وتفسيرها عند ابن كثير.
يتحمل المسئولية، وينوء كاهله بأعباء كثيرة، نحو نفسه وأسرته ومجتمعه، وأهم ذلك نحو دينه، وصد كيد المعتدين؛ لأن الدين هو الجوهر الذي به العزة والكرامة. والشاب في هذا التحمل مطالب بأشياء وأشياء، عليه أن يسعها صدره، ويتعمق في فهمها؛ لأن هذه الحماسة جزء من رسالته في الحياة، وهي ما يوجهه إليه رب العالمين في مثل هذا الأمر الكريم:{وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} (1).
وكل شاب يعرف أن عليه مسئولية في أي عمل، نراه يهتم به؛ لكي يرضي من يتابعه، مع الطمع في الحصول على النتائج الوقتية، فكيف بالمسئولية أمام الله جل وعلا، وأنه سيسأل، وجاء هذا السؤال بتأكيد بعد تأكيد، والبلاغيون يقولون: زيادة المبنى، زيادة في تمكين المعنى.
وهذا لأهمية الأمر الذي يجب على الشباب خاصة، وعلى كل فرد في المجتمع الإسلامي بصفة عامة، وضعه نصب عينيه.
ثانيا: الإخلاص في العمل، والحماسة ضد من يناصب دينهم العداء، فقد جعل رسول الله المسئولية عامة على الصغير والكبير، والغني والفقير، كل يجب أن يبذل ما في وسعه حمية لله. نحو دينه، ومدافعة شبهات المغرضين، فالكبير يوجه الصغير، والعالم يبين للجاهل والغافل؛ ليكونوا سدا منيعا، لا يستطيع العدو أن يجد له مجالا للنفاذ
(1) سورة الزخرف الآية 44
بينهم، ولا أذنا تسمع ما يقول من شبهات، أو يبدر منه من نفثات. . يقول صلى الله عليه وسلم:«كل رجل من المسلمين على ثغرة من ثغر الإسلام، فالله الله أن يؤتى الإسلام من قبلك (1)» .
فقد جعلهم جميعا أمناء، على هذا الكيان العظيم الذي اختاره الله لخير أمة أخرجت للناس، ورضيه جل وعلا لهم دينا:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (2).
ثالثا: ولما كان الله سبحانه، قد جعل للإنسان، هبة منه سبحانه: السمع والبصر والفؤاد والقلب، وجميع الأحاسيس التي يدرك بها ما حوله في هذه الحياة، فإن هذه يكتمل نموها لدى الشباب في مرحلة التحصيل الدراسي بمراحله، وهي أمكن ساعات العمر عنده: قدرة على الأخذ، وقدرة على الفهم والتمييز، وحيوية في العطاء والرد على التحديات الموجهة نحوهم ونحو أمتهم.
وهذا يستلزم عليهم، وعلى من أنيط به تعليمهم وتوجيههم، رعاية هذه المواهب، في بوتقة أفق الإسلام. ونظرته الشمولية، ليستمد الشباب من ذلك طاقة تعينهم على أن يكونوا مؤثرين لا متأثرين،
(1) أخرجه محمد بن نصر المروزي في كتاب السنة عن يزيد بن مرثد، قال: قال صلى الله عليه وسلم.
(2)
سورة المائدة الآية 3
وموضحين للأمور البعيدة التي يهدف إليها الإسلام بتعاليمه، نحو النفس البشرية؛ لتسعد في حياتها، وبعد مماتها، بدل أن يكونوا مدافعين للشبهات الموجهة نحوهم ونحو دينهم.
رابعا: تنمية الأخوة الإسلامية، بين شباب المسلمين، من أي لغة، وبأي موقع علي الأرض؛ لأن الإسلام لا يفرق بين عجمي وعربي، إلا بالتقوى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (1)، والسعي في إبعاد الحزازات والتفرقة - كجزء من مكائد الأعداء - وبث المحبة والترابط فيما بينهم، تحقيقا للتوجيهات الكريمة، في مبادئ هذا الدين، حتى تصفو النفوس، وتتشابك الأيدي في صف واحد، ضد مخططات الأعداء التي يحبون ترويجها بين شباب المسلمين، حتى يتفرقوا شيعا وأحزابا. . مع الاهتمام بالتشاور والتناصح بين الأخوة المسلمين.
يقول صلى الله عليه وسلم: «المؤمن أخو المؤمن لا يكذبه ولا يظلمه ولا يخذله (2)» ، ويقول أيضا:«لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تناجشوا ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا (3)» . وعليهم في هذا أن ينطلقوا في هدفهم، من دروس الإسلام، التي وحدت بين بلال الحبشي، وسلمان الفارسي،
(1) سورة الحجرات الآية 10
(2)
يراجع تفسير ابن كثير للآية الكريمة: (إنما المؤمنون إخوة) 4: 210 - 212.
(3)
رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله.
وصهيب الرومي، وأبي بكر العربي القرشي (1). وغيرهم من الأجناس الذين رفع الله بحماستهم ودفاعهم، راية الإسلام في الآفاق.
خامسا: أن يكون الشاب غير مندفع بدون علم، وأن يكون مستشيرا فيما يريد عمله ممن له تجربة أكثر، وأمكن علما، حتى لا يستجره الخصوم إلى مزالق تضر أكثر مما تنفع، ويتخذها الأعداء ثغرات ينفذون منها لما يريدون؛ لأن من تكلم بغير علم، أساء من حيث لا يدري. . والمثل يقول من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب.
والأفضل للشباب في بداية أمره أن يكون مسترشدا وسائلا، ومستمعا أكثر مما يتكلم، ليتعلم من السماع، كيفية التروي، والفهم الجيد لما يدور من تيارات. . وإدراك طريقة النقاش والنفاذ إلى أعماق الآخرين.
سادسا: أن يكون الشاب في المرحلة الجامعية خاصة وفي غيرها عامة: حسن الخلق، حليما فيما يأمر أو يناقش فيه، صبورا فيما ينهى عنه، وألا يجادل غيره في الشبهات التي تطرح ضد الإسلام، إلا بالتي أحسن، حتى يتعود على الأسلوب النافع، والطريقة المجدية بعد خروجه للحياة العملية، ومقارعة الآخرين، مسترشدا بهذه الآيات الكريمة من قول الله تعالى:{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (2){وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} (3){وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} (4){وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (5).
(1) لراغب الفائدة مراجعة تراجمهم في أسد الغابة لابن الأثير.
(2)
سورة فصلت الآية 33
(3)
سورة فصلت الآية 34
(4)
سورة فصلت الآية 35
(5)
سورة فصلت الآية 36