الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حسن التوجيه:
الحوار الفكري والجدال في الشبهات، التي يطرحها أهل الكتاب قديمة، بدأت مع ظهور الرسالة في مكة المكرمة، ثم بعدما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، واستمرت إلى الآن، وستبقى لكن الشبهات تتجدد في المظهر أما المغزى فثابت.
واليوم نجد الشباب في حاجة لتمكين دور شريعة الإسلام، في بناء الشخصية وأثر العبادات، وتعاليم الإسلام في استقامة النفس البشرية، وتعديل اعوجاجها، وتوفير المسببات لتربية الروح ومدها بالغذاء الذي يجعلها مستقيمة في نفسها، ونافعة لغيرها، وصالحة ومصلحة لمجتمعها.
فالنص الشرعي من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، يضع قاعدة في بناء الأمة وإصلاحها، إذ يقول عليه الصلاة والسلام:«كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته (1)» ، ثم بين هذه الرعاية من القمة، فيمن يتولى قيادة في مجتمعه، أو عشيرته عند من استرعاهم الله: من الأبوين اللذين تفتحت عيون الأبناء في أحضانهما منذ ولدوا؛ ليأخذوا عنهما الدروس الأولى، في مبدأ الإدراك والفهم،
(1) من حديث رواه البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
ويتأثروا بهما: تقليدا وتوجيها كما مر بنا.
حيث يمتد الأثر مع الاخوة الأكبر فالأكبر، ومن الأقارب ليأتي دور آخر، يأخذ فيه الشباب العلم والقدوة من المعلمين في المدرسة حسب مراحل التعليم، ليصل إلى الجامعة، وقد نما عقل الشاب، وكبر اهتمامه بما يدور حوله. . فإن كان التقويم وحسن التوجيه في هذه المراحل صالحا ومفيدا، سهل تحصين الشباب وخاصة في الجامعات ضد الغزو الفكري، وأصبح لديهم قدرة في التصدي للتيارات الموجهة إليهم، كل حالة بما يلائمها. وخاصة في هذا الزمان الذي أجفل الغرب والشرق بخيله ورجله، على أمة الإسلام بغزو متعدد القنوات:
إعلاميا بقنواته الثلاث: المسموع والمقروء والمرئي. . وأخطر ما في ذلك القنوات الفضائية، والإنترنت، وغيرها بما تبثه من غث يراد به الإلهاء، وإفساد الأخلاق، وما تطرحه من شبهات وأكاذيب وسموم تبلبل الأفكار، وتدغدغ المشاعر، ويتعمدون أخذ التعليق على ما يوجهون، ممن لا قاعدة علمية أو فكرية من أبناء المسلمين لديه حتى تكبر هوة الفكر.
ويسير ذلك أخصائيون متمرسون كما قلنا: في علم النفس، وعلم الاجتماع وفي الجدل بحيلهم، ونظرياتهم البعيدة عن منهج دين الإسلام، وتعاليمه التي يجب على الشاب المسلم - قبل غيره - الحرص عليها وتنميتها في نفسه وفيمن حوله.
وماديا: بما يسخرون من وسائل، وما يغدقون من مال، وما يشجعون من بحوث، في سبيل ما يدعون إليه، وما يرجون الوصول نحوه: رصدا وتخطيطا، ومتابعة وتنفيذا. . يتبع ذلك الدراسة واستظهار النتائج.
وإذا كانت الوقاية الصحية، والمحافظة علي البيئة، تقتضي اليقظة والمتابعة، مع الحرص والاهتمام بالتنفيذ، إلى العناية بالسبل والمبادرة في تحصين المجتمع بفئاته: عن كل مرض يطرأ، وفي كل وقت قبل بروز الظاهرة، حتى يتهيأ - بتوفيق من الله - للأجسام حصانة من الأمراض، وللمجتمع وقاية عن الأعراض، التي يخشى منها الضرر، وللبيئة سلامة عن الأوبئة التي تؤثر في المصالح.
هذه الوقاية المطلوبة، يرصدون لها أموالا، ويبذلون لها جهدا، وتحظى بمتابعة ودراسات وتخطيط. .
إذا كان ذلك لازما في الآفات والظواهر التي تمس الفرد في بدنه، والبيئة في محاصيلها، من أجل حماية المجتمع والمحافظة على سلامة أبناء الأمة - والحامي والحافظ هو الله سبحانه -، ولكن هذه الاحتياطات من الأسباب التي أمر الله بها، ووجب الأخذ بها؛ لأن الله جل وعلا قد جعل لكل شيء سببا، يقول سبحانه:{إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا} (1).
(1) سورة الكهف الآية 84
فإن الشباب في مراحل دراستهم ونمو حياتهم، كالنبتة عند الفلاح في مراحل نموها، في حاجة إلى حماية عقولهم من كل فكر وافد، وتحصين أفئدتهم عن تقبل السموم التي أفسدت تلك المجتمعات، البعيدة عن الإسلام وتعاليمه، فجاءوا ليوجهوها للمجتمع الإسلامي، بوسائلهم المختلفة، ليفسدوا شباب المسلمين، بما يوجهون لهم من فكر سيئ، وشبهات يغتر بها قليلو الإدراك، سواء عاشوا في بيئاتهم، أو كانوا في مجتمعاتهم لم يحتكوا بهم، فأرادوا غزوهم في قعر دارهم، كما أخبر الله سبحانه من قبل، بقوله الكريم:{وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا} (1).
وما ذلك إلا أن الشباب، سيتحملون عن قريب مسئولية كبيرة في مجتماعتهم: تعليما وتربية وأمرا ونهيا، وتصريف أمور الأمة أخذا وعطاء وتوجيها وتخطيطا.
فإن تأثروا بهم ضمن الأعداء نفاذهم بواسطتهم إلى المجتمع الإسلامي، وإدخال ما يريدون شيئا فشيئا، أما إذا أدركوا ما يريده العدو وحافظوا على دينهم، ورعاية أمتهم على ضوء منهج شرع الله، كان ذلك خسارة لهم، وبطلانا لمخططاتهم.
(1) سورة البقرة الآية 109
ولذا فإن من الحصانة لدى هؤلاء الشباب، وتقوية القدرات المناعية عندهم، حتى لا يتقبلوا كل شيء وافد، وحتى يعتزوا بما أكرمهم الله به، ويجعلوا بينهم وبين الأعداء ستارا لا يمكن التطاول لتجاوزه: الاهتمام بتنمية أمور عند الشباب منها:
- البعد عن المعاصي. . فإن جميع الشرور التي تصيب المسلم، هي بسبب معاصيه، وهو الذي عرفته تعاليم دينه سبل الخير ليعملها، وطرق الشر ليحذرها، يقول سبحانه:{مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} (1).
- الحرص على القدوة الصالحة في الرفقة وفي العمل وفي المجالس، حتى يستفيدوا منهم ويعينوهم على الخير، وينتفعوا من عملهم. يقول صلى الله عليه وسلم:«إنما مثل الجليس الصالح: كحامل المسك، إما أن يحذيك وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ومثل جليس السوء: كمثل حامل الكير، إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحا خبيثا (2)» .
- السؤال عن كل شبهه تطرح، والاستيضاح عن كل فكر وافد وأبعاده، حتى يعرف الشاب ما ينفع ليعلمه، ويحافظ عليه. ويدرك الضار ليتجافى عنه؛ لأن الله يأمر بذلك:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (3).
(1) سورة النساء الآية 79
(2)
رواه البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
(3)
سورة الأنبياء الآية 7
- الاهتمام بحسن التطبيق لكل أمر حسن، والدعوة إليه، وعدم مخالفة العمل لما تدعو إليه أيها الشاب، يقول سبحانه:{كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} (1).
- تعويد الشباب على تمكين العلاقة بالله في كل أمر: فلا علم إلا ما يسره الله لهم، ولا توفيق إلا ما قدره الله، والحرص على ما يوصل إلى تقوى الله: بالذكر والحمد، والتسبيح والاستغفار، يقول سبحانه في قصة نوح مع قومه:{فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} (2){يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} (3){وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} (4) ويقول صلى الله عليه وسلم: «من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب (5)» .
- إدراك أن ما يعطيه العلماء والمعلمون لطالبي العلم، إنما هي معالم على الطريق، وجوازات سفر توصلهم إلى الغايات المطلوبة، وذلك باستمرار البحث والتعليم، وزيادة التحصيل، وعرض
(1) سورة الصف الآية 3
(2)
سورة نوح الآية 10
(3)
سورة نوح الآية 11
(4)
سورة نوح الآية 12
(5)
حديث أخرجه أبو داود عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما (جامع الأصول لابن الأثير 4: 389).