الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن عباس يسجد عند قوله: {يَسْأَمُونَ} (1) وقال ابن عمر: اسجدوا بالآخرة منهما. وكذلك يروى عن مسروق وأبي عبد الرحمن السلمي. . . إلى أن قال: قال ابن العربي: والأمر قريب (2)
(1) سورة فصلت الآية 38
(2)
الجامع لأحكام القرآن 8/ 364، وانظر: كلام ابن العربي في أحكام القرآن 4/ 1664.
المبحث الثالث عشر: قال تعالى {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا}
(1).
صلة الآية بما قبلها: لما وبخ الله جل جلاله المشركين على الاستهزاء بالقرآن، والضحك عند سماعه، والسخرية به، والغفلة عنه وعدم الانتفاع به، أمر عباده المؤمنين بالسجود لله والعبادة له (2) فقال سبحانه:{أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ} (3){وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ} (4){وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} (5){فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} (6).
قوله تعالى: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ} (7) الفاء جواب شرط محذوف، أي: إذا كان الأمر من الكفار كذلك، فاسجدوا لله واعبدوا، فإنه المستحق لذلك منكم (8).
وللمفسرين ثلاثة أقوال في المخاطب بهذا الأمر:
الأول: أنه خطاب لجميع الناس مؤمنهم وكافرهم (9).
(1) سورة النجم الآية 62
(2)
انظر: فتح القدير 5/ 118.
(3)
سورة النجم الآية 59
(4)
سورة النجم الآية 60
(5)
سورة النجم الآية 61
(6)
سورة النجم الآية 62
(7)
سورة النجم الآية 62
(8)
انظر: فتح القدير 5/ 118.
(9)
انظر: تفسير الطبري 27/ 84، والتفسير الكبير 29/ 27.
الثاني: أنه التفات لخطاب المؤمنين خاصة بأن لا يسلكوا طريق الكافرين بالاستهزاء والغفلة بل يعبدوا الله وحده (1).
الثالث: أنه خطاب للمشركين بأن يسلموا، وكنى بالسجود لأنه من الصلاة، والصلاة شعار الإسلام (2).
والأقرب - والله أعلم - أنه خطاب للمؤمنين لأنهم هم المنتفعون المطيعون لأمر ربهم، ولذلك سجد الرسول صلى الله عليه وسلم عند هذه الآية وسجد أتباعه من بعده. وفي البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:«سجد النبي صلى الله عليه وسلم بالنجم (3)»
وفي تفسير النسائي عن ابن مسعود رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ النجم فسجد بهم (4)»
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: أول سورة أنزلت فيها سجدة والنجم. . . (5)
(1) انظر: التفسير الكبير 29/ 27، وتفسير القرآن العظيم 7/ 443.
(2)
انظر: تفسير التحرير والتنوير 27/ 161.
(3)
وتتمة الحديث:. . . وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس - وحرر ابن رجب سجود غير المسلمين عند تفسير سورة الحج في كلام نفيس اختار فيه أن سبب سجود المشركين ما ألقاه الشيطان وتلاه. انظر: فتح الباري 8/ 438 - 440.
(4)
تفسير النسائي 2/ 362.
(5)
فتح الباري 8/ 614.
ثم هل المقصود بهذا السجود: سجود التلاوة أو سجود الصلاة فعن ابن مسعود أنه سجود التلاوة (1).
وعن مقاتل وابن جرير الطبري أنه سجود الفرض في الصلاة (2).
والأقرب - والله أعلم - أن كلا القولين صحيح، وكلاهما فيه خضوع وطاعة لله عز وجل (3).
قوله تعالى: {وَاعْبُدُوا} (4) قال ابن جرير: وإياه فاعبدوا دون غيره، فإنه لا ينبغي أن تكون العبادة إلا له، فأخلصوا له العبادة والسجود ولا تجعلوا له شريكا في عبادتكم إياه (5).
وفي قوله تعالى: {وَاعْبُدُوا} (6) عدم ذكر لفظ الجلالة أو ما يشير إليه، إما لكونه معلوما، وإما لأن العبادة في الحقيقة لا تكون إلا لله، لأن عبادة غير الله عز وجل ليست عبادة (7).
وقد نقل عن بعض السلف عدم السجود في المفصل (8) من القرآن (9)، والصحيح مشروعية السجود فيه لما ورد من فعل النبي
(1) انظر: زاد المسير 8/ 86.
(2)
انظر: تفسير الطبري 27/ 84. وزاد المسير 8/ 86.
(3)
انظر: تفسير التحرير والتنوير 27/ 161.
(4)
سورة النجم الآية 62
(5)
تفسير الطبري 27/ 84.
(6)
سورة النجم الآية 62
(7)
انظر: التفسير الكبير 29/ 27.
(8)
انظر الهامش رقم 1، صـ 112.
(9)
انظر: مصنف ابن أبي شيبة 2/ 6.
- صلى الله عليه وسلم فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «سجدنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في و (3)»
قال ابن العربي قال علماؤنا رضي الله عنهم: لم يختلف قول مالك أن سجدة النجم ليست من عزائم القرآن. . . إلى أن قال: وقال أبو حنيفة والشافعي: هي من عزائم السجود. وهو الصحيح (4)
(1) صحيح مسلم 1/ 406.
(2)
سورة الانشقاق الآية 1 (1){إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ}
(3)
سورة العلق الآية 1 (2){اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}
(4)
أحكام القرآن 4/ 1735.
المبحث الرابع عشر: قال تعالى: {فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} (1){وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} (2).
صلة الآية بما قبلها: لما أقسم الله عز وجل بالتغيرات والأحوال التي تحدث في بعض مخلوقاته في الكون مما يشاهده الناس من مثل حدوث الشفق الذي يسبقه النور ويعقبه الظلام، أو تمام القمر الذي تسبقه الولادة والزيادة ويعقبه النقص والأفول. وبعد القسم بهذه الأحوال المتغيرة في الكون أقسم سبحانه بتغير أحوال الخلق، وفي هذا دليل وتأكيد على صحة البعث والنشور، وصدق ما جاء به القرآن. وبعد هذه الأقسام منه سبحانه عقب باستفهام
(1) سورة الانشقاق الآية 20
(2)
سورة الانشقاق الآية 21
إنكاري عن سبب عدم إيمانهم وخضوعهم، مع ظهور الآيات والدلائل (1).
قال تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ} (2){وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ} (3){وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ} (4){لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} (5){فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} (6).
قوله تعالى: {فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} (7) يعني: أي شيء يمنعهم من الإيمان بالبعث أو القرآن أو محمد صلى الله عليه وسلم بعد ما وضحت لهم الآيات، وقامت الدلالات وهو استفهام بمعنى الإنكار على المشركين عدم إيمانهم، وهذا إنما يحسن عند ظهور الحجة وزوال الشبهات، والأمر ها هنا كذلك.
قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} (8) أي: أي مانع يمنعهم حال قراءة القرآن عليهم من السجود والخضوع لله رب العالمين.
واختلف المفسرون بالمقصود بالسجود ها هنا على أقوال:
فمنهم من قال: عني بالسجود هنا الصلاة المفروضة، روي
(1) التفسير الكبير 31/ 111. وروح المعاني 30/ 83.
(2)
سورة الانشقاق الآية 16
(3)
سورة الانشقاق الآية 17
(4)
سورة الانشقاق الآية 18
(5)
سورة الانشقاق الآية 19
(6)
سورة الانشقاق الآية 20
(7)
سورة الانشقاق الآية 20
(8)
سورة الانشقاق الآية 21
ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما والحسن وعطاء ومقاتل وغيرهم.
وقيل: بل المقصود بالسجود هنا الخضوع والاستسلام لله عز وجل، واختار هذا القول ابن جرير والقاضي أبو يعلى وغيرهما.
وقيل: المقصود بالسجود هنا هو سجود التلاوة المعروف، وفي هذه الآية سجد النبي صلى الله عليه وسلم.
والصحيح أن كل الأقوال صحيح وهو اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد، فمن صلى الصلاة المفروضة أو خضع لربه، أو سجد سجدة التلاوة فهو مطيع لله عابد لربه يبتغي رضوانه ويخاف من عقابه.
والحكمة من السجود هنا - والله أعلم - طاعة الله عز وجل وتأس برسوله صلى الله عليه وسلم ومخالفة المشركين حيث لم يسجدوا عند سماع آيات الله تتلى عليهم ولم يخضعوا لربهم وخالقهم، وفي المخالفة للمشركين بالفعل مبالغة في المخالفة لهم (1)
(1) انظر: التحرير والتنوير19/ 63.
الموضع الخامس عشر: قال تعالى: {كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} (1).
صلة الآية بما قبلها: أخرج النسائي في تفسيره عن ابن عباس
(1) سورة العلق الآية 19
- رضي الله عنهما قال: «صلى النبي صلى الله عليه وسلم فجاء أبو جهل فقال: ألم أنهك عن هذا؟ والله إنك لتعلم ما بها ناد أكثر مني. فأنزل الله عز وجل: (3)» قال ابن عباس: والله لو دعا ناديه لأخذته الزبانية.
قال تعالى في شأن أبي جهل مع النبي صلى الله عليه وسلم: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى} (4){عَبْدًا إِذَا صَلَّى} (5){أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى} (6){أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى} (7){أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} (8){أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} (9){كَلا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ} (10){نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} (11){فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ} (12){سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} (13){كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} (14).
قوله تعالى: {كَلَّا لَا تُطِعْهُ} (15) وكلا: ردع لإبطال ما تضمنه قوله: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ} (16) أي: وليس بفاعل، وهذا تأكيد للتحدي والتعجيز (17).
{لَا تُطِعْهُ} (18) فيما دعاك إليه أبو جهل من ترك الصلاة (19).
(1) تفسير النسائي 2/ 535، 536. وأخرجه الإمام أحمد في مسنده 1/ 368. والترمذي في جامعه: كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة اقرأ باسم ربك 5/ 443، 444. والواحدي في أسباب النزول 257. قال الهيثمي: في الصحيح بعضه. ورجال أحمد رجال الصحيح 7/ 139.
(2)
سورة العلق الآية 17 (1){فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ}
(3)
سورة العلق الآية 18 (2){سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ}
(4)
سورة العلق الآية 9
(5)
سورة العلق الآية 10
(6)
سورة العلق الآية 11
(7)
سورة العلق الآية 12
(8)
سورة العلق الآية 13
(9)
سورة العلق الآية 14
(10)
سورة العلق الآية 15
(11)
سورة العلق الآية 16
(12)
سورة العلق الآية 17
(13)
سورة العلق الآية 18
(14)
سورة العلق الآية 19
(15)
سورة العلق الآية 19
(16)
سورة العلق الآية 17
(17)
تفسير التحرير والتنوير 30/ 452.
(18)
سورة العلق الآية 19
(19)
انظر: الجامع لأحكام القرآن 20/ 128.
قوله تعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} (1) والأقرب أن السجود المأمور به هنا هو سجود الصلاة لقوله: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى} (2){عَبْدًا إِذَا صَلَّى} (3).
واقترب أي: واجتهد يا محمد في القرب إلى الله بالصلاة (4)، وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء (5)»
وعن ثوبان رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في جواب عن أحب الأعمال إلى الله: «عليك بكثرة السجود لله، فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك بها درجة، وحط عنك بها خطيئة (6)»
وأمر صلى الله عليه وسلم بالسجود لأنه غاية العبودية والذل لله عز وجل، قال القرطبي: قال علماؤنا: وإنما كان ذلك لأنها نهاية العبودية والذل، ولله غاية العزة، وله العزة التي لا مقدار لها. . . إلى
(1) سورة العلق الآية 19
(2)
سورة العلق الآية 9
(3)
سورة العلق الآية 10
(4)
انظر: تفسير التحرير والتنوير 30/ 452.
(5)
صحيح مسلم. كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود 1/ 350.
(6)
صحيح مسلم. كتاب الصلاة، باب فضل السجود والحث عليه 1/ 353.