الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول: العناية الصحية بالبدن:
خلق الله الخلق بحكمته وقدرته فهو أعلم بما يصلح لهم في حياتهم، فما شرعه من أحكام تعبدية تحقق الألوهية والعبودية لله سبحانه، وفي ذاتها منافع صحية كشف الطب الحديث عن بعض منها.
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: " كيف تنكر أن تكون شريعة المبعوث بصلاح الدنيا والآخرة مشتملة على صلاح الأبدان كاشتمالها على صلاح القلوب، وأنها مرشدة إلى حفظ صحتها ودفع آفاتها بطرق كلية، قد وكل تفصيلها إلى العقل الصحيح والفطرة السليمة بطريق القياس والتنبيه والإيماء كما هو في كثير من مسائل فروع الفقه "(1).
فالله خلق الإنسان وخلق له حواس وأعضاء لم يتركها من غير عناية بل شرع لها من العبادات ما هو تعبدي في ظاهره مشتمل في باطنه على أسرار العناية الصحية بهذه الأعضاء، فما من عضو من أعضاء الإنسان إلا ومن الأحكام التعبدية ما يحقق له السلامة والأداء الأمثل. نقف عليها على سبيل التمثيل للدلالة على سر الإعجاز الإلهي المبطن بالأوامر التعبدية ومن ذلك:
1 -
الوضوء المحقق لغسل الأعضاء المعرضة للتلوث قال
(1) زاد المعاد 2/ 198.
فغسل الأعضاء المذكورة في الآية يحقق لها النظافة والتخلص من الجراثيم يقول الدكتور الطبيب حامد الغوابي: " الأمراض تنتقل للإنسان بإحدى طرق ثلاث إما عن طريق الفم أو الاستنشاق، أو عن طريق الجلد وما الوضوء إلا الطريق الذي يطهر هذه المواضع كلها "(2).
ولهذا رغب الرسول صلى الله عليه وسلم في الوضوء فيما أخرجه البخاري بسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل (3)» .
وكما رغبهم عليه السلام في الوضوء بين لهم صفته أخرج البخاري بسنده من طريق حمران مولى عثمان: أنه «رأى عثمان بن عفان دعا بإناء فأفرغ على كفيه ثلاث مرار فغسلهما ثم أدخل يمينه في الإناء، فمضمض واستنشق، ثم غسل وجهه ثلاثا، ويديه إلى
(1) سورة المائدة الآية 6
(2)
بين الطب والإسلام ص99.
(3)
صحيح البخاري، كتاب الوضوء، باب فضل الوضوء 1/ 43.
المرفقين ثلاث مرار، ثم مسح برأسه، ثم غسل رجليه ثلاث مرار، إلى الكعبين ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه (1)».
يقول الطبيب د. غريب جمعة: " غسل الوجه واليدين ومسح الأذنين من أهم أسباب وقايتها من الأمراض الجلدية حيث إن كثيرا من الميكروبات وطفيليات بعض الديدان والفطريات يصيب الإنسان عن طريق التسلخات الموجودة بالجلد الناجمة عن الهرش بسبب عدم النظافة "(2) وسنأتي إلى تفصيل ذلك وبيان الفائدة التي تتحقق لكل عضو من جراء الوضوء.
2 -
الغسل: أوجب الإسلام الغسل في حال الجنابة يقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا} (3).
(1) صحيح البخاري، كتاب الوضوء، باب الوضوء ثلاثا ثلاثا 1/ 48.
(2)
الطب في وضوء الإسلام، دكتور غريب جمعة ص50.
(3)
سورة النساء الآية 43
كما أوجب الغسل من الحيض قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} (1).
وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاغتسال يوم الجمعة أخرج مسلم بسنده من طريق أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم (2)» .
وأخرج مسلم أيضا بسنده من طريق عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال وهو قائم على المنبر: «من جاء منكم الجمعة فليغتسل (3)» .
وكان للأمر بهذا الغسل أسباب بينتها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وهو ما ينتاب الناس من العرق والروائح.
أخرج ذلك مسلم في صحيحه بسنده من طريق عمرة رضي الله عنها عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «كان الناس أهل عمل، ولم يكن لهم كفاة. فكانوا يكون لهم تفل فقيل لهم: لو اغتسلتم
(1) سورة البقرة الآية 222
(2)
صحيح مسلم، كتاب الجمعة، باب وجوب غسل الجمعة 2/ 580.
(3)
صحيح مسلم، كتاب الجمعة، باب وجوب غسل الجمعة 2/ 581.
يوم الجمعة (1)».
ولم يقتصر الإسلام على ذلك بل أمر المسلم بالغسل في العيدين، فالغسل سياج منيع بإذن الله يحفظ للإنسان الوقاية من الميكروبات والطفيليات التي تعيش وتتواجد نتيجة العرق والغبار وغير ذلك، فالغسل يزيل ذلك كله بالإضافة إلى ما يحقق من شعور بالراحة وتنشيط للدورة الدموية يقول الطبيب الأستاذ الدكتور زكي سويدان:" تراكم القاذورات على الجلد من تماسك الأتربة والعرق وقشور الجلد وجزئيات الجراثيم الدقيقة والملابس بإفرازات الجلد الدهنية يؤدي إلى انسداد مسام العرق لهذا يجب إزالتها بالماء والصابون بعمل حمام على الأقل مرة يوميا في الجو الحار كما يجب غسل أجزاء الجسم المعرضة للأتربة وهي الوجه واليدان والقدمان عدة مرات يوميا وهو ما يشمله الوضوء "(2).
لذا أرشد النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى خمس خصال عدها من الفطرة وذلك فيما أخرجه مسلم بسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الفطرة خمس أو خمس من الفطرة الختان والاستحداد، وتقليم الأظافر
(1) صحيح مسلم، كتاب الجمعة، باب وجوب غسل الجمعة على كل بالغ من الرجال 2/ 581.
(2)
الصلاة صحة ووقاية وعلاج ص47.