الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعدهما السجود في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} (1) فأي عمل يدعي في خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين؟! (2)
(1) سورة الانشقاق الآية 1
(2)
التمهيد 19/ 125.
المبحث الثاني: حكم سجود التلاوة
اتفق العلماء رحمهم الله على مشروعية سجود التلاوة (1).
واختلفوا في حكمه على قولين هما:
القول الأول: ذهب جمهور العلماء منهم مالك والشافعي والليث وأحمد والأوزاعي وإسحاق وأبو ثور وداود الظاهري رحمهم الله إلى أن سجود التلاوة سنة وليس بواجب (2).
مستدلين على ذلك بما يلي:
1 -
أخرج البخاري بسنده «عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم والنجم فلم يسجد فيها (3)» .
2 -
وأخرج البخاري بسنده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قرأ يوم الجمعة على المنبر سورة النحل حتى إذا جاء السجدة نزل فسجد وسجد الناس، حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها
(1) انظر: المجموع 4/ 58، والتبيان في سجدات القرآن 17.
(2)
انظر: المحلى: 5/ 106، والتمهيد 19/ 133، 132. والمغني 2/ 364. والمجموع 4/ 61.
(3)
فتح الباري 2/ 554.
حتى إذا جاء السجدة قال: يا أيها الناس، إنا نمر بالسجود، فمن سجد فقد أصاب، ومن لم يسجد فلا إثم عليه. ولم يسجد عمر رضي الله عنه. وزاد نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: إن الله لم يفرض السجود إلا أن نشاء (1).
3 -
إجماع الصحابة على سنية سجود التلاوة وأنه ليس بواجب قال النووي رحمه الله: وهذا القول والفعل من عمر رضي الله عنه في هذا الموطن والمجمع العظيم دليل ظاهر في إجماعهم على أنه ليس بواجب؛ لأن الأصل عدم الوجوب حتى يثبت صحيح صريح في الأمر به، ولا معارض له، ولا قدرة لهم على ذلك. . . (2).
القول الآخر: ذهب أبو حنيفة وأصحابه وابن تيمية رحمهم الله إلى وجوب سجود التلاوة، مستدلين بما يلي:
1 -
أخرج مسلم في صحيحه بسنده عن أبي هريرة رضي الله
(1) فتح الباري 2/ 557.
(2)
المجموع 4/ 62.
عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد، اعتزل الشيطان يبكي، يقول: يا ويله، أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار (1)» .
2 -
قال الكاساني رحمه الله: ولأن الله تعالى ذم أقواما بترك السجود فقال: {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} (2)، وإنما يستحق الذم بترك الواجب.
ولأن مواضع السجود في القرآن منقسمة: منها ما هو أمر بالسجود وإلزام للوجوب، كما في آخر سورة العلق، ومنها ما هو إخبار عن استكبار الكفرة عن السجود فيجب علينا مخالفتهم بتحصيله، ومنها ما هو إخبار عن خشوع المطيعين فيجب علينا متابعتهم. . . . (3).
والأقرب - والله أعلم - أن سجود التلاوة سنة وليس بواجب لما سبق من قوة أدلة جمهور العلماء رحمهم الله (4)، وأما ما استدل به من رأي الوجوب فيجاب عن دليلهم الأول وهو حديث أبي هريرة بأن السجود المذكور هو السجود الواجب الذي هو ركن من أركان
(1) صحيح مسلم: كتاب الإيمان، باب إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة 1/ 87.
(2)
سورة الانشقاق الآية 21
(3)
بدائع الصنائع 1/ 180.
(4)
انظر: الانتصار في المسائل الكبار للكلوذاني 2/ 380 - 392.
الصلاة (1). وهذا ما فهمه الإمام مسلم في إيراده لهذا الحديث في باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة من صحيحه (2).
وكأن الشيطان في سجود المسلم لربه حال التلاوة يتذكر موقفه عندما أمر بالسجود لآدم فلم يسجد، فهذه الصورة، صورة امتثال المسلم لربه وخضوعه له في كل شيء، وصورة عصيان الشيطان لربه وإعراضه عنه أحدثت للشيطان الكذوب (3). الحزن والندم على ما كان منه.
أما ما استدل به من يرى الوجوب بأن الآيات جاءت بلفظ الأمر أو الخبر، فلا حجة لهم بذلك لأنه قد وقع الخلاف في التي بصيغة الأمر هل فيها سجود أو لا، وهي ثانية الحج (4)، وخاتمة النجم (5)، واقرأ (6)، فلو كان سجود التلاوة واجبا لكان ما ورد بصيغة الأمر أولى أن يتفق على السجود فيه مما ورد بصيغة الخبر (7).
قال ابن عبد البر: أي شيء أبين من هذا عن عمر وابن عمر
(1) انظر: أحكام القرآن لابن العربي 2/ 831، والجامع لأحكام القرآن 7/ 358.
(2)
انظر صحيح مسلم 1/ 87.
(3)
ورد وصف الشيطان بالكذوب في صحيح البخاري. انظر: فتح الباري 9/ 55.
(4)
الآية 77.
(5)
الآية 72.
(6)
الآية 19.
(7)
انظر: شرح معاني الآثار 1/ 360. فتح الباري 2/ 558.