الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والناس في تحريك رأس هذا المال صنفان:
1 -
العاقل يحرك رأس هذا المال، ويتّجر به مع ربه الكريم الذي يعطيه على الحسنة عشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، الى ما لا يعلمه إلا الله من الحسنات.
فأوقاته تارة في عبادة .. وتارة في دعوة .. وتارة في تعليم .. وتارة في إصلاح وإحسان.
2 -
الأحمق، وهو الذي يلعب برأس هذا المال بإنفاق أوقاته في مساخط الله.
-
فقه الاستفادة من الأوقات:
الله عز وجل اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم ووعدهم على ذلك الجنة، فعلى المسلم أن يقضي وقته على الكيفية التي قضاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيؤدي فرائض الله عز وجل، ويمتثل أمر ربه في كل حال من أحواله كل يوم
…
عند الوضوء، وعند الأكل، وعند النوم، وفي سائر أحواله، ويصرف جزءاً يسيراً من وقته في أمور الكسب والمعاش.
وجُلَّ وقته يدعو الناس إلى الله كي يعبدوه ويوحدوه، فإذا فرغ، أو لم يتيسر له من يدعوه، تزوَّد من العلم، أو عَلَّم غيره من المسلمين أحكام الدين.
فإذا فرغ، أو لم يتيسر له من يعلمه، أو يتعلم منه اشتغل بخدمة إخوانه المسلمين، وقضاء حاجاتهم، والتعاون على البر والتقوى.
فإذا فرغ، أو لم يتيسر له أن يقوم بذلك اشتغل بنوافل العبادات كالسنن المطلقة، وتلاوة القرآن، والأذكار ونحوها من القُرَب والأعمال الصالحة، وهكذا يُقدم ما نفعه أعم للناس في كل حال.
-
أصناف المدعوين وكيفية دعوتهم:
الناس مختلفون، وبحسب اختلافهم، واختلاف مداركهم، وأعمالهم، تختلف
أحكام دعوتهم كما يلي:
1 -
من عنده نقص في الإيمان وجهل بالأحكام:
نصبر على أذاه وندعوه، ونعلِّمه بالرفق التام واللين، والإرشاد بلطف، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع الأعرابي.
عن أنس رضي الله عنه قال: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي المَسْجِدِ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم إذْ جَاءَ أعْرَابِيٌّ، فَقَامَ يَبُولُ فِي المَسْجِدِ، فَقَالَ أصْحَابُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم: مَهْ مَهْ. قال: قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لا تُزْرِمُوهُ، دَعُوهُ» . فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَالَ.
ثُمَّ إنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ: «إنَّ هَذِهِ المَسَاجِدَ لا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا البَوْلِ وَلا القَذَرِ، إنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ الله عز وجل، وَالصَّلاةِ، وَقِرَاءَةِ القُرْآنِ» . أوْ كَمَا قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، قال: فَأمَرَ رَجُلاً مِنَ القَوْمِ، فَجَاءَ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ، فَشَنَّهُ عَلَيْهِ. متفق عليه (1).
2 -
من عنده نقص في الإيمان وعلم بالأحكام:
فهذا يدعى بالحكمة والموعظة الحسنة ويدعى له؛ ليزيد إيمانه فيطيع ربه، ويتوب من معصيته.
عَنْ أَبي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: إنَّ فَتىً شَابّاً أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، ائْذَنْ ِلي بِالزِّنَى، فَأَقْبَلَ القَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ، قَالُوا: مَهْ مَهْ، فَقَالَ:«ادْنُهْ» فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا، قَالَ: فَجَلَسَ، قَالَ:«أَتُحِبُّهُ لأُمِّكَ؟» قَالَ: لَا وَالله جَعَلَنِي الله فِدَاءَكَ، قَالَ:«وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأُمَّهَاتِهِمْ» ، قَالَ:«أَفَتُحِبُّهُ لاِبْنَتِكَ؟» .
قَالَ: لَا وَالله يَا رَسُولَ الله جَعَلَنِي الله فِدَاءَكَ، قَالَ:«وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ» ، قَالَ:«أَفَتُحِبُّهُ لأُخْتِكَ؟» قَالَ: لَا وَالله جَعَلَنِي الله فِدَاءَكَ، قَالَ:«وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأَخَوَاتِهمْ» ، قَالَ:«أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟» قَالَ: لَا وَالله جَعَلَنِي الله فِدَاءَكَ، قَالَ:«وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ» ، قَالَ:«أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟» قَالَ: لَا وَالله
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (219)، ومسلم برقم (285) واللفظ له.
جَعَلَنِي الله فِدَاءَكَ، قَالَ:«وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ» ، قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ» . قال: فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الفَتَى يَلْتَفِتُ إلَى شَيْءٍ. أخرجه أحمد (1).
3 -
من عنده قوة في الإيمان وجهل بالأحكام:
فهذا يدعى مباشرة ببيان الحكم الشرعي، وبيان خطر اقتراف المعاصي، وإزالة المنكر الذي وقع فيه.
عن ابْنِ عَبّاسٍ رضي الله عنهما أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم رَأى خَاتَماً مِنْ ذَهَبٍ فِي يَدِ رَجُلٍ، فَنَزَعَهُ فَطَرَحَهُ وَقَالَ:«يَعْمِدُ أحَدُكُمْ إلَى جَمْرَةٍ مِن نارٍ فَيَجْعَلُهَا فِي يَدِهِ» ، فَقِيلَ لِلرَّجُلِ بَعْدَمَا ذَهَبَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: خُذْ خَاتَمَكَ انْتَفِعْ بِهِ، قَالَ: لا، وَالله لا آخُذُهُ أبَداً وَقَدْ طَرَحَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه مسلم (2).
4 -
من عنده قوة في الإيمان وعلم بالأحكام:
فهذا ليس له عذر، يُنْكَر عليه بقوة، ويُعَامل معاملة أشد مما سبق؛ لئلا يكون قدوة لغيره في المعصية، كما اعتزل النبي صلى الله عليه وسلم الثلاثة الذين خُلِّفوا في غزوة تبوك خمسين ليلة، وأمر الناس بهجرهم لما تركوا الخروج لغزوة تبوك مع كمال إيمانهم وعلمهم، ولا عذر لهم، حتى تاب الله عليهم، وهم هلال بن أمية، ومرارة بن الربيع، وكعب ابن مالك رضي الله عنهم، والقصة مفصلة في الصحيحين (3).
(1) صحيح/أخرجه أحمد برقم (22564)، انظر السلسلة الصحيحة رقم (370).
(2)
أخرجه مسلم برقم (2090).
(3)
متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4418)، ومسلم برقم (2769).
5 -
من عنده جهل بالإيمان وجهل بالأحكام:
يدعى إلى لا إله إلا الله، ويُعَرَّف بأسماء الله وصفاته، ووعده ووعيده، وآلائه ونعمه، ويبين له عظمة الله وقدرته، وأن له الخلق والأمر، فإذا استقر الإيمان في قلبه يُعَرَّف بالأحكام تدريجياً الصلاة ثم الزكاة وهكذا.
عن ابْنِ عَبّاسٍ رضي الله عنهما أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم لَمّا بَعَثَ مُعاذاً رضي الله عنه عَلَى اليَمَنِ، قال:«إنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أهْلِ كِتابٍ، فَلْيَكُنْ أوَّلَ ما تَدْعُوهُمْ إلَيْهِ عِبَادَةُ الله، فَإذاَ عَرَفُوا الله، فَأخْبِرْهُمْ أنَّ الله قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ، فَإذَا فَعَلُوا، فَأخْبِرْهُمْ أنَّ الله فَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكاةً مِنْ أمْوَالِهِمْ، وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرائِهِمْ، فَإذَا أطاعُوا بِهَا، فَخُذْ مِنْهُمْ، وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أمْوَالِ النَّاسِ» . متفق عليه (1).
- التدرج في الدعوة إلى الله:
الداعي إلى الله يَعْرض الإسلام على الكفار، فإذا امتنع الكافر الأصلي من الدخول في الإسلام إلا بشرط ترك الصلاة أو الزكاة أو نحوهما، فهذا نقبل منه إسلامه؛ لأن مصلحة أن يُسلم مع النقص الذي يرجى تكميله، أولى من بقائه على الكفر المحض.
وكان صلى الله عليه وسلم يقبل مِنْ كل مَنْ جاء يريد الدخول في الإسلام الشهادتين فقط، ويعصم دمه بذلك، فإذا ذاق حلاوة الدين، طابت نفسه بفعل كل ما أمر الله ورسوله به.
فنؤلف قلب الكافر الأصلي على الإسلام، ونقنع بما رضي به؛ لأنه لم يفهم الإسلام حقيقة، ولهذا يثقل عليه بعضه.
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1458)، واللفظ له، ومسلم برقم (19).