الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبالتالي لا يكون أهل القصيم الذين هم أهل بريدة ومن تبعها ملزمين بالدفاع عن عنيزة إذا هاجمها عدو أو اعتدى عليها معتدٍ، وهذا هو ما وقع فعلًا في التاريخ.
تنازع آل أبو عليان على الإمارة:
بلغ تقاتل (آل أبي عليان) فيما بينهم حول إمارة بريدة وما يتبعها حدًّا تجاوز خبره مدينة بريدة، بل منطقة القصيم حتى سجله المؤرخون كابن بشر وأنحوا باللائمة في ذلك على آل أبو عليان، مع أن ذلك كان هو طابع الحياة السياسية، بل طابع التناحر والتقاتل حتى على أمور تافهة وليست كإمارة القصيم الغنية بالنسبة إلى الأماكن الأخرى في نجد.
فكان حتى أهل القرى كثرمدا وأثيثية، والمجمعة وحرمه، والرياض ومنفوحة تتقاتل وتتناحر مع جيرانها ويتقاتل كبارها وزعماؤها فيما بينهم على الإمارة حتى ظهور الدولة السعودية التي نادت بتحكيم الشرع الشريف، وألا يكون لأحد على أحد حق إلا ما أثبته الشرع الشريف له.
وصل تنازع بني عليان وتقاتلهم على الإمارة إلى أن يدخل في التراث الشعبي، فقد ذكرت العامة في اسم (المطا) التي كانت تقع إلى الغرب من (بريدة) القديمة وصارت الآن حيًّا من أحيائها، بل تجاوزتها عمارة بريدة ذكرت العامة في أخبارها أن اسمها كان الموطأ أي مكان الوطا، وأنه قد حرف إلى اسمه الحالي (المطَّا) وأن أصل تسميتها أن أحد أهل بريدة ويقال إنه أحد الصالحين في دينهم رأى الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام، وهو أي - الرسول في الموطا - أي المطا - فقال للرسول صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، تعال عندنا لبريدة.
قالوا: فأجابه الرسول صلى الله عليه وسلم، لا، بريدة جُفْرة دمْ!
والجفرة - بالجيم - هي الحفرة بالحاء، قالوا: ويقصد الرسول صلى الله
عليه وسلم من ذلك أن آل أبي عليان قد جعلوها بمثابة الحفرة من الدم الذي يريقونه في تقاتلهم فيما بينهم!
والواقع أننا إذا تركنا ما ذكره ابن بشر جانبًا، وأضربنا عن تلك الحكاية الشعبية فإننا نجد الشواهد على تقاتل بني عليان على الإمارة تاريخًا واقعًا ويكفي أن يقرأ القارئ ما كتبته من ذلك في (معجم بلاد القصيم): رسم بريدة، مع أنني لم أكن أقصد إبرازه، وإنما كنت أسرد وقائع تاريخية من دون أن أقصد ذكر ما كان بين (آل أبو عليان) من الاقتتال حول إمارة بريدة وما يتبعها من القصيم.
وقد بلغني أخيرًا عن السبب الرئيسي للخصومة بين آل أبو عليان أنفسهم وأن أول من جاء منهم إلى منطقة بريدة الدريبي قدم إليها من ثرمدا وصارت له الإمارة على جانب منها قبل أن تصبح بلدة متميزة لأن مكانها وما قرب منها كان بساتين ومنازل جمع منزلة وهي البيوت القليلة بين البساتين.
وقد ذكرنا ما سمعناه من مشايخ الإخباريين عن بناء جامع بريدة الكبير الذي اسمه الآن (جامع خادم الحرمين الشريفين) أن أهل المحلات في منطقة بريدة تنازعوا على مكانه كل منهم يريد أن يكون عنده، حتى لا يتعب في الذهاب لصلاة الجمعة فيه، ثم اصطلحوا على أن يبنوه متوسطًا بينهم فاختاروا له مكانه الذي فيه الآن.
نعود إلى ذكر بني عليان فنقول إن الدريبي ومن معه حكموا جانبًا من تلك المنطقة، ثم جاء إليهم جماعة من (آل أبو عليان) أبناء عمومتهم من مكان ما في وسط نجد كانوا نزحوا إليه قبل ذلك من ثرمدا فنزلوا في منطقة بريدة وسارعوا ينازعون الدريبي على الإمارة حتى نقل التاريخ المكتوب أنهم تقاتلوا في جامع بريدة مرة، وقتل منهم فيه ثمانية رجال.
وهؤلاء الذين قدموا أخيرًا هم المعروفون بآل حسن، وهم الذين كان
منهم الحكام الذين أثروا في بريدة أثرًا عظيمًا مثل حجيلان بن حمد الذي تطورت بريدة تطورًا عظيمًا في وقته وكان رجلًا عمرانيًا داهية بعيدًا عن التعصب إلَّا لبلدته وما ينفعها، وقد هاجر إلى بريدة ومنطقتها في عهده طوائف من الناس لقوا منه الترحاب إذا كانوا جاءوا ليعمروها وبخاصة إذا كانت عمارتهم غرس نخيل أو زراعة.
والذي ذكره التاريخ المكتوب عن أوائل الأشخاص من الأمراء آل أبو عليان الذين مثلوا هذا الشقاق هما راشد بن حمود الدريبي وعبد الله بن حسن.
وعندما قامت الدولة السعودية الأولى كان راشد الدريبي أميرًا على بريدة وما يتبعها، وكان معروفًا بقوة الشكيمة والشدة على الأعداء فجاءه جيش من الدرعية ليقاتله وليدخله في طاعة الدولة الجديدة فمانع وقاوم ذلك.
أما كبير الفرع الثاني وهو آل حسن ومقدمهم عبد الله بن حسن فإنه أظهر الموافقة على متابعة الدولة السعودية، إلا أن النزاع ظل مستمرًا بين الطرفين حتى تغلب راشد الدريبي ثانية ثم ثالثة ومن ثم اجتمع آل حسن من آل أبو عليان على خلعه وتولية شخص من آل حسن بديل منه، فاتفقوا على أن يتولى ذلك حجيلان بن حمد ويولوه الإمارة فهجم على راشد الدريبي وقتله وانتزع الإمارة منه، وأظهر الطاعة لآل سعود مع بقائه في إمارة القصيم كله ما عدا عنيزة وتوابعها.
وقد ذكرت أن النظرة العامة بالنسبة إلى اتجاهات فريقي (آل أبو عليان) الذين هما الدريبي ومن معه، و (آل حسن) الذين منهم حجيلان بن حمد وأولهم عبد الله بن حسن الذي هو أول من تولى الحكم معترفًا لآل سعود ومناصرًا لمن ناصرهم معاديًا لمن عاداهم، والمراد بذلك من هم في وقته وهو الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود يرى أن (الحسن) هم أنصار آل سعود المقربين منهم، ولكن بعد أن يتغلبوا بأنفسهم على الفريق المنافس من آل عمهم (آل أبو عليان) الذين يعرفون بالدرابي - جمع دريبي - وإن لم يكونوا كلهم من ذرية الدريبي.
وسوف نذكر في أذهاننا - بعد ذلك - بعض الغزوات التي قام بها آل سعود بموافقة بل بموازرة علمية من الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وهي تذكر وتعلن أن حكمهم قام على نصر السنة، وقمع البدعة، وأنه يحكم الشرع الشريف، وذلك صحيح الصحة كلها، يعرف به كل من عرف حالة البلاد النجدية قبلهم، ويعرفه لهم أيضًا من عرف ما آلت إليه حالة البلاد بعد أن نكبوا في الدرعية.
والمهم أيضًا في الإدارة أنها قامت على إشاعة العدل، وكف القوي عن الاعتداء على الضيف، وذلك بعد أن كان أهل نجد يتقاتلون فيما بينهم فيقاتل الجار جاره، وتغير القبيلة على القبيلة الأخرى، فكفهم هذا الحكم الإسلامي الإصلاحي حتى صاروا لا يستطيع أحد أن يأخذ من أحد شيئًا إلا بما يأمر به الشرع الشريف.
وكان القضاة في عهد آل سعود حتى عهد حكم الملك عبد العزيز أمثلة للنزاهة والعفاف والورع، لم يكن يتطرق إليهم شك في ذلك.
وقد أدركنا طرفًا من ذلك، فلم نسمع أي قدح في أي عالم من هذا النوع، وإنما كان القدح ينصب في بعض الأحيان على كون المشايخ يبعدون من يخالفونهم في آرائهم عن وظائف القضاء والإرشاد وإمامة المساجد.
أما الفريق الثاني فريق (الدريبي) ومن معه من آل أبو عليان فإنهم عرفوا بخلافهم مع الحكم السعودي الناشيء في الدرعية، ولذلك حصلت وقائع بينهم عديدة ذكرها المؤرخون وهي مذكورة في بابها من هذا الكتاب، وكان الدريبي أيضًا يتقرب ويتقارب من أعداء آل سعود السياسيين في شرق الجزيرة مثل آل عريعر، وذلك بعد أن جرب راشد الدريبي التقارب من آل سعود ولكنه لم يرد السير في ذلك، حسبما ارتآه لنفسه، وسوف يأتي الكلام على ذلك عند الكلام على إمارة راشد المذكور من (أمراء آل أبو عليان).
وهذا يكاد يكون أمرًا مسلمًا به، بل هو مسلم به طيلة تلك الدولة
السعودية الأولى، وحتى بعد انقضائها بزمن، لأن الذي كان يتولى الحكم في بريدة وملحقاتها هم من آل حسن الذين هم ضد (الدرابي) غير أن الحال اختلف إذ سعي آل الدريبي إلى أن يختلف، وتقدموا بعد ذهاب الإمارة عن آل حسن يطلبون أن تعاد إليهم أملاك الدريبي القديمة أو (الدرابي) بصيغة الجمع على حد تعبيرهم، لأنهم أهلها.
وقد عرض هذا الأمر على أكبر عالم في نجد من الناحية العملية في ذلك الوقت وهو الشيخ عبد اللطيف بن الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ الذي كتب يقول:
يُعلم الناظر إليه أنه ورد عليَّ سؤال عن العقارات والأملاك التي تحت يد حجيلان الحمد من أموال (الدرابي) هل ترد إلى ورثة الدرابي أو غيرهم؟ وتسمع فيها الدعوى، أو ترد ولا تسمع دعواهم؟ فأفتيتهم بأن ما أقره شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وعبد العزيز بن محمد من أموال من لم يقبل الدعوة الإسلامية التي دعا إليها الشيخ محمد رحمه الله واستولى عليها حجيلان بالجهاد على الإسلام لا يعارض فيها ورثة حجيلان، ولا تنزع من أيديهم ويتصرف فيها على ما ذكرنا، قاله وكتبه عبد اللطيف بن عبد الرحمن، انتهى بحروفه ثم ختمه بخاتمه".
وقد ذيل على هذه الفتوى أكبر علماء القصيم من الناحية العملية في ذلك الوقت الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم وهو من تلاميذ الشيخ عبد اللظيف ومن أنصاره، بقوله مذيلًا على الفتوى المذكورة:
"الحمد لله
العمل على ما ذكر شيخنا، وما أفتى الشيخ محمد بحله من أموال من صارم الدعوة الإسلامية فلا شك في إباحته، قال ذلك كاتبه الواثق بالواسع العليم محمد ابن عبد الله بن سليم حرر ذلك 9 ربيع سنة 1287 هـ"، انتهى بحروفه.
وتقرير الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم في هذه المسألة مهم جدًّا، لأنه من
أهل بريدة ويعرف حقيقة ما كان عليه الدريبي ومن معه من آل أبو عليان من جهة مصادمته للدولة السلفية كما يعرف حقيقة ما عليه آل حسن من عكس ذلك.
وهذه صورة الفتوي:
وذكر بعض الإخباريين فقال: سبب انقسام بني عليان فيما أخبرني أحد شيوخ آل أبو عليان الطاعنين في السن أنه لما مات أمير بريدة بعد راشد الدريبي أولهم تولى بعده ابن أخيه لأنه كان أكثر أهلية من ابن الأمير المتوفى، وأكبر مقامًا عند الناس.
ولكن ابن الأمير لم يصبر على ذلك فقتله واستولى على الإمارة بالقوة.
وبعد فترة قام متعصبون للقتيل فقتلوا قاتله وهو في الإمارة وما زالوا كذلك حتى عرف هذا في تاريخهم.
وقد سألت من أخبرني بذلك عن الفرع أو القسم الذين هم أبناء أخ للأمير المتوفى فلم يخبرني به، وقال: لا أدري.