المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الأمير راشد الدريبي: - معجم أسر بريدة - جـ ١

[محمد بن ناصر العبودي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌مقدمة معجم أسر القصيم:

- ‌مقدمة معجم أسر بريدة:

- ‌ أسر بريدة

- ‌أسماء الشوارع:

- ‌أسماء الميادين:

- ‌أسماء الأحياء:

- ‌الرجوع إلى الوثائق:

- ‌التعليق على الوثائق:

- ‌الإكثار من إيراد الأشعار:

- ‌الاعتذار عن نقص المعلومات عن بعض الأسر:

- ‌الأسر المنقرضة:

- ‌الانتساب القبلي:

- ‌(باب الألف)

- ‌آل أبو عليان:

- ‌أسرة (آل أبو عليان):

- ‌أسماء الأسر المتفرعة من (آل أبي عليان):

- ‌الأمراء من (آل أبو عليان):

- ‌كيف كانت بريدة عندما قدم الدريبي

- ‌من الذي كان يحكم بريدة قبل مجيء الدريبي

- ‌سبب مجيء الدريبي إلى بريدة:

- ‌بريدة تحت إمارة آل أبو عليان:

- ‌تنازع آل أبو عليان على الإمارة:

- ‌انقسامات حتى في الفرع الواحد:

- ‌لمحات تاريخية:

- ‌أول الأمراء من بني عليان:

- ‌الأول راشد بن عبد الله الدريبي:

- ‌حمود الدريبي:

- ‌الأمير مقرن الحجيلاني:

- ‌الأمير راشد الدريبي:

- ‌نهاية راشد الدريبي:

- ‌ الأمير عبد الله بن حسن

- ‌محمد بن عبد الله آل حسن:

- ‌حجيلان بن حمد:

- ‌معنى اسم حجيلان:

- ‌متى تولى حجيلان بن حمد الإمارة

- ‌كيف تولى الإمارة

- ‌ذرية راشد الدريبي:

- ‌عثمان بن راشد الدريبي:

- ‌بنات الأمير راشد الدريبي:

- ‌وصية شريفة بنت محمد الراشد:

- ‌وصية رقية بنت محمد الراشد:

- ‌عودة إلى الكلام على حجيلان بن حمد:

- ‌سور حجيلان:

- ‌متى بني سور حجيلان

- ‌عرس حجيلان بن حمد:

- ‌رواية ابن غنام:

- ‌ارتداد أهل القصيم:

- ‌مغازي حجيلان:

- ‌حجيلان بن حمد وحرب إبراهيم باشا:

- ‌مع حركة الرس:

- ‌موقف حجيلان بن حمد:

- ‌أكاذيب إبراهيم باشا:

- ‌مصير الإمام عبد الله بن سعود:

- ‌حجيلان بن حمد في الوثائق القديمة:

- ‌الأمير عبد الله بن حجيلان:

- ‌ذرية حجيلان بن حمد:

- ‌وقفية نادرة:

- ‌وصية طرفة بنت حجيلان:

- ‌الأمير رشيد الحجيلاني:

- ‌الأمير عبد الله بن محمد بن عبد الله بن حسن:

- ‌سليمان بن علي العرفج:

- ‌محمد بن علي العرفج:

- ‌عبد العزيز بن محمد آل أبو عليان:

- ‌مواقف عبد العزيز بن محمد:

- ‌وقعة بقعا على أهل القصيم:

- ‌وقعة بقعَا على أهل القصيم:

- ‌ماذا لو كان الإمام موجودا

- ‌الأمير عبد المحسن بن محمد:

- ‌عودة الأمير عبد العزيز بن محمد إلى الإمارة:

- ‌وقعة اليتيمة:

- ‌عبد المحسن بن محمد ثانية:

- ‌مقتل عبد العزيز بن محمد آل أبو عليان وبعض أبنائه:

- ‌غزوات عبد العزيز بن محمد آل أبي عليان:

- ‌أوراق تتعلق بالأمير عبد العزيز بن محمد آل أبو عليان:

- ‌وثيقة غريبة:

- ‌الأمير عبد الله بن عبد العزيز بن عبدوان:

- ‌الأمير محمد الغانم:

- ‌الأمير سليمان الرشيد:

- ‌وصية الأمير سليمان بن رشيد:

- ‌إمارة مهنا الصالح وانتهاء إمارة (آل أبو عليان):

- ‌وثائق لآل أبو عليان:

- ‌أبا الخيل:

- ‌أسر آل نجيد بالقرعاء:

- ‌أبا الخيل (التسمية والأصل):

- ‌وقفية قديمة:

- ‌ووثيقة أقدم:

- ‌فروع أسرة أبا الخيل:

- ‌أولهم: صالح بن حسين أبا الخيل:

- ‌صالح بن حسين والزعامة المالية:

- ‌مهنا الصالح أبا الخيل:

- ‌أنموذج من خط محمد الصالح أبا الخيل:

- ‌وثيقة أخرى:

- ‌وزير المالية محمد أبا الخيل:

- ‌وهذه ترجمة الوزير محمد بن علي أبا الخيل:

- ‌الفرع الثاني من أبا الخيل:

- ‌آل أبا الخيل في العراق:

- ‌الشخصيات البارزة من نسل ثنيان وحمد وعليان أولاد عبد الله بن إبراهيم بن عبد الله أبا الخيل:

- ‌الفرع الثالث:

- ‌شعراء من (أبا الخيل):

- ‌أبا الرُّوس:

- ‌إبا العَنَّاز:

- ‌مسجد العناز:

- ‌أئمته:

- ‌ملحوظة:

- ‌أبا بْطَيْن:

- ‌عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين:

- ‌أنموذج من خط عبد العزيز بن الشيخ عبد الله أبابطين:

- ‌أعمال عمرانية لعبد العزيز أبابطين في بريدة:

- ‌وثائق لآل (أبابطين):

- ‌المال يدل على صاحبه:

- ‌زكاة تجار العقيلات عن تجارتهم:

- ‌ابن أحمد

- ‌أبو حَبلين:

- ‌أبو شليل:

- ‌وصية أبو شليل:

- ‌أبو عْلَيّ:

- ‌أبو قْرَيْحَهْ:

- ‌أبو مصطفى:

- ‌أبو وادي:

- ‌الشيخ علي الناصر أبو وادي:

- ‌الشيخ أبو عبد الله علي بن ناصر بن محمد أبو وادي العُنَزي

- ‌أبو هلا:

- ‌الأجْبَع:

- ‌الأحمدي

- ‌الأَرْدَح:

- ‌الأشقر:

- ‌الأصطى:

- ‌الأَصْقه:

- ‌الأطرق:

- ‌الأفندي:

- ‌الإقْنَى:

- ‌الإكيزم:

- ‌وفاة عبد الله الأكيزم

الفصل: ‌الأمير راشد الدريبي:

‌الأمير راشد الدريبي:

والأمير راشد بن حمود الدريبي من أكثر أمراء آل أبو عليان حركة، بل وتقلبًا حسبما يراه من تثبيت الحكم له وإبقائه بيده، أو من عودته إليه إذا كان خرج منه.

ورد ذكره في أخبار الإخباريين ذا حيلة وإقدام، لا يخاف شيئًا في سبيل تحقيق غايته، وذكروا أنه بلغ من قوته وإقدامه أن انتقم من قبيلة الظفير التي كانت عاونت أهل الشماس ومن معهم من أهل عنيزة على بريدة في عام 1155 هـ.

وذلك مذكور عند الإخباريين من أهل بريدة ولم يذكره المؤرخون.

ومؤداه أن راشد الدربيبي فكر في حيلة ينتقم بها من هذه القبيلة وبعض الرواة ذكر أن القبيلة المقصودة هي عنزة وليست الظفير، ولكنني لا أظن ذلك صحيحا، لأن عنزة ظلت هي القبيلة التي تعتمد عليها بريدة في المساعدة على صد القبائل من الأعراب الذين كانوا يمتازون على أهل الحضر بما لديهم من الخيل المضمرة المعدة للحرب والمجاولة فيها، بخلاف أهل الحاضرة الذين كان جيشهم يتألف في الأكثر من الرّجَّالة وحاملي السيوف ومن الرماة بالبنادق.

كما أن النصوص التي ذكرها عن المؤرخين تدل على أنها (الظفير).

ويقول الإخباريون: إن راشد الدريبي والحاكم الذي قبله قد تأذوا من كثرة ما لحق ببريدة من تلك القبيلة وذلك أمر مفهوم السبب لأن الأعراب في تلك العصور كانوا على جانب كبير من الجهل بأمور الدين، وليست لديهم من السياسة والتدبير فيها ما لدى أهل الحضر.

فقال لرئيس القبيلة: إنكم تقيمون عندنا في القيظ وأطرافه ولكنكم ترحلون في الشتاء وما يلتحق به من الربيع والخريف فتبعدون، ولا نأمن من عدوان القبائل الأخرى على بلادنا إذا بعدتم عنها، وقد فكرنا في طريقة لابد فيها من

ص: 72

مساعدتكم لنا، وهي أن نبني سورًا حول بريدة، ومفالي غنمنا وبقرنا حولها.

قالوا: فأجابته القبيلة إلى ما طلب، وكان ذلك في وقت القيظ حيث يقطن الأعراب على المياه والموارد تاركين التجول في الصحراء بسبب شدة الحر، وعدم توفر الماء لمواشيهم في الأماكن البعيدة عن المياه.

فأخذ الدريبي يحضر الطين الذي يحتاجه السور المطلوب، وقد أدخل ذلك السور المكان الذي قد أناخت فيه إبلهم، وكانوا ينيخونها به في العادة في ضاحية بريدة، فلما استكمل السور وركب الدريبي وأهل بريدة أبوابه خرج أولئك الأعراب منه خائفين من أن يحتجز الدريبي إبلهم داخل ذلك السور فلا يستطيعون أن يفتكوها منه، فامتنعوا من الدخول إلى مكانهم المعتاد ذاكرين تصرفهم له، فعاهدهم على أن أول إبلهم يدخل سالمًا وآخرها يخرج سالمًا، وقد فهم الأعراب أن الإبل كلها تدخل سالمة وتخرج سالمة، أما راشد الدريبي فإن له تفسيرا آخر وهو أن البعير الأول من إبلهم يدخل سالمًا وكذلك البعير الأخير، وأما بقية الإبل فإنه يمسك بها، لأنه لم يجر على سلامتها اتفاق.

قالوا: وأمر الدريبي أن يعرف رجاله أول بعير يدخل، وأن يعرفوا آخر الإبل دخولًا.

فلما استكمل دخول إبلهم أخرج إليهم البعير الأول والبعير الأخير، وقال هذا الذي عاهدناكم عليه قد تم، وهذان البعيران سالمان، وأخذ بقية الإبل.

قالوا: وكانت هذه أول مرة تمتنع فيها بريدة من الوقوف أمام الأعراب ومطالباتهم المرهقة.

وقد سمعت الأشياخ من أهل بريدة من المعمرين المهتمين بهذه الأمور يعدون ذلك من قوة راشد الدريبي وسعة حيلته، وأنه من المزايا التي وفرها لمدينة بريدة.

ص: 73

لقد كان راشد الدريبي يتقلب في سياسته حسبما يؤدي إليه اجتهاده في الحفاظ على الإمارة، ولذا رأيناه مرة يتقارب مع الحكم الناشيء: حكم الدولة السعودية الأولى فيغزو مع الإمام سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود إلى عنيزة، وهذا مذكور في التاريخ، ثم رأيناه بعد ذلك يتحالف مع أعداء آل سعود، وبخاصة (العريعر) حكام الأحساء وما حوله.

ثم إنه فيما يتعلق بالأحداث الداخلية والصراع على الحكم في بريدة وما يتبعها من القصيم نرى أن أبناء عمه من آل حسن من آل أبو عليان الذين ينازعون جماعة الدريبي على الحكم يتبادلون معه الغزو تلو الغزو والانقلاب بعد الانقلاب.

وقد سجل المؤرخون شيئًا من ذلك.

قال أحدهم: وفي سنة 1183 هـ سطوا (آل أبو عليان) على ابن عمهم راشد الدريبي في بريدة وأخرجوه عنها، واستولوا عليها.

ومعلوم أن معني سطوا عليه هو أنهم هجموا عليه يريدون انتزاع الإمارة منه وقتله إذا قاوم وهو سيقاوم، ولكن راشد الدريبي واسع الحيلة، فإنه عندما لم يجد عنده القوة لمقاومتهم هرب وجعل يستعد لإعادة الكرة عليهم، وقد نجح في ذلك.

وهكذا قال إبراهيم بن عيسى:

قال ابن عيسى: في عام 1183 هـ سطوا (آل أبو عليان) على ابن عمهم راشد الدريبي في بريدة، وأخرجوه منها، واستولوا عليها (1).

وقد أورد المؤرخ ابن بشر هذه الواقعة بغاية الاختصار، فقال في حوادث سنة 1184 هـ:

وفيها سطوا آل ابن عليان على راشد الدريبي في بلد بريدة واستولوا عليها (2).

(1) خزانة التواريخ، ج 9، ص 76.

(2)

عنوان المجد، ج 1، ص 115، (الطبعة الرابعة).

ص: 74

والفقرة التالية تبين أو يفهم منها أن راشد الدريبي بقي خمس سنين خارج الإمارة ثم عاد إلى إمارة بريدة في عام 1188 هـ مستعينًا بجنود عريعر بن دجين آل حميد رئيس الحساء والقطيف، إذ ذكر المؤرخون ذلك تفصيلًا.

وكان الذي على إمارتها من آل حسن (عبد الله بن حسن) الآتي ذكره، فقبض عليه عريعر بن دجين وأخذه معه أسيرًا، وتسلم الإمارة راشد الدريبي.

ولكن راشد الدريبي لم يهنأ بالإمارة، ففي السنة التي بعدها جاء الإمام سعود بن عبد العزيز إلى بريدة غازيًا معه الأمير السابق عبد الله بن حسن فحارب ومن معه راشد الدريبي وضيق عليه الخناق في بريدة حتى اضطر إلى أن يعقد اتفاقًا مع غريمه الأمير عبد الله بن حسن، وأن يسلم الإمارة له ثم يخرج من بريدة (1).

وقد فصل المؤرخ حسين بن غنام واقعة مجيء راشد الدريبي مع عريعر وتسلمه الإمارة بعد القبض على عبد الله بن حسن، وننقل نص كلامه، وإن كان فيه بعض السجع غير المعتاد عند غيره من المؤرخين، فقال في حوادث سنة 1288 هـ:

وفيها نزل عريعر مع بني خالد وعنزه على بريدة، وعمل فيها مكره وكيده وأقام بها بعض أيام وهو يحاول في أهلها بالخديعة والإبرام وتليين الجناح لهم في الكلام، فجاشت إلى ذلك قلوبهم وحاطت بهم ذنوبهم، فاستدعى عريعر أميرها عبد الله بن حسن الخروج إليه والمواجهة، حتى يكون الخطاب مشافهة، فاغتر بذلك وظهر وسار إليه وابتدر، فعند ذلك حجر عليه وأسير، فدخلت المدينة على حين غفلة من أهلها، وكان ذلك على حين غفلة بلا تثبت ومهلة، وبئس هذه الفعلة وما أقبحها من خصلة.

فجالت في البيوت أولئك الأعراب وكسروا لتلك الأبواب، فلم يجد أهلها من ذلك مهربًا ولا ألفوا للنجاة مطلبًا، وشمّر راشد الدريبي لذلك إزاره، وقصد

(1) خزانة التواريخ النجدية، ج 9، ص.

ص: 75

في ساعته قصر الإمارة وكان قبل ذلك منه جاليًا، وذلك البلد منه خاليًا، وفر من يخاف من المسلمين على نفسه من المبطلين وتفرقوا في البلدان حتى جاءهم من ربهم الصلة والإحسان، فكاتب عبد العزيز أهلها الذين خرجوا منها ونفروا هاربين عنها، وهم آل عليان أنهم يقبلون عليه ويقيمون عنده أحسن الله قصده، فأسرعوا إليه المجيء والإقدام، وقابلهم بغاية الإكرام، ورعي لهم تلك الذمام، وأقاموا في نهاية الاحتشام.

وأقام عريعر بعد ذلك في المكان بعض أيام وليالٍ ثم شمر في المسير والارتحال فارًا منها وظعن عنها، ومعه عبد الله بن حسن ذلك الأمير ولم يزل عنده في حكم الأسير حتى جاءه قضاء العظيم الكبير وحان أن يسقى ذلك الكأس المرير، وتنفذ فيه الإرادة والتقدير ويتجرع كأس الحمام بعد ذلك العز التام، فنزل به في أرض الخابية السَّام فخر من ذلك المقام السّام وضمه ضيق اللحود وصار آكلة للدود، بعد القنا والقنابل ومسايرة الجيوش والجحافل، وهذه سنة الله في جميع المخلوقات والعبيد، ومفاجأة الحمام بغتة لذوي البأس العتيد، وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد (1).

وفيها أيضًا غزا سعود متع الله تعالى به المسلمين فسار يريد بريدة ومعه آل عليان الذين خرجوا منها هاربين، فجد إليهم المسير فلما وصل إلى قرب البلد ولم يشعر به من أهلها أحد لكونه نزل ليلًا بساحتهم، وكان وقت هجعتهم وراحتهم، فلم يستقر به القرار في أرض تلك الديار حتى عبّا جيشه وكمينه وقام ينتظر الصباح وحينه، فحين أسفر له منير ذلك الضياء وفرغ من صلاة الصبح وقضي نهض في إنجاز ما دبَّره ومضى، وكان ولله الحمد له في ذلك السعي رضى وذلك أنه شن الغارة عليهم صباحًا فلم يخرجوا إليه كفاحًا ولم

(1) تاريخ ابن غنام، ج 2، ص 101.

ص: 76

يجدوا دون الحصار في البلد صلاحًا، ولا ألفوا دونه مراحًا مع أنهم لم ينالوا من ذلك فوزا ولا نجاحًا.

فأقام المسلمون على البلد أيامًا وكل يوم يقع بينهم قتال ومُرامي، فلما أعيا المسلمون أمرها وجهد أهل البلد حصارها وحصرها ولم يبالوا بما نالوا من الضرر والأضرار، ومنازلة تلك الجموع والحصار اقتضى رأي سعود أن يبني تجاههم للمسلمين حصنًا يكون لهم ثغرًا وأمنًا، فأمر ببنائه فيني تلك الأيام وزيد في بنائه بجودة الإحكام، ووضع فيه عدة من أهل الإسلام أميرهم عبد الله بن حسن.

ثم رجع سعود ومن معه إلى الوطن وأقام أهل ذلك القصر فيه، وكل يوم يشنون الغارة على أمير بريدة وتونيه وبقوا أيامًا لا تسرح لهم سايمة ولا تبقى لهم عين نايمة وبوادر الحرب كل يوم عليهم قائمة، وفرسان ذلك الثغر لاستيلائهم دائمة.

فلم يجد أميرها راشد الدريبي من الأسباب إلا بعثه إلى جديع بكتاب يستعينه ويستنجده فلم يكن إلى ما يريده يسعده، فرجع منه الرسول بخيبة المأمول.

فلما جد به الحصار والضيق وضاق عليه مناهج التسديد والتوفيق لم يجد إلى سلامة عمره منهجًا ولا طريق سوى أخذ الأمان على عمره وحاق به شؤم غدره ومكره، فأرسل إلى عبد الله بن حسن يطلب لنفسه خاصة الأمان وخروجه من تلك الأوطان، فأعطاه عبد الله ذلك بإعلان وبادر إلى مواجهة عبد الله بذلة وهوان، ودخل عبد الله بن حسن وجماعته البلد فقتل من قوم الدريبي كل من عثر عليه ووجد، فقتل في ذلك اليوم والحين من أولئك الجماعة نحو الخمسين، واستولوا على جميع ما فيها من الأموال.

وتأمّر عليها عبد الله بعد الفراغ من تلك الحال وصارت تلك القضية وصدور هذه الموهبة السنية إنقاذا لأهل القصيم وما فيها من البرية من غمرة الضلال الوبية الرديّة، فأظهروا الإسلام ودانوا بجميع الأحكام.

ص: 77

ثم بعد مضي ذلك بأيام وليال وفد عبد الله بن حسن مع رجال من وجوه أهل القصيم على الشيخ وعبد العزيز لأجل المعاهدة والتسليم، فتلقُّوا بأتم إقبال وقبول، وفازوا بأعمّ مطلوب وسول، وعاهدوا على الإسلام، والقيام بالأحكام على التمام، وأقر عبد العزيز كل أمير بلد في بلده أميرا وزادهم حشمة وتوقيرًا، وأمّر عبد الله بن حسن على جميع بلدان ذلك الوطن لا يعارضه منهم أحد فيما أراده وقصد واستمروا على حالة مرضية سنين، ثم تغيروا وانقلب كثير منهم الأجل فتنة يأتي ذكرها بعد حين (1).

وعبارة ابن بشر:

"فيها سار سعود بالمسلمين وقصد بلد بريدة، ومعه آل عليان الذين خرجوا منها، فلما وصل قرب البلد عبأ جيشه وكمينه، فلما صلي الصبح، شن الغارة عليهم، فلم يخرجوا إليه واحتصروا في البلد، وأعيا سعودًا أمرهم، واقتضى رأيه أن يبني تجاههم حصنًا فبناه في مقامه ذلك، وجعل فيه عدة رجال، أميرهم عبد الله بن حسن، ثم رحل سعود إلى وطنه، وأقام أهل ذلك القصر فيه، يغادونهم ويراوحونهم الغارات.

وأقام أهل بريدة أيامًا لا يسرح لهم سارحة، فبعث أمير البلد راشد الدريبي إلى جديع بن هذال يستنجده، فلم يجد عنده طائل، فلما أثخنه الحصار والضيق أرسل إلى عبد الله يطلب لنفسه الأمان، وأن يخرج وحده من القصر والبلد، فأعطاه عبد الله الأمان، وخرج إليه ودخل عبد الله ومن معه البلد، وملكوها، وقتل في تلك المحاصرة من قوم الدريبي نحو خمسين رجلًا، واستولى عبد الله على ما فيها من الأموال، وبعد هذه القضية انقاد أهل القصيم، وبايعوا على السمع والطاعة، ووفد عبد الله ومعه رجال من رؤساء أهل القصيم

(1) تاريخ ابن غنام، ج 2، ص 106 - 107.

ص: 78

على الشيخ وعبد العزيز فبايعوه على دين الله ورسوله والسمع والطاعة، واستعمل عبد الله أميرًا على جميع بلدان القصيم واستمر على ذلك حتى حدثت فتن، يأتي ذكرها إن شاء الله (1).

وأحببت أن أنقل بعد ذلك عبارة مؤرخ قصيمي هو صالح بن عثمان القاضي من أهل عنيزة في هذه الواقعة قال:

وفي سنة 1188 هـ: سار عريعر بن دجين آل حميد رئيس الحسا والقطيف بالجنود العظيمة من الحاضرة والبادية، وقصد بلد بريدة، ومعه راشد الدريبي وحاصرها، ثم استدعى بأميرها عبد الله آل حسن لمراجعته، فخرج إليه، فلما وصل إليه قبضوا عليه ودخلت الجنود البلد فنهبوها، ودخل راشد الدريبي قصر الإمارة واستولى على البلد، وأقام عريعر في بلد بريدة أيّامًا وأجلا آل زامل من عنيزة وجعل فيها عبد الله بن رشيد أميرًا، ثم ارتحل من بريدة ومعه عبد الله آل حسن أسيرًا، ونزل الخابية المعروفة قرب النبقية، واستعد للمسير للدرعية، فعجل الله له المنية، ومات على الخابية المذكورة بعد ارتحاله من بريدة بشهر، وتولى بعده ابنه بطين فلم يستتم له حاله، فقتله أخوه سعدون هو وأخوه دجين، وتولى دجين فلم يلبث الأمر بيده، ومات، قيل: إنّ سعدون سقاه سُمَّا.

وتولى بعده سعدون، وانطلق عبد الله آل حسن من الأسر وسار إلى الدرعية فأكرمه عبد العزيز بن محمد بن سعود (2).

(1) عنوان المجد، ج 1، ص 126 - 127.

(2)

خزانة التاريخ، تاريخ صالح القاضي، ص 14.

ص: 79