الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ارتداد أهل القصيم:
كثر تعبير المؤرخين عن ارتداد أهل القصيم عن الدين، وقتلهم لمن عندهم من رجاله من المشايخ والمعلمين، ما عدا أهل بريدة والرس والتنومة.
وظاهر هذه العبارة أن المراد بذلك الارتداد عن الدين الإسلامي وتركه إلى دين غيره، وليس هذا بالمراد، بل هم يقولون ويعلنون أنهم لا يزالون مسلمين، وإنهم لم يرتدوا عن الدين، وأنهم لم يقتلوا من المرشدين وأهل الدين إلَّا الذين أرسلوا من قبل الحكومة السعودية ومن تلاميذ الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله.
فارتدادهم هو في الحقيقة ارتداد عن الخضوع للدولة السعودية وما تمثله من نقاء المعتقد من العقيدة السلفية، وما يتبع ذلك من تحكيم الشرع في كل الأمور من أول ذلك وأهمه طاعة الدولة السعودية، ومن يرشدونهم من المشايخ، وأهل الدين، وذلك ظاهر السبب وهو أن أكثرهم كأكثر الحكام في نجد كانت لهم عادات وتقاليد تطلق أيديهم فيمن يحكمونهم، يفعلون بهم ما يريدون، ويأخذون منهم من الأموال ما يشاؤون، ويحاربون من الناس من يحاربون، ويسالمون من يسالمون من دون نظر إلى مراعاة أحد كالدولة السعودية وما تسير عليه من قواعد دينية، فقد حدت الدولة من أعمالهم وألزمتهم بالحكم الشريف الذي لا يتماشى مع ما يريدونه، ومن ذلك أخذ شيء من الأموال بغير حق، والإغارة على من يريدون الإغارة عليه من غير تحديد أو تعريف إلَّا ما يريدونه ويهوونه.
وقد جعلت الحكومة السعودية لديهم رجالًا يبصرونهم بما تريد منهم أن يعرفوه، وما تريد أن يسيروا عليه من الحكم بالشرع، ونبذ العادات الموروثة، إذا كانت تتعارض معه.
فالارتداد إذًا ارتداد سياسي قبل أن يكون ارتدادًا عقديًا دينيًا، وإن كانت له علاقة بالعقيدة.
وهذا الذي ينبغي أن يفهمه من يطلع على هذه الأمور من الذين لم يعاصروها، ولا عرفوا ما خلف سطورها.
أما أهل القصيم الذين ثبتوا على ما كانوا عليه من ذلك وظلوا على ولائهم لآل سعود، ولما يسير عليه الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله والعلماء من تلامذته، وهم أهل بريدة والرس والتنومة، فإنهم قد رأوا في تحكيم الشرع الضبط والربط من حفظ الحقوق ومن العلاقات بين الناس على أساس من ذلك، وعلى وجه الاختصار رأوا أن حكم القانون الذي هو حكم القانون الشرعي هو الذي ينبغي أن يظل سائدًا معمولًا به بديلًا من حكم الفوضى والاقتتال الذي كان سائدا قبل قيام الدولة السعودية.
تعليق آخر:
والتعليق الآخر وهو ما ورد في آخر كلام ابن غنام ونقله عنه ابن بشر من دون أن يصرح بذلك وهو أنَّ حجيلان بن حمد خرج عندما انتهى الحصار إلى أهل بلدة (الشماس) فقتل أهلها إلَّا من هرب منهم فالواقع أن الأمر ليس ذلك وإنما هو ما ذكرناه من تحريمه سكناها على أهلها وغيرهم بعد ذلك، وإن كانت إحدى الروايات تقول: إنه قاتلهم.
وهذا ما يتعلق بأثر سور بريدة المنيع في صد غارة أخرى مهمة على بريدة قال ابن بشر رحمه الله في حوادث سنة 1201 هـ:
ففي أول هذه السنة في المحرم، سار ثويني بن عبد الله بن محمد بن مانع آل شبيب بالعساكر والجنود العظيمة من المنتفق وأهل المجرة وجميع أهل
الزبير وعربان شمر وغالب طيء وغيرهم، ومعه من العدد والعدة ما يفوق الحصر، حتى إن أحمال زهبة البنادق والمدافع وآلاتها بلغت سبعمائة حمل، فسار من أوطانه وقصد ناحية القصيم فوصل التنومة القرية المعروفة ونازلها بتلك الجموع وحاصرها.
وقال ابن غنام وهو يذكر مسير ثويني:
فسار بتلك الجحافل الجمة الغزار والجيوش التي لا يحصي عدتها إلَّا عالم الأسرار ولا يحيط بها إلَّا الجبار حافة بتلك المدافع والقنابر الكبار التي لا يقوم عندها حصن ولا جدار ولا يثبت عند رويتها قلوب الصغار والكبار، فلم يزل يجد إلى نجد السير والمسير، ويستدعي في ذلك آراء الرأي والتدبير، من كل رئيس بالحرب خبير، وجليس سيئ البطانة شرير يحلل له دماء أهل التوحيد ويحثه على ذلك ويشير، ويدعي مع ذلك أنه من العلم والمعرفة بالمكان الكبير (1).
إلى أن قال:
ولما ثوى في ذلك المكان والمحل (2) شرع في مجال القتال وأحدقت بهم تلك الفرسان والأبطال، وأضرمت عليهم المدافع شرر النار، وحث أهل المدافع والرماة، وندب الشجعان والكماة، وحرض ذوي النجدة والحماة، وجلب عليهم بخيله ورجله، ورام هدم التوحيد بأمله، فأبطل الله تعالى كيده ومكره، وأظهر فيه وفي جنوده بأسه وقهره، فحاق به سؤ عمله، واستمرت تلك الأحوال الشديدة من أولئك الجموع العديدة، يقاسون كل ساعة منهم حدة وبأسا، ولكن لا يرفعون إلى المذلة رأسًا، وبقوا أيامًا في ذلك المقام كل يوم تحيط به خطوب الحمام، ويتجرعون
(1) تاريخ ابن غنام، ج 2، ص 142.
(2)
يعني بلدة التنومة.
مرارة السَّأم، ولكنّهم صبروا تلك النفوس الكرام عن معاطاة أسباب الآثام.
فلما آيس ثويني من مصادمتهم، مد أسباب الغدر ونسج رداء الخيانة والمكر، فأرسل إليهم بالأمان وزين لهم الخروج إلى سائر الأوطان، وحاولهم في ذلك واجتهد، وكان الواسطة بينهم عثمان بن حمد، وكان هو من أولئك الجماعة فظنوا أنه لا يروم بهم مكرا ولا خداعة، فرضوا بذلك وراضوا بعد ما تحدثوا فيه وأفاضوا.
ولما استقر ذلك الأمان بينهم دخلوا عليهم القلعة سريعًا، فعجلوا للمسلمين حينهم، وقتلوا غالب من وجد، ولم ينج إلَّا من هرب وفقد، ونهبت تلك القرية ونال ثويني من ذلك خزية.
ونزل على بريدة واستكن، وناوش أهلها الحرب من بعيد، وهم أن ينزل بهم بأسه الشديد، ويمكر بهم ويكيد، فأخذه الله إن أخذه أليم شديد، فارجف قلبه وفؤاده، وأظهر له من الرعب ما حمله أن يؤم منهزم بلاده، وشتت شمله وجمعه وأجناده، وأضاع هدرًا عليه من المال طريفه وتلاده، فولى خاسئًا مهزومًا مشتتًا مبعدًا مرجومًا.
ولما عزم على المسير خرج من أهل بريدة لنفوذ التقدير نحو سبعة رجال وراموا أن يوقعوا في آخر الجيش نكال، فعجلت إليهم من تلك الخيول فرسان فاقتطعوهم قبل وصول الجدران (1).
أقول: لم يذكر ابن غنام صراحة أن ثويني حاصر (بريدة) وعجز عنها والحقيقة أنه حاصرها بالفعل وأنه عجز عنها ولكن إقامته لم تطل عليها.
وقد سجل ذلك بعض المؤرخين قال ابن بشر:
(1) تاريخ ابن غنام، ج 2، ص 144.