الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موقف حجيلان بن حمد:
ونعود إلى أمر حجيلان بن حمد وموقفه إبان تلك الحرب، فقد كان لديه سور عظيم، وكان لديه محاربون لا بأس بهم، ولكنه - مثل غيره - عرف أنه سيكون وحده، إذا حارب إبراهيم باشا هذا إذا لم يكن أصابه من الوهن وهو عدم الاستعداد للمقاومة ما أصاب غيره.
وقد ذكر الإخباريون من بني قومنا من هذا الأمر ما لم يذكره المؤرخون، فذكروا أن إبراهيم باشا قصد عنيزة من الرس قبل بريدة، لأن فيها رجلًا سماه ابن بشر وأمثاله من المؤرخين بأنه داعية الترك، بمعنى أن الذي على إمارتها هو مسالم لإبراهيم باشا.
لذلك بدأ بها وحارب الذين في قصرها المعروف بقصر الصفا وهم من جهة الإمام عبد الله بن سعود، ثم صالحهم على أن يخرجوا بأنفسهم وسلاحهم.
وهكذا لم يبق أمامه في القصيم إلَّا المدينة الرئيسية بريدة، فنزل هو وجنوده في الصباخ جنوب بريدة، وصار يقطع من نخيل مزدهرة تسمى النقيعات بصيغة جمع نقيعة تصغير نقعة وهي مكان الماء النافع أي الباقي في الأرض، وهو اسم لها.
قالوا: وكان لرجل من آل راشد من أسرة الدريبي نخيل فيها صار عرضة لكي يقطعه إبراهيم ويتلفه أو على الأقل يلحق الضرر به، فتسلل من الحرس الذين كانوا يحرسون سور بريدة من جهة الجنوب قاصدًا إبراهيم باشا، فمنعه جنود إبراهيم باشا، من الوصول إليه، ولم يكن إبراهيم باشا يلقي بالًا لسائر الناس، لأنه إنما كان يحارب المحاربين له.
فقال ابن راشد الذين منعوه من الوصول إلى إبراهيم باشا: أنا أمير بريدة أريد أن أصل إلى إبراهيم باشا وأتفاهم معه.
فأوصله الجنود إلى إبراهيم باشا فلما رآه خضع ابن راشد له لأن موقفه ضعيف، فقال له إبراهيم باشا أنت ما أنت حجلان يريد حجيلان - وهو ينطق باسمه بلفظ التكبير (حجلان) أنت صاحب الجنينات هذي جمع جنينة تصغير جنة - وهي البستان لكن - يا جنود - أوقفوا قطع النخل، فأوقفوا ذلك وقال لابن راشد: خبر حجيلان أني ما جيت من مصر من أجل حربه، أنا جاي من أجل حرب الوهابي يريد الإمام عبد الله بن سعود - قل له: يفهم هذا ولا يعترض لي وأنا ما أعترض له، ولا أدخل بلده.
وهكذا كان، اتفق حجيلان معه على هذا الأمر، فاستوثق إبراهيم من ذلك على عادته بأخذ بعض كبار القوم معه رهائن، حتى لا ينقض جماعتهم الصلح، أخذ معه بعض الرهائن من كبار القوم أهل بريدة، ومنهم عبد الله بن الأمير حجيلان، ولم يدخلها. وأعطى حجيلان جماعة من الذين معه حتى يقتلهم حجيلان إن حصل على ابنه شيء من إبراهيم باشا.
وذكر الإخباريون أن (السادَّة) الواقعة في جنوب بريدة القديمة، وفيها مقصورة ردئية المبنى، صغيرة من الطين فصار الذين فيه يسبون إبراهيم باشا عندما مر بهم، ويقولون له: انهزمت يا أبا الصبيان، وهذا سب فظيع.
فسأل عما يقولون فأخبره الذين معه به، فقال لصاحب المدفع، عطني سقف باب هذه المقصورة، قالوا: فرماها فأخطأها، من باب الاستهانة بها، ثم أطلق عليها قذيفة مدفع محكمة فهدمها، وسقط من فيها على الأرض أو تحت الردم، فتركها وحالها ومضى في سبيله.
ماذا يقول التاريخ المكتوب؟
ننقل هنا وجهة النظر لبلادنا والمسئولين فيها كما عرضها المؤرخ عثمان بن بشر سواء أكان يحكي ذلك حكاية حال أم حكاية مقال.
ونتبعها بكتاب من إبراهيم باشا إلى والده محمد علي حاكم مصر بعد أن تمت له السيطرة على القصيم أو لنقل إنه ضمن عدم مهاجمته من أهل القصيم.
وذلك مأخوذ من المخطوطات (الإرشيف) التركي.
قال ابن بشر رحمه الله:
وفي سنة 1231 هـ: سار عبد الله بن سعود بجنوده، من الحاضرة والبادية، وقصد القصيم فنزل الخبراء، وهدم سورها، وهدم سور البكيرية، وربط ثلاثة من رؤوساء الرس والخبراء منهم الأمير شارخ آل فوزان أمير الرس، وسار بهم إلى الدرعية بسبب استدعائهم لعساكر الترك، وسميت هذه الغزوة، غزوة محرَّش، لأنه انتقض الصلح الذي بين عبد الله بن سعود، وبين محمد علي بسببها، وذلك أنه ركب رجال من أهل القصيم إلى مصر، وأكثروا القول لمحمد علي، فتلقى قولهم، وشمَّر في تجهيز العساكر إلى نجد مع ابنه إبراهيم باشا.
وفي هذه السنة توفي أحمد طوسون بن محمد علي في مصر، في آخر شوال من السنة المذكورة.
وفي آخر هذه السنة سار إبراهيم باشا بالعساكر العظيمة من مصر، متوجهًا إلى نجد، فقدم المدينة، وضبطها، ثم سار منها، ونزل الحناكية، ثم دخلت السنة 1232 هـ، وإبراهيم باشا في الحناكية، وكان عبد الله بن سعود قد أمر على أهل سدير، والوشم أن يسيروا إلى القصيم، فساروا إلى بريدة، وأمر على حجيلان بن حمد، أمير القصيم أن ينزل بأهل القصيم والوشم وسدير، الغميس، فنزلوا فيه وأقاموا نحو أربعة أشهر، ثم إن عبد الله بن سعود خرج من الدرعية لعشر بقين من جمادى الأولى من السنة المذكورة، واستنفر جميع بلدان نجد والبادية وسار بهم، ونزل بالقرب من الرس، واستدعي بحجيلان بن حمد ومن معه، فأتوا إليه، وتوجه عبد الله بن سعود بجنوده لقتال إبراهيم باشا ومن معه من العساكر، وهو حينئذٍ على
الحناكية، فلما بلغ إبراهيم باشا خبر عبد الله بن سعود أمر على علي أزن أن يسير بجملة من العساكر وجميع البادية من حرب وغيرهم، وينزلوا ماوية - الماء المعروف بينه والحناكية، مسافة يومين - فسار على أزن، ومن معه، ونزلوا ماوية، فلما علم بذلك عبد الله بن سعود وهو على خبراء نجخ، سار منها وترك ثقله عليها، فلما وصل ماوية، حصل بينه وبين علي أزن قتال عظيم، وصارت الهزيمة على عبد الله بن سعود ومن معه، وقتل من أصحابه نحو مائتي رجل، وذلك يوم الجمعة منتصف جمادى الآخرة من السنة المذكورة.
ثم إن عبد الله بن سعود، سار هو ومن معه وقصد بلد عنيزة ونزلها، وأما إبراهيم باشا فإنه سار بعساكره ونزل بلد الرس، لخمس بقين من شعبان من السنة المذكورة، فحاربوا ثم إنه حاصرهم إلى ثاني عشر من ذي الحجة، ثم إنه صالحهم ورحل عنهم ونزل الخبراء، فتفرقت البوادي عن عبد الله بن سعود، فلما كان بعد عيد النحر من السنة المذكورة جعل عبد الله بن سعود في قصر الصفاء المعروف في عنيزة عدة رجال مرابطة، واستعمل عليهم أميرًا محمد بن حسن بن مشاري بن سعود، ثم رحل من عنيزة ونزل بريدة، واستعمل في بريدة أميرًا إبراهيم بن حسن بن مشاري بن سعود، وجعل عنده عدة رجال مرابطة في بريدة.
ثم إن إبراهيم باشا رحل من الخبراء ونزل عنيزة، فأطاعوا له أهل البلد وامتنع الذين في قصر الصفاء، فحاصرهم إبراهيم باشا ورماهم بالمدافع رميًا هائلًا، فطلبوا منه المصالحة فصالحهم على دمائهم وسلاحهم، فخرجوا من قصر الصفاء وتوجهوا إلى أوطانهم، وأمر إبراهيم باشا بهدم قصر الصفاء فهدم، فلما بلغ عبد الله بن سعود الخبر وهو في بريدة رحل منها إلى الدرعية، وأذن لأهل النواحي يرجعون إلى أوطانهم.
ثم دخلت سنة 1233 هـ وإبراهيم باشا إذ ذاك في عنيزة ثم سار منها إلى بريدة، وأميرها حينئذٍ حجيلان بن حمد من آل أبو عليان، فأطاعوا له أهل بريدة،
ثم رحل من بريدة وأخذ معه عبد الله بن حجيلان ورجالًا من رؤوساء بلدان القصيم، وكان يأخذ من كل بلد استولى عليها إذا أراد الرحيل منها رجلين، وثلاثة من رؤوسائها رهينة عنده، ثم إنه سار من بريدة ونزل شقراء يوم الخميس سادس عشر ربيع الأول من السنة المذكورة، فحاربوه ثم إنه وقع الصلح بينه وبينهم، وأقام في شقراء نحو شهر ثم ارتحل منها، وأخذ معه عشرة من رؤوسائهم وقصد بلد ضرماء فحاربوه فأخذها عنوة في سابع وعشرين من ربيع الثاني من السنة المذكورة، وقتل من أهلها نحو ألف وثلاثمائة رجل ونهب البلد، وأخلاها من أهلها، ثم ارتحل منها إلى الدرعية، فنزل في ثالث عشر من جمادي الأول من السنة المذكورة، وجرى بينه وبين أهلها عدة وقعات، أولها وقعة المغيصيبي قتل فيها عدة رجال من الفريقين، ثم وقعة غبيراء، صارت الهزيمة على أهل الدرعية، ثم وقعة سمحة، استولى عسكر إبراهيم باشا على مدافع أهل الدرعية، ثم وقعة السلماني قتل فيها عدة رجال من الفريقين ثم وقعة الصنع، ثم وقعة البليدة، ثم وقعة عند المغترة، ثم وقعة قري عمران الأولى، ثم وقعتين بعدها فيه، ثم وقعة المحاجي، ثم وقعة كتلة، ثم وقعة عرقة، ثم وقعة قرى عمران الأخيرة، وكانت في عاشر شوال من السنة المذكورة، ثم وقعة المحجا الثانية، ثم وقعة عرقة الثانية، واستولوا عليها العسكر (1).
وقرأت في كتاب (تاريخ نجد من خلال كتاب الدرر السنية في الأجوبة النجدية) المعروف برسائل ومسائل آل الشيخ وعلماء نجد، جمع الشيخ عبد الرحمن بن قاسم ما يلي:
وبعدها جسر إبراهيم باشا على القدوم، فنزل القصيم وحربهم قدر شهرين، أيدهم الله بالنصر لما كانوا مستقيمين صابرين، وعزم على الرجوع
(1) عنوان المجد، ج، ص 93 - 94 (الطبعة الثانية).