المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌متى بني سور حجيلان - معجم أسر بريدة - جـ ١

[محمد بن ناصر العبودي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌مقدمة معجم أسر القصيم:

- ‌مقدمة معجم أسر بريدة:

- ‌ أسر بريدة

- ‌أسماء الشوارع:

- ‌أسماء الميادين:

- ‌أسماء الأحياء:

- ‌الرجوع إلى الوثائق:

- ‌التعليق على الوثائق:

- ‌الإكثار من إيراد الأشعار:

- ‌الاعتذار عن نقص المعلومات عن بعض الأسر:

- ‌الأسر المنقرضة:

- ‌الانتساب القبلي:

- ‌(باب الألف)

- ‌آل أبو عليان:

- ‌أسرة (آل أبو عليان):

- ‌أسماء الأسر المتفرعة من (آل أبي عليان):

- ‌الأمراء من (آل أبو عليان):

- ‌كيف كانت بريدة عندما قدم الدريبي

- ‌من الذي كان يحكم بريدة قبل مجيء الدريبي

- ‌سبب مجيء الدريبي إلى بريدة:

- ‌بريدة تحت إمارة آل أبو عليان:

- ‌تنازع آل أبو عليان على الإمارة:

- ‌انقسامات حتى في الفرع الواحد:

- ‌لمحات تاريخية:

- ‌أول الأمراء من بني عليان:

- ‌الأول راشد بن عبد الله الدريبي:

- ‌حمود الدريبي:

- ‌الأمير مقرن الحجيلاني:

- ‌الأمير راشد الدريبي:

- ‌نهاية راشد الدريبي:

- ‌ الأمير عبد الله بن حسن

- ‌محمد بن عبد الله آل حسن:

- ‌حجيلان بن حمد:

- ‌معنى اسم حجيلان:

- ‌متى تولى حجيلان بن حمد الإمارة

- ‌كيف تولى الإمارة

- ‌ذرية راشد الدريبي:

- ‌عثمان بن راشد الدريبي:

- ‌بنات الأمير راشد الدريبي:

- ‌وصية شريفة بنت محمد الراشد:

- ‌وصية رقية بنت محمد الراشد:

- ‌عودة إلى الكلام على حجيلان بن حمد:

- ‌سور حجيلان:

- ‌متى بني سور حجيلان

- ‌عرس حجيلان بن حمد:

- ‌رواية ابن غنام:

- ‌ارتداد أهل القصيم:

- ‌مغازي حجيلان:

- ‌حجيلان بن حمد وحرب إبراهيم باشا:

- ‌مع حركة الرس:

- ‌موقف حجيلان بن حمد:

- ‌أكاذيب إبراهيم باشا:

- ‌مصير الإمام عبد الله بن سعود:

- ‌حجيلان بن حمد في الوثائق القديمة:

- ‌الأمير عبد الله بن حجيلان:

- ‌ذرية حجيلان بن حمد:

- ‌وقفية نادرة:

- ‌وصية طرفة بنت حجيلان:

- ‌الأمير رشيد الحجيلاني:

- ‌الأمير عبد الله بن محمد بن عبد الله بن حسن:

- ‌سليمان بن علي العرفج:

- ‌محمد بن علي العرفج:

- ‌عبد العزيز بن محمد آل أبو عليان:

- ‌مواقف عبد العزيز بن محمد:

- ‌وقعة بقعا على أهل القصيم:

- ‌وقعة بقعَا على أهل القصيم:

- ‌ماذا لو كان الإمام موجودا

- ‌الأمير عبد المحسن بن محمد:

- ‌عودة الأمير عبد العزيز بن محمد إلى الإمارة:

- ‌وقعة اليتيمة:

- ‌عبد المحسن بن محمد ثانية:

- ‌مقتل عبد العزيز بن محمد آل أبو عليان وبعض أبنائه:

- ‌غزوات عبد العزيز بن محمد آل أبي عليان:

- ‌أوراق تتعلق بالأمير عبد العزيز بن محمد آل أبو عليان:

- ‌وثيقة غريبة:

- ‌الأمير عبد الله بن عبد العزيز بن عبدوان:

- ‌الأمير محمد الغانم:

- ‌الأمير سليمان الرشيد:

- ‌وصية الأمير سليمان بن رشيد:

- ‌إمارة مهنا الصالح وانتهاء إمارة (آل أبو عليان):

- ‌وثائق لآل أبو عليان:

- ‌أبا الخيل:

- ‌أسر آل نجيد بالقرعاء:

- ‌أبا الخيل (التسمية والأصل):

- ‌وقفية قديمة:

- ‌ووثيقة أقدم:

- ‌فروع أسرة أبا الخيل:

- ‌أولهم: صالح بن حسين أبا الخيل:

- ‌صالح بن حسين والزعامة المالية:

- ‌مهنا الصالح أبا الخيل:

- ‌أنموذج من خط محمد الصالح أبا الخيل:

- ‌وثيقة أخرى:

- ‌وزير المالية محمد أبا الخيل:

- ‌وهذه ترجمة الوزير محمد بن علي أبا الخيل:

- ‌الفرع الثاني من أبا الخيل:

- ‌آل أبا الخيل في العراق:

- ‌الشخصيات البارزة من نسل ثنيان وحمد وعليان أولاد عبد الله بن إبراهيم بن عبد الله أبا الخيل:

- ‌الفرع الثالث:

- ‌شعراء من (أبا الخيل):

- ‌أبا الرُّوس:

- ‌إبا العَنَّاز:

- ‌مسجد العناز:

- ‌أئمته:

- ‌ملحوظة:

- ‌أبا بْطَيْن:

- ‌عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين:

- ‌أنموذج من خط عبد العزيز بن الشيخ عبد الله أبابطين:

- ‌أعمال عمرانية لعبد العزيز أبابطين في بريدة:

- ‌وثائق لآل (أبابطين):

- ‌المال يدل على صاحبه:

- ‌زكاة تجار العقيلات عن تجارتهم:

- ‌ابن أحمد

- ‌أبو حَبلين:

- ‌أبو شليل:

- ‌وصية أبو شليل:

- ‌أبو عْلَيّ:

- ‌أبو قْرَيْحَهْ:

- ‌أبو مصطفى:

- ‌أبو وادي:

- ‌الشيخ علي الناصر أبو وادي:

- ‌الشيخ أبو عبد الله علي بن ناصر بن محمد أبو وادي العُنَزي

- ‌أبو هلا:

- ‌الأجْبَع:

- ‌الأحمدي

- ‌الأَرْدَح:

- ‌الأشقر:

- ‌الأصطى:

- ‌الأَصْقه:

- ‌الأطرق:

- ‌الأفندي:

- ‌الإقْنَى:

- ‌الإكيزم:

- ‌وفاة عبد الله الأكيزم

الفصل: ‌متى بني سور حجيلان

‌متى بني سور حجيلان

؟ :

تولى حجيلان على إمارة بريدة وما يتبعها من القصيم في عام 1194 هـ، وعندما غزا سعدون بن عريعر بريدة في عام 1196 هـ كان هذا السور كاملًا فصده ورده كما سجل ذلك المؤرخون في كتبهم الذين سنورد كلامهم ونعلق عليه بما سمعناه من الإخباريين مما يتعلق به إن وجد لدينا تعليق.

وإذا كان حجيلان بن حمد قد أظهر الحزم والعزم والحكمة العالية منذ أول توليه الإمارة، فإنه قد بني هذا السور وكأنه ينظر بعين الغيب إلى شدة حاجة بريدة إليه.

ونبدأ من كلام المؤرخين بما ذكره المؤرخ الحصيف عثمان بن بشر عما فعله سعدون بن عريعر الذي قدم بجيش جرار إلى بريدة يريد أن يهاجمها ويقضي على نفوذ الموالين للدولة السعودية في القصيم، ثم يذهب من ذلك - بزعمه - إلى القضاء عليها في الأماكن الأخرى ثم في مقرها في الدرعية.

وذلك لكون ابن بشر واضح العبارة، كلامه خال من السجع وإلَّا فإن المؤرخ حسين بن غنام أحق منه بالبدءة بالكلام لكونه أقدم منه عهدًا، وقد سجل ذلك قبل ابن بشر، وقد زعم بعض الباحثين أن ابن بشر أخذ الكلام على هذا وأمثاله من ابن غنام، وإن لم يصرح بذلك.

قال ابن بشر في حوادث سنة 1196 هـ (1):

ثم دخلت السنة السادسة والتسعون بعد المائة والألف، وفيها أجمع أهل القصيم على نقض البيعة والحرب، سوى أهل بريدة والرس والتنومة، وقتلوا كل من ينتسب إلى الدين عندهم خصوصًا المعلمين الذين يعلمونهم أحكام

(1) عنوان المجد، ج 2، ص 146 (الطبعة الرابعة).

ص: 131

الشريعة، فحضر كافة رؤساء القصيم يوم الجمعة وأبرموا أمرهم، وتعاهدوا وأن كل أهل بلد يقتلون من عندهم في يوم معروف، ولم يشعر بذلك أحد، فلما مضوا إلى بلدانهم أرسلوا إلى سعدون بن عريعر يخبرونه بذلك واستحثوه بالقدوم عليهم، فبادر في الحال وأمر بالرحيل واستنفر العربان فأقبل بجنوده فحين قرب من القصيم، قام أهل كل بلد وقتلوا من عندهم من العلماء المعلمة، فقتل أهل بلد الخبرا إمامهم في الصلاة منصور أبا الخيل يوم الجمعة وهو قاصد المسجد، وقتل ثنيان أبا الخيل وقتل آل جناح رجلًا عندهم من أهل الدين والصلاح ضرير البصر وصلبوه بعصبة رجله وفيه رمق حياة، وقتل آل شمس (1) أميرهم علي بن حوشان، وفعل أهل البلدان ذلك الفعل وأقبل سعدون بعدده وعدته، وجمع جموعًا من بني خالد وغيرهم.

واستنفر الظفير وعربان شمر ومن حضر من عربان عنزة فأقبلت تلك الجموع ونزلوا بريدة وأحاطوا بها، وبادر منهم رجال القتال فظفر بهم أهل البلد وقتلوهم، وأرسلوا رؤوسهم إلى سعدون فامتلأ غيظًا وغضبًا، وقال إن ظفرت بأهل هذه البلدة قطعتهم إربًا إربًا.

وحين نزل بريدة أرسل إليه أهل عنيزة على سبيل الإكرام والامتثال من كان عندهم من معلمة أهل الدين وهما عبد الله القاضي وناصر الشبيلي، وقالوا: هذان كرامة لك، وهدية منا إليك فقتلهم سعدون صبرًا، ونالوا شهادة وأجرًا، وحمل من ذلك وزرًا.

ثم إن سعدون لما رميت الرؤوس بين يديه، زحف على البلد بجنوده وحصل بينهم قتال شديد، فلم يحصل على طايل، ثم ساروا يومًا آخر على السور وراموا الصعود عليه وهدمه، فقاتلهم أهل البلد أشد القتال عنده فانهزموا عن

(1) هذا تحريف صوابه: شماس.

ص: 132

السور وتركوا قتلاهم، ثم رأى سعدون أن يسوق آلاته وجموعه ويهدمون سورها وبروجها، فأقبل بكيد عظيم يشيب من هوله الفطيم، وساقها عليهم وقت الصباح، وتتابع التنادب والصياح، فرجعوا ولم يحصلوا على طائل، فتحسر سعدون لذلك وأرسل إلى أعوانه من أهل القصيم وغيرهم يشاورهم فيما يكيد به أهل بريدة فاتفق رأيهم أن يعمل مدفعًا كبيرًا يهدم به السور، فجمع له أعوانه من أهل القصيم كثيرا من آنية الصفر والنحاس، وجمع المعلمة وأهل الصنعة والمعرفة من الحدادين والنحاسين والصواغين، فقاموا يعالجون صب المدفع وصنعته فكلما أفرغوها في القالب خبت، وكلما أوقد عليها نار فسدت، ففسد عملهم ولم يتم لهم أملهم، فقاموا يراوحونهم ويغادونهم القتال، ويسوقون عليهم الأبطال في الصبح والمساء، والنصر لأهل بريدة في زيادة وثبت الله فيها عباده.

وفي أثناء هذه الحرب بني سعدون قصرًا قريبًا من البلد وأتمه، وجعل فيه رجالًا من قومه، فانتدب إليه رجال من أهل البلد فهدموه وقتلوا أهله.

وفي أثناء تلك المدة أغار سعيد (1) بن عبد الكريم أمير الرس ورجال من بلده على سارحة سعدون، فأخذوا غنم سعدون وهي أربعمائة.

ثم عدا رجال من أهل بريدة على بيت من الشعر جعله عبد الله بن رشيد،

رئيس عنيزة للحرب فأخذوه، وجروه وقتلوا فيه أربعة رجال، وكان رئيس بريدة يومئذ والمقوم لهذا الحرب والثابت في هذا الضرب والكرب، حجيلان بن حمد من رؤساء آل أبي عليان (2).

وفي كلام ابن بشر رحمه الله هنا ما يقتضي التعليق، منه قوله:

وقتل آل جناح رجلًا عندهم من أهل الدين والصلاح ضرير البصر وصلبوه بعصبة رجله وفيه رمق حياة.

(1) هذا تحريف صوابه: سعد.

(2)

عنوان المجد، ج 2، ص 147 - 148 (الطبعة الرابعة).

ص: 133

فهو لا يريد أسرة (آل جناح) وإنما يريد أهل قرية الجناح الملاصقة المدينة عنيزة ومن ذلك قوله:

وقتل آل شمس أميرهم علي بن حوشان، ولا يوجد في القصيم من أهل بريدة وما حولها من اسمه آل شمس وإنما هذا تحريف من النساخ صحته وقتل (آل شماس) والمراد بذلك أهل بلدة الشماس الواقعة إلى الشمال الغربي من مدينة بريدة القديمة، وذكرت إيضاحا عنها في (معجم بلاد القصيم) حرف الشين، والمراد ليس أسرة الشماس فبلدة الشماس سميت بأسرة آل شماس الذين أسسوها، ولكنها أصبحت بعد ذلك بلدة مزدهرة فيها طوائف من السكان من أسرة (الشماس) وغيرهم.

وقوله: ويادر منهم أي من القوم الغازين رجال القتال فظهر (بهم) أي لهم أهل البلد وقتلوهم وأرسلوا رؤوسهم إلى سعدون (بن عريعر) فامتلأ غيظًا وغضبًا.

وإرسال رؤس قومه إليهم فيه شك لاسيما أنهم قتلوا في معركة خارج البلد، وجيش سعدون ينظر إليهم ويعرف ما فعلوا وما فعل بهم.

ومثل ذلك ما ذكره ابن بشر رحمه الله من أن أهل عنيزة أرسلوا إليه من كان عندهم من معلمة أهل الدين - جمع معلم - وهما عبد الله القاضي وناصر الشبيلي، وقالوا: هذان كرامة لك، وهدية منا إليك فقتلهم سعدون صبرًا، والقتل صبرًا أن يقتل الإنسان بعد إمساكه أو تسليمه لمن أمسك به.

وقوله: وفي أثناء ذلك أغار سعيد بن عبد الكريم أمير الرس ورجال من بلده على سارحة سعدون، فأخذوا غنم سعدون وهي أربعمائة.

أقول: ينبغي أن نتذكر أن الرس هو البلدة الثالثة في القصيم التي لم تنضم إلى التمرد على الدولة الإسلامية السعودية، لم تشايع سعدون بن عريعر والثالثة هي (التنومة).

وثانيًا أن الذي نعرفه أن أمير الرس الذي أغار على غنم سعدون وغنمها

ص: 134

أي أخذها منه هو سعد بن عبد الله الدهلاوي أمير الرس وهو من أسرة آل أبي الحصين أهل الرس وحكامه الذين كان جدهم الأول يسمى (حصيني) على لفظ تصغير حصني بمعنى الثعلب، فنسبوا إليه وآل أبو الحصين هم أمراء الرس من قديم الزمان وحتى الوقت الحاضر.

وقول ابن بشر رحمه الله: ثم عدا رجال من أهل بريدة على بيت من الشعر جعله عبد الله بن رشيد رئيس عنيزة للحرب، فأخذوه وجروه وقتلوا فيه أربعة رجال.

هذا يحتاج إلى إيضاح هو ما سبق من كون أهل عنيزة قد ارتدوا مع أكثر أهل القصيم، ولذلك قبضوا على من كانوا عندهم من الذين يعلمون الناس دينهم وأرسلوهم إلى سعدون بن عريعر وهو محاصر بريدة فقتلهم كما سبق.

فأراد عبد الله بن رشيد - بكسر الراء والشين - أمير عنيزة أن يقوم بعمل عسكري يسهم به في مساعدة سعدون بن عريعر والمرتدين الآخرين، وذلك في الإسهام بالعمل على هزيمة أهل بريدة فأنشأ في مكان يسمى (النهير) واقع إلى الجنوب من بريدة في شمالي نخيل الصباخ بيتًا من الشعر جعل فيه سلاحًا وجنودًا من أجل أن يضايقوا المدافعين عن بريدة، ويضغطوا عليهم من تلك الجهة الجنوبية التي هي جهة الذي يجيء من عنيزة إلى بريدة.

وكان بين (النهير) المذكور وبين بريدة القديمة التي كان يضمها السور مسافة من الفراغ من النخيل.

وهو أمن أن يخرج المقاتلون من أهل بريدة على بيته من الشعر هذا لأنهم محاصرون حصارا شديدا، ولكنهم عرفوا بوجود هذا البيت فخرجوا من السور، وهاجموه وكان فيه وقت الهجوم ستة رجال فقتلوا منهم أربعة وفر اثنان وأخذ أهل بريدة ذلك البيت وما فيه من السلاح.

ص: 135

وهذا يفسر ما فعله حجيلان بن حمد بعد ذلك بنحو خمس سنين عندما ساعد الإمام سعود بن عبد العزيز على غزوه لأهل عنيزة الذين كان أميرهم هو نفسه الأمير عبد الله بن رشيد، ونشأ عن تلك الغزو سيطرة آل سعود على عنيزة وإجلاء أميرها عبد الله بن رشيد عنها.

وهناك أمران مهمان لم يذكرهما ابن بشر رحمه الله وقد ذكرهما الإخباريون وقعا أثناء حصار بريدة، أولهما: أن سعدون بن عريعر اتفق مع أهل الشماس البلدة المجاورة لبريدة أثناء حصار بريدة على أن أناسًا من كبار أهلها أي أهل بريدة المناوئين لحجيلان بن حمد يقومون بثورة عليه من الداخل فأرسلوا سرًّا وبوساطة من لا يؤبه لهم من نساء أو أراذل أناس إلى بعض أهل بريدة ذكروا منهم سليمان الحجيلاني وابن حصين هكذا، ذكر اسم هذين الشخصين منهم المؤرخ ابن غنام.

ولكن حجيلان علم بذلك فرصد لهم حتى إذا جاء الشخص الذي كان كلف بان يتصل بهم أمسك حجيلان بأولئك المتآمرين، وقطع رؤسهم وأعطاها ذلك الرجل لكي يعطيها لسعدون بن عريعر هدية له! ! !

وهذان الرجلان يوجد سبب لاشتراكهما في المؤامرة ضد حجيلان، أمير بريدة التي هي مؤامرة ضد أهل بريدة الذين ظلوا صامدين تحت الحصار، بقيادة أميرهم القوي فالأول وهو سليمان الحجيلاني هو من فرع الدريبي الذي كان يناصب فرع الحسن الذي ينتمي إليه حجيلان العداء ويتربص به الدوائر لكي ينتزع الإمارة منه.

وأما الثاني: وهو ابن حصين فإنه من أسرة الحصين الآتي ذكرها في حرف الحاء من أهل الشماس القدماء، ولهم مصلحة في هزيمة حجيلان بن حمد لما كان بين أهل بلدة الشماس وأهل بريدة من اقتتال وتنازع وهما متجاوران، بل متناظران ينظر أحدهما إلى الآخر، وقد علم الحصين وغيره من

ص: 136

أهل الشماس أن حجيلان سوف يفعل بأهل الشماس إن انتصر ما لم يفعله بغيرهم وما لم يفعله بهم في السابق.

وقد حدث هذا بالفعل.

إذ ما أن انتهى الحصار حتى طلب حجيلان من أهل الشماس أن يرحلوا عنه إلى الأبد، وقال لهم عند ما جمع أعيانهم وكبارهم عنده في بريدة: إن بلدكم الشماس كان منذ القديم يناصب بريدة العداء، وكنتم دوما شوكة في جنب بريدة لم يأت إليها مهاجم إلَّا ساعدتموه على الهجوم عليها، ولا اعتدى عليها معتد إلَّا كنتم معه عليها، وآخر ذلك وقت أن اعتدى علينا سعدون بن عريعر، وحاصر بلدنا أكثر من أربعة أشهر، لذا لا يمكن أن نسمح بأن يستمر ذلك، ولذلك لا يمكن لكم أن تبقوا في بلدتكم الشماس، بل يجب أن تهجروها كلكم وسوف نهدمها بعد أن تغادروها إن استطعنا إلى ذلك سبيلًا، ولكم مهلة كذا يومًا لكي ترحلوا عنها.

فالذي يريد منكم أن يدخل إلى بريدة ويقيم عندنا مثل سائر أهلها، حياه الله، والذي يريد منكم أن يذهب إلى أبناء عمه الذين سبقوه إلى سكنى الشماسية يمكنه أن يفعل ذلك، والذي يريد أرضا يعمرها ويتعيش منها فهذه الثوب عارضة جنبها - يريد خبوب بريدة - وفيها أماكن واسعة غير معمورة، بل فيها خبوب خالية من العمارة يمكنه أن يعمرها، ويقيم فيها وسوف نساعده بما نستطيع على ذلك.

أما أن تبقى بلدة الشماس على الوجود بعدما حصل علينا منها، فإن ذلك غير ممكن.

قال الإخباريون: ولما كان أهل الشماس يعلمون جدية الأمر أخذوا في الجلاء عن بلدتهم الشماس، وقال لي والدي رحمه الله، إن بعض أهل الشماس من الذين كانوا بنوا بيوتهم بناء جديدًا صاروا يهدمون سقوفها ويأخذون الخشب الجديد الذي كانوا سقفوها به.

ص: 137

ورحل أهل الشماس كلهم عنه فصار بعد مدة أثرًا بعد عين، ولم يبق منه يغالب الأيام إلَّا مرقبه العالي القوي الذي عمر دهرا قبل أن يسقط، وأدركته أنا مؤلف هذا الكتاب قويا شامخا في عصر الستينات من القرن الرابع عشر.

قال الإخباريون: فانقسم أهل الشماس الذين غادروه إلى ثلاثة أقسام: قسم ذهب إلى أبناء عمه ومواطنيه الذين كانوا سبقوه إلى سكنى الشماسية التي كان أهل الشماس قد أعدوها قبل ذلك لمثل هذا اليوم، وأسموها الشماسية، على اسم بلدتهم تلك الشماس وسكنها بعضهم، وقسم دخل إلى بريدة وصار من أهلها، وقسم ذهب إلى الحبوب الغربية وبعض الأسر ذهب بعض أفرادها إلى الشماسية وبعضهم دخل إلى بريدة مثل الفوزان الذين منهم العثمان والسابق، ومن بين الذين ذهبوا إلى الخبوب الصمعاني والرميان والحمود الذين منهم الضبيب والجمعة الذين نبتت عندهم التمرة السكرية المعروفة التي كانت تسمى في أول الأمر وقبل أن تشتهر بسكرة الجمعة، ثم بالسكرية فقط، وبعض الناس كانوا يسمونها في القديم (نبتة الجمعة)، وذلك في نخلهم في حويلان.

ولكن الأسر التي ذهبت إلى الخبوب ذهب منهم أناس إلى الشماسية أو النبقية أو أماكن أخرى، بمعنى أن بعض الأسر تفرق أفرادها.

ومن الأسر التي دخلت إلى بريدة (الشماسي) والزايدي الذين ذهب بعضهم إلى النبقية وذهب بعضهم إلى بريدة والرديني والصنات الذين تفرقوا كذلك بعضهم ذهب إلى خب الشماس وبعضهم دخل إلى بريدة، وهكذا.

وهذا هو الذي سمعناه وحفظناه من الثقات، ولكنني سمعت من أهل الشماسية أخيرا أن أهل الشماس لم يسلموا لحجيلان بن حمد بالانتقال من بلدتهم، وإنما قاتلوه فلما لم يظفروا بشيء خضعوا لأمره، وهذا مستبعد لأنهم كانوا لبثوا أثناء وجود سعدون بن عريعر محاصرًا لبلدة يقاتلونها أشهرًا ولم يظفروا بهزيمتها، فكيف يستطيعون قتالها بعد ذلك، وقد أيد ابن غنام هذا الرأي الأخير.

ص: 138