الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المتعارف عليه، المعمول به من تقديم السنوات السابقة على اللاحقة.
وهذا لا ينقص من قدر هذه الأوراق التي فيها فوائد عديدة مع كونها مختصرة فقد ذكر ابتداء ولاية حجيلان بن حمد في حوادث سنة 1194 هـ في نصف سطر ومن كلمات ثلاث لا رابع لها، ولم يذكر غيرها في حوادث تلك السنة، ولكنها كانت الضالة التي كنت أبحث عنها، قال تحت عنوان (حوادث سنة 1194 هـ):
…
شاخ حجيلان ببريدة (1):
ومن المعلوم أن كلمة (شاخ) هنا تعني حكم أصله أنه صار شيخ البلدة أو الناحية بمعنى أميرها، وليس قاضيها مثلًا لأنه لا علاقة لهذه الكلمة بشيخ العلم، ولا بمشيخة العلماء.
وقد انفرد عبد الله بن محمد بن بسام رحمه الله بهذه العبارة المهمة لنا، رغم كونها لا تزيد على ثلاث كلمات.
كيف تولى الإمارة
؟ :
حجيلان بن حمد شخصية قوية مؤثرة ما في ذلك شك، وقد بقي في إمارة القصيم مدة لم يبلغها أمير قبله، إذ استمر ذلك أربعين سنة من عام 1194 هـ إلى عام 1234 هـ، وهي فترة حافلة بالأمور الجسام من ذلك ازدهار الدولة السعودية فيها وبلوغها إلى مدى لم تبلغه من قبل، بل ولم تبلغه أية حكومة أو دولة في جزيرة العرب، بعد الخلافة إذ امتدت من عمان شرقًا حتى البحر الأحمر غربًا، ومن العراق والشام شمالا، حتى داخل حدود اليمن جنوبًا.
لذلك كان لابد من الحديث عن هذا الشخص وعن كيفية توليه الإمارة.
إنَّ المؤرخين الذين كتبوا تاريخ نجد، وبخاصة تاريخ منطقة القصيم لا
(1) خزانة التواريخ، ج 5، ص 60.
يذكرون في العادة إلَّا سنة تولي أميرها الحكم، وفي بعض الأحيان كما في حالة حجيلان بن حمد لم يذكروا حتى تاريخ ولايته ما عدا ما سبق.
ولذلك لابد من الرجوع إلى الإخباريين - بكسر الهمزة نسبة إلى الإخبار، بمعنى الإعلام، فأولئك الإخباريون تكون في جعبتهم أحيانًا أخبار أو تفاصيل عن أخبار مذكورة في كتب التاريخ.
ومع الأسف الشديد فإن أولئك الإخباريين وأخبارهم هم مادة ناضبة، لأنهم يموتون، ولا يخلفون مثلهم، وإن كان الميل إلى الأخبار مستمرًا، وحملها أمر في طبيعة البشر، إلَّا أن الأواخر لا يستطيعون نقل كل ما كان يقوله الأوائل نقلًا شفهيًّا، كما أن بعضهم يلبس - في العادة - الأخبار التي يرويها لباسًا مشوقًا لتكون جذابة أو مقبولة من السمع أو الفكر.
وأمر مهم آخر وهو الطامة العظمى بالنسبة إلى هذا الموضوع وهو وسائل النشر كالإذاعة التي وجدت أخيرًا فقد استهلكت الأجزاء المهمة من أوقات الناس، وشغلتهم عن الاشتغال بالأخبار القديمة، سواء أكان ذلك إخبارًا أم استخبارًا.
وشيء آخر هو أن الجيل القديم كانت لديه فرصة لاستماع الأخبار والأسمار من الآباء والأمهات، بل والأجداد والجدات، ولكن ذلك ذهب الآن بسبب شمول التعليم وانشغال الناشئة بأمور الدراسة التي يحتاجون خلالها إلى ما يسليهم، ويخفف عنهم من التذكر والبحث عما يدرسونه، وذلك موجود في الإذاعات والتلفازات وبخاصة تلك القنوات الفضائية المتنوعة.
وفي حالة تولي حجيلان بن حمد الإمارة وكيف كان ذلك كنا نسمع ونحن صغار كيفيته، وكان والدي رحمه الله وهو إخباري مجيد أهم مصدر في هذا الأمر، وكنت اسمعه وأنا صغير ليس لي اهتمام خاص بهذه الأمور، يذاكر بعض الشيوخ الكبار عن كيفية حصول هذا الأمر وأمثاله فأستفيد وأختزن ذلك
في ذاكرتي بطريقة عفوية، ولم أكن أعلم آنذاك أنني سوف أعني بهذه الأمور واحتاج إلى تدوين تلك الأخبار.
ذكروا في سبب تولي حجيلان بن حمد الإمارة وانتزاعها من راشد بن حمود الدريبي ذلك الرجل الصلب، بل العنيد الشجاع القوي الإرادة، أن (آل أبي عليان) من فرع الحسن ضاقوا ذرعًا بتصرفات راشد الدريبي بعد أن كان أخذ الإمارة واستنجد ضدهم بأناس من خارج بريدة كآل عريعر أهل الأحساء، فاجتمعوا خفية في إحدى الليالي ليتشاوروا فيمن يكلون إليه رئاستهم في هذا الأمر، ثم يتولي الإمارة بعد أن ينحي الدريبي عنها.
فأجمع رأيهم على أن أفضل رجل يقوم بذلك هو حجيلان بن حمد.
وكان حجيلان مقيما مع أمه في الطرفية قيل: إنه كان عاملًا عند (التواجر) أهل الطرفية، وقيل: بل إن أمه كانت من التواجر، وذلك أن أباه حمد بن عبد الله بن حسن كان من كبار المعارضين لراشد الدريبي ومن المنازعين له على إمارة بريدة.
وكان ممن تضايقوا من أعمال الدريبي فترك بريدة ونزل في الطرفية وتزوج بامرأة من أهلها: أسرة (التويجري) فولدت له حجيلان.
وعلى الكلام الأول أوردت الحكايات الشعبية أن حجيلان بن حمد كان عاملًا عند التواجر، ولم يكن يملك شيئا فرأى مرة فتاة جميلة شابة من أسرة التويجري الذين كان يعمل عندهم قد مشطت رأسها بورد وتزينت بزينة الحضور زواج أو نحوه، فقال لها ححيلان وهو شاب: ما أجمل رأسك، يا فلانة، أو ما أجملك يا فلانة.
فنظرت إليه بإزدراء، وقالت: ها الزينة ماهيب لك - يا العامل - تريد أنها لن ترضى بمثله زوجًا لها.
وتقول الأسطورة: إن كلامها ظل في نفس حجيلان حتى تولى الإمارة فتزوج بتلك المرأة مناقضة لكلامها عليه.
ونعود إلى الرواية الجادة التي تقول: إن حجيلان بن حمد أخواله التواجر، وأن كبار آل أبي عليان من الحسن الذي أرادو القيام وبالتعبير العصري الثورة على راشد الدريبي وأجمعوا على أن أكثر المفضلين كفاءة لتلك المهمة هو حجيلان.
فذهب أناس منهم إلى حجيلان في الطرفية فأخبروه سرًّا بأنهم اختاروه لهذه المهمة فأجابهم بالقبول، وطلب أن يحضر إليه في الطرفية مقاتلون منهم حتى يسير بهم إلى بريدة للهجوم على الدريبي.
قالوا: فجاءوا إليه بالفعل وسار بهم في أول ليلة ليس فيها نجوم - كما تقول العامة - فساروا في أول الليل حتى الفجر ولكنهم كمنوا طول النهار، حتى استأنفوا المسير نهارا، فلما وصلوا إلى قرب النقيب طلب منهم حجيلان أن يجلسوا عند قارة هناك، وخاطبهم قائلًا: أنتم يا بني عليان، إعرفوا إننا رايحين الراشد الدريبي ولا عنده لنا إن كان حنا ما قدرنا عليه إلَّا الذبح، وأخذ الأموال، ويمكن أنه يذبح حتى عيالكم، فالذي عنده تردد أو خايف على حلاله أو عياله يتركنا من هالحين، ماهوب إلى وصلنا الدريبي تخالفت أرياه (آراؤه) بمعني تردد في الإقدام على هذا العمل.
فقال أناس منهم يقال لهم (الصاعين): حنا لنا عيال وأملاك ولا نقدر نخاطر بها، سلام عليكم، فانصرفوا عنه وعمن معه، ومن ثم سميت تلك القارة (قارة الصاعين) ولا تزال تسمى بذلك حتى الآن، وهي واقعة إلى الشرق من النقيب.
قالوا: فسار حجيلان بمن معه حتى أشرفوا على الصوير وهو أحد خبوب بريدة الشرقية فطلب ممن معه أن يجلسوا، وكرر عليهم ما كان قال من قبل، وزاد قائلًا:
ترانا ما حنا رايحين لعشاء معزومين عليه، حنا رايحين لحرب وموت، اللي يبي السلامة يتركنا هالحين قبل ما ناصل الدريبي، واللي يبي الحكم ولا يبي السلامة يروح معنا.
قالوا: فاشمأز أناس منهم من قوله: اللي ما يبي السلامة يروح معنا وقالوا: يا حجيلان: السلامة ما تنعاف، حنا نبي السلامة، فسموا (السلامة) من ذلك الوقت.
وقد أنكر بعض أسرة السلامة هذه الرواية، وذكر لي أن اسمهم السلامة قديم كان قبل هجوم حجيلان، والذين معهم في تلك الليلة، وسوف يأتي حديث عن شيء من ذلك في رسم (السلامة) في حرف السين - إن شاء الله تعالى.
ثم مروا على مسجد (الصوير)، وكان فيه نعش ينقل عليه الموتى، وكان الصوير آنذاك واسعًا مزدهرًا.
فأخذوا النعش من المسجد ووضعوا فوقه جذع نخلة اختاروه في طول الرجل وضخامته ووضعوا فوقه عباءة أحدهم، وترابعوه أي حمله أربعة منهم كل واحد ممسك بركن من أركان النعش الأربعة كما يفعل في حمل الميت.
ووصلوا إلى باب سور بريدة، وهم يحوقلون ويهمهمون بالدعاء مثل الله يرحمه الله يغفر له، فسألهم البواب قائلًا: من أنتم؟ فقالوا: من أهل الصوير مات فلان أبو الفلان، وكان رجل بهذا الاسم كبير السن مريضًا معروفًا، وجبناه نبي نصلي عليه بجامع بريدة، وكانت العادة عندهم أن يصلي على جنازات ذوي الأقدار في جامع بريدة.
قالوا: فأطل البواب من فتحة في الباب يريد أن يتأكد مما ذكروه لكونه لم يتأكد من ذلك بسبب الظلام فعاجله أحدهم بسكين حادة وقتله.
ثم دخلوا من باب السور، وقصدوا مكانًا محصنًا يبيت فيه راشد الدريبي
في مكان قصر بريدة الذي هدم مع الأسف في السنين الأخيرة وصار مكانه الآن ميدانا وحوانيت، فقتلوا حارس بابه ودخلوا على الدريبي في القصر.
وهنا تختلف الروايات الشعبية لأن هذه القصة دخلت في الأدب الشعبي وصارت من المأثورات الشعبية فالذي سمعته من الأشياخ الثقات، ومنهم والدي أنهم أمسكوا بالدريبي وقتلوه حال دخولهم قصره لأنهم يعرفون ذلك.
وقصره هذا غير بيته، ولكنه كان يبيت فيه لأن فيه حراسة وفيه فرس له أصيل أعده ليهرب عليه عند الحاجة.
وبذلك استولى حجيلان بن حمد على الإمارة.
وبعض الرواة الشعبيين يقولون: إن راشد الدريبي كان واسع الحيلة، ولذلك كان أعد في مكان نومه المعتاد رحا من طبقتين وغطاها بفراش له حتى يظن من يراه أنه موجود فيها فيضربه بينما يكون هو قد اختفى، وأن حجيلان بن حمد ضرب هذه الرحا التي هي من الحجر يظنها (الدريبي) فقطع الرحا نصفين بسيف له مشهور سمي من ذلك الوقت (رحيان) لأنه قطع الرحا.
ولا يزال السيف معروفا حتى كتابة هذه السطور باسم رحيان، ويقال: إنه موجود الآن عند (النصار) من آل بني عليان.
قالوا: أما راشد الدريبي فإنه أفلت من المهاجمين وغادر القصر على حصانه الأصيل وقصد بعض الأعراب الذين كانوا بعيدين عن نفوذ حجيلان، بل وعن نفوذ آل سعود، وأنه تزوج منهم وله ذرية.
ولكن الملك أو لنقل الإمارة وهي بالملك أشبه قد ضاع منه.
وظني أن ذلك كله من تأليف العامة لأنه لم يرد الراشد الدريبي ذكر بعد ذلك، والمعروف من طبعه أنه لو كان حيا لكانت له محاولة، أو محاولات للعودة إلى الحكم.