الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدين، هو أمر محزن لي، وربما كذلك لأسرته أو لأفراد من أسرته.
ونحن نعرف من أحوال الناس في تلك العصور أن الفلاحين والمزارعين - على وجه العموم - كلهم أو أكثرهم من الفقراء الذين يمارسون الفلاحة، بغية الحصول على لقمة العيش التي لا تزيد على الكفاف الخشن، ولكنهم ليست لديهم أية قدرة مالية، فيذهبون إلى التجار المداينين يستدينون منهم ما يحتاجون إليه إلى وقت معين يكون في الغالب عند نضوج ثمرة النخل من التمر أو إبان حصاد الزرع من القمح وشبهه.
وقد استقر رأيي على أن أذكر تلك الوثائق لأنها لا تتضمن سبًا من السباب، بل ولا ذمًا في المدين، بل تفيد أنه قد استدان، وذلك أمر غير معيب، فقد استدان كبار الصحابة والتابعين حتى روي أن علي بن أبي طالب قد استدان من يهودي ورهن درعه عنده.
وإذا كانت تلك الوثائق التي هي وثائق المداينات هي الوحيدة التي ذكرت الشخصيات التي نذكرها فإنها تكتسب عندنا أهمية مضافة تجعلنا لا نجد مفرًا من ذكرها، ويكفي في العزاء لنفوس ذرية ذلك الشخص المستدين أن يتفكروا بما هم عليه الآن من نعمة ووفرة في الأرزاق، وبعضهم يملكون ثروات طائلة لا يصدق أولادهم أن آباءهم أو أجدادهم كانوا من المحتاجين إلى أن يستدينوا من أحد.
التعليق على الوثائق:
من الواضح أن وثائق المداينات لا يقتصر الأمر فيها على المدين الذي هو المستدين وحده، بل يذكر فيها اسم الدائن وهذا أمر مهم من الناحية التاريخية، ويذكر فيها إضافة إلى ذلك اسم الكاتب وأسماء الشهود، وذلك كله مهم لنا عن تلك الأوقات التي لا يوجد فيها شيء مكتوب غيرها.
ونستفيد - أيضًا - فوائد أخرى مثل معرفة جودة كتابة الكاتب أو ضعفها وأحيانًا نجد فيها توثيق القاضي المعاصر لها وتعليقاته.
وكل ذلك أمر مهم للتسجيل والتدوين لا يمكن أن ندعه ونتغاضى عنه، لكونه قد ذكر فيه شخص قد أحوجته الظروف إلى الاستدانة من شخص آخر.
وكثير من الوثائق مكتوبة بخط ردئ يصعب على القراء الجدد فهمه، لذلك أعدت كتابتها بحروف الطباعة.
وبعضها مكتوب بخط جيد واضح ولكن فيها مصطلحات ومسميات عفا عليها الزمن، فأوضحت ذلك بالتعليق وإيضاح المهم مما فيها كما ستراه بإذن الله.
على أن الوثائق تعتورها أمور، وإن كانت لا تمنع من الاستفادة منها، وهي:
الأول:
قلة الوثائق.
الثاني:
سوء حال بعضها لأن خزن الأوراق والوثائق أمر لم يكن بذي أهمية عند بعض الناس في بلادنا، ورأيناهم إذا خافوا التلف على الورقة المهمة أو الوثيقة وبخاصة ما يتعلق منها بشيء حي متكرر مثل وثائق الأوقاف والوصايا والهبات طلبوا من أحد الكتبة أن ينسخها فتفوت علينا بذلك فوائد عديدة منها معرفة حال الناسخ الأول من حيث الخط والتاريخ، ومنها أن بعضهم قد يتساهل في نقل بعض الكلمات فيحصل فيها غلط أو خلط.
الثالث:
يختص بالوثائق القديمة نسبيًا إذ يصدم قارئها بأن الأشخاص المذكورين في الوثيقة لا يعرفهم أحد من المعاصرين، ولا يمكن القول بأن أنسابهم وذرياتهم قد
يعرفون ذلك، فبعضهم قد انقطعت صلة العلم بينه وبين نسله، إما لوجود فجوة مثل كونه توفي وذريته صغار، أو لكونه غاب عن البلاد لا تعرف ذريته عنه شيئًا، أو الكون المعلومات عنهم قد تقادمت بفعل الزمن حتى تلاشت.
الرابع:
أن خطوط بعضها سيئة إلى درجة لا يستطيع الجيل الجديد من القراء أن يقرأها، وقد عالجت ذلك بإعادة كتابتها بحروف الطباعة مع تصوير أصلها ليفهمها القارئون، كما سبق ذكر ذلك.
الخامس:
اختلاف مصطلحات ما بين الكتبة المتقدمين والمتأخرين من ذلك مثلا:
كتابة الأرقام، فرقم (4) كان يكتب على هيئة تقرب من هيئة العين (ع)، والصفر كان يكتب في وسطه نقطة لاصقة بأحد جوانبه من الداخل، وبعضهم يكتب (هو)(هـ) بدون واو، وبعضهم يكتب الاسم على غير ما نعرفه فيكتب - مثلا اسم (ميثاء) وهو اسم امرأة مثاء أو مثى.
وشيء مهم آخر وهو أن بعضهم يكتب الوثائق وهذا شائع في القصيم وحائل على لفظ اللغة العامية المحكية هناك إذ يتكلم على امرأة أو ناقة أو بقرة فيقول: (ولده) بفتح الدال، أي ولدها، ونصيبَهُ (نصيبها) وورثته (ورثتها).
السادس:
اختلاف معاني بعض الكلمات في لغة الوثائق عما هي عليه الآن، وبعض الكلمات والمصطلحات الموجودة في الوثائق لا يعرفها الجيل الجديد. .
مثل تسبيل القربة وهي وعاء الماء، ومثل العشاء في رمضان، والحجة
التي يرد بها أن يتعاقد أحدهم مع شخص أن يحج بديلًا عنه إلى بيت الله الحرام يدفع له نقودًا على أن يكون ثواب الحجة الدافع النقود، وهذه تكثر في الوصايا، ومن ذلك كل ما يتعلق بالسواني، وهي إخراج الماء من الآبار بواسطة الدواب التي تجر الدلاء الكبيرة: جمع دلو وهي الغروب تخرج بها الماء من البئر إلى (اللزى) الذي هو سطح الأرض بجانب البئر ليذهب من هناك إلى الجابية.
وكان ما يتعلق بحالة السانية نفسها وهي الحيوان كالإبل في القصيم والحمير والبقر في أماكن أخرى خارجها.
ومثل حال الآبار وقنوات الزرع، بل حال بعض الحبوب التي كانت تؤكل مثل الدخن الذي منه الشامية والمليسا والدقساء، وأنواع القمح مثل المعية والصماء، والهلباء، وكل هذه تحتاج إلى شرح وإيضاح بغاية العناية.
وقد فعلت ذلك في شرح الوثائق المتعلقة بالأسر.
السابع:
تشابه الأسماء أو تماثلها في الأسر، فقد نجد في وثيقة اسم أسرة ثم نجد في أخرى اسم أسرة أخرى باللفظ نفسه فنحكم أنهما أسرة واحدة على حين أن الواقع غير ذلك، وأنهما أسرتان جمع بينهما اتحاد الاسم لفظًا.
الثامن:
عكس ذلك بأن يتغير اسم فرع من فروع الأسرة أو أكثر من فرع بأن يكون لهم اسم، أو هو لقب غير لقب آبائهم، وذلك يقتضي الاستقصاء وامعان النظر، وقد فعلت ما في وسعي من هذا الأمر.