الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أركانه
639 -
الأصل حكمُهُ وما قد شُبِّها
…
وعلةٌ رابعُها فانتَبِها
أركان الشيء أجزاؤه الداخلة فيه التي تتركب منها حقيقته، وأركان القياس أربعة، أشار لها بقوله:"الأصل. . . " البيت، يعني أن أركانه الأربعة هي: الأصل، والفرع، والعلة، والحكم. وسيأتي الكلام على كلها، وبدأ بالكلام على الأصل فقال:
640 -
والحكمُ أو محلُّه أو ما يدلْ
…
تأصيلُ كلِّ واحدٍ مما نُقِلْ
يعني أن الأصل اخْتُلِف فيه على ثلاثة أقوال، قيل: إنه الحكم، وقيل: محل الحكم، وقيل: دليل الحكم. فالحكم -مثلًا- التحريم في الخمر، ومحله الخمر لأنها الشيء المحكوم بتحريمه، ودليله آية:{إِنَّمَا الْخَمْرُ} [المائدة/ 90]. إذا عرفتَ ذلك فالتحقيق أن الأصل هو محل الحكم وهو الخمر -مثلًا- والفرع النبيذ -مثلًا-، والعلة الإسكار، والحكم التحريم، والدليل:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ} الآية.
641 -
وقِسْ عليه دون شرطِ نصِّ
…
يجيزُة بالنَّوعِ أو بالشَّخْص
يعني أن القياس على الأصل الذي يُقاس عليه يجوز ولا يشترط فيه وجودُ نصٍّ أي دليل على جواز القياس على ذلك الأصل [لا] باعتبار شخصه ولا باعتبار نوعه، فإذا أراد مثلًا أن يقيس على أصل من مسائل البيوع
(1)
فلا يشترط وجود دليل على جواز القياس في تلك المسألة بعينها، ولا
(1)
الأصل: كالبيوع!
وجود دليل على جواز القياس في نوع البيع. والمخالف في هذه المسألة هو عثمان البتيُّ القائل: يشترط أحد الأمرين. ومثاله باعتبار الشخص: قياس: "أنتِ حرام" على "أنتِ طالق" فإنه قد ثبتَ عن مالك ومن وافقه
(1)
. فيصح قياس "أنتِ خليَّةٌ، أو بريَّةٌ" على "أنت طالق" في لزوم الطلاق.
642 -
وعلّةٌ وجودُها الوفاقُ
…
عليه يأبى شَرْطَهُ الحُذَّاقُ
يعني أنه لا يشترط عند الحذاق أي المحققين من أهل الأصول الإجماع على وجود العلة في الأصل، فيصح القياس عندهم على أصلٍ اختلف في وجود علته أصلًا أو وجودها فيه، والمخالف في هذا بشر المريسي القائل: لابد من الإجماع على أن حكم الأصل معلل، وعلى أن العلة موجودة فيه، ويقوم مقام ذلك النصّ على عَيْن العلة في الأصل.
643 -
وحكمُ الأصل قد يكون مُلْحقا
…
لِما مِنَ اعْتِبارِ الأدنى حُقِّقا
هذا شروع من المؤلف رحمه الله في الكلام على الركن الثاني من أركان القياس وهو حكم الأصل، يعني أنه يجوز كون الأصل المقيس عليلا فرعًا مقيسًا على أصل آخر، كما قال ابن رشد في "المقدمات"
(2)
إنه مذهب مالك وأصحابه.
فإن قيل: لِمَ لا يمنع القياس على الفرع المقيس اكتفاء عنه بالقياس على الأصل الذي قيس هو عليه كما ذهب إليه الشافعية وغيرهم؟
(1)
انظر: "تهذيب المدونة": (2/ 305).
(2)
(1/ 38 - 39).
فالجواب: أن الفرع الأول الذي هو الأصل الثاني أقرب إلى الفرع الثاني من الأصل الأول، وهذا هو مراد المؤلف بقوله:"لِما من اعتبار الأدنى حُقِّقا".
ومثاله: قياس الغسل من الجنابة على الصلاة في وجوب النية بجامع أن كلًّا قربة، فإذا تقرَّرَ وجوبُ النية في الغسل بهذا القياس كان لنا أن نقيس الوضوء على الغسل في وجوب النية لأن الغسل أقرب إلى الوضوء من الأصل
(1)
الذي هو الصلاة.
644 -
مُسْتلحق الشرع هو الشرعيُّ
…
وغيرُه لغيره مَرْعِيُّ
يعني أن الفرع المقيس إذا كان شرعيًّا لابد أن يكون مُسْتَلْحِقه -بكسر الحاء- أي أصله الملحق به شرعيًّا أيضًا، فلا يمكن أن يُلحق فرع شرعي إلا بأصل شرعي، وهذا مراده بقوله:"مستلحِق الشرع هو الشرعيُّ". وأما إذا كان القياس في حكم لغوي على الخلاف المتقدم
(2)
، أو عقلي بناءً على جواز القياس في العقليات، فلابد أن يكون الأصل في اللغوي لغويًّا وفي العقلي عقليًّا، وهذا معنى قوله:"وغيره لغيره مرعيُّ".
ومثاله في اللغويّ قد تقدم، ومثاله في العقْلِيّ عند القائل به: الحكم بحدوث جميع أنواع العالَم إلحاقًا لما لم يشاهَدْ حدوثه بما شوهد حُدوثه بجامع افتقار الكل إلى الفاعل المختار.
645 -
وما بقطْعٍ فيه قد تَعبَّدا
…
ربّي فملحقٌ كذاك عُهِدَا
(1)
ط: الأصل الأول.
(2)
في مباحث الألفاظ، البيت (170).
يعني أن ما كان الناس متعبَّدِين فيه بالقطع أي مكلفين فيه بالعلم اليقينيّ كالعقائد لا يُقاس عليه إلا ما يُطْلَب فيه القطع بأن يتيقنَ حكمُ الأصل ويتيقن وجودُ العلة فيه ويتيقنَ وجودها في الفرع.
وحاصلُ مراد المؤلف أن ما يُطلب فيه اليقين يجوز فيه القياس اليقينيُّ خاصة دون الظنِّيّ، وخالف في ذلك الغزاليُّ
(1)
قائلًا: إن ما تُعبّد فيه بالعلم اليقينيّ لا يجوز إثباته بالقياس كإثبات حجية خبر الواحد بالقياس على قبول شهادة الشاهدين، ووَجْهُه عنده أن القياس التمثيليَّ الذي هو قياس الأصول لا يفيد إلا الظن عند الجمهور، كما قال الأخضري
(2)
:
ولا يفيد القطعَ بالدّليل
…
قياسُ الاستقراء والتمثيل
وما لا يفيد إلا الظن لا يمكن أن يثبتَ به ما يُطلب فيه اليقين، ولكن ما درجَ عليه المؤلف مشروط بحصول اليقين بالقياس وذلك هو مراده بقوله:"فملحق كذاك" أي فالفرع الملحق بالقياس لابد أن يكون إلحاقه كذاك أي يقينيًا أيضًا.
646 -
وليس حكمُ الأصلِ بالأساس
…
متى يَحِدْ عن سَنَنِ القياس
647 -
لكونه معناه ليس يُعقلُ
…
أو التعديّ فيه ليس يحصُلُ
يعني أنه يشترط في حكم الأصل أن لا يعدل عن سَنَنِ القياس، فإن عَدَل عن سَنَن القياس لم يَجُز القياسُ عليه، وسَنَن القياس -بفتح السِّين-
(1)
"المستصفى": (2/ 331).
(2)
في "السلم - مع الإيضاح": (ص/ 17).
بمعنى طريقه ومنهاجه، ومراد المؤلف بسنن القياس أمران:
الأول: أن يكون معقول المعنى أي معروف العلة.
الثاني: أن تكون علته متعدية إلى غيره كتحريم الخمر فإن علته معلومة وهي الإسكار، متعدية
(1)
إلى غير الخمر كالنبيذ.
إذا عرفتَ هذا فالحائد عن سَنَن القياس أمران:
الأول: أن يكون غير معقول المعنى أي غير معروف العلة كأعداد الركعات، ومقادير النصب والكفارات، ونحوِ ذلك.
الثاني: أن يكون معروف العلة ولكن علته لم تتعدَّ إلى غيره كحمل العاقلة دية الخطأ، وكمسألة اللّعان، والشُّفْعة في العقار على قول الجمهور، وكشهادة خزيمة إذ التحقيق أنها من هذا القبيل، وسيأتي إيضاح هذا في قول المؤلف:"وعللوا بما خلت من تعديه" إلخ. والأمران المذكوران سابقًا هما مراد المؤلف بقوله: "لكونه معناه ليس يُعقل" إلخ.
648 -
وحيثُما يندَرِجُ الحُكْمانِ
…
في النصِّ فالأمران قُل سِيّان
الاندارج في اللغة الدخول، ومراده بالبيت: أن من شروط
(2)
القياس أن لا يكون الفرع داخلًا في نص حكم الأصل من كتاب أو سنة سواء كان نصًّا أو ظاهرًا، لأن النصَّ إن شملهما معًا فليس أحدهما أولى بالأصالة من الآخر حتى يكون [هو] أصلًا والآخر فرعًا. ومَثَّل له بعضهم
(1)
ط: ومتعدية.
(2)
ط: شرط.
بما لو استدل مستدل على ربوية البر بحديث مسلم
(1)
: "الطعام بالطعام مِثْلًا بمِثْل" فيمتنع قياس الذرة عليه بجامع الطَّعم، لأن لفظ الطعام الذي هو لفظ النص يشمل الذرة مع البر.
649 -
والوَفْقُ في الحُكم لدى الخصْمَينِ
…
شرطُ جوازِ القَيْس دونَ مَيْنِ
"الوفق" الاتفاق، و"القيس" القياس، يعني أنه يشترط في حكم الأصل أن يكون متفقًا عليه بين الخصمين لأن البحث بينهما، ولو خالف الخصم في الحكم احتاج المستدل إلى إثباته فينتقل إلى مسألة أخرى وينتشر الكلام فيفوت المقصود. أما إذا حصل الاتفاق بينهما على حكم الأصل تحقق انتفاء الانتشار، فلو ذكر المستدل الحكم مقترنًا بدليله من نص أو إجماعٍ ابتداء لم يشترط موافقة الخصم لأن منع الحكم المؤدي إلى الانتشار لا يمكن مع دلالة النص الصريح عليه. وما مشى عليه المؤلف من اشتراط اتفاق الخصمين فقط هو مذهب الجمهور، خلافًا لمن زعم أنه لابد من إجماع الأمة على الحكم
(2)
.
650 -
وإن يكن لعلتينِ اختلفا
…
تركَّبَ الأصل لدى من سَلَفا
الضمير المرفوع المحذوف
(3)
الذي هو اسم "يكن" عائد إلى اتفاق الخصمين على حكم الأصل، يعني أنه إذا كان اتفاقهما عليه ثابتًا لعلتين مختلفتين بأن اتفقا على الحكم وادّعَى كلٌّ أنه ثابت بعلة غير العلة التي
(1)
رقم (1592) من حديث معمر بن عبد اللَّه رضي الله عنه.
(2)
المخالف هو بشر المريسي والشريف المرتضى، انظر "البحر المحيط":(5/ 77).
(3)
كذا في الأصل و (ط)، ولعله: المستتر.
يدعي الآخر، فإنَّ هذا النوع من القياس يسمَّى مركب الأصل لتركيب الحكم فيه أي بنائه على العلتين بالنظر إلى الخصمين فهو من التركيب بمعنى البناء، أي ترتيب ما شيء على آخر لا من التركيب الذي هو ضدُّ الإفراد.
ومن أمثلته: قياس حُليّ البالغة على حُلِيّ الصبية فإن حُكم الأصل متفق عليه بين المالكية والحنفية إلا أن الحنفية يقولون: إن العلة أنه مال لغير بالغةٍ فلا يمكن قياس حلي الكبيرة عليه لبلوغها، والمالكية يقولون: العلة كونه حُليًّا مباحًا وهي موجودة في حُلِيّ الكبيرة. وقوله: "اختلفا" يعني العلتين، وإنما ذكَّر الضميرَ بتضمين العلة معنى الوصف.
651 -
مركبُ الوصفِ إذا الخصمُ منعْ
…
وُجودَ ذا الوصفِ في الأصلِ المُتَّبعْ
يعني أن القياس المسمَّى "مركب الوصف" هو الذي كان حكم الأصلِ فيه متفقًا عليه بين الخصمين، إلا أن العلة التي يدَّعي المستدل أنه ثابت بها يدَّعي الخصم نفيها من أصلها عن الأصل، وسُمِّيَ "مركب الوصف" لتركيب الحكم فيه أي بنائه على الوصف الذي مَنع الخصمُ وجودَه في الأصل، ولا مشاحَّة في الاصطلاح.
ومثال مركب الوصف: قياس "إن تزوجْتُ فلانة فهي طالق" على "فلانة التي أتزوجها طالق" في عدم وجود الطلاق بعد التزوج، فإنَّ عدمه في الأصل متفق عليه بين الشافعية والمالكية، والشافعيةُ يقولون: العلة في الأصل تعليق الطلاق قبل ملكِ محله، والمالكية يقولون: هذه العلة من أصلها ليست موجودة في الأصل، لأن الأصل الذي هو "فلانة التي أتزوجها طالق" لا تعليقَ فيه أصلًا، وإنما هو تنجيز طلاق أجنبية وهي لا