الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأُجِيب بأن ما تقدم يُراد به اشتمالها على الحكمة المذكورة ولو احتمالًا أو مظنة، وإن كان قد لا يطلع على حكمته إذ لا تخلو علة من حكمة في الجملة كما تقدم، وبأن المراد هنا أنه [لا] يشترط مناسبة بحسب الظاهر وإلا فالمناسبة معتبرة في نفس الأمر قطعًا للاتفاق على امتناع خلو الأحكام عن الحكمة، وهذا هو الحق، خلافًا للعَضُد والمحلِّي
(1)
القائلَين بأن المناسبة في نفس الأمر لا تُشترط إلَّا على القول بأن العلة باعث لا مُعَرِّف، وإيَّاهما تَبعَ المؤلفُ كما بيَّنَه في "الشرح"
(2)
.
691 -
والسَّبْرِ والتقسيم قسمٌ رابعُ
…
أن يَحصُرَ الأوصافَ فيه جامعُ
692 -
ويُبْطلَ الذي لها لا يَصْلُحُ
…
فما بقي تعيينُه مُتَّضِحُ
يعني أن المسلك الرابع من مسالك العلة هو السَّبْر والتقسيم، والسَّبْر -بالفتح- لغةً: الاختبار، والتقسيم لغة: الافتراق.
والمراد بالسَّبْر هنا: اختبار الصالحِ للعلة من الأوصاف وغيرِ الصالح لها، والتقسيم هنا: حصر جميع الأوصاف ليُسْبَر الصالحُ منها وغير الصالح.
و
الأصلُ تقديم التقسيم
لأنه قبل السبر ضرورة، وأخَّروه عنه في التسمية لأن السَّبر أهم، والعادةُ تقديم الأهم. أو لأن الكلَّ اسم لمَسْلَك واحد وهو مفرد فلا نَظَر فيه إلى ترتيب.
ثم بيَّنَ
المرادَ بهذا المسلك وأنه متركِّب من أمرين:
الأول: حصر أوصاف المحل أي الأصل المقيس عليه بأن يجمعها كلها.
(1)
في "شرح الجمع": (2/ 270).
(2)
(2/ 158).
الثاني: إبطال ما لا يصلح للتعليل.
وحصرُ الأوصاف تارةً يكون عقليًّا كالحصر في الشيء ونقيضه إذ لا واسطة بين النقيضين، وتارة يكون بالاستقراء كما أشار له بقوله:"بحثتُ ثم بعد بحثي لم أجد"، وسيأتي قريبًا.
وإبطال غير الصالح له طرق ذكرها المؤلف في قوله الآتي: "أبطل لما طردًا يُرَى". ومثا له: أن يقول المستدل: علةُ الربا إما أن تكون الاقتيات والادِّخار، أو الطَّعم، أو الكيل، أو المالية، فيبيّن بطلان علية غير الوصف الذي يدَّعي أنه العلة، فإذا أبطلَ غيرَه تعيَّن هو للعلة، وهو معنى قوله:"فما بقي تعيينه متضح".
وحاصلُ التعليل بهذا المسلك: أن الحكمَ إذا أمكن أن يكون معلَّلًا لا يُجعل تعبدًا، وإذا أمكن إضافته للمناسب فلا يُضاف لغيره، وإذا لم يوجد مناسب إلا ما بقي بعد السبر فيجب كونه علة بهذه القواعد.
وسُمِّي هذا المسلك بالسبر وحدَه وبالتقسيم وحدَه وبهما معًا وهو الأكثر. ويسميه الجدليون: الترديد والتقسيم، والمنطقيون: الشَّرْطي المنفصل، وهذا المسلك قسم من أقسامه فقط.
693 -
مُعْتَرضُ الحصر في دَفْعِه يَرِدْ
…
بحثْتُ ثم بعدَ بحثي لم أجدْ
694 -
أو انْفِقادُ ما سواها الأصْلُ
…
. . . . . . . . . . . .
يعني أن المستدل إذا حصر أوصاف الأصل فاعتُرِضَ عليه الحصرُ بأن قال المعترِض: لِمَ تحصرُ أوصافَ الأصل فيما ذكرتَ؟ فإن معترض الحصر يدفعه المستدلُّ بأحدِ أمرين: