الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
829 -
وما بماضٍ مثبتٌ للحالِ
…
فهو مقلوبٌ وعكسُ الخالي
830 -
كجري ما جُهِل فيه المَصرِفُ
…
على الذي الآن لذاك يُعْرَفُ
هذا نوع من أنواع الاستدلال يسمَّى: مقلوب الاستصحاب وهو: إثبات أمر في الزمن الماضي لثبوته في الحال أي الزمن الحاضر، فالباء في قوله "بماض" بمعنى في، و"مثبت" اسم المفعول، و"اللام" في "للحال" للتعليل أي: المثبت في الماضي لأجل ثبوته في الحال هو المسمَّى مقلوبَ الاستصحاب، ويقال له أيضًا: معكوس الاستصحاب.
ومَثَّل له المؤلف بما ذكره بعضُ القرويين والأندلسيين من المالكية من أن الحُبُسَ إذا جُهِل مَصْرفُه وَوُجِد على حالة فإنه يلزم إجْراؤه عليها، ورأوا أن إجراءَه عليها دليل على أنه كان كذلك في الأصل. ومن أمثلته: أن يقال في المكيال الموجود الآن: كان على عهده صلى الله عليه وسلم استصحابًا بالحال
(1)
في الماضي، وكثيرٌ من العلماء لم يعتبره حجة وهو الظاهر لاحتمال طروّ الحالة الراهنة.
831 -
والأخذ بالذي له رُجحانُ
…
من الأدلةِ هو استِحْسان
832 -
أو هو تخصيصٌ بعرفٍ ما يَعُمْ
…
ورعْيَ الاستصلاح بَعْضُهُمْ يؤمْ
833 -
وَرَدُّ كونِهِ دليلًا ينقدِحْ
…
ويقْصُر التعبير عنه مُتَّضِح
يعني أن
في معنى الاستحسان المعمول به عند المالكية أربعة أقوال:
الأول: أنه الأخذ بأقوى الدليلين، كتخصيص العرايا من عموم منع
(1)
ط: للحال.
بيع الرطب بالتمر لأن دليله أخصُّ. وكتصديق مُدَّعي الأشبه من زوجين في الصداق ومن متبايعين في الثمن. وكشهادة الرهن في قَدْر الدين، وهذا القول نقله الباجي
(1)
عن ابن خويز منداد، ورُوِي مثلُه عن أحمد. وهو مراد المؤلف بالبيت الأول.
القول الثاني: أن الاسْتحْسَان هو تخصيص الدليل العام بالعادة لمصلحة، كاسْتِحْسان جواز دخول الحمام من غير تعيين زمن المكث فيه وقدر الماء، فإن العادة جرت بذلك على خلاف الدليل لأن المشاحَّة في تعيين ذلك قبيحة في العادة، وفي الحديث:"بعثتُ لأتمِّمَ مكارم الأخلاق"
(2)
وفيه: "إن اللَّه يحب معالي الأمور ويكره سفسافها"
(3)
.
فإن جَرَت العادة المذكورة في زمنه صلى الله عليه وسلم من غير إنكار أو بعد زمنه من غير مخالف من الأئمة عُمِل بها إجماعًا لدلالة السُّنَّة في الأول والإجماع في الثاني، وإن قام دليل على إنكارها من النبي صلى الله عليه وسلم أو بعض المجتهدين
(1)
في "إحكام الفصول": (2/ 693).
(2)
أخرجه أحمد: (14/ 513 رقم 8952)، والحاكم:(2/ 670)، والبيهقي:(10/ 191) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وصححه ابن عبد البر في "التمهيد": (24/ 333)، و"الاستذكار":(8/ 280). بلفظ: ". . . صالح الأخلاق"، وبسياق المصنف أخرجه البزار كما ذكر الحافظ في "الفتح".
(3)
أخرجه الحاكم: (1/ 111). والبيهقي: (10/ 191)، والطبراني في "الأوسط" رقم (2940)، و"الكبير" رقم (5928) وغيرهم من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه. قال الحاكم: حديث صحيح ولم يخرجاه ووقع في الأصل: "سفاسفها".
رُدَّت، وهذا القول الثاني في الاسْتِحسان هو قول أشهب، وهو مراد المؤلف بقوله:"أو هو تخصيصٌ بعرفٍ ما يعُمْ".
القول الثالث في الاستحسان: أنه استعمال مصلحة جزئية، كما إذا اختار بعض ورثة المشتري بالخيار الردَّ وبعضُهم الإمضاءَ، فالقياسُ ردُّ الجميع إن ردَّ بعضهم، لأن من ورثوا عنه الخيار لو رَدَّ البعضُ تعيَّن ردّ الجميع لما في التَّبعيض من إدخال الضرر على البائع، والاسْتِحسانُ أخذ المجيز الجميع ارتكابًا لأخف الضررين، فالاستحسانُ على هذا القول أخذٌ بمصلحة جزئية في مقابلة دليل كليّ، ويُستشهد له بالرخص في الشريعة فإنها أخذ بمصالح جزئية في مقابلة أدلة كلية. وهذا القول الثالث قول الأبياري، وإليه الإشارة بقول المؤلف:"ورعيَ الاستصلاح بعضهم يؤُمْ" أي بعضهم يؤم أي يقصد في تفسير الاسْتحْسَان رَعْيَ الاستصلاح، أي مراعاة المصلحة الخاصة في مقابلة الدليل الكلِّيّ.
القول الرابع: ما قاله بعضهم من أن الاستحسان دليل ينقدح في نفس المجتهد تقصر عبارته عنه، وهذا القول الرابع بين المؤلف ردَّه تبعًا لابن الحاجب
(1)
وغيره، بقوله:"وردُّ كونه دليلًا" إلخ، فقوله:"ورَدُّ" مبتدأ خبره قوله: "متضح" أي رد كونه دليلًا. . . إلخ متضح. ووجه رَدِّه: أن الاستحسان لا يكون إلَّا من مجتهد والمجتهد يُشترط فيه أن يكون قادرًا على التعبير عما في نفسه، وأصل الاستحسان ما حسن في الشرع ولم
(1)
انظر "المختصر": (3/ 281).
ينافه، ودليله قوله صلى الله عليه وسلم:"ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند اللَّه حسن"
(1)
. وفي هذا الاستدلال عندي نظر.
834 -
رأي الصَّحابيِّ على الأصحاب لا
…
يكونُ حجةً بوَفْق مَنْ خلا
835 -
في غيره ثالثُها إن انتشَرْ
…
وما مخالفٌ له قطُّ ظَهَرْ
يعني أن مذهب الصحابي سواء كان قولًا أو فعلًا حاكمًا كان أو مفتيًا ليس حجة على صحابي آخر مجتهد، وهذا لا خلاف فيه، وهو مراد المؤلف بالبيت الأول. وأما مذهب الصحابي بالنسبة للمجتهدين من التابعين فمَن بعدهم ففي كونه حجة عليهم ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه حجة عليهم مطلقًا، وحجته أنهم باشروا النبيَّ صلى الله عليه وسلم فاطَّلعوا على ما لم يطلع عليه غيرُهم، فهم أعلم بالسنة من غيرهم، وما راءٍ كمن سمع، والاحتجاجُ لهذا القول بحديث:"أصحابي كالنجوم بأيِّهم اقتديتم اهتديتم"
(2)
لا ينهض لأن الحديث ضعيف.
(1)
أخرجه مرفوعًا الخطيب في "تاريخ بغداد": (4/ 165) عن أنس. وفيه سليمان بن عَمْرو النخعي اتهمه أحمد بوضع الحديث.
وورد موقوفًا على ابن مسعود -وهو أصح- أخرج الطيالسي في "مسنده" رقم (243)، وأحمد:(6/ 84 رقم 3600)، والطبراني رقم (8582)، والحاكم:(3/ 78) في أثر طويل بألفاظ متقاربة. وصححه الحاكم ولم يتعقبه الذهبي، وقواه ابن القيم في "الفروسية":(ص/ 298).
(2)
هذا الحديث جاء عن جماعة من الصحابة، منها حديث ابن عباس رضي الله عنهما أخرجه الخطيب في "الكفاية":(ص/ 48)، والبيهقي في "المدخل" رقم (152). وطرق الحديث كلها ضعيفة، ضعفها أهل الحديث كما قال شيخ الإسلام =
الثاني: أنه ليس بحجة مطلقًا لأنه قول مُجْتهد من الأمة فلا يكون حجة على مجتهد آخر وكلا القولين مرويٌّ عن مالك.
الثالث: أنه إن اشتهر ولم يظهر له مخالف كان حجةً وهو مروي عن مالك أيضًا، وإن خُوْلِف فليس بحجة لأن القول الآخر يناقضه، وكون حجة إن انتشر
(1)
ليس إجماعًا سكوتيًّا؛ لأن اشتراط الانتشار لا يلزمه بلوغ الكل، ومضيّ مهلة النظر، وتجرّد السكوت عن أمارة الرضا أو السخط كما تقدم اشتراط الكل في السكوتيِّ.
وهذه الأقوال الثلاثة في حجية مذهب الصحابي على المجتهد من غير الصحابة هي مراد المؤلف بالبيت الأخير، وفي المسألة أقوال أُخَرُ غير ما ذكره المؤلف ذكرها صاحب "جمع الجوامع"
(2)
واقتصر المؤلف على الأقوال المذهبية منها.
836 -
ويَقْتَدي من عمَّ بالمجتهِدِ
…
منهم لدى تحقُّقِ المُعْتَمَدِ
يعني أن العامي -ومراده به غيرُ المجتهد- يجوز له العمل بمذهب الصحابي إذا تحقق أن ذلك مذهبه، وهو مراده بالمعتمد، وإنما اشترط هذا الشرط لأن مذاهب الصحابة لم تثبت حقَّ الثبوت لأنها نُقِلت فتاوي مجرَّدة فلعل لها مقيِّدًا أو مخصِّصًا أو مكمِّلًا لو انضبط كلام قائله لظهر،
= في "المنهاج": (8/ 336). وانظر "تخريج أحاديث الكشاف": (2/ 231) و"المعتبر": (ص / 81 - 83). والتعليق على "تنبيه الرجل العاقل": (2/ 595).
(1)
ط: اشتهر.
(2)
(2/ 354).
بخلاف مذاهب الأئمة فإنها دُوِّنت وحُقِّقت كل التحقيق
(1)
.
837 -
والتابعي في الرأي لا يُقلِّدُ
…
له من أهل الاجتهادِ أحدُ
يعني أن التابعي المجتهد فمَن دونه لا يجوز لمجتهد آخر تقليده؛ إذ لا يجوز للمجتهد تقليد غيره إلا إذا كان ذلك الغير صحابيًّا، ففيه الأقوال الثلاثة المارة، والّلامُ في قوله:"له" زائدة داخلة على المفعول.
838 -
من لم يكن مجتهدًا فالعَمَلُ
…
منه بمعنى النصِّ مِمّا يُحْظَل
يعني أن غير المجتهد لا يجوز له العمل بمعنى الكتاب والسنة لاحتمال أن يكون له نَاسِخٌ
(2)
أو مقيد أو مُخصِّصٌ أو معارض لم يطلع عليه، أو أن ما حمله عليه ليس هو المراد به، وهذا التعليل يدل على أن المتبصِّر الذي له اطلاع بالكتاب والسنة، العالم بالناسخ والمنسوخ، والخاص والعام، والمطلق والمقيد، العارف بالرجال والأسانيد والعلل، قد يجوز له أن يعمل بالكتاب والسنة إذا تحقق سلامته من تلك الأشياء المانعة من العمل به، فمَنْع العمل به مطلقًا باطل، وتجويز العمل به مطلقًا حتى للجاهل الذي لا يعرف خاصًّا من عام ولا مطلقًا من مقيد ولا ناسخًا من منسوخ ونحو ذلك باطل أيضًا
(3)
.
(1)
هذا القول اختاره جماعة منهم الجويني في "البرهان": (2/ 744) وحكى إجماع المحققين عليه، ولهم مذاهب في تعليل هذا القول. وخالف في ذلك جماعة. انظر:"البحر المحيط": (6/ 288 - 289).
(2)
الأصل: ناسخًا، وعلق في الهامش: لعله ناسخٌ. وهو الصواب.
(3)
هذا قول الشيخ هنا، لكنه تراجع عنه ورد عليه في (أضواء البيان)، ولاشك أن =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= (الأضواء) خاصة الأجزاء الأخيرة منه متأخرة في التأليف على كتابنا هذا. قال في "أضواء البيان": (7/ 460 وما بعدها): "اعلم أن قول بعض متأخري الأصوليين: إن تدبر هذا القرآن العظيم، وتفهمه والعمل به لا يجوز إلا للمجتهدين خاصة، وأن كل من لم يبلغ درجة الاجتهاد المطلق بشروطه المقررة عندهم التي لم يستند اشتراط كثير منها إلى دليل من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس جلي، ولا أثر عن الصحابة، قول لا مستند له من دليل شرعي أصلًا.
بل الحق الذي لا شك فيه، أن كل من له قدرة من المسلمين، على التعلم والتفهم، وإدراك معاني الكتاب والسنة، يجب عليه تعلمهما، والعمل بما علم منهما.
أما العمل بهما مع الجهل بما يعمل به منهما فممنوع إجماعًا. وأما ما علمه منهما علمًا صحيحًا ناشئًا عن تعلم صحيح. فله أن يعمل به، ولو آية واحدة أو حديثًا واحدًا.
ومعلوم أن هذا الذم والإنكار على من لم يتدبر كتاب اللَّه عام لجميع الناس.
ومما يوضح ذلك أن المخاطبين الأولين به الذين نزل فيهم هم المنافقون والكفار، ليس أحد منهم مستكملًا لشروط الاجتهاد المقررة عند أهل الأصول، بل ليس عندهم شيء منها أصلًا. فلو كان القرآن لا يجوز أن ينتفع بالعمل به، والاهتداء بهديه إلا المجتهدون بالاصطلاح الأصولي لما وبخ اللَّه الكفار وأنكر عليهم عدم الاهتداء بهداه، ولما أقام عليهم الحجة به حتى يحصلوا شروط الاجتهاد المقررة عند متأخري الأصوليين، كما ترى.
ومعلوم أن من المقرر في الأصول أن صورة سب النزول قطعية الدخول، وإذًا فدخول الكفار والمنافقين، في الآيات المذكورة قطعي، ولو كان لا يصح الانتفاع بهدي القرآن إلا لخصوص المجتهدين لما أنكر اللَّه على الكفار عدم تدبرهم كتاب اللَّه، وعدم عملهم به. وقد علمت أن الواقع خلاف ذلك قطعًا، ولا يخفى أن شروط الاجتهاد لا تشترط إلا فيما فيه مجال للاجتهاد، والأمور المنصوصة في =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= نصوص صحيحة، من الكتاب والسنة، لا يجوز الاجتهاد فيها لأحد، حتى تشترط فيها شروط الاجتهاد، بل ليس فيها إلا الاتباع، وبذلك تعلم أنما ذكره صاحب مراقي السعود تبعًا للقرافي من قوله:
من لم يكن مجتهدًا فالعمل
…
منه بمعنى النص مما يحظل
لا يصح على إطلاقه بحال لمعارضته لآيات وأحاديث كثيرة من غير استناد إلى دليل.
ومن المعلوم أنه لا يصح تخصيص عمومات الكتاب والسنة إلا بدليل يجب الرجوع إليه. ومن المعلوم أيضًا، أن عمومات الآيات والأحاديث، الدالة على حث جميع الناس، على العمل بكتاب اللَّه، وسنة رسوله، أكثر من أن تحصى، كقوله صلى الله عليه وسلم:"تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب اللَّه وسنتي" وقوله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي" الحديث. ونحو ذلك مما لا يحصى.
فتخصيص جميع تلك النصوص، بخصوص المجتهدين وتحريم الانتفاع بهدي الكتاب والسنة على غيرهم، تحريمًا باتًا يحتاج إلى دليل من كتاب اللَّه أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يصح تخصيص تلك النصوص بآراء جماعات من المتأخرين المقرين على أنفسهم بأنهم من المقلدين.
ومعلوم أن المقلد الصرف، لا يجوز عده من العلماء ولا من ورثة الأنبياء، كما سترى إيضاحه إن شاء اللَّه. وقال صاحب مراقي السعود، في نشر البنود، في شرحه لبيته المذكور آنفًا ما نصه:(يعني أن غير المجتهد، يحظل له. أي يمنع أن يعمل بمعنى نص من كتاب أو سنة وإن صح سندها لاحتمال عوارضه، من نسخ وتقييد، وتخصيص وغير ذلك من العوارض التي لا يضبطها إلا المجتهد، فلا يخلصه من اللَّه إلا تقليد مجتهد. قاله القرافي). اهـ محل الغرض منه بلفظه.
وبه تعلم أنه لا مستند له، ولا للقرافي الذي تبعه، في منع جميع المسلمين، غير المجتهدين من العمل بكتاب اللَّه، وسنة رسوله، إلا مطلق احتمال العوارض =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= التي تعرض لنصوص الكتاب والسنة، من نسخ أو تخصيص أو تقييد ونحو ذلك، وهو مردود من وجهين:
الأول: أن الأصل السلامة من النسخ حيث يثبت ورود الناسخ والعام ظاهر في العموم حتى يثبت ورود المخصص، والمطلق ظاهر في الإطلاق، حتى يثبت ورود المقيد والنص يجب العمل به، حتى يثبت النسخ بدليل شرعي، والظاهر يجب العمل به عمومًا كان أو إطلاقًا أو غيرهما، حتى يرد دليل صارف عنه إلى المحتمل المرجوح. كما هو معروف في محله.
وأول من زعم أنه لا يجوز العمل بالعام، حتى يبحث عن المخصص فلا يوجد ونحو ذلك، أبو العباس بن سريج وتبعه جماعات من المتأخرين، حتى حكوا على ذلك الإجماع حكاية لا أساس لها.
وقد أوضح ابن القاسم العبادي في الآيات البينات غلطهم في ذلك، في كلامه على شرح المحلي لقول ابن السبكي في جمع الجوامع: ويتمسك بالعام في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، قبل البحث عن المخصص، وكذا بعد الوفاة، خلافًا لابن سريج اهـ.
وعلى كل حال فظواهر النصوص، من عموم وإطلاق، ونحو ذلك، لا يجوز تركها إلا لدليل يجب الرجوع إليه، من مخصص أو مقيد، لا لمجرد مطلق الاحتمال، كما هو معلوم في محله.
فادعاء كثير من المتأخرين، أنه يجب ترك العمل به، حتى يبحث عن المخصص، والمقيد مثلًا خلاف التحقيق.
الوجه الثاني: أن غير المجتهد إذا تعلم بعض آيات القرآن، أو بعض أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ليعمل بها، تعلم ذلك النص العام، أو المطلق، وتعلم معه، مخصصه ومقيده إن كان مخصصًا أو مقيدًا، وتعلم ناسخه إن كان منسوخًا وتعلم ذلك سهل جدًا، بسؤال العلماء العارفين به، ومراجعة كتب التفسير والحديث المعتد بها في ذلك، والصحابة كانوا في العصر الأول يتعلم أحدهم آية فيعمل بها، وحديثًا
839 -
سَدُّ الذارئع إلى المُحَرَّم
…
حتمٌ كفتحِها إلي المُنْحَتِم
840 -
وبالكراهةِ وندبٍ وَرَدًا
…
. . . . . . . . . . . . .
الذريعةُ إلى الشيء الوسيلةُ المؤدِّية إليه؛ بمعنى
(1)
أن الذرائع إلى الحرام يجب سَدُّها، والذرائع إلى الواجب يجب فتحها، والذرائع إلى المندوب يندب فتحها ويكره سدُّها، والذرائع إلى المكروه يُندب سدُّها ويكره فتحها.
والذرائع ثلاثة أقسام:
قسم يجب سدُّه إجماعًا كسبِّ الأصنام المؤدِّي إلى سب اللَّه تعالى، وحفر الآبار في طريق المسلمين، وإلقاء السموم في أطعمتهم ونحو ذلك.
وقسم لا يجب سدُّه إجماعًا، وسيأتي في قول المؤلف:"وألغ إن يك الفسادُ. . " إلخ.
وقسم مُخْتَلَف
(2)
فيه كبيوع الآجال المعروفة بهذا الاسم عند المالكية، ويسميها غيرهم العِيْنة، كأن يبيع سلعة إلى أجل، ثم يشتريها بعينها بأقل من الثمن الأول نقدًا أو لأجل أقرب من الأول، أو بأكثر لأبعد
= فيعمل به، ولا يمتنع من العمل بذلك حتى يحصل رتبة الاجتهاد المطلق، وربما عمل الإنسان بما علم فعلمه ما لم يكن يعلم، كما يشير له قوله تعالى:{وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} على القول بأن الفرقان هو العلم النافع الذي يفرق به بين الحق والباطل. . . " اهـ بتصرف يسير.
(1)
ط: يعني.
(2)
ط: اختلف.
من الأجل الأول، فكل من البيعتين بالنظر إلى ذاتها جائزة لكنَّ ذلك قد يكون ذريعةً إلى الربا نظرًا إلى أن السلعة الخارجة من اليد العائدة إليها ملغاة، فيؤول الأمر إلى دَفْع عينٍ وأَخْذ أكثر منها نسيئة، وهو عين ربا النسيئة، فمثل هذا يمنعه مالك وأحمد في بعض الصور خلافًا للشافعي.
. . . . . . . . . . . . .
…
وأَلْغِ إن يكُ الفسادُ أبعدا
841 -
أو رجَحَ الإصلاحُ كالأُسارى
…
تُفْدَى بما ينفعُ للنصارى
842 -
وانظر تدّلِّيَ دوالي العِنَب
…
في كلِّ مشرقٍ وكل مغربِ
هذا هو القسم الذي يجب فيه إلغاء الذريعة إجماعًا وهو نوعان:
الأول: ما كان الفساد فيه بعيدًا والمصحلة أقرب منه، وهو مراد المؤلف بقوله:"وألغ إن يك الفساد أبعدا" واستدل له بالإجماع بقوله: "وانظر تدلِّيَ. . " البيت، أي وانظر إجماع أهل مشارق الدنيا ومغاربها على غرس شجر العنب مع أنه ذريعة لشرب الخمر التي تُعْصَر منه لأن مصلحة العنب والزَّبيب العامة أقرب من مفسدة شرب الخمر منها.
النوع الثاني: من هذا القسم هو ما كانت المصلحة فيه أرجحَ من المفسدة ومَثَّل له المؤلف بفداء الأسارى من أيدي الكفار بشيء ينفعهم كمالٍ أو طعام أو سلاح لا تقوَى به شوكتهم حتى يقدروا على أن يقتلوا من المسلمين به قدر الأُسارى أو أكثر. وقوله: "ألغ" فعل أمر من الإلغاء، ومفعوله محذوف أي: ألغِ الذريعةَ ولا تعتبر سدَّها إن كان الفسادُ أبعدَ أو كانت المصحلة أرجحَ.
843 -
ويُنْبَذُ الإلهامُ بالعراءِ
…
أعني به إلهامَ الأولياء