الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من النقل أي الشرع، فإن صرف عنه عَمِل بذلك الصارف سواء كان نصًّا أو إجماعًا أو قياسًا وهو المراد بـ "النقول" جمع نقل.
921 -
والنحوَ والميزانَ واللُّغَةَ معْ
…
علِمِ الأصول وبلاغةً جمع
يعني أنه يشترط في المجتهد أن يكون عارفًا بالنحو الشامل للتصريف، وعارفًا بالميزان الذي هو علم المنطق أي عالمًا بالمحتاج إليه منه، كشرائط الحدود والرسوم وشرائط البراهين، وعارفًا باللغة عربيةً كانت أو شرعيةً أو عُرفيةً، وعارفًا بعلم الأصول، وعلم البلاغة من معانٍ وبين.
فإن قيل: كيف تُشترط معرفة علم الأصول مع أن جمهور المجتهدين كانوا متبحِّرين في الاجتهاد في وقتٍ لم يُدوَّن فيه علم الأصول أصلًا؟
فالجواب: أن قواعد علم الأصول كانت مركوزة في جِبِلّاتهم معلومة عندهم وإن لم تدون كعلم النحو والتصريف.
كما عن التّصريف والإعراب
…
تُغني الطباعُ ألسُن الأَعْراب
922 -
وموضِعَ الأحكام دُون شرطِ
…
حِفْظِ المتونِ عند أهلِ الضَّبْطِ
يعني أنه يُشترط في المجتهد
أن يكون عارفًا بمواضع الأحكام من المُصْحَف والأحاديث
، ولا يُشترط حفظ المتون أي ألفاظ تلك الآيات والأحاديث عند أهل الضبط أي الإتقان وهم أهل الفن، وإن كان حفْظُها أحسن وأكمل، وما زَعَمه البعض من أن آيات الأحكام محصورة في خمسمائة غير صحيح
(1)
.
(1)
انظر "شرح التنقيح": (ص/ 437)، و"البحر المحيط":(6/ 199 - 200)، =
923 -
ذو رتبةٍ وُسْطي في كلِّ ما غَبَرْ
…
. . . . . . . . . . .
يعني أنه يشترط في المجتهد أن يبلغ الرتبة الوسطى في كل ما غَبَر أي مضى ذكره من العلوم، فلا يكفيه مطلق المشاركة ولا يحتاج إلى التبحر فيها، وقيل: يشترط التبحر فيما يختلف بسببه المعنى ويكفي التوسط فيما سواه، ويجب في معرفة اللغة الزيادة على التوسط حتى لا يخفى عليه المستعمل في الكلام في غالب الأوقات، فلا تشترط معرفة الغريب الوحشي.
. . . . . . . . . . .
…
وعلمُ الإجماعاتِ مما يُعتَبَرُ
يعني أن معرفة مواضع الإجماع شَرْط في إيقاع الاجتهاد كي لا يخرقه، وليست شرطًا في بلوغ المجتهد رتبة الاجتهاد، وكذا يُشترط في إيقاع الاجتهاد معرفة مواضع الخلاف خوفَ إحداث قولٍ ثالث أو تفصيلٍ كما تقدم في الإجماع
(1)
.
924 -
كشرطِ الآحادِ وما تواتَرا
…
. . . . . . . . . . .
يعني أنه يشترط في إيقاع الاجتهاد أيضًا كونه عارفًا بشروط الخبر المتواتر وخبر الآحاد المتقدمة في كتاب السنة، وإنما اشترط ذلك ليقدم المتواتر على خبر الآحاد عند التعارض، وإذا لم يكن عارفًا لذلك فقد يعكس الأمر.
. . . . . . . . . . .
…
وما صحيحًا أو ضعيفًا قد جَرى
= و"إرشاد الفحول": (2/ 1028).
(1)
(ص/ 399).
يعني أنه يشترط في إيقاع الاجتهاد أيضًا كونه عارفًا بالشروط التي يكون بها الحديث صحيحًا أو ضعيفًا، والحسن داخل في الصحيح هنا كما هي عادة الأقدمين، وإنما اشْتُرِط هنا ليقدِّم الصحيح على الضعيف، لأنه إن لم يعلم ذلك قد يعكس الأمْرَ، ولأن العمل بالضعيف قد لا يجوز.
وقوله: "ما" موصول، وجملة "قد جرى" صلته، و"صحيحًا" حال من فاعل "جرى"، و"ضعيفًا" معطوف عليه.
925 -
وما عليه أو بهِ النَّسخ وقَعْ
…
. . . . . . . . . . .
مراده بما وقع عليه النسخ: المنسوخ، وبما وقع به النسخ: الناسخ، يعني أنه يُشترط في إيقاع الاجتهاد أيضًا معرفة المنسوخ من الناسخ ليقدِّم الناسخ على المنسوخ، لأنه إن لم يعلم
(1)
ذلك قد يعكس الأمر، والمراد أن يعرف أن هذا بعينه ناسخ وهذا بعينه منسوخ لا معرفة حقيقة الناسخ والمنسوخ، لأن ذلك من علم الأصول المتقدم أنه شرط أيضًا.
. . . . . . . . . . .
…
وسَبَبُ النُّزُولِ شَرْطٌ مَتَّبعْ
يعني أن معرفة أسباب النزول في الآيات والأحاديث شَرْط في إيقاع الاجتهاد أيضًا، لأن معرفة ذلك ترشد إلى فهم المراد. وقوله:"متَّبَع" بصيغة اسم المفعول.
926 -
كحالة الرُّواة والأصحابِ
…
. . . . . . . . . . .
يعني أنه يُشترط في إيقاع الاجتهاد أيضًا معرفة أحوال رواة الحديث
(1)
ط: يفعل.
ومعرفة أحوال الصحابة، فمعرفة أحوال الرواة أي من رَدٍّ وقبولٍ وزيادةٍ في الثقة أو العلم أو الورع، فيعمل برواية المقبول دون غيره، ويُقَدَّم الزائد على غيره، ويكون ردُّ حديثه لكذبٍ أو تهمةٍ به أو فُحْشِ غلطٍ إلخ. ومعرفة أحوال الصحابة أي من فتاوى وأحكام، وزيادة في الفقه والورع، ومن الأكبر والأصغر، فتقدَّم الفتوي لعمومها لأن الحكم قد يُخصُّ، ويقدم الزائد على غيره، وكذا موافق الأعلم
(1)
منهم يُقَدَّم على موافق غيره ونحو ذلك.
. . . . . . . . . . .
…
وقلِّدَنْ في ذا على الصواب
يعني أن من معرفة الإجماعات إلى معرفة أحوال الصحابة يُكتفى فيه بالتقليد للأئمة في ذلك، فإن لم يوجدوا فالكتب المصنفة في ذلك. ومقابل قوله:"على الصواب" قول الأبياري: لا يكفي التقليد في ذلك لأنه إذا قلَّدَ في شيءٍ مما ذكر كان مقلِّدًا فيما يُبْنى عليه
(2)
.
927 -
وليس الاجتهاد ممن قد جَهِل
…
عِلْمَ القروعِ والكلامِ يَنْحَظِل
يعني أنه يجوز أن يكون المجتهد غير عالم بالفروع، وغير عالم بعلم الكلام، أي لا يشترط في المجتهد معرفة ذلك، لأن الفروع يستنبطها المجتهدون بعد أن فازوا بمنصب الاجتهاد. واشترط الإسفرايينيُّ في المجتهد معرفة الفروع، وصحَّح بعضهم كونها شرطًا في إيقاع الاجتهاد لا شرطا في المجتهد. وقوله:"ينحظل" بمعنى يمتنع خبر "ليس"، وعلم
(1)
ط: قول الأعلم.
(2)
انظر "النشر": (2/ 314).
الكلام هو البحث عن العقائد بالأدلة العقلية.
928 -
كالعبدِ والأنثى كذا لا يَجِبُ
…
عدالةٌ على الذي ينتخَبُ
ذَكَر في هذا البيت ثلاث مسائل لا تشترط في المجتهد:
الأولى: الحرية، فيجوز أن يكون المجتهد عبدًا، وهو مراده بقوله:"كالعبد".
الثانية
(1)
: الذكورة، فيجوز بلوغ الأنثى مرتبة الاجتهاد كما وقع في عائشة رضي الله عنها، وهو مراده بقوله:"والأنثى".
الثالثة: العدالة، فيجوز أن يكون المجتهد غير عدل لإمكان بلوغ الفاسق مرتبة الاجتهاد فيعمل هو باجتهاد نفسه ولا يجوز لغيره العمل بفتواه، كما يأتي للمؤلف في قوله:"وليس في فتواه مفت"
(2)
إلخ.
والتشبيه في قوله: "كالعبد" على قوله: "ليس الاجتهاد. . . ينحظِل" في البيت قبله، أي لا ينحظل الاجتهاد من الجاهل بعلم الفروع والكلام كما لا ينحظل من العبد والأنثى، و"ينتخب" أي يختار.
929 -
هذا هو المطلقُ والمقيَّدُ
…
مُنْسَفِلَ الرُّتبةِ عنه يُوجَد
يعني أن هذا المجتهد الذي تقدم ذكر شروطه هو المجتهد المطلق، وهو الناظر في أدلة الشرع من غير التزام مذهبِ أحدٍ كالأئمة الأربعة وأمثالهم.
وقوله: "والمقيد. . . " إلخ، يعني أن المجتهد المُقَيَّد مُنْسَفِل
(1)
الأصل: الثاني، وكذا ما بعدها: الثالث.
(2)
البيت رقم (959).
الرتبة عن المطلق لأن المطلق إمامُه وقدوتُه. والمجتهد المُقَيَّد قسمان: مجتهد المذهب، ومجتهد الفتيا، وهو المعروف بمجتهد الترجيح، وعرَّف المؤلف المجتهد المقيد من حيث هو بقوله:
930 -
ملتزمٌ أصولَ ذاك المطلقِ
…
فليسَ يعدوها على المُحَقَّقِ
يعني أن المجتهد المقيد هو الملتزم لأصول مذهب معيَّن، فنَظَرُه في نصوصِ إمامِه كنظر المطلق في نصوص الشرع، فالمقيَّد لا يتعدَّى نصوصَ إمامِه إلى غيرها على المشهور، وعاب بعضُ المالكية على اللخْمِيِّ
(1)
تخريجه على أصول غير إمامه مالك حتى قال فيه ابن غازي:
لقد مزَّقت قلبي سهامُ جفونها
…
كما مزَّقَ اللَخْمِيُّ مذهب مالك
وبدأ المؤلف بتعريف مجتهد المذهب لأنه أعلى رتبة من مجتهد الفتيا بقوله:
931 -
مجتهدُ المذهبِ مَنْ أصولُهُ
…
منصوصةً أوْ لا حوى معقولُهُ
932 -
وشرطُه التخريجُ للأحكامِ
…
على نصوصِ ذلك الإمامِ
يعني أن مجتهد المذهب هو من حوى عقله -أي حفظه وضبطه- أصولَ إمامه منصوصةً كانت أو مستنبطة، وشرطه المحقق له أن يكون له قُدرة على تخريج الأحكام على نصوص إمامه الملتزم لمذهبه، بأن يقيس
(1)
اللخمي هو: أبو الحسن على بن محمد الربعي المالكي (ت: 478 هـ)، له تعليق على "المدونة" يسمى "التبصرة"، ذكر القاضي عياض ما أُخِذ عليه، إلا أنه صار أحد الأئمة المعتمدة ترجيحاتهم في "مختصر خليل". انظر "المدارك":(8/ 109)، و"الفكر السامي":(2/ 250 - 251).