الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
711 -
ثمَّ المناسِبُ عنيتُ الحكمه
…
منه ضرُورِيٌّ وجا تتمَّه
712 -
بينهما ما ينتمي للحاجي
…
وقدِّم القويَّ في الرَّواج
يعني أن المناسب بمعنى الحكمة ثلاثة أقسام، وإن شئت قلت: الوصف المناسب باعتبار الحكمة ثلاثة أقسام وهي: الضروري، والحاجيُّ، والتتميميُّ ويُسَمَّى التحسينيَّ وستأتي أمثلتها.
قوله: "وجا" مقصور للوزن، وقوله:"تتمة" يعني تتميمًا.
والضروري: ما كان حفظه سببًا للسَّلامة من هلاك بَدَن أو دين. والحاجيُّ هو: ما يحتاج إليه ولم يصل إلى حد الضروري. والتتميميُّ الذي هو التحسينيُّ هو: الجَرْي على مكارم الأخلاق واتباعُ أحسن المناهج في العادات.
وقوله: "ما ينتمي" مبتدأ خبره "بينهما"، والمعنى أن الحاجيَّ مرتبة بين الضروري والتتميميّ، و"الرواج" الاعتبار. وقوله:"وقدِّم القويَّ" أي عند تعارض الأقيسة قدِّم القوي في الاعتبار من هذه الثلاثة فيقدَّم المناسب الضروري ثم المناسب الحاجيّ ثم المناسب التتميميُّ.
713 -
دِينٌ فَنفْسٌ ثم عَقْلٌ نَسَبُ
…
مالٌ إلى ضرورةٍ تنتسبُ
714 -
ورتِّبَنْ ولتعطفَنْ مُساويًا
…
عِرْضًا على المالِ تكُنْ موافيًا
715 -
فحفظها حتمٌ على الإنسانِ
…
في كلِّ شِرْعةٍ من الأديانِ
يعني أن من
الضروريات التي هي أصول المصالح:
حِفْظ الدين، وهو الحكمة المقصودة من قتل المرتد والزنديق والكافر. وحفظ النفس، وهو الحكمة المقصودة من شَرْع القصاص. وحفظ العقل، وهو الحكمة
المقصودة من شَرْع حدِّ الخمر. وحفظ النَّسَب، وهو الحكمة المقصودة من شَرْع حدِّ الزنا. وحفظ المال، وهو الحكمة المقصودة من شرع حد السَّرقة. وحفظ العِرْض، وهو الحكمة المقصودة من شرع حدِّ القذف.
وقوله: "ورتِّبن" يعني أنه عند التعارض يُقَدَّم حفظ الدين ثم النفس ثم العقل ثم النسب، و"لتعطفن مساويًا" إلخ يعني أن حفظ المال وحفظ العرض في مرتبة واحدة هي آخر المراتب المذكورة، هذا مراد المؤلف.
وفصَّل بعضُ العلماء فقال: أما الوقوع في العرض بما يؤدِّي إلى الشك في النسب فهو مقدَّم على المال، لأنه في مرتبة حفظ النسب، كقذفه له بأنه ابن زنى ونحو ذلك، والوقوعُ في العرض بغير ذلك دون المال.
وقوله: "فحفظها حَتْم على الإنسان" إلخ يعني أن حفظ الضروريات المذكورة واجب على كلِّ إنسان مكلف في جميع الملَلِ السابقة، قال الجزائريّ:
قد أجمعَ الأنبيا والرُّسْلُ قاطبةً
…
على الديانة بالتوحيد في الملل
وحفظِ نفسٍ ومالٍ مَعْهما نسبٌ
…
وحفظِ عقلٍ وعِرضٍ غيرِ مبتذل
والعِرض -بالكسر- النفس وجانب الرجل الذي يصونه ويدافع عنه من نفسِه وحسَبِه أن يُنْتَقص أو يُعاب سواءٌ كان في نفسه أو سلفه، وقيل: العِرض موضعَ المدح والذمِّ، وقيل: ما يفتخر به من حَسَب وشرفٍ، وقد يراد به الآباءُ والأجداد والخلائق المحمودة وغير ذلك. و"الحتمُ": اللازم، ومنه قوله تعالى:{كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا} [مريم/ 71].
716 -
ألحِقْ به ما كان ذا تكميلِ
…
كالحدِّ فيما يُسكر القليلِ
الضمير في قوله: "به" عائد إلى الضروري. وقوله: "القليل" نعت لـ"ما" المجرورة بـ "في"، يعني أن الضروري يلحق به مكمِّله في مرتبته، ومَثَّل لمكمِّل الضروريّ بوجوب الحدِّ في شرب القليل الذي لا يسكر لقلته من جنس ما هو مسكر كالخمر، فالوصفُ المناسبُ في هذا المثال كون القليل يدعو إلى الكثير. والحكمُ الحدُّ المرتَّب على القليل، والمقصود الحفظ مما يدعو إلى ذلك الكثير، وهذا الحفظ مكمِّل لحفظ العقل أي مؤكِّد له ومبالغ فيه.
717 -
وهو حلالٌ في شرائع الرسلْ
…
غير الذي نسخ شرعَه السُّبُلْ
الضمير في قوله: "هو" راجع إلى القليل مما يُسكر جنسه، يعني أن القليل من المسكر الذي لا يسكر لقلته كان مباحًا في جميع الشرائع، فنُسِخ جوازُه في شريعة نبينا صلى الله عليه وسلم مبالغةً في حفظ العقول، كما قال صلى الله عليه وسلم:"كلُّ ما أسْكَرَ كثيرُه فقليلُه حرام"
(1)
.
(1)
أخرجه أحمد: (11/ 256 رقم 6674)، والنسائي:(8/ 300)، وابن ماجه رقم (3394) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظه.
وأخرجه أحمد (23/ 51 رقم 14703)، أبو داود رقم (3673)، والترمذي رقم (1865)، وابن ماجه رقم (3393) وغيرهم من حديث جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنهما بلفظ:"ما أسكر كثيره فالفرق منه حرام". قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من حديث جابر".
وله شواهد من حديث ابن عمر وعائشة وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم. انظر "البدر المنير": (8/ 701 - 705)، و"نصب الراية":(4/ 301).
718 -
أباحَها في أوَّلِ الإسلام
…
براءةٌ ليست من الأحكام
الضمير في قوله: "أباحها" للخمر، والبيتُ جوابٌ عن اعتراض النووي على الأصوليين في قولهم: إن الضروريات محرمة في جميع شرائع الرسل، ووَجْه اعتراض النووي: أن الخمرَ كانت مباحة في أول الإسلام. ووَجْه جواب المؤلف عن هذا الاعتراض: أن إباحتها الأولى إباحة عقلية، والإباحة العقلية ليست من الأحكام الشرعية حتى يكون رفعها نسخًا كما تقدم في قول المؤلف:"وما من الإباحة العقليه"
(1)
إلخ.
هكذا ذكر المؤلف
(2)
هذا الجواب تبعًا لأبي إسحاق الشاطبي
(3)
وغيره، ويظهر لي أن هذا الجواب غيرُ سديد لأن الخمر دلَّ النصُّ القرآنيُّ على إباحتها في أول الإسلام، وما دلَّ عليه القرآن لا يمكن أن يكون إباحة عقلية، والآية التي دلت على إباحتها قوله تعالى:{وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا} [النحل/ 67] الآية اللهم إلا على القول بأن السَّكَر الطُّعْم كما اختاره ابن جرير، أو الخلَّ كما قاله أبو عبيدة
(4)
= فيتجه ما قاله المؤلف، وقوله:"براءةٌ" فاعل "أباحها" ولحَذْف التاء من الفعل
(1)
البيت رقم (33). والبيت: الأصلية، بدلًا من: العقلية.
(2)
في "النشر": (2/ 175).
(3)
انظر "الموافقات": (1/ 275).
(4)
كذا وقع عند المؤلف في نسبة القولين! ولعله سبق قلم، فما نسبه لابن جرير هو قول أبي عبيدة، وما نسبه لأبي عبيدة هو قول ابن جرير. انظر "جامع البيان":(14/ 284)، و"مجاز القرآن":(1/ 363).
مسوغان: الفَصْل، وأن التأنيث غير حقيقيٍّ.
719 -
والبيعُ فالإجارةُ الحاجِيُّ
…
خيارُ بيعٍ لاحقٌ جليُّ
يعني أن الحاجِيَّ كالحكمة المقصودة من شَرْع البيع والإجارة وهي الملك للذات في البيع، والمنفعة في الإجارة، والحُكْم هو جوازهما، والعلة الاحتياج إلى المعارضة، وقد يكون البيع والإجارة ضروريين، فالبيع الضروري كالذي يتوقف عليه سلامة البدن من الهلاك، والإجارة الضرورية كالإجارة لتربية الطفل. واختلف المالكية في النكاح هل هو ضروري بناءً على أنه قوت أو حاجيّ بناءً على أنه تفكُّهٌ.
وقوله: "خيار بيع" إلخ يعني أنه يلحق أيضًا بالحاجيّ مكمِّله فيكون في رتبته، فالحاجيُّ مثلًا البيع ومكمِّله اللّاحق به في رتبته خيار التروِّي لأنه يكمل به الملك لدفعه الغبن، ومن مُكَمِّل الحاجيّ اعتبار الكفاءة في النكاح، ومهر المثل في الصغيرة فإنهما داعيان إلى دوام النكاح، ومنه اغتفار الغَرَر اليسير للحاجة.
وقول المؤلف: "الحاجيّ" مبتدأ خبره "البيع" و"الإجارة" معطوف عليه، وقوله:"خيار" مبتدأ و"لاحق" خبره، و"جلي" نعت الخبر.
720 -
وما يُتمِّمُ لدَى الحُذَّاقِ
…
حَتٌّ على مكارمِ الأخلاقِ
يعني أن الحكمة المسمَّاة بالتحسينيّ والتَّتْمِيميّ هي ما كان فيه حث على مكارم الأخلاق واتباع أحسن المناهج، وسُميت تتمة لأنها مُتَمِّمة للمصالح.
721 -
منهُ موافقٌ أصولَ المَذْهَب
…
كسَلْبِ الأَعْبُدِ شريفَ المنْصِب