الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذي لا يشوش لا يمنع من القضاء، وأن التشويش بغير الغضب مانع من القضاء أيضًا كما تقدَّم في شرح قوله:"وقد تُخصِّصُ وقد تُعمِّمُ"
(1)
.
وقوله: "فالنصُّ الصريح" يعني أن
المسلك الثاني هو النَّصُّ
، وظاهر كلامه أن النصَّ بعد الإجماع، لأن العطف بالفاء أو بثُمَّ فيه إشارة إلى أن ما بعده دون ما قبله في القوة فيقدم عليه عند التعارضِ.
ثم مثَّل للنصّ الصريح في العلة بقوله: "مثل لعلة فسببٍ" فأقوى صُوَره: "افعل كذا لعلة كذا" فيلي ذلك: "افعله لسبب كذا"، وأسقط بعضُ الأصوليين هذين المثالين إذ لا يكادان يُوجدَانِ في الكتاب والسنة. فيلي ما ذكر:"مِن أجل ذا" كقوله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} [المائدة/ 32]. وفي مرتبته: "لأجل ذا" كحديث: "إنما جُعِل الاستئذان لأجل البصر"
(2)
، وهذا ماده بقوله:"فيتلو من أجل ذا".
فيلي ما ذكر نحو: "كيْ" و"إذًا" وهما في مرتبة واحدة، كقوله تعالى:{كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر/ 7]، وقوله:{إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ} [الإسراء/ 75].
فإن قيل: كيف عدّ المؤلف "كيْ" من الصريح في التعليل مع أنها تكون مصدرية، والمحتمل لغير التعليل ليس صريحًا في التعليل به.
(1)
البيت رقم (677).
(2)
أخرجه البخاري رقم (6241)، ومسلم رقم (2156) من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه. بلفظ:(. . . من أجل. . .). ولفظ: (لأجل البصر) لم أجده وإن ذكره الغزالي وابن أمير حاج وعزاه الأخير لابن أبي شيبة ولم أجده.
قلنا: أجاب بعضهم عن هذا بأن "كيْ" المصدرية تلزمها لام التعليل ظاهرة أَو مقدرة فهي مؤكدة للام التعليل، فلم تخرج عن كونها للتعليل با لأصالة أو بالتوكيد، وفي الحقيقة مدخول "كي" الذي هو الفعل باعتبار ما تضمنته من المصدرية منتفيًا أو مثبتًا هو العلة.
قلت: الظاهر عندي ما قاله زكريا الأنصاري
(1)
من أن محل كونها للتعليل إذا لم تكن مصدرية، وعليه فعدها من الصريح فيه ما فيه.
. . . . . . . . . . . . فما
…
ظهرَ لامٌ ثمَّتَ البا عُلِمَا
684 -
فالفاءُ للشارع فالفقيهِ
…
فغيرِه يُتْبعُ بالشبيهِ
يعني أن النصَّ غير الصريح وهو النصُّ الظاهر يلي النصَّ الصريح، فقوله:"فما ظهر" يعني فيلي النصَّ الصريح ما ظهر، أي النصُّ الظاهر، ثم ذكر صِيَغَه بقوله:"لامٌ""فما" الموصولة مبتدأ "وظهر" صلتها، و"لام" خبر المبتدأ، يعني أن النصَّ الظاهر أي غير الصريح أقوى مراتبه "اللّامُ" كقوله:{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [إبراهيم/ 1]. واللّام المقدرة كالمذكورة نحوُ: {أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (14)} [القلم] أي لأن كان، ويطَّرِد جواز حدفِ لام التعليل قبل أنْ وأنّ المصدريتين كما أشار له في "الخلاصة" بقوله:
نقلًا وفي أنَّ وأنْ يطَّرِدُ
…
معْ أمْنِ لبسٍ كعجبتُ أن يَدُوا
ثم يلي "اللّامَ" في الظهور "الباءُ" كقوله: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا
(1)
في "غاية الوصول": (ص/ 119).
حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} [النساء/ 160] وهو مراده بقوله: "ثمّت البا"، ثم تلي "الباءَ""الفاءُ"، وتُقدَّم في كلام الشارع من كتاب أو سنة سواء كان في الحكم كقوله:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة/ 38]، أو في الوصف المعلّلِ به كقوله صلى الله عليه وسلم في المحرم الذي وقَصَتْهُ دابته فمات:"لا تُمِسُّوه طيبًا ولا تخمِّروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا"
(1)
.
فيلي ما ذكر "الفاء" في كلام الراوي الفقيه كقول عمران بن حصين رضي الله عنه: "سهى صلى الله عليه وسلم فسجد"
(2)
. فيليه "الفاء" في كلام الراوي غير الفقيه.
وقوله: "يتبع بالشبيه" يعني أنه يتبع ذلك المذكور بكل ما يشابهه في كونه ظاهرًا في العلة نحوُ: "إنْ"، و"إذْ" ونحوِ ذلك، كقوله:{لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ} [نوح/ 26 - 27]، وكقولك:"اضرب العبدَ إذْ أساء"، وقوله:"يُتبع" مبني للمفعول، وقوله:"فالفاءُ" بالرفع
(1)
أخرجه البخاري رقم (1268)، ومسلم رقم (1206) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(2)
أصله في مسلم رقم (574)، وابن ماجه رقم (1215) بغير هذا اللفظ، وأخرجه بلفظه أبو داود رقم (1039)، والترمذي رقم (365)، والنسائي:(3/ 26)، وغيرهم، وفيه زيادة:(فتشهد فسلم).
قال الترمذي: حسن غريب صحيح. وصححه الحاكم. قال الحافظ في "فتح الباري": (3/ 98): (وقال ابن حبان ما روى ابن سيرين عن خالد غير هذا الحديث انتهى، وضعفه البيهقي وابن عبد البر وغيرهما ووهموا رواية أشعث لمخالفته غيره من الحافظ عن ابن سيرين فإن المحفوظ عن ابن سيرين في حديث عمران ليس فيه ذكر التشهد. . .) اهـ.
عطفًا على الضمير المرفوع في قوله: "عُلِم" من غير فاصل على حدِّ قوله:
قلت إذا أقبلت وزهرٌ تهادى
…
كنعاج الغلا تعسَّفْن رمْلًا
(1)
685 -
والثالثُ الإيما اقْتِرانُ الوصفِ
…
بالحُكم ملفوظيْن دونَ خلْفِ
686 -
وذلكَ الوصفُ أو النظيرُ
…
قِرانُه لغيرها يَضيرُ
يعني أن المسلك الثالث من مسالك العلة هو الإيماء، وعرَّف الإيماءَ بأنه اقتران الوصف أو نظيرِه بالحكم أو نظيره على وجهٍ لو لم يكن الوصف أو نظيره فيه علة للحكم أو نظيره لكان ذلك مُخِلًّا بالفصاحة، وإخلالُه بالفصاحة هو مراده بقوله:"قرانه لغيرها يضير". وأمثلة اقتران الوصف بالحكم ستأتي في الأبيات التي بعد هذا.
ومثال اقتران نظير الحكم بنظير الوصف: حديث ابن عباس عند البخاري
(2)
والنسائي
(3)
أن امرأة قالت: يا رسول اللَّه إن أمِّي ماتت وعليها نذر حج أفأحج عنها؟ قال: "أرأيتِ لو كان على أُمِّك دينٌ أكنت قاضيته"؟ قالت: نعم، قال:"فحُجِّي عن أمك فاللَّه أحق بالقضاء". فالمرأةُ سألت عن دَين اللَّه على الميت فذكر لها رسول اللَّه نظيرَ الحكم المسؤول عنه مقترنًا بنظير علة المسؤول عنه، فلو لم يكن جواز القضاء فيهما لكون الدَّين علة له لكان بعيدًا.
فالنبيُّ صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث نَبَّه على كون نظير الوصف علة لنظير
(1)
تقدم تخريجه.
(2)
رقم (7315).
(3)
(6/ 119) بنحوه.
الحكم، كما نبه على أركان القياس الأربعة؛ فالأصلُ دَين العباد، والفرعُ دَين اللَّه تعالى، والحُكْم جواز القضاء، والعلة في الأصل والفرع كون كلٍّ منهما دينًا.
وقول المؤلف: "دون خُلْف" يعني أن الوصف والحكم إذا كان مصرَّحًا بهما على الوجه الذي ذكرنا فإنه إيماء بلا خلاف، ومفهومه أنهما إن كانا غير ملفوظَيْن -أي كانا مستنبطَيْن- فليس من صور الإيماء، وإن كان أحدهما ملفوظًا والثاني مستنبطًا ففيهما ثلاثة أقوال؛ قيل: هو إيماء، وقيل: لا، وقيل: إن كان الملفوظ الوصف فهو إيماءٌ وإن كان الحكم فلا.
مثال ذكر اللفظ واستنباط الحكم: قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة/ 275] فإن حِلِّية البيع وصف ملفوظ يُستنبط منه حكم هو صحة البيع.
ومثال ذكر الحكم دون الوصف: التنصيص على تحريم الربا في البُرِّ مثلًا فإنه حكم منصوص يستنبط منه الوصف وهو: الاقتيات والادِّخار على أحد الأقوال الماضية.
687 -
كما إذا سمع وصفًا فحَكَمْ
…
وذِكْرُهُ في الحُكْمِ وصفًا قد أَلَمْ
688 -
إن لم يكن عِلَّتَه لم يُفِدِ
…
ومنعه مما يُفيتُ. . . . . . . . .
ذكر في هذه الأبيات أمثلة من أمثلة الإيماء:
الأول: حكمه صلى الله عليه وسلم بعد سماع وصفٍ، كما في حديث الأعرابيّ الذي قال: واقعت أهلي في نهار رمضان فقال صلى الله عليه وسلم: "اعتق رقبة"
(1)
.
(1)
أخرجه البخاري رقم (6087)، ومسلم رقم (1111) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
فأَمْرُه بالعتق بعد ذِكر الوِقاع دليل على أن الوقاع علة العتق وإلا خلا السؤال عن الجواب وذلك بعيد. وهذا مراده بقوله: "كما إذا سمع وصفًا فحكم".
الثاني: ذكره صلى الله عليه وسلم في الحكم وصفًا لم يصرِّح بأنه علة، لكن لو لم يكن ذلك الوصف علة لذلك الحكم لم يكن لذكره فائدة، مثاله: حديث: "لا يقضينَّ حَكَم بين اثنين وهو غضبان"
(1)
، فإنَّ الغضبَ المشوِّش للفكر المذكور في الحكم لو لم يكن علة المنع من القضاء لَمَا كان لذكره فائدة، وهذا هو مراده بقوله:"وذكره في الحكم. . " البيت.
الثالث: منع الشارع المكلَّفَ من فعل يحصل به تفويت فعل آخر مطلوب منه كقوله تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة/ 9]. فإنه يُفهم منه أن منع البيع وقتَ نداءِ الجمعة إنما هو أن البيع يفوِّت حضور الجمعة، فلو لم يكن لمظنة تفويتها لكان المنع بعيدًا، وهذا مراد المؤلف بقوله:"ومنعه مما يفيت".
. . . . . . . . . . . . .
…
. . . . . . . . . . استفد
689 -
ترتيبه الحكمَ عليه. . .
…
. . . . . . . . .
أي استفد كون ترتيب الشارع الحكمَ على الوصف إيماءً نحو {اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة/ 9] فترتيبه الحكم بالقتل على وصف الشرك لو لم يكن لأنه علته لكان بعيدًا.
. . . . . . . واتَّضَحْ
…
تفريقُ حُكْمينِ بوصفِ المُصْطلح
690 -
أو غايةٍ شرطٍ أو استثناءِ. . .
…
. . . . . . . .
(1)
تقدم تخريجه.