الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثبتت فيه عِلِّية المشترك بين الفرع والأصل بالمناسبة التي هي المسلك الخامس، فلا يكون قادحًا إلَّا في ذلك لاشتماله على المناسب. أما قياس الشبه والطرد فإنه لا يقدح في واحد منهما لعدم المناسبة.
الثاني: أن تكون العلة مستنبطة.
الثالث: أن تكون مختلفًا فيها لأن العلة المنصوصة والمستنبطة المجمع عليها كلتاهما لا تُشترط فيها المناسبة، وإذًا فلا قَدْح بعدمها.
وأشار إلى الشرط الأول بقوله: "بذي العلة" وإلى الثاني بقوله: "وذات الاستنباط"، وإلى الثالث بقوله:"والخلاف" وقوله: "بائتلاف" يعني باتفاق.
774 -
يجيء في الطرديِّ حيثُ عُلِّلا
…
به. . . . . . . . . .
يعني أن
القدح بعدم التأثير ثلاثة أقسام:
الأول: أن يكون في الوصف الطردي إذا عُلَّل به، والطرديُّ هو ما لا مناسبةَ فيه ولا شَبَه. ومثاله: قول الحنفي في صلاة الصبح: هي صلاة لا تُقْصر فلا يُقَدَّم أذانُها على الوقت قياسًا على المغرب، فعدم القصر طردي في عدم تقديم الأذان إذ لا مناسبة له فيه ولا شبه لأن عدم التقديم موجود فيما يقصر. وحاصل هذا القسم إنكار عِلِّية الوصف لكونه طرديًّا كما تقدم في قول المؤلف
(1)
: "أبطل لما طردًا يُرَى".
. . . . . . . . . . . . . . .
…
. . . . وقد يجيءُ فيما أصِّلا
(1)
البيت رقم (699).
775 -
وذا بإبدا عِلَّةٍ للحكم
…
ممَّن يَرى تعدُّدًا ذا سُقم
هذا هو القسم الثاني من أقسام عدم التأثير، ومعنى البيت: أنه قد يجيء القدح بعدم تأثير العلة "فيما أصَّلَ" أي في الأصل، وذلك يكون بإبداء المعترض علةً لحكم الأصل غير علة المستدل بشرط أن يكون المعترض يَرَى تعدُّد العلة "ذا سقم" أي ضعيفًا ممتنعًا. وإيضاح هذا القسم: أنه معارضة في الأصل بإبداء علةٍ أخرى غير علة المستدل بناءً على منع التعليل بعلتين فأكثر، وأما على القول بجواز تعدّد العلل فلا قَدْح لصحة التعليل بكلتا العلتين، علة المستدل، وعلة المعترض.
ومثال هذا القسم: قول من يمنع بيع الغائب: هو مبيع غير مرئي فلا يصح بيعه قياسًا على الطير في الهواء. فيقول المعترض: لا تأثير لكونه غير مرئيٍّ في الأصل، فإن العجز عن التسليم فيه كافٍ في عدم الصحة وعدمها موجود في الرؤية.
وقوله: "أُصِّلا" بضم الهمزة وكسر الصاد مشددة مبنيًّا للمفعول، والمراد به الأصل، وقوله:"تعدُّدًا" يعني تعدُّدَ العلة، وقوله:"ذا سقم" أي سقيمًا يعني ضعيفًا ممتنعًا.
776 -
وقد يجي في الحُكم وهو أضْرُبُ
…
فمنه ما لَيْس لِفَيْدٍ يُجْلَبُ
هذا هو القسم الثالث عند المؤلف من أقسام القدح بعدم التأثير، والتحقيق أنه راجع إلى القسم الأول، ووجه عدِّه قسمًا مستقلًّا أن بينه وبين الأول فرقًا في الجملة؛ لأن الأول المشارَ إليه بقوله: "يجيءُ في
الطردي حيث عُلّلَا به. . . " إلخ = وَجْه
(1)
القدح فيه: هو أن الوصف من أصله لا أثر له لأنه طرديٌّ. وهذا القسم الثالث المذكور في هذا البيت إنما يكون الوصف الطردي فيه وصفًا آخر غير الوصف المعلَّل به مضمومًا إليه فيقدح بزيادة ذلك الوصف الذي لا أثر له في الحكم، فتنبَّه لهذا الفرق الدقيق. وهذا هو المسمَّى بعدم التأثير في الحكم، وهو ثلاثة أقسام كما أشار لذلك المؤلف بقوله:"وهو أضربُ" جمع ضرب بمعنى النوع.
الأول منها: أن يكون ذلك الوصف المذكور مع العلة لا يُجْلب لفائدة أي لا فائدة في ذكره، وهو مراد المؤلف بقوله:"فمنه ما ليس لِفَيْدٍ يُجلبُ".
ومثاله: قول الحنفي: مشركون أتْلفوا مالًا في دار الحرب فلا ضمان عليهم قياسًا على الحربيِّ، فإنَّ الوصف بالشرك هو في الحقيقة العلة، والوصف المضموم له في هذا المثال الذي هو كونهم في دار الحرب عند الحنفية طرديٌّ، لأن القائل منهم بعدم الضمان سواء عنده دار الحرب وغيرها، وكذلك القائلون منهم بالضمان، فإذًا لا فائدة لذكر دار الحرب، وإنما توجه القدح بعدم التأثير إلى المستدل لأنه ذكر وصفًا لا أثر له في الحكم مع العلة، وقوله:"لِفَيْد" متعلق بـ "يُجْلب" ومراده بالفَيْدِ الفائدة.
777 -
وما لِفَيدٍ عن ضرورةٍ ذُكِرْ
…
أَوْ لَا وفي العَفْو خلافٌ قد سُطِرْ
أشار المؤلِّف في هذا البيت للقسم الثاني والثالث من القدح بعدم
(1)
الأصل: ووجه، والصواب ما أثبت.
التأثير في الحكم، فأشار إلى الثاني بقوله:"وما لفيد عن ضرورة ذكر" يعني أن القسم الثاني من أقسام القدح بعدم التأثير في الحكم هو أن يُذْكر مع العلة وصف لا أثر له في الحكم إلا أن ذلك الوصف محتاج إليه حاجةً ضرورية للاحتراز به عن أمر ينقض العلة على المستدل.
ومثاله: قول مُعتبر العَدَد في أحجار الاستجمار مثلًا: هي عبادة متعلقة بالأحجار لم تتقدمها معصية فاعْتُبِر فيها العدد قياسًا على أحجار رمي الجمار، فقوله:"لم تتقدمها معصية"، وَصْفٌ مذكورٌ مع العلة التي هي كونها عبادة متعلقة بأحجار، وهذا الوصف المضموم للعلة لا أثر له في الحكم إلا أنه ذُكِر لفائدة ضرورية، وهي أنه لو لم يذكره لانتقضت العلة بأحجار الرجم لأنها متعلقةٌ بها عبادة هي الرجم، ولم يعتبر فيها العدد فاضطر إلى إخراج هذا بقيد (لم تتقدمها معصية).
ووَجْه القدح بهذا: أن عدم تقدّم المعصية لا أثر له في اعتبار العدد في الأحجار فلم يُقبل في معرض التعليل ولو كان المعلل له في نفس الأمر غيره.
وأشار إلى الثالث بقوله: "أوْ لا" يعني أن القسم الثالث من أقسام القدح بعدم التأثير في الحكم هو أن يُذكر مع العلة وصفٌ مضموم إِليها لا أثر له في الحكم، إلا أنه مذكور لأجل فائدة غير ضرورية أي لو حُذِفَت لما ضرَّ حذفها لأنها لم يُحْتَرَز بها عن أمر ينقض العلة كالأول.
ومثال هذا القسم ما لو قيل: الجمعةُ صلاةٌ مفروضة فلم تفتقر في إقامتها إلى إذن الإمام الأعظم قياسًا على الظهر، فقوله: مفروضة، وصف مضموم للعلة التي هي كونها صلاة، وله فائدة هي أن ذكر الفرض
يفيد تقريب الفرع من الأصل؛ لأن الفرض أقرب إلى الفرض من مطلق صلاة
(1)
، وإنما كانت هذه الفائدة غير ضرورية لأن لفظة "مفروضة" لو حُذِفت ما ضر ذلك، لأن الباقي لم ينتقض بشيء.
ووجه القدح بهذا ما تقدم فيما قبله، ومن قَدَح بالأول قَدَح بالثاني من باب أولَى، والذين قالوا لا يقدح بالأول لأجل الضرورة لذكره اختلفوا في الثاني، وإلى ذلك الإشارة بقوله:"وفي العفو خلاف قد سُطِر" يعني أن القدحَ بعدم التأثير في الحكم المتوجِّه من عدم تأثير تلك الزيادة التي لا أثر لها في الحكم مع أن لذكرها فائدة اخْتُلِف فيه هل يُعْفَى عنه وتكون زيادتها غير قادحة نظرًا إلى أن أصل التعليل بغيرها وإنما ذُكِرَت لحاجة، أو لا يُعْفَى عنها بل يُقْدَح بها؟ لأن ذِكْر ما لا أثر له في التعليل في معرض التعليل غيرُ مقبول، ومن مَنَعه فيما فيه ضرورة مَنَعه في غيره، ومن أباحه فيما فيه ضرورة اختلفوا في جوازه فيما لا ضرورة فيه كما تقدم قريبًا. وقوله:"قد سُطِر" أي كُتِب في الفن.
778 -
والقلبُ إثباتُ الذي الحكمَ نقضْ
…
بالوصفِ والقدحُ به لا يُعْتَرَض
هذا هو الرابع من القوادح في الدليل، ولم يذكر المؤلف إلَّا قلب القياس خاصةً تبعًا للقرافي
(2)
، وعرَّفه في "جمع الجوامع"
(3)
بمعناه الأعم الشامل للقياس وغيره من الأدلة حيث قال: "وهو دعوى أن ما استدلَّ به
(1)
ط: الصلاة.
(2)
في "التنقيح": (ص/ 130).
(3)
(2/ 311).