الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
و
جواب الاعتراض بفساد الاعتبار
يكون بأمور؛ منها الطعن في سند النصِّ بما يُضَعِّفه كالإرسال والوقف والانقطاع ونحو ذلك، ومنها الطعن في الإجماع المخالف له إذا كان ظنيًّا بتضعيف سند الناقلين له، ومنها المعارضة للنصِّ بنصٍّ آخر مماثل له في القوة أو أقوى منه، ومنها غير ذلك.
802 -
مِنَ القوادح كما في النقل
…
منعُ وجودِ علَّةٍ للأصلِ
يعني أن من القوادح في الدليل المنقولة عن أهل الأصول: منع وجود علة الأصل المقيس عليه في الفرع، كقول أبي حنيفة: علةُ القطع التي هي السرقة لم توجد في الفرع المقيس الذي هو نبَّاش القبور لأنه غيرُ سارق.
واللَّام في "للأصل" داخلة بين المضاف والمضاف إليه أي علة الأصل، وفي الكلام حذف دل المقامُ عليه تقديره: في الفرع. وتقرير المعنى: من القوادح المنقولة منع وجود علة الأصل في الفرع.
803 -
ومنع عِلِّيَّةِ ما يعَلَّلُ
…
به وقدحُه هو المعَوَّلُ
يعني أن من القوادح أيضًا على "المعول" أي المعول عليه، يعني المعتمدَ الأصحَّ: مَنعْ المعترض عِلِّية الوصف الذي علّل به المستدل، ويسمَّى هذا القادح أيضًا: المطالبة بتصحيح العلة.
ومثاله: أن يقول الحنفيُّ أو الحنبلي مثلًا: علة طعام الربا الكيل. فيقول المالكي أو الشافعي مثلًا: لا نسلِّم أن الكيل هو علة الربا لوجود الربا فيما لا كيل فيه كالحفنة. ووجه الاعتراض بهذا القادح: هو الخوف من أن يتمسَّك المستدل بما شاء من الأوصاف لو عَرَف أنه لا يُعْتَرض عليه بعدم العِلِّية.
804 -
ويقدح التقسيم أن يحتَمِلا
…
لفظٌ لأمرينِ ولكِنْ حُظِلا
805 -
وجودُ علة بأمرٍ واحدِ
…
وليسَ عند بعضِهم بالواردِ
يعني أن من القوادح في العلة نوعًا يسمَّى التقسيم وهو أن يحتمل لفظ مُوْرَدٌ في الدليل معنيين أو أكثر بحيث يكون متردِّدًا بين تلك المعاني أو المعنيين على السواء، لكنَّ المعترض يمنع وجودَ عِلِّة الحُكم في واحدٍ من تلك المحتملات.
ومثاله: ما لو قيل: الطهارة قُرْبة فتجب فيها النية. فيقول المعترض: لفظ الطهاوة يحتمل النظافة والأفعالَ المخصوصة التي هي الوضوء الشرعيُّ، والنظافة ليست قُرْبة فانتفت العلة التي هي الكون قُربة عن أحد المحتملين في الطهارة وهو النظافة.
ومن أمثلة هذا القادح ما لو استُدِل على ثبوت المِلْك للمشتري في زمن الخيار بوجود سببه الذي هو البيع الصادر من أهله. فيقول المعترض: السبب المذكور يحتمل أمرين؛ أحدهما: مطلق البيع ولو بخيار، والثاني: البيع الذي لا شرط فيه. والأول منهما تنتفي عنه سببية الملك التي هي علته.
ومن أمثلته: ما لو قيل في الحاضر الصحيح الفاقد للماء: وُجِد فيه سبب التيمّمِ، وهو تعذُّر الماء فيجب التيمُّمُ. فيقول المعترض: تعذُّر الماء محتمِلٌ لأمور منها السفر والمرض، ومنها مطلق تعذره، والعلة التي أباحت التيمُّمَ مفقودة في مُطْلق التعذر.
واعلم أن المحلِّيَّ صرّح بأن الممنوع ليس هو المرادَ عند المستدلِّ
والمراد عند المستدل غيرُ ممنوع
(1)
. وخالفه العَضُد فجوَّز كون الممنوع هو المراد
(2)
.
وقال القرافي
(3)
: ليس من شروط التقسيم أن يكون أحدهما ممنوعًا والآخر مسلَّمًا، بل يجوز أن يكونا مسلَّمَيْن، لكن الذي يَرِد على أحدهما غير ما يَرِد على الآخر وإلَّا لم يكن للتقسيم معنى. ولا خلاف أنه لا يجوز أن يكونا ممنوعين.
وقوله: "وليس عند بعضهم بالوارد" يعني أن التقسيم ليس بوارد أي مقبول عند بعض الأصوليين، واختار السبكي
(4)
قبوله إذا بيَّن المعترض المحتملات التي تردَّدَ اللانظ بينها، ومحل القدح به في تساوي الاحتمالات كما تقدم لأن الاحتمال المرجوحَ ملغى كما تقدم عند الكلام على النصِّ والظاهر
(5)
.
806 -
جوابُه بالوضع في المرادِ
…
أو الظُّهورِ فيه باسْتِشهادِ
يعني أنه على القول بالقدح بالتقسيم فجوابه أن يبيّن المستدل أن اللفظ موضوع في المعنى الذي أراد به المستدل وحدده دون غيره من الاحتمالات وضعًا شرعيًّا، أو عرفيًّا، أو لغويًّا، أو أنه أظهر فيه من غيره
(1)
في شرحه على الجمع: (2/ 333).
(2)
ذكره في "النشر": (2/ 235).
(3)
في "نفائس الأصول": (4/ 306).
(4)
في "الجمع": (2/ 333).
(5)
(ص/ 277).
من اسْتشهاده أي استَدْلاله على وضعه له أو ظهوره فيه. فظهر من هذا أن المراد بالاستواء المشترط في هذا القادح الاستواء في نفس الأمر، أو بحسب الظاهر، أو عند المعترض؛ وإذًا فلا ينافي الاستواء تبيين الظهور.
807 -
وللمعارضةِ والمنعِ معا
…
أو الأخيرِ الاعتراضُ رَجَعا
يعني أن الاعتراض بجميع القوادح المتقدمة راجع عند ابن الحاجب إلى أمرين هما: المنع أو المعارضة
(1)
، فالمراد بالمنع منعُ مقدمة فأكثر من الدليل، والمراد بالمعارضة معارضة الدليل بدليل يقاومه. فمثال المنع قول المالكيّ مثلًا للحنبليّ أو الحنفيّ: كون الكيل علة الربا ممنوع. ومثال المعارضة قول المستدل بجواز نكاح المُحْرِم لما ثبت في "الصحيحين"
(2)
من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم. فيقول المعترض: هو معارَض بما ثبت عن ميمونة وأبي رافع من أنه تزوجها وهو حلال
(3)
. وميمونة صاحبة القصة، وأبو رافع سفيرهما فيها، فهما أعلم بها من ابن عباس. وعند السبكي
(4)
راجع إلى المنع وهو
(1)
انظر "المختصر - مع شرحه": (3/ 178).
(2)
أخرجه البخاري رقم (1837)، ومسلم رقم (1410).
(3)
أخرجه الترمذي رقم (841) وقال: حديث حسن. وفي مسلم رقم (1411) (عن يزيد بن الأصم حدثتني ميمونة بنت الحارث أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو حلال. قال: وكانت خالتي وخالة ابن عباس". وهو شاهد قوي لحديث أبي رافع.
(4)
"الجمع": (2/ 334 - 335).
مراده بقوله: "أو الأخير" و"أو" في قول ابن الحاجب
(1)
مانِعَةُ خُلُوٍّ تُجَوِّزُ الجَمْعَ، فصُوَر الاعتراض إذًا ثلاث وهي: المنع وحده، والمعارضة وحدها، وهما معًا.
808 -
والاعتراضُ يلحقُ الدليلا
…
دونَ الحكايةِ فلا سبيلا
يعني أن الاعتراض منعًا كان أو معارضة إنما يلحق دليل المستدل لا حكايته الأقوال في المسألة، لأن حكاية الأقوال لا تستلزم أن الذي حكاها يقول بصحتها. نعم يتوجَّه الاعتراضُ على الحكاية من حيث إنها مكذوبة على من حُكِيت عنه. وقوله:"فلا سبيلا" أي إلى اعتراض الحكاية.
809 -
والشأنُ لا يعترضُ المثال
…
إذ قد كفى الفرضُ والاحتمالُ
يعني أن المثال لا يُعترض عليه للاكتفاء فيه بمجرد الفرض على تقدير الصحة وبمطلق الاحتمال؛ لأن المراد من المثال إيضاح القاعدة بخلاف الشاهد فإنه يُعْتَرض إذا لم يكن صحيحًا لأنه لتصحيح القاعدة.
* * *
(1)
يعني قوله: "الاعتراضات راجعة إلى منع أو معارضة وإلا لم تسمع".