الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع
653 -
الحكمُ في رأي وما تُشُبِّها
…
من المحلِّ عندَ جُلِّ النُّبَها
يعني أن الفرع الذي هو ركن من أركان القياس اخْتُلِف فيه على قولين، قيل: إنه حكم الفرع المقيس، وقيل: إنه محلُّ حكيم الفرع المقيس، وهو الحق. فعلى أنه حكم الفرع فمثاله: تحريم النبيذ، وعلى أنه محل حكم الفرع فهو النبيذُ بعينه مثلًا في إلحاقه بالخمر.
654 -
وجودُ جامعٍ به متمَّمَا
…
شرطٌ وفي القَطْع إلى القَطْع انتمى
المراد بالجامع العلة، ومعنى البيت: أنه
يُشترط في الفرع المقيس وجودُ علة الأصل بتمامها
لا بعضها، فلو حصل قتل بمثقَّل خطأ لا يمكن القول فيه بالقصاص قياسًا على القتل بالسيف، وعلة القصاص هي القَتْل عمدًا عدوانًا وهي غيْرُ موجودة بتمامها في الفرع، لأن الفرع ليس فيه منها إلا مجردُ القتل.
وقوله: "وفي القطع إلى القطع انتمى" يعني أن القياس قد يكون قطعيًّا وإذا كان قطعيًّا فلابد من القطع بأن الوصف علة حكيم الأصل، والقطع بأن العلة موجودة في الفرع، كقياس ضرب الوالدين على التأفيف في قوله:{فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء/ 23] للقطع بأن علة المنع الإيذاء، وأنه موجود في التأفيف وموجود في الضرب أيضًا، والتمثيل بهذا بناءً على القول بأنه قياس، المتقدم في قوله:"دلالة الوفاق للقياس. . . " إلخ.
655 -
وإن تكنْ ظنيةً فالأَدْوَنُ
…
لِذا القياسِ علَمٌ مُدَوَّنُ
يعني أن الوصف المعلَّلَ به إذا كانت عليته ظنية فهو المسمى عند الأصوليين بالقياس الأَدْوَن، مثاله: قياس الشافعية التفاح على البر في الربا بجامع "الطَّعم" الذي هو علة الربا عندهم، مع احتمال كون العلة هي "الاقتيات والادِّخار" كما عند المالكية أو "الكيل" كما عند الحنفية والحنابلة، فثبوتُ الحكمِ فيه -أي التفاح الذي ليس فيه من الأوصاف إلا الطعم- أدْوَنُ من ثبوته في البر المشتمل على الأوصاف الثلاثة. ووجه هذه الأدْوَنية: احتمال أن تكون العلة غير ما ظُنَّ أنه العلة من الأوصاف الموجودة في الأصل دون الفرع.
واعلم أن القياس الأدْوَن الذي هو الظنيُّ على هذا يمكن أن يكون الحكم فيه في الفرع أولى منه في الأصل أو مساويًا له، لكون العلة أظهر في الفرع أو مساويةً.
مثال كونها أظهر في الفرع: قياس العمياء على العوراء في منع التضحية، فالعمياء أولى بالحكم من العوارء، وإنما كان هذا القياس ظنيًّا لاحتمال عدم وجود العلة في الفرع، إذ يحتمل أن تكون العلة في العوراء مظنة الهزال لأنها تُوْكَل إلى نفسها في الرعي وهي ناقصة البصر، بخلاف العمياء فإنها تُعْلَف.
ومثاله في المساواة: قياس الأَمَة على العبد في سراية العتق في حديث: "من أعتق شِرْكًا له في عبد"
(1)
الحديث، مع احتمال أن العلة في
(1)
أخرجه البخاري رقم (2522)، ومسلم رقم (1501) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
سراية العتق في العبد لا توجد في الأمَة، لأن عتق العبد يترتب عليه من الأمور ما لا يترتب على عتق الأمة كالجهاد والإمامة وغير ذلك.
656 -
والفرعُ للأصل بباعِثٍ وفي
…
الحكمِ نوعًا أو بجنسٍ يَقْتفي
يعني أن الفرع لابد أن يكون تابعًا للأصل فيما يقصد من نوع العلة أو جنسها، وتابعًا للأصل أيضًا فيما يقصد من نوع الحكم أو جنسه.
مثال المساواة في نوع العلة: قياس النَّبيذ على الخمر بجامع الشدة المُطْربة فإنها موجودة في النبيذ بعينها النوعية لا الشخصية لأن العلة عرض لا يتشخص إلا بتشخيص محله الذي قام به، وهو في مثالنا خصوص الخمر، وهو مفقود في النبيذ، فظهر أن الوحدة نوعية لا شخصية.
ومثال المساواة في جنس العلة: قياس الطرف على النَّفْس في وجوب القصاص بجامع الجناية فإنها جنس لإتلافِهما، فعلَّة
(1)
الحكم في الأصل والفرع جنس الجناية لا إتلاف النَّفْس وإتلاف الطرف، إذ لو كانت العلة في الأصل إتلاف النَّفْس لم يتصور القياس لعدم وجود العلة في الفرع.
ومثال المساواة في نوع الحكم: قياس القتل بمثَقَّل على القتل بمحدَّدٍ في وجوب القصاص فإنه فيهما واحد والجامع كون القتل عمدًا عدوانًا.
ومثال المساواة في جنس الحكم: قياس بضع الصغيرة على مالها في ثبوت الولاية عليه للأب بجامع الصغر، فإن الولاية جنس لولايتي النكاح والمال، والفرق بين الجنس والنوع أن أفراد الجنس مختلفة
(1)
الأصل: بعلة.
حقائقها كأفراد الحيوان، وأفراد النوع متفقة حقائقها كأفراد الإنسان.
إذا عرفت ذلك فحقيقة القتل تنافي حقيقة قطع الطرف، والولاية على المال تنافي الولاية على البضع، ولذا قيل في كل منهما: إنه جنس دون غيرهما من باقي الأمثلة، فإن الحقيقة فيه واحدة ولذا كان نوع، فقول المؤلف:"والفرع" مبتدأ وجملة "يقتفي" خبره، واللام في "للأصل" زائدة، و"الأصل" مفعول به مقدم لقوله:"يقتفي" والباء في "بباعث" ظرفية بمعنى في، وقوله:"في الحكم" عَطْف عليه. وتقرير المعنى: الفرع يقتفي الأصل -أي يتبعه- في الباعث -أي العلة- وفي الحكم، وذلك الاتِّباع في كليهما إما في النوع أو الجنس، وتقدمت أمثلة الكل.
657 -
ومقتضي الضدِّ أو النقيضِ
…
للحكم في الفرع كوَقْعِ البِيْضِ
يعني أن معارضة حكم الفرع بما يقتضي ضده أو نقيضه كائنة كوقع البِيْض، أيْ كهدم السيوف للأجسام، بمعنى أنها مبطلة لإلحاق ذلك الفرع بذلك الأصل، والفرق بين الضدين والنقيضين: أن مقابلة النقيضين هي المقابلة بين السّلب والإيجاب أي النفي والإثبات، والمقابلة بين ضدين هي المقابلة بين أمرين وجوديين متنافيين في ذاتَيْهما ولا يمكن اجتماعهما في ذات أخرى كالسواد والبياض.
ومثال الدليل المقتضي لنقيض الحكم في الفرع: قياس القائل بتثليث مسح الرأس له على الوجه في الوضوء بجامع أن الكلَّ ركن في الوضوء، فيقول المعترض: هو مسح في الوضوء فلا يُسَنُّ تثليثه قياسًا على الخف، فقوله: فلا يُسَن تثليثه نقيض لقول المستدل: يُسَن تثليثه؛