الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في المسألة على ذلك الوجه عليه لا له إن صح". ومعنى البيت: أن قلب القياس هو إثبات المعترض نقيض الحكم بعين العلة التي عَلَّلَ بها المستدلُّ.
وقوله: "والقدح به لا يُعْتَرض" يعني أن
القلب مبطل للقياس بإبطاله العلة
من جهة أنه معارضة، لأن المعترض إذا قَلَب فأثبتَ بالعلةِ بعينها نقيضَ الحكم في عين صورة النزاع بطلت العلة وإلَّا لزمَ اجتماع النقيضين وهو محال. وقوله:"الحكم" مفعول قوله: "نقض" مقدَّم عليه. وقوله: "بالوصف" يعني العلة وهو متعلق بقوله: "إثبات" والذي نقض يعني به نقيض الحكم أي والقلب إثبات نقيض الحكم بالوصف أي العلة، ثم شرع في بيان أقسامه بقوله:
779 -
فمنه ما صحَّح رأيَ المعترِض
…
مع أنَّ رأيَ الخصمِ فيه منْتَقِضْ
يعني أن
قلب القياس قسمان:
الأول منهما: هو المشار إليه في هذا البيت، وهو ما صحح فيه المعترض القالِبُ للقياس مذهبَه، وذلك التصحيح فيه إبطال مذهب الخصم أي المستدل، وسواء كان مذهب المستدل مصرَّحًا به في دليله أو لا.
مثالُ ما كان مصرَّحًا به فيه: قول الشافعي في بطلان بيع الفضوليّ: عقدٌ في حقِّ الغير بلا ولاية عليه فلا يصح، قياسًا على شراء الفضولي فلا يصح لمن سماه. فيقول المالكي أو الحنفيُّ: عقد فيصح كشراء الفضولي فإنه يصح لمن سماه إن رضي ذلك المسمَّى له وإلَّا لزمَ الفضوليَّ.
ومثال غير المصرح به فيه: قول المالكي والحنفي -المشترطين للصوم في الاعتكاف-: هو -أي الاعتكاف-: لُبث فلا يكون بنفسه
قُربة، قياسًا على وقوف عرفة، فإنه إنما يكون قربة بضميمة الإحرام إليه، فكذلك الاعتكاف لا يكون قربة إلَّا بضميمة عبادة أخرى إليه وهي الصوم الذي هو المتنازَع فيه، فمذهبهما الذي هو اشتراط الصوم في الاعتكاف غير مصرَّح به في دليلهما. فيقول الشافعي -مثلا قالِبًا للدليل-: الاعتكاف لُبْثٌ فلا يشترط فيه الصوم قياسًا على وقوف عرفة. والضمير في قوله: "منه" و"فيه" عائدٌ إلى القلب. والمراد بـ "الخصم" المستدل كما تقدم، وقوله:"رأي" مفعول.
780 -
ومنه ما يُبطل بالتزام
…
أو الطباق رأْيَ ذي الخِصام
هذا هو الثاني من قسمي القلب وهو ما يتعرض فيه المعترض لإبطال مذهب الخصم فقط من غير تعرُّض لتصحيحه مذهب نفسه، سواء كان إبطاله لمذهب المستدل مدلولًا عليه بدلالة المطابقة أو بدلالة الالتزام.
مثال الإبطال المصرح به بدلالة المطابقة: قول الحنفي في مسح الرأس في الوضوء: هو عضو وضوء فلا يكفي فيه أقل ما يطلق عليه اسم المسح، قياسًا على الوجه، فإنه لا يكفي في غَسْلِه أقل ما يُطْلَق عليه اسم الغسل. فيقول الشافعي: عضو وضوء فلا يتقدَّر بالربع قياسًا على الوجه في ذلك، فالشافعي يقول للحنفي: كونه عضو وضوء -الذي هو علة قياسك- يقتضي نقيضَ مذهبك من جواز الاقتصار على الربع في مسح الرأس. وليس في قَلْب الشافعيِّ هذا الدليلَ على إثبات مذهبه الذي هو الاكتفاء بأقل ما يُطلق عَليه اسم المسح.
ومثال ما كان إبطال مذهب المستدل فيه بدلالة الالتزام: قول
الحنفي في بيع الغائب: هو عقدُ معاوضةٍ فيجوز مع الجهل بالعِوَض قياسًا على النكاح فإنه يجوز مع الجهل بالزوجة أي عدم رؤيتها، فيقول المعترض كالمالكي والشافعي: فلا يثبت به خيار الرؤية قياسًا على النكاح فقد أبطلا مذهبه بالالتزام، لأن ثبوت خيار الرؤية لازم شرعًا عنده لصحة بيع الغائب، وإذا انتفى اللَّازم انتفى الملزوم.
وقوله: "رأي ذي الخصام" مفعول "يُبطل" بضم الياء، والمراد بذي الخصام صاحب المخاصمة الذي هو المستدل إذ هو خصم المعترض. ومراده بـ "الطباق" دلالة المطابقة التي هي دلالة اللفظ على تمام المعنى الموضوع له.
781 -
ومنه ما إلى المُساواة نسِبْ
…
ثبوت حُكْمَين للأصْلِ ينسلبْ
782 -
حكمٌ عن الفرع بالائتلافِ
…
وواحدٌ من ذين ذو اختِلافِ
(1)
783 -
فيلحَق الفرعُ بالأصل فَيَرِدْ
…
كونُ التَّساوي واجبًا من مُنْتَقِدْ
يعني أن من القلب لإبطال مذهب الخصم بالالتزام النوعَ المعروفَ بقلب المساواة، وسمي "قلب المساواة" لقول المعترض به: أنه يجب المساواة بين الحُكْمين في الفرع كما أنهما متساويان في الأصل. وعرَّفه المؤلف بقوله: "ثبوت حكمين" إلخ يعني أن قلب المساواة هو أن يَثبت للأصل المقيس عليه حكمان، واحدٌ منهما منتفٍ عن الفرع بالائتلاف أي بالاتفاق، والحكم الآخر هو الذي وقع الخلاف في ثبوته للفرع فيُلْحق
(1)
في بعض المطبوعات: ذو خلاف.
المستدلُّ الفرعَ المختلَفَ فيه بالأصل المقيس عليه. فَيَرِد من جهة المنتقد الذي هو المعترض اعتراضٌ هو كون التساوي بين الحُكْمين واجبًا في الفرع كاستوائهما في الأصل.
ومثاله: قول الحنفيّ: طهارة الوضوء وغسل الجنابة طهارة بمائع فلا تُشترط فيها النية قياسًا على طهارة الخَبَث بخلاف غير المائع كطهارة التيمم فتجب فيه النية، فيقول المعترض كالشافعيّ والمالكيّ: الأصلُ المقيس عليه الذي هو طهارة الخبث يستوي مائعُه وجامدُه إذ لا فرقَ بين خَبَث جامد وبين خَبَث مائع فتلزم المساواة بين مائع الفرع وجامده، والفرعُ هو طهارة الحدث، فيمنع الفرق في الفرع الذي هو طهارة الحدث بين الجامد الذي هو التيمُّمُ والمائع الذي هو الوضوء والغسل لعدم الفرق في الأصل الذي هو طهارة الخبث بين مائع وجامد، فقوله:"ثبوت حكمين للأصل" في هذا المثال هما: عدم اشتراط النية في الخبث الجامد والخبث المائع.
وقوله: "ينسلب حكمٌ عن الفرع بالائتلاف" في هذا المثال هو سلب عدم اشتراط النية في طهارة الفرع الجامدة، أعني بالفرع طهارة الحدث، وبالجامدة التيمُّم. وقوله:"وواحد من ذين ذو اختلاف" في هذا المثال هو اشتراط النية في الوضوء والغسل. وقوله: "فيلحق الفرع بالأصل" أي يقول الحنفي: لا يشترط فيهما النية قياسًا على غسل النجاسة. وقوله: "فيَرِد كون التساوي واجبًا" أي يقول المالكي والشافعيُّ مثلًا: الأصل المقيس عليه الذي هو طهارة الخبث لا فرقَ بين مائعه وجامده، فيلزم أن
يكون الفرع المقيس كذلك لا فرق بين جامده ومائعه.
784 -
قبوله فيه خِلافًا يَحْكِي
…
بعضُ شروح الجمع لابن السُّبكي
يعني أن بعض شروح "جمع الجوامع" حَكَى الخلاف في قبول قلب المساواة ورده، وصرَّح في "جمع الجوامع"
(1)
بأنَّ ممن ردَّه الباقلانيُّ
(2)
. واحتج من رده بأن وجه استدلال المعترض الغالبُ فيه غيرُ وجه استدلال المستدل، وبيَّنه ابنُ قاسم في "الآيات البينات"
(3)
بأن المراد بوجه استدلال المستدل في المثال المذكور كون الجامع الطهارة بالماء المعبَّر عنه بالمائع، ووجه استدلال المعترض كونه مطلق الطهارة.
وقوله: "قبوله" مبتدأ خبره جملة "يحكي"، وقوله:"خلافًا" مفعول "يحكي" مقدَّم عليه، وقوله:"بعض" فاعل "يحكي" و"الجمع" يعني به "جمع الجوامع" و"ابن السبكي" يعني به تاجَ الدين وأبوه تقي الدين السُّبكي.
785 -
والقول بالموجَب قدحه جلا
…
وهو تسليمُ الدليل مُسْجَلا
786 -
مِن مانعٍ أن الدليلَ استلزما
…
لِما من الصوَرِ فيه اختصما
يعني أن القول بالموجَب -بفتح الجيم- من القوادح في الدليل، وعرَّفه بالاصطلاح الأصوليّ بأنه تسليم الدليل من مانع أن الدليل مستلزم لمحل النزاع
(4)
. وإيضاحه أنه يقول: صدقت فيما استدللت به إلَّا أنه لا
(1)
(2/ 315).
(2)
انظر "البرهان": (2/ 676 - 679) للجويني.
(3)
(4/ 143).
(4)
قال في "النشر": (2/ 219): "يعني أن القول بالموجبَ: "هو تسليم" دليل المستدل، =