الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعلَّل به قد يكون حقيقيًّا وقد يكون عرفيًّا وقد يكون شرعيًّا، وتقدم بيانها هناك، وذكر في هذا البيت أن الحقيقيَّ مقدَّم على العرفي، والعرفي مقدَّم على الشرعي، ولم يتعرض لِلُّغَوِيّ هنا لأن الإلحاق به من قياس اللغة.
913 -
وفي الحدودِ الأشهَرُ المقدَّمُ
…
وما صريحًا أو أعَمَّ يُعْلَمُ
هذا شروع من المؤلف في
ترجيح الحدود
، أعني الحدود الشرعية كحدود الأحكام الشرعية وليس المراد حدود الماهية العقلية؛ لأنها لا يتعلق بها هنا غرض، وقد ذكر في البيت ثلاثة من مرجحات:
الحد الأول: الشهرة والوضوح، ف
يقدم الحدُّ الأوضح على الواضح
، وهذا معنى قوله:"الأشهر المقدَّم".
الثاني: الصراحة، فإن الحد الصريح يُقدَّم على غير الصريح، كالحد الذي فيه تجوُّز أو اشتراك عند وجود القرينة المعيِّنة للمقصود، لأنه إن لم توجد قرينة كذلك يمنع
(1)
الحد. ووجه تقديم الصريح على غير الصريح المقترن بالقرينة الواضحة: أن القرينة -وإن اتضحت- ربما تطرقها الخفاء والاشتباه بخلاف الصريح، وهذا معنى قوله:"وما صريحًا".
الثالث: عموم النفع، ف
يقدَّم الحدُّ الأعم نفعًا على حدٍ أخصَّ منه
لكونه يتناول ما يتناوله الأخصُّ ويزيد عليه، وهو مراده بقوله؛ "أو أعمَّ".
914 -
وما يوافق لنقلٍ مطلقا
…
. . . . . . . . . . .
يعني أن الحد الموافق للنقل يُقدَّم على غير الموافق له سواء كان
(1)
ط: يمتنع.
النقل شرعيًّا أو لغويًّا، فالحد الموافق للمعنى الشرعي يُقدَّم على مقابله، والحدُّ الموافق للمعنى اللغوي بحسب الوضع يقدَّم على ما خالف الوضع اللغوي. قال في "الآيات البينات"
(1)
: "صورة هذه المسألة: أن يكون تعريف واحد يدور الأمر فيه بين حَمْله على المعنى الشرعي أو اللغوي وحمله على غيرهما، فيرجَّح حمله على الموافق للشرعي أو اللغوي على حمله على غيرهما. قال: وتُصَوَّر أيضًا بأن يكون هناك تعريفان محتملان، أحدهما باعتبار المعنى الموافق لأحدهما، والآخر باعتبار المعنى المخالف له". والموافق لنقل الشرع مقدَّم على الموافق لنقل اللغة، ومقدَّم أيضًا على الموافق للعرف، كما تقدم في قوله:"واللفظ محمول على الشرعيّ. . "
(2)
إلخ.
فإن قيل: ما وجه الجمع بين هذا وبين تقديم الوصف العرفي والوصف الحقيقي، كما تقدم في قوله:"بعد الحقيقي أتى العرفي"
(3)
؟
فالجواب: أن تقديم الشرعي المذكور هنا إنما هو عند الاحتمال أو التردُّدِ، وما تقدم من تقديم الحقيقي، ثم العرفي، ثم الشرعي إنما هو عند تحقق الحال من كونه شرعيًّا أو غيره.
. . . . . . . . . . .
…
والحدُّ سائرَ الرسومِ سَبَقا
يعني أن الحدَّ مقدَّم على الرسم؛ لأن التعريف في الحد بالذاتيات وفي الرسم بالعَرَضيات، والتعريف بالذاتي أقوى من التعريف بالعَرَضي،
(1)
(4/ 240).
(2)
البيت رقم (214).
(3)
البيت رقم (912).
وسواء كان الحدُّ تامًّا أو ناقصًا فيقدَّم على الرسم تامًّا أو ناقصًا.
915 -
وقد خَلَتْ مرجِّحاتٌ فاعتبرْ
…
. . . . . . . . . . .
يعني أنه تقدَّم ذكرُ مرجِّحات كثيرة متفرقة في هذا النظم فاعتبرها، فقد تركها المؤلف هنا حذرًا من التكرار والتطويل. مثال ما تقدم من ترجيح بعض مفاهيم المخالفة على بعض في قوله:"أقواه لا يرشد إلا العلماء"
(1)
إلخ، وتقديم الشرعي على العرفيّ إلخ في قوله:"واللفظ محمول على الشرعي"
(2)
البيت، وتقديم المجاز على الاشتراك في قوله:"وبعد تخصيص مجاز"
(3)
إلخ، ونحو ذلك.
. . . . . . . . . . .
…
واعلم بأنَّ كلَّها لا ينحَصِرْ
916 -
قُطْبُ رحاها قوَّة المَظِنَّه
…
فهي لدى تعارضٍ مَئِنَّه
يعني أن المرجِّحات لا تنحصر فيما ذُكِرَ في هذا الباب ولا فيما ذُكِر في غيره من أبواب هذا النظم، وقُطب رحا المرجِّحات الذي تدور عليه غالبًا هو: قوة المَظِنَّة -بكسر الظاء- فما كان الظن أقوى فيه فهو أرجح. وقوله: "مَئِنَّه" أي علامة على الترجيح. ونظيره قول ابن مسعود رضي الله عنه: "تقصير الخطبة وتطويل الصلاة مئنة فقه الرجل"
(4)
. وأصل المَئنة مَفْعِلة
(1)
البيت رقم (158). وفيه: أعلاه. . .
(2)
البيت رقم (214).
(3)
البيت رقم (208).
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة: (1/ 450)، والبيهقي:(3/ 208)، والطبراني في "الكبير" رقم (9493) موقوفًا عليه بأسانيد صحاح. وأولى منه ما أخرجه مسلم رقم (869) =
-بفتح الميم وكسر العين- من أن المشددة التي هي حرف توكيد، فالمئنَّةُ إذًا هي المكان الذي يقال فيه إنه كذا، وكون قوة الظن مَئنَّة الترجيح أمر أغلبيٌّ؛ لأن المرجِّح قد يكون قطعيًّا، وقد يكون الترجيحِ بمجرد الظن دون غلبة، كما إذا حصل الظنُّ بوجود مرجِّح لأحد المتعارِضيْن فيُعْتَمد عليه.
* * *
= عن عمار بن ياسر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه. . . ".