الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأول: أن يقول: بحثتُ فلم أجد غير هذا، ولكن يُشترط في هذا أن يكون عدل الرواية لأن هذا إخبارٌ محض فيقبل من العدل دون غيره، وهذا مراده بقوله:"مُعْترض الحصر" البيت.
الثاني: أن يقول: هذا ما وجدناه من الأوصاف في الأصل، والأصلُ "انفقاد" أيْ عَدَمُ ما سواه، وهو مراد المؤلف بقوله:"أو انفقاد" إلخ. وجملة "بحثت" فاعل "يَرِد" بفتح الياء على سبيل الحكاية.
. . . . . . . . . . . .
…
وليسَ في الحصر لظنٍّ حَظْلُ
يعني أنه
لا يمتنع أن يكون حصر الأوصاف ظنيًّا
أي بأن يظن المجتهد حصرها فلا يلزم تيقن الحصر، هذا بالنسبة إلى المجتهد ومقلديه، وسيأتي حكم ذلك بالنسبة إلى المناظر في قوله:"حجية الظني" إلخ.
695 -
وهو قطعيٌّ إذا ما نُمِيا
…
للقطعِ والظَّنّي سِواهُ وُعِيا
الضمير في قوله: "هو" عائد إلى مسلك السَّبْر، والألِف في قوله:"نُمِيا" ألف تثنية عائدة إلى الحصر والإبطال، والألف في قوله:"وُعِيا" ألف الإطلاق، وجملة "وُعِي" خبر المبتدأ، و"سواه" حالٌ مقدَّم من ضمير النائب في "وُعِي".
ومعنى البيت: أن السَّبْر والتقسيم يكون قطعيًّا بشرطين: الأول: أن يكون حصر أوصاف الأصل قطعيًّا. الثاني: أن يكون إبطالُ غير الوصف المستبقى للتعليل قطعيًّا. زاد بعضُهم شرطًا ثالثًا وهو القطعُ بأن الأصل معلَّل لا تعبديٌّ، وحيث اختلَّ أحدُ الشرْطَين بأن كان الحصر والإبطال ظنِّيَيْن أو أحدهما ظنيًّا فالسبر والتقسيم ظنيٌّ، وهو مراده بقوله: "والظنيِّ
سواه" أيْ والظنّي وُعي أي حُفِظ وعُرِف حال كونه سوى القطعيِّ.
696 -
حجيَّة الظنِّيِّ رأيُ الأكثرِ
…
في حقِّ ناظرٍ وفي المُناظِر
يعني أن الاحتجاج بالسبر والتقسيم الظني هو مذهب الأكثر واختاره من المالكية الباقلَّانِيُّ والفهريُّ
(1)
. وحجته أن الحكم لا يخلو عن علة ظاهرة غالبًا، والغالب أنها لا تعدو أوصاف محلِّه، وإذا ظهر بطلان ما سوى المستَبْقى غلب على الظن أنه العلة، ومقابل قول المؤلف:"رأي الأكثر" تحته ثلاثة أقوال
(2)
:
الأول: أنه ليس بحجة مطلقًا لجواز إبطال الباقي لأنه غيرُ قطعي.
الثاني: وبه قال إمام الحرمين
(3)
أنه حجة بشرط انعقاد الإجماع على أن حكم الأصل معلَّلٌ لا تعبدي.
الثالث: أنه حجة للناظر لنفسه ومقلديه دون المناظر غيره لأن ظنَّه لا تقوم به الحجة على غيره.
فإن قيل: ما جواب الأكثر عن هذا الأخير؟
فالجواب: هو ما ذكره ابن قاسم في "الآيات البينات"
(4)
من أن هذا من باب إقامة الدليل على الغير وإن لم يُفد إلا مجرَّد الظن لوجوب العمل بالدليل الظنِّيّ، ولا فرق في كون الظنِّيّ حجة بين الناظر لنفسه والمناظر لغيره.
(1)
انظر "النشر": (2/ 161).
(2)
انظر "البحر المحيط": (5/ 225).
(3)
"البرهان": (2/ 536).
(4)
(4/ 84).
قلت: لا يتضح هذا الجواب كل الاتضاح إلا إذا كان السبر المذكور محتمًّا به من القرائن على صحة ما ذكره المستدل ما يغلب على ظنِّ المناظر المنصف صدقه بسببه، لأن ظنه المجرد من ذلك ليس فيه حجة على غيره ألبتة.
697 -
إن يُبْدِ وَصْفًا زائدًا معترضٌ
…
وفَى بِه دونَ البيان الغرَضُ
يعني أن المعترض إذا أبدى -أي أظهر- وصفًا زائدًا على حصر المستدل وَفَى -أيْ حصل بإبدائه- غرضُ المعترض وهو ثبوت الاعتراض على المستدل، ولا يكلّف المعترض حينئذٍ أن يبين أنَّ الوصفَ الذي أبداه صالح للتعليل، لأن بطلان الحصر بإبدائه كافٍ في الاعتراض، ولكن على المستدل أن يدفعه بأن يبين أنه غيرُ صالح للتعليل ولا ينقطع بإبدائه إلا إذا عَجَز عن إبطال التعليل به، وذلك مراده بقوله:"دون البيان" أي وأما مع بيان إبطاله فلا يفي غرض المعترض به لبطلان التعليل به.
698 -
وقطعُ ذي السَّبْر إذًا مُنْحَتِمُ
…
والأمرُ في إِبطاله مُنْبَهِمُ
الواو في قوله: "والأمر" للحال يعني أن قَطْع صاحب السبر، أي بطلان استدلاله مُنحتم إذا أبدى المعترضُ وصفًا زائدًا، والحال أن الأمر مُنبهم في صلاحيته للعلة أيْ لم تتبيَّن صلاحيته لها ولا عدمُها، وإيضاحه: أن الوصف الزائد على حصر المستدل الذي أبداه المعترض له ثلاث حالات:
الأولى: أن يبيِّن مع إبداء الوصف صلاحيته للتعليل فينقطع المستدل أي يبطل دليله.
الثانية: أن يبين المستدل عدم صلاحية وصف المعترض فيبقى دليلُهُ سالمًا كما تقدم في قوله: "دون البيان".