الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الناس سواءً في العتق والإطعام والصوم لا فرق في ذلك بين مَلِك وغيره.
و
ربما قيل للغريب: طَرْدٌ وطَرْديٌّ
، وعليه فالطردي قسمان. وإنما قيل للغريب: مناسب لأنه ملائم لأفعال العُقلاءِ عادة، وقد تُنفى عنه المناسبة بالنظر إلى أن الشارع ألغاها.
733 -
والوصفُ حيثُ الاعتبارُ يُجْهَلُ
…
فهو الاستصلاحُ قلْ والمرْسَلُ
يعني أن الوصف المناسب إذا لم يدل دليل على اعتباره ولا على عدم اعتباره فهو المعروف بالاستصلاح والمرسل، ويسمَّى بالمصلحة المرسلة والمصالح المرسلة، فتحَصَّل أن الوصفَ المناسب له ثلاث حالات:
الأولى: أن يدلَّ الدليلُ على اعتباره، وذلك هو المنقسم إلى مؤثِّر وملائم وقد تقدم.
الثانية: أن يدلَّ على عدم اعتباره، وهو الغريب.
الثالثة: أن لا يدل على اعتباره ولا على عدم اعتباره، وهو المرسل، وهو مراد المؤلف بالبيت. وسُمِّي [استصلاحًا]
(1)
ومصلحة لما فيه من المصلحة التي اشتمل عليها الوصف المناسب، وسُمِّيَ مرسلًا لإرساله أي إهماله عن دليل الاعتبار ودليل الإلغاء.
والعمل بالمصالح المرسلة أصل من أصول الإمام مالك محتجًّا بإجماع الصحابة في مسائل كثيرة من المصالح المرسلة، وذكر بعض المحققين من المالكية أن كثيرًا من أتباع الأئمة شنعوا على مالك -كإمام
(1)
الأصل: استصحابًا، والتصحيح من ط.
الحرمين
(1)
- في الأخذ بالمصالح المرسلة، مع أن كلَّهم يأخذ بها أكثر من المالكية وينكرون على المالكية
(2)
. وأشار المؤلف إلى أن المالكية يعملون بالمصالح المرسلة بقوله:
734 -
نقبلُه لعملِ الصحابه
…
كالنَّقْطِ للمصحف والكتابَه
735 -
توليةِ الصدِّيق للفاروقِ
…
وهدمِ جار مسجدٍ للضيقِ
736 -
وعملِ السِّكَّةِ تجديدِ النِّدا
…
والسِّجن تدْوينُ الدّواوِينِ بدا
قوله: "نقبله" يعني أن المالكية يجوِّزون العمل بالمرسل رعايةً للمصالح، ومن ذلك تجويز مالك لضرب المتهم بالسَّرقة لِيُقرَّ
(3)
، كما قال ابن عاصم في "التحفة":
وإن تكن دعوى على من يُتَّهم
…
فمالك بالسِجن والضربِ حَكَم
وفي بعض روايات الإفك
(4)
: أن عليًّا رضي الله عنه ضرب بريرة لتصْدُق
(1)
"البرهان": (2/ 721).
(2)
قال الزركشي في "البحر المحيط": (5/ 215): "والمشهور اختصاص المالكية بها -أي بالقول بالمصالح- وليس كذلك، فإن العلماء في جميع المذاهب يكتفون بمطلق المناسبة، ولا معنى للمصلحة المرسلة إلا ذلك" اهـ. وهو قول القرافي والطوفي وغيرهما، انظر:"شرح مختصر الروضة": (3/ 210 - 213).
(3)
وذلك في من كان متهمًا معروفًا بذلك، ففي "تهذيب المدونة":(4/ 456): "ومن ادعى على رجل أنه سرقه لم أحلِّفه إلا أن يكون متهمًا يوصف بذلك، فإنه يحلِّف ويُهدَّد ويُسجن وإلا لم يُعرض له" اهـ.
(4)
قال الحافظ في "فتح الباري": (8/ 335): "في رواية هشام بن عروة: فانتهرها بعض أصحابه فقال: اصدقي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وفي رواية أبي أويس: أن النبي صلى الله عليه وسلم =
في الخبر عن عائشة والنبي صلى الله عليه وسلم حاضر فلم ينكر، وهو دليل لمثل ذلك
(1)
.
وذكر المؤلف
(2)
أن مالكًا عمل بذلك لعمل الصحابة رضي الله عنهم به من غير مخالف ولا نكير في ذلك، وذكر لذلك ثمانية أمثلة.
الأول: نَقْط المصحف لأجل حفظه من التصحيف.
الثاني: كتابته لأجل حفظه من الذهاب والنسيان.
الثالث: تولية أبي بكر رضي الله عنه لعمر بن الخطاب رضي الله عنه رعايةً لمصلحة المسلمين لأنه أحق بها من غيره.
والرابع: هدم ما جاور المسجد من الدُّور لتوسيع المسجد كما فعله عثمان وعمر.
الخامس: عمل سكة يتعامل بها المسلمون لتسْهُل على الناس المعاملة كما فعله عمر.
السادس: تجديد الأذان يوم الجمعة كما فعله عثمان رضي الله عنه لكثرة الناس.
السابع: اتخاذُ السِّجن -بالكسر- للمعاقبة بالسَّجن -بالفتح- فعله
= قال لعلي: شأنك بالجارية فسألها علي وتوعَّدها فلم تخبره إلا بخير، ثم ضربها وسألها فقالت: واللَّه ما علمت على عائشة سوءًا، وفي رواية ابن إسحاق: فقام إليها علي فضربها ضربًا شديدًا يقول: اصدقي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. ووقع في رواية هشام: حتى أسقطوا لها به، يقال: أسقط الرجل في القول إذا أتى بكلام ساقط" اهـ.
(1)
انظر "الطرق الحكمية": (ص/ 13 - فما بعدها)، و"بدائع الفوائد":(3/ 1037، 1089 - 1091 - ط: عالم الفوائد).
(2)
في "النشر": (2/ 183).
عمر بن الخطاب رضي الله عنه فإنه اشترى من صفوان بن أمية دارًا في مكة واتخذها سجنًا، وسَجَن عمر رضي الله عنه الحُطَيئة في الهجو، وسَجَن صَبيغًا لسؤاله عن المتشابه، وسَجَن عثمانُ رضي الله عنه ضابئَ بنَ الحارث البُرْجُمِيَّ وهو من لصوص تميم حتى مات في السجن، وسَجَن عليٌّ بعضَ المجرمين بالكوفة.
الثامن: تدوين الدواوين أي كتابة أسماء الجُند في ديوان.
فإن هذه المسائل كلَّها لم يفعل النبي صلى الله عليه وسلم منها شيئًا ولم يَرِد بها نصٌّ خاص من كتاب ولا سنة، وإنما فعلها الصحابة من غير مُنْكِر ولا مخالف، لأجل رعاية المصالح المرسلة فقط لأن المصالح المرسلة تشهد لها أصول الشرع من اعتباره لجلب المصالح ودرء المفاسد كما يأتي في كتاب الاستدلال، وأمثال هذا كثيرة، وقد ذكرنا الأمثلة الثمانية على حسب ترتيب النظم، وبذكرها يظهر معنى الأبيات، وكلها متعاطفة بالخفض إلا قوله:"تدوينُ الدواوين" فهو مبتدأ خبره جملة الفعل بعده أي بدا وظَهَر كونه من المصالح المرسلة.
737 -
اخرِمْ مُناسبًا بمُفْسِد لَزِم
…
للحُكم وهو غيرَ مرجوحٍ عُلِمْ
يعني أن مناسبة الوصف تنخرم أي تبطل بمفسدةٍ ملازمة للحكم إذا كانت المفسدة غير مرجوحة، بل لابُدَّ في انخرام المناسَبَة بالمفسدة من كون المفسدة إما راجحة على مصلحة الحكم وإما مساوية لها، وإذا كانت كذلك امتنع التعليل بذلك الوصف المناسب، إذ لا مصلحة مع المفسدة الراجحة أو المساوية خلافًا للرازي في قوله ببقاء المناسبة، ولكنه موافق
على انتفاء الحكم بالمفسدة المذكورة، فهو عنده كوجود المانع من تأثير العلة
(1)
، وعلى الأول فالعلة منفية من أصلها بسبب المفسدة اللازمة لترتُّب الحكم عليها.
ومن فروع هذه المسألة: فداء الأسارى المسلمين من أيدي الكفار بالسلاح حيث لم يرض الكفار في فدائهم غير السلاح، فإذا غَلَب على الظن أن السلاح إذا أُعْطِيَ في فدائهم للكفار تمكنوا به من أن يقتلوا من المؤمنين قدر الأسارى أو أكثر منهم فإن مصلحة الفداء تنخرم بمفسدة قوة شوكة الكفار التي هي سبب لمفسدة مساوية أو أرجح من المصلحة المذكورة. وقوله:"غيرَ" حال من الضمير النائب عن فاعل "عُلِم" المستتر أي علم هو أي المفسد حال كونه غير مرجوح.
تنبيه: ومما يجب التنبيه
(2)
له في هذه المسألة: النظر في مآلات الأمور وعواقبها فلا يُحْكَم بإعمال المصالح المرسلة إلا بعد النظر التام في عواقب ما تؤولُ إليه تلك الأحكام؛ لأنه ربما ظهرت في الفعل مصلحة وهي تنطوي على مفاسد كامنة ستظهر بعد ذلك.
* * *
(1)
انظر: "النشر": (2/ 186).
(2)
ط: التنبه.