الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التعادل بين الدليلين الظنِّيَيْن يحصل بحسب ما يظهر للمجتهد = هو مراد المؤلف بقوله: "كما يجوز. . " إلخ، وهذا جائز وواقع بلا خلاف. وقوله:"عند ذهن السامع" أي السامع للدليلين الظنِّيَيْن وهو المجتهد.
853 -
وقولُ من عنه رُوي قولانِ
…
مُؤخَّرٌ إذ يتعاقبانِ
854 -
إلا فما صاحَبَهُ مؤيِّدُ
…
وغيرُه فيه له تردُّدُ
يعني أن المجتهد إذا رُوي عنه قولان في مسألة واحدة فإن لذلك ثلاث حالات:
الأولى: أن يكون أحد القولين قبل الآخر فالأخير منهما هو قول ذلك المجتهد والأول مرجوع عنه، وهذا مراده بالبيت الأول.
الثانية: أن يكون المجتهد قال القولين في وقت واحد مع أنه ذكر ما يقوِّي أحدَهما كأن يقول: هذا هو الأحسن أو الأرجح أو الأشبه، وفي هذه الحالة فالقول المقترن بما يقويه هو قول ذلك المجتهد في تلك المسألة، وهذا مراد المؤلف بقوله:"إلا فما صاحبه مؤيد" أي إلا يكن القولان متعاقبين فالذي صاحبَه منهما المؤيد -أي المقوَّى- هو قوله.
الثالثة: هي أن يكونا غَيْر متعاقبين ولم يصاحب أحدهما مقوٍّ فإن المجتهد متردِّدٌ بينهما، وذلك هو مراده بقوله:"وغيره فيه له تردُّد". وقوله: "صاحبَه" فعل ماض و"مؤيد" اسم الفاعل فاعله.
855 -
وذِكْرُ ما ضُعِّفَ ليس للعَمَلْ
…
إذ ذَّاك عن وِفاقِهِم قد انْحَظَلْ
يعني أن
ذكر الأقوال الضعيفة في كتب الفقه ليس للعمل بها
، لأن العمل بالضعيف ممنوع، وذكر المؤلف أنه ممنوع بالاتفاق وفيه خلاف
إلا أنه ضعيف، ومعنى "انحظل" امتنع. ثم شَرَع المؤلف في بيان فوائد ذِكْر الضعيف فقال:
856 -
بل للترَقِّي لمدارج السَّنا
…
ويَحْفَظَ المُدرَكَ من له اعتنا
يعني أن من فوائد ذكر الأقوال الضعيفة: الترقِّي لمدارج السَّنا -بفتح السين- أي القرب من رتبة الاجتهاد حيث يُعْلَم أن هذا القول قد صار إليه مجتهد، ولذا قال بالأقوال التي رجع عنها مالكٌ كثيرٌ من أصحابه ومن بعدهم.
ومن فوائده أيضًا: أن يحفظ المُدْرك -أي الدليل- من له اعتناء بحفظه وهو المتبصر، والتبصُّر أخْذ القول بدليله الخاص به من غير استبداد بالنظر ولا إهمال للقائل به، وهذه رتبة مشايخ المذاهب وأجاويد طلبة العلم، والترقي في اللغة: الصعود، والمدارج: جمع مَدرج، وهو ما يدرج أي يصعد عليه، و"السَّنا" بالقصر: النور، وقوله:"ويحفظَ" بالنصب عطفًا على الاسم الخالص
(1)
الذي هو "الترَقِّي" على القاعدة المشار إليها بقوله في "الخلاصة":
وإن على اسمٍ خالصٍ فعلٌ عُطِفْ
…
تنصِبه إنْ ثابتًا أو منحذف
857 -
ولمراعاة الخلافِ المُشتَهِرْ
…
أو الْمُراعاة لكل ما سُطِرْ
يعني أن من فوائد ذكر الأقوال الضعيفة أيضًا: أنها تُذْكَر لتراعَى مراعاة الخلاف التي هي أصل من أصول مالك، فيُذْكَر القول الضعيف
(1)
أي الخالص من شائبة الفعلية، وهو هنا (الترقي) وهو مصدر.
مثلًا بأن النكاح صحيح ليراعَى في الفسخ، فيكون طلاقًا
(1)
كما أشار له خليل في "المختصر"
(2)
بقوله: "وهو طلاق إن اختلف فيه". وقول المؤلف: "لمراعاة الخلاف المشتهر. . " إلخ، يشير به إلى أن المالكية اختلفوا فقال بعضهم: لا يُرَاعى إلا الخلاف المشهور، وقال بعضهم: يراعَى كلُّ ما سُطِر أي كُتِب من الأقوال ولو ضعيفًا، وأشار إلى هذين القولين مَيَّارة في "التكميل"
(3)
بقوله:
وهل يراعَى كلُّ خُلْف قد وُجد
…
أو المراعَى هو مشهور عُهِدْ
858 -
وكونِه يُلْجي إليه الضرَرُ
…
إن كان لم يشتدّ فيه الخَوَرُ
859 -
وثَبَتَ العزوُ وقد تحقَّقا
…
ضُرًّا مَنِ الضُّرُّ به تعَلَّقا
يعني أن من فوائد ذكر الضعيف أيضًا: كونه قد تلجئ الضرورة إلى العمل به فيجوز العمل به حينئذٍ بشروط:
الأول: أن يكون غير شديد الضعفِ، والضعفُ هو مراده بالخور، وشديد الضعف الذي لا يجوز العمل به مطلقًا هو: ما لو حكمَ به المجتهد لَنُقِضَ حكمه، وسيأتي في قول المؤلف:"وعدم التقليد فيما لو حكم".
(1)
الأصل: بطلاق.
(2)
(ص/ 99).
(3)
مَيَّارة تقدمت ترجمته ص 33. و (التكميل) هو كتاب: (بستان فكر المهج في تكميل المنهج) منظومة كمل بها المنهج المنتخب للزقاق في قواعد المذهب، لها عدة نسخ خطية، وله شروح كثيرة، انظر (جامع الشروح والحواشي): (3/ 1948).
الشرط الثاني: أن يثبت عزوه إلى قائله
(1)
.
الشرط الثالث: أن يتحقق تلك الضرورة من نفسه فلا يجوز له أن يفتي غيره بالضعيف لأنه لا يتحقق الضرورة من غيره كما يتحققها من نفسه، فممنوعٌ
(2)
الفتوى بغير المشهور سدًّا للذريعة وحَسْمًا للباب.
هذه فوائد ذِكْر الضعيف، وللاقتصار على ذكر
(3)
المشهور فائدة وهي أنه أقرب للضبط. وقوله: "وكونِه" بالخفض معطوفًا على المجرور وهو قوله: "للترقِّي".
860 -
فقول من قَلَّدَ عالمًا لَقِي
…
اللَّهَ سالمًا فغيرُ مطلَق
يعني أنه إذا تقرر منعُ الفَتْوى والعمل بغير المشهور عُلِمَ أن قول بعضهم: من قلَّد عالمًا لقيَ اللَّه سالمًا، "غيرُ مطلق" يعني غير باقٍ على عمومه هذا بل لا يسلَّم إلا إذا كان القول راجحًا، أو مرجوحًا توفَّرت فيه الشروط المذكورة آنفًا، أو كان العاملُ به مجتهدَ ترجيحٍ.
واعلم أن المقرَّر في فروع المالكية أن حكم المقلِّد بغير المشهور مردودٌ كما أشار له في "المختصر"
(4)
بقوله: "فحكم بقول مقلَّده"، وقال
(1)
خوف أن يكون مما لا يتقدى به، لضعفه في العلم أو الدين أو الورع. قاله في "نشر البنود":(2/ 270).
(2)
ط: فمنعوا.
(3)
ط: ذلك.
(4)
(ص/ 233).
ناظم "العمل"
(1)
:
حكم قضاة العصر بالشُذوذ
…
يُنقض لا يتم بالنفوذ
وقال صاحب "التلخيص"
(2)
:
حكم قضاة عصرنا لا يستقر
…
منه سوى ما وافق الذي اشْتُهِر
(3)
861 -
إن لم يكن لنحو مالكٍ أُلِفْ
…
قولٌ بذي وفي نظيرها عُرِف
862 -
فذاك قولُه بها المخرَّجُ
…
وقيل عزوه إليه حَرَجُ
يعني أنه إذا لم يوجد للمجتهد كمالك قول في هذه المسألة المعينة لكنه يُعرف له قولٌ في نظيرها فقوله المنصوص في نظيرها هو قوله المخرَّج فيها، أي خرَّجه أصحاب ذلك المجتهد فيها إلحاقًا لها بنظيرتها التي نص عليها المجتهد، وإنما سُمِّي قوله بناءً على أن لازم المذهب يُعَدُّ مذهبًا، والأصل عدمُ الفارق كأن يقال: نصَّ مالك على الشُّفْعة في شِقص الدار، فالشفعة في شقص الحانوت قوله المخرج على ذلك المنصوص.
وقوله: "وقيل عزوه" إلخ يعني أنه قال بعضهم: إن عزو القول المخرَّج إلى المجتهد "حَرَج" أي ذو حرج أي منع، لاحتمال أن يكون عند المجتهد فرق بينهما، وهذا القول مبني على أن لازم المذهب ليس بمذهب.
863 -
وفي انتسابه إليه مُطلقًا
…
خُلْفٌ مضى إليه من قد سَبَقا
(1)
هو المعروف بـ (عمليات فاس) تقدم التعريف به (ص/ 344).
(2)
لم أتبينه.
(3)
ط: شُهِر.
يعني أن الأصوليين اختلفوا في نسبة القول المخرَّج إلى المجتهد نسبةً مطلقة أي غير مقيدة بأنه مخرَّج بناءً على جواز عزوه إليه، وقيل: لا يجوز إلا بقيد كونه مخرَّجًا، وقد قدمنا أنه قيل بالمنع مطلقًا، فتحصَّل أن الأقوال فيه ثلاثة: قول بالمنع مطلقًا، وقول بالجواز مطلقًا، وقول بالجواز إن قُيِّد بالتخريج والمنع إن أُطْلِق. وقوله:"وفي انتسابه" يعني نسبته.
864 -
وتنشأ الطُّرُق من نصَّيْنِ
…
تعارضًا في مُتشابِهَيْنِ
يعني أن الطرق أي أقوال أصحاب المجتهد كمالك مثلًا منشؤها أي منشأ الاختلاف المؤدي إليها وجودُ نَصَّين للمجتهد متعارِضَين أي متخالفين في مسألتين متشابهتين مع خفاء الفرق بينهما، فمن أهل المذهب من يقرر النصين في محلهما ويفرق بينهما، ومنهمِ من يخرِّج نصَّ كلِّ واحد في الأخرى فيحكي في كل واحدة منهما قولين أحدهما منصوص والآخر مخرَّج، فتارة يرجح في كلٍّ نصَّها ويفرق بينهما، وتارةً يرجِّح في إحداهما نصَّها وفي الأخرى المخرَّج. وقوله:"الطرق" جمع طريق.
865 -
تقوية الشِّق هِيَ الترجيحُ
…
وأوجبَ الأخذَ به الصحيحُ
يعني أن الترجيح هو تقوية أحد الشقَّيْن -أي الدليلين- المتعارضَيْن بمرجِّح من المرجِّحات الآتية، وإذا رجح أحدهما وجبَ العملُ به عند عامة العلماء، ولم يخالف إلا الباقلانيُّ في المرجح الظنِّيّ، وتقدم أنه لا تعارض إلا في ظنِّيَّين.
866 -
وعملٌ به أباهُ القاضي
…
إذا به الظن يكونُ القاضي