الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القصاص بالفعل، وعدم منافاته للقصاص أعم من وجوب القصاص، والدليلُ على الأعمِّ ليس دليلًا على الأخصِّ؛ لأن كون الشيء لا ينافي الشيء لا يدل على استلزامه له، ألا ترى أن القعودَ لا ينافي الكلامَ، والحلاوةَ لا تنافي السواد، والبرودةَ لا تنافي البياض، وليس واحدٌ منها مستلزمًا للآخر، فهذا القول بالموجَب وقع على قول المستدل: فيجب القصاص وهو ثبوت، وهذا مراده بقوله:"وفي الثبوت".
والحاصل أن المقصود من هذا النوع الأخير استنتاج ما يتوهَّم أنه محل النزاع أو لازمه فيقول الخصم: ليس محل النزاع ولا لازمه. والمقصود من النوع الأول استنتاج إبطال ما يتوهم أنه مَبْنَى دليل الخصم، فيقول الخصم: ليس مَبْنَى دليلي كما تقدم.
الثالث: أن يَرِد القول بالموجَب لشمول لفظ المستدل صورةً متفقًا عليها
بين المستدل والمعترض فيحمل المعترض كلامَ المستدل على تلك الصورة المتفق عليها.
ومثاله: قول الحنفي في وجوب زكاة الخيل: هي حيوان يُسابَق عليه فتجب فيه الزكاة قياسًا على الإبل.
فيقول المعترض كالمالكي: هو كذلك إذا كانت الخيل للتجارة خاصة. قال الفهري: هذا هو أضعف أنواع القول بالموجَب لأنه يندفع بأدنى شيء، كما لو قال المستدل: عنيتُ الخيلَ من حيث هي خيل لا من
حيث كونها للتجارة. وهذا مراد المؤلف بقوله: "ولِشُمُولِ اللَّفظِ".
الرابع: هو إتيان القول بالموجَب لأجل سكوت المستدل عن مقدمةٍ غير مشهورة مَخَافَةَ منع الخصم لها لو صرَّح بها.
ومثاله: قول مُشترط النية في الوضوء وغسل الجنابة: كل قُرْبة تُشترط فيها النية، ويَحْذِفُ صغرى القياس التي هي: الوضوء والغسل قُرْبة.
فيقول الحنفيُّ بموجبِ الكبرى المنطوقِ بها لأجل حذفِ الصغرى. وإيضاحه أنه يقول: صدقت في أن كل قُرْبة تشترط فيها النية ولكن لا يلزم من ذلك اشتراطها في الوضوء، لأن المقدمة الواحدة لم تنتج، وهذا القول بالموجَب إنما ورد للسكوت عن الصغرى، فلو صرح المستدل بالصغرى فقال: الوضوء والغسل قربة وكل قربة تشترط فيها النية، فإن الحنفي يمنع الصغرى فلم يقل بموجبها وانتقل إلى المعارضة؛ لأنه يقول: الوضوء والغسل تنظيف للدخول في القربة لا قربة. وهذا مراد المؤلف بقوله: "والسكوت عما من المقدمات. . " إلخ.
وقوله: "خلا من شهرةٍ" أي لأن المشهور كالمذكور، والمذكور لا يدخله هنا القول بالموجَب كما عرفت، وعَكَس بعضهم فقال: يجب القيد بالشهرة لأن الشهرة هي التي تسوِّغ حذف الصغرى إذ لو كانت غير مشهورة لما جاز حذفها، واختاره العَضُد
(1)
.
(1)
يشير إلى ما ذكره الناظم في "شرحه": (2/ 222) بقوله: "وتبعت في التعبير بـ "غير مشهورة" ما في أكثر نسخ المختصر، وعلى ذلك شرحه السبكي وتبعه في جمع الجوامع. ووقع في بعض نسخ المختصر "عن صغرى مشهورة" وعلى هذا شرحه =