الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا قول ثالث في تعريف القياس الجلي، والواضح، والخفيّ، ومعنى البيت: أن بعض العلماء قال: إن القياس الجليَّ هو: قياس الأوْلَى كإلحاق الضرب بالتأفيف في التحريم في قوله: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء/ 23]. وأن القياس الواضح هو: قياس المساوي كإلحاق إحراق مال اليتيم بأكله في التحريم في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى} [النساء/ 10] الآية. وأن القياس الخفي هو: القياس الأَدْوَن المتقدم في قوله: "وإن تكن ظنية فالأدون" إلخ كقياس التفاح على البر في حُرمة الربا بجامع الطَّعْم.
وقوله: "الجلي وواضح وذو الخفا" مبتدآتٌ متعاطفة. وقوله: "أولى مساوٍ أدون" أخبارٌ متعاطفة على سبيل الَّلف والنشر المرتب؛ فالأول خبر الأول، والثاني خبر الثاني، والثالث خبر الثالث. وقوله:"مساوٍ" معطوف بحذف العاطف. وتنوين "أدون" لضرورة الوزن. كقول امرئ القيس
(1)
: "خِدْرَ عُنَيْزةٍ".
816 -
وما بذاتِ عِلَّةٍ قد جُمعا
…
فيه فَقَيْسَ عِلَّة قد سُمِعا
هذا
تقسيم آخرُ للقياس باعتبار علته
، وهو أن الجامع بين الفرع والأصل إن كان نفس العلة فهو قياس العلة سواء كان مناسبًا بالذات أو بالتبع، فقياس العلة في هذا التقسيم يتناول الشبه، لأن الجمع فيه بالعلة
(1)
في معلقته. والبيت:
ويوم دخلت الخِدْر خِدْر عنيزةٍ
…
فقالت لك الويلات إنك مُرْجلي
وإن كانت مناسبتها بالتبع فقياس العلة هنا أعم من قياس العلة المذكور في قوله: "وحيثما أمكن قيس العلة. . "
(1)
إلخ.
ومثال قياس العلة: النبيذ حرام قياسًا على الخمر بجامع العلة التي هي الإسكار، وأما إن كان الجامع بغير العلة بل بلازمها أو أثرها أو حكمها فهو قياس الدلالة وإليه الإشارة بقوله:
817 -
جامعُ ذي الدلالة الذي لزِمْ
…
فأثَرٌ فحكمُها كما رُسِمْ
يعني أن قياس الدلالة هو ما كان الجامع فيه هو لازم العلة فأثرها فحكمها.
فمثال الجمع بلازمها: النبيذ حرام كالخمر بجامع الشدَّة المُطْرِبة لأنها لازمة للإسكار.
ومثال الجمع بأثرها: القتل بالمُثَقَّل يُوجب القصاص كالقتل بمحدَّد بجامع الإثم، وهو أثر العلة التي هي القتل عمدًا عدوانًا.
ومثال الجمع بحكمها: تُقْطَع الجماعةُ بالواحد قياسًا على قتلهم به بجامع وجوب الدية عليهم في ذلك حيث كان غير عَمْد وهو حكم العلة التي هي القطع منهم في الصورة الأولى، والقتل منهم في الثانية. ومن أمثلته أيضًا: الحكم بصحة ظهار من صح طلاقه قياسًا للظهار على الطلاق، مع أن الطلاق حكم العلة التي هي الأهلية للطلاق لا نفس العلة. وقوله:"الذي لزم" يعني لازم العلة، والعطف بالفاء يقتضي الترتيب بين المذكورات.
(1)
البيت رقم (741).
818 -
قياسَ معنى الأصلِ عنهم حقِّقِ
…
لِما دُعِي الجمعَ بنفي الفارقِ
يعني أن الإلحاق بنفي الفارق الذي تقدم إيضاحه في تنقيح المناط وفي مفهوم الموافقة
(1)
هو المعروف في الاصطلاح بالقياس في معنى الأصل، فالإضافة في قوله:"قياسَ معنى الأصل" بمعنى في. وقوله: "قياسَ" مفعول مقدم لفعل الأمر الذي هو "حقق"، واللَّام في قوله:"لما" تتعلق بـ "حقق" و"الجمعَ" هو المفعول الثاني للفعل المبنِيّ للمفعول الذي هو: "دُعِي". وقوله: "بنفي الفارق" يتعلق بـ "الجمعَ"، ومثاله: إلحاق البول في إناء وصبه في الماء الراكد بالبول فيه في الكراهة بنفي الفارق المؤثر بينهما، وقد قدمنا أمثلة أنواعه الأربعة.
* * *
(1)
انظر (ص/ 82، 426).