الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأولى: تعليل وجوديّ بوجوديّ، كتعليل حرمة الخمر بالإسكار.
الثانية: تعليل عدميّ بعدميّ، كتعليل عدم نفوذ التصرف بعدم البلوغ أو الرشد.
الثالثة: تعليل عدميِّ بوجوديِّ، كتعليل عدم قبول الشهادة بالفسق. وهذه الثلاث لا خلاف فيها ولا يقصدها المؤلف.
الرابعة: -هي محل الخلاف، وهي مراد المؤلف بالبيت- وهي تعليل الوجودي بالعدمّي، فالأكثرون على الجواز. واستدلوا بصحة قولك:"ضربتُ العبد لعدم امتثاله". وأجاب المانعون بأن التعليل في ذلك بالكف عن الامتثال، والكفّ أمر وجوديّ كما تقدم في قوله:"والكفُّ فِعْل في صحيح المذهب"
(1)
.
واعلم أن
العدميَّ عند الفقهاء
هو ما كان العدم داخلًا في مفهومه كعدم كذا أو انتفاء كذا أو سلب كذا، والوجوديّ عندهم ما ليس العدم داخلًا في مفهومه، والتحقيق جواز تعليل الوجوديّ بالعدميّ إذ لا مانع من كون عدم أمرٍ علةٌ لوجود أمر آخر
(2)
.
وما احتجَّ به المانعون من أن العدميّ أخفى [من الثبوتي]
(3)
وشَرْط العلة الظهور -كما تقدم- لا دليل فيه، لأن العدميَّ يكون ظاهرا ظهورًا لا
(1)
البيت رقم (107).
(2)
هذا قول الجمهور، انظر "إرشاد الفحول":(2/ 873). وذهب جماعة إلى منعه، منهم ابن الحاجب في "المختصر":(3/ 72).
(3)
من "النشر": (2/ 129).
خفاء معه، ويدل على ذلك الإجماع على تعليل العدميّ بالعدميّ، فلو كان العدمي غير ظاهر لما جاز التعليل به أصلًا.
وقول المؤلف: "كنسبيٍّ" يعني بالنسبي الصفة الإضافية، ومعنى الصفة الإضافية: هي الصفة التي لا تُعْقَل حقيقتها إلا بإضافة أمر لآخر ينافيه منافاة تامة بحيث يستحيل اجتماع الوصفين في شيء واحد في وقت واحد، كما أنه يستحيل إدراك أحدهما إلا بإضافة الآخر إليه: كالأبوة والبنوة، والقَبْلِ والبَعْدِ، والفَوق والتَّحْت، ونحو ذلك، فالذات الواحدة مثلًا يستحيل أن تكون أبًا لشخص وابنًا لذلك الشخص بعينه، كما يستحيل اجتماع البياض والسواد، مع أن الأبوة والبنوة لم يُدْرَك معنى أحدهما إلا بإضافة الأخرى إليها وقس على ذلك.
والكاف في قول المؤلف: "كنسبيٍّ" أداة تشبيه له بالعدميّ، فظاهر المؤلف أن الصفات الإضافية عدمية، وكونها عدمية هو مذهب المتكلمين، أما الفقهاء والمناطقة
(1)
فهي وجودية عندهم، وقال بعض [المحققين]
(2)
: أما باعتبار الوجود الذهنيّ فهي وجودية، وباعتبار الوجود الخارجي فهي عدمية. إذا عرفتَ الخلافَ فيها فاعلم أنها على القول بوجودها يجوز التعليل بها مطلقًا، وعلى القول بعدمها يجوز تعليل العدم بها بلا خلاف، كتعليل عدم القصاص بالأبوة. وفي تعليل الوجودي بها على هذا القول الخلاف في تعليل الوجودي بالعدمي المذكور في البيت.
(1)
في "النشر": (2/ 130) عزاه للفقهاء والفلاسفة.
(2)
من ط، ويفهم من "النشر" أن المقصود به القرافي.