الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واعلم أن هذا القادح والذي بعده يَرِدان على العلل وغيرها فهما قادحان في الدليل مطلقًا قياسًا كان أو غيره، ولذا عَبَّر المؤلف بالدليل.
797 -
منه اعتبار الوصفِ بالإجماعِ
…
والذِّكرِ أو حديثِه المطاع
798 -
بناقِضِ الحكمِ بذا القياس
…
. . . . . . . . . . . .
يعني أن
من فساد الوضع كون الوصف الجامع ثبت اعتباره بإجماع أو نصٍّ
كتاب أو سنة في نقيض الحكم أو ضده، في قياس المستدل أو غيره من الأدلة. مثال اعتباره بالنصِّ في ذلك: قول الحنفية: الهرُّ سَبُع ذو ناب فيكون سؤره نجسًا كالكلب. فيقال: السبعية اعتبرها الشارع علة للطهارة حيث دُعي إلى دار فيها كلب فامتنع، وإلى أخرى فيها سِنَّوْرٌ أي هِرٌّ فأجاب، فسئل عن ذلك فقال:"السِّنَّور سبع"
(1)
.
فإن قيل: يحتمل أن يكون امتناعُه من دخول دارٍ فيها كلب لعدم دخول الملائكة لا لنجاسته.
فالجواب: هو ما يأتي للمؤلف في آخر كتاب القياس
(2)
من أن
(1)
أخرجه أحمد: (14/ 85 رقم 8343)، والدارقطني:(1/ 63)، والحاكم:(1/ 183)، والبيهقي:(1/ 249) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال الدارقطني: "تفرد به عيسى بن المسيب عن أبي زرعة وهو صالح الحديث".
وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح ولم يخرجاه وعيسى بن المسيب تفرد عن أبي زرعة إلا أنه صدوق ولم يجرح قط". وصححه ابن دقيق العيد وابن الملقن. لكن ضعفه أبو زرعة كما في "العلل" رقم (98)، والعقيلي في "الضعفاء":(3/ 378) وغيرهم. انظر "البدر المنير": (1/ 445 - 447).
(2)
البيت رقم (809).
المثال يكفي فيه الاحتمال حيث يقول:
والشأنُ لا يُعترض المثالُ
…
إذ قد كفى الفرضُ والاحتمالُ
واعتباره بالإجماع مَثَّل له المؤلف في "الشرح"
(1)
بقول الشافعي في تثليث مسح الرأس في الوضوء: هو مسح فيثلَّث كأحجار الاستجمار
(2)
. فيقال: المسح اعتبره الشارع بالإجماع علة لعدم التثليث في المسح على الخف فإنه لا يُثَلَّث إجماعًا؛ إلَّا أنه حَكَى هذا الإجماعَ بقوله: "فيما قيل"
(3)
.
والظاهر أنه لم يُجْمَع على عدم تثليثه. ومراده بـ "الذِّكر" القرآن، والمراد "بناقض الحكم" ما ينقضه من ضد أو نقيض، والباء في قوله:"بذا" ظرفية.
. . . . . . . . . . . .
…
جوابه بصحَّة الأساسِ
يعني أن جواب القدح بفساد الوضع هو أن يجيب المستدلُّ المعترضَ بأنَّ أساسه أي دليله صحيح، وذلك بأن يبيّنَ أن لدليله جهتين، إحداهما تصلح لنقيض حكمه ولم تكن هي دليله، وإنما استدلاله بالأخرى التي لا يلحقها فساد الوضع. ومثال رد القدح به في الأمثلة المتقدمة: هو أن يقول الحنفيُّ مثلًا: إن قولي بالتراخي في إخراج الزكاة لم آخذه من سدِّ حاجة الفقير، وإنما أخذته من الرفق بالمالك، وقد دلَّ الشرعُ على الرفق به كعدم أخذ خِيار مالِه، وكعدم تكليفه الإخراج من عين المال. وكأنْ يقول الحنفيُّ أيضًا: قولي بعدم الكفارة في القتل عمدًا لم
(1)
(2/ 229).
(2)
ط: الاستنجاء، ومثله في "النشر".
(3)
المصدر السابق.
آخذه من عِظَم الجناية في القتل وإنما أخذته من أن القتل له عقوبة أخرى أعظم من الكفارة وهي القصاص. وكأنْ يقول الشافعي مثلًا: قولي بأن البيع في المحقَّرات لا ينعقد بالمعاطاة لم آخذه من وجود الرضا، وإنما أخذته من عدم وجود الصيغة. وكأن يقول المالكيُّ: قولي بانعقاد البيع بالمعاطاة مطلقًا لم آخذه من عدم الصيغة، وإنما أخذته من وجود الرضا الذي هو مناط انعقاد البيع كما يشير إليه قوله تعالى {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء/ 29].
799 -
والخُلْفَ للنصِّ أو إجماعٍ دعا
…
فسادَ الاعتبار كُلُّ من وَعى
يعني أن من القوادح نوعًا يسمَّى فسادَ الاعتبار، وهو مخالفة الدليل لنصٍّ من كتاب أو سنة، فكل دليل خالفَ النصَّ فهو مقدوح فيه بالقادح المُسمَّى فسادَ الاعتبار. ومثاله: قول من يمنع القرض في الحيوانات: لا يجوز لعدم انضباطه قياسًا على المختلطات. فيقول من يرى جوازه: هذا معترَضٌ بما ثبت في "صحيح مسلم"
(1)
: من أنه صلى الله عليه وسلم استسلف بَكْرًا وردَّ رَباعيًّا، وقال:"إن خيار الناس أحسنهم قضاءً". ومن أمثلته: قول من يرى منع غسل الزوج لزوجته بعد الموت: لا يجوز لحُرْمة النظر إليها قياسًا على الأجنبية، فيُعْتَرض بأنه مخالف للإجماع السكوتي في غَسْل عليٍّ فاطمةَ رضي الله عنهما، فإنَّ هذا الإجماع السكوتي يقدح في ذلك الدليل. وقوله:"دعا" معناه سُمّي، وقوله:"كلُّ" فاعل "دعا"، ومُرَادُهُ بـ "منْ وَعى" من حَفِظ علمَ الأصول.
(1)
رقم (1600) وقد تقدم.