الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القَوادح
جمع قادح والمراد به ما يقدح في الدليل سواء كان علة أو غيرها.
762 -
منها وجودُ الوصفِ دون الحكمِ
…
سمَّاه بالنقْضِ وُعاةُ العلمِ
يعني أن من القوادح في العلة تخلُّف الحكم عن الوصف، والمراد بالوصف العلة، فوجود العلة مع عدم الحكم على هذا القول قادح فيها، وهو المسمَّى بالنقض في الاصطلاح، ووجه القدح بالنقض في العلة عند القائل به: أن العلة تستلزم الحكم فلابد أن يثبت معها في كل صورة، فإذا وُجِد الوصف وحدَه دون الحكم علمنا أنه ليس علة له.
والقدحُ بالنقض هو مذهب الشافعي وجُلِّ أصحابه وكثير من المتكلمين
(1)
، ورجَّح بعضُ أصحابه بأنه يقدح في العلة بالنقض، فعِلَلُ مذهبه إذًا سالمة من النقض، وحاصل القدح بالنقض أنه القدح بعدم الاطراد الذي هو الملازمة في الثبوت، أعني ملازمة الحكم للوصف حال وجود الوصف.
وقوله: "وُعاة العلم" جمع واعٍ بمعنى حافظ. والضمير في قوله: "منها" عائد إلى القوادح المذكورة في الترجمة.
763 -
والأكثرون عندَهم لا يقدَحُ
…
بل هو تخصيصٌ وذا مُصحَّحُ
يعني أن أكثر أصحاب مالك وأبي حنيفة وأحمد لا يقدح عندهم
(1)
انظر تحقيق المذاهب في "البحر": (5/ 262 - فما بعدها).
عدم اطراد العلة الذي هو تخلُّف الحكم عنها، وإذا كان غير قادح فيها عندهم فهو عندهم تخصيص للعلة، أي إخراج بعض أفراد معلولها، كتخصيص العام فإنه إذا أخرج بعض أفراده بقي حجة فيما سواه كما تقدم في قول المؤلف
(1)
: "وهو حجة لدى الأكثر إن. . " إلخ، لأن تناول المناسبة لجميع الصور كتناول دلالة العام لغة لجميع أفراده.
مثال تخلف الحكم عن الوصف في العلة المنصوصة: تخلف القصاص الذي هو الحكم عن الوصف أي العلة التي هي القتل عمدًا عدوانًا لمكافئ في حالة قتل الأبِ ابنَه، فإن كون ذلك القَتْل علة منصوص عليه بالربط بين الشرط والجزاء في قوله تعالى:{وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء/ 33].
واستشكل بعضُ العلماء القدحَ في المنصوصة بأن القدح فيها ردٌّ للنصِّ الذي دل عليها.
وأجيب عن ذلك بما وجَّه [به] الغزاليُّ
(2)
القدحَ في المنصوصة بالنقض وهو أنا نستبين بعد وروده -يعني النقض- أن ما ذكر -يعني العلة المنصوصة- لم يكن تمام العلة بل جزء منها كقولنا: "خارج فينقض الطهر" أخذًا من قوله صلى الله عليه وسلم: "الوضوء مما خرج"
(3)
، ثم إنه لم يتوضأ من
(1)
البيت رقم (392).
(2)
في "المستصفى": (2/ 337).
(3)
أخرجه الدارقطني: (1/ 151)، والبيهقي:(1/ 116) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. وهو حديث ضعيف في سنده الفضل بن المختار أحاديثه =
الحجامة، فعُلِم أن العلة هي الخروج من المخرَج المعتاد لا مطلق الخروج.
قلت: الذي يظهر لي أن المنصوصة بقاطعٍ لا يمكن القدحُ فيها بالنقض كما بينه زكريا الأنصاري، وابن الهمام، وابن أبي شريف، قال زكريا
(1)
: "وأنت خبير بأن هذا وهم لأن العلة إذا ثبتت بشيء من ذلك فلا نقض لاستحالة التخلف في القاطع. . " إلخ كلامه. والقائلون بالتخصيص -وهم الأكثر- لا فرق عندهم بين المنصوصة والمستنبطة، ولا بين التخلف لوجود مانع أو فقد شرط أو غير ذلك. وقوله:"وذا مصحَّح" بصيغة اسم المفعول يعني أن هذا القول صحَّحه القرافي
(2)
.
764 -
وقد رُوي عن مالك تخصيصُ
…
إن يكُ الاستنباطُ لا التنصيصُ
يعني أن القرافي
(3)
نقل عن الآمدي
(4)
أنه حكى عن مالك -أي وأحمد وأكثر الحنفية- جواز تخصيص المستنبطة دون المنصوصة وإن لم يوجد في صورة النقض مانع ولم يعدم شرط، وعلى هذا القول فتخلُّف القصاص المذكور عن قتل الوالد ولده قادح في التعليل بالقتل المذكور،
= منكرة ويحدث بالأباطيل، وصفه بذلك أبو حاتم وابن عدي. وفيه شعبة مولى ابن عباس متكلم فيه. قال البيهقي: هذا حديث لا يثبت عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. ورجح بعض الحفاظ وقفه. انظر "البدر المنير": (2/ 421 - 425).
(1)
في حاشيته على شرح المحلي على "الجمع".
(2)
في "شرح التنقيح": (ص/400).
(3)
في "نفائس الأصول": (4/ 263).
(4)
"الإحكام": (3/ 194). وفيه: "أن هؤلاء القائلين بالجواز اختلفوا في جواز تخصيص المستنبطة إذا لم يوجد في محل النقض مانع ولا فوات شرط.
ولا يخفى بطلان هذا وبعده؛ لأن اللَّه نصَّ على أن القتل ظلمًا موجب للقصاص كما تقدم، فكيف يُنقض؟! وهذا القول عندي أبعد الأقوال. وقوله:"إن يك الاستنباط" حُذِف فيه خبر كان أي إن يك الاستنباط هو المثبت للعلة.
765 -
وعكس هذا قد رآه البعض
…
. . . . . . . . . . . . . . .
يعني أن بعض أهل الأصول وهو الأكثر كما ذكر إمام الحرمين في "البرهان"
(1)
على أن النقض قادح في المستنبطة دون المنصوصة عكس القول المذكور في البيت قبله.
ووجهه: أن الشارع له أن يُطلق العام ويريد بعضَه مؤخِّرًا بيانه إلى وقت الحاجة بخلاف غيره إذا علل بشيء ونُقِض عليه، فليس له أن يقول: أردت غير ذلك لسدِّ ذلك بابَ إبطال العلة؛ لأن الشارع يجب الانقياد لنصِّهِ لكونه أعلم بالمصالح، فلا عبرة بصورة التخلف؛ لأن النصَّ مقدَّم عليها.
وإذا لم يوجد نصٌّ على العلية تعيَّن بالنقض أن الوصف ليس بعلة إذ لو كان علة لثبت الحكم معه في جميع صُوَره، وهذا عندي أوجه مما قبله. ودخول الألف واللام على "بعض" و"كل" أجازه بعض النحويين.
. . . . . . . . . . . . . . .
…
ومنتقى ذي الاختصار النقْضُ
766 -
إن لم تكن منصوصةً بظاهر
…
. . . . . . . . . . . .
مراده بذي الاختصار بظاهر "المختصر الأصولي" وهو ابن الحاجب،
(1)
(2/ 647 - 648).