المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌(كِتَابُ النِّكَاحِ) لغةً: الضمُّ، ومنه قولهم: تناكحت الأشجار، أي: انضم بعضها - الدلائل والإشارات على أخصر المختصرات - جـ ٣

[عبد العزيز العيدان]

فهرس الكتاب

- ‌(كِتَابُ النِّكَاحِ)

- ‌(فَصْلٌ) في أركان النكاح

- ‌فصل في شروط النكاح

- ‌(فَصْلٌ) في المحرمات في النكاح

- ‌فصل

- ‌(فَصْلٌ) في الشروط في النكاح

- ‌(فَصْلٌ) في العيوب في النكاح

- ‌فصل في نكاح الكفار، وما يتعلق به

- ‌فصل في التفويض وغيره

- ‌(فَصْلٌ) في وليمة العرس

- ‌(فَصْلٌ) في عشرة النساء

- ‌فصل في أحكام الجماع والمبيت

- ‌فصل في القَسْم

- ‌فصل في النشوز

- ‌فصل في تعليق طلاقها أو خلعها أو تنجيزه

- ‌(كِتَابُ الطَّلَاقِ)

- ‌فصل في سنة الطلاق وبدعته

- ‌فصل في صريح الطلاق وكنايته

- ‌فصل

- ‌فصل فيما يختلف به عدد الطلاق

- ‌فصل في الاستثناء في الطلاق

- ‌فصل

- ‌(فَصْلٌ) في تعليق الطلاق بالشروط

- ‌فصل في تعليق الطلاق بالكلام، والإذن، ونحو ذلك

- ‌فصل في تعليق الطلاق بالمشيئة

- ‌فصل في مسائل متفرقة

- ‌فصل في التأويل في الحلف بالطلاق أو غيره

- ‌فصل في الشك في الطلاق

- ‌(فَصْلٌ) في الرجعة

- ‌فصل

- ‌(فَصْلٌ) في الإيلاء

- ‌(فَصْلٌ) في الظهار

- ‌فصل في كفارة الظهار

- ‌(فَصْلٌ) في اللعان

- ‌فصل فيما يلحق من النسب

- ‌فصل في الإحداد

- ‌فصل في الاستبراء

- ‌(فَصْلٌ) في الرضاع

- ‌فصل

- ‌(فَصْلٌ)في نفقة الأقارب، والمماليك، والبهائم

- ‌(فَصْلٌ) في الحضانة

- ‌فصل في تخيير المحضون بين أبويه

- ‌(كِتَابُ الجِنَايَاتِ)

- ‌فصل

- ‌(فَصْلٌ) في شروط وجوب القصاص

- ‌فصل في استيفاء القصاص

- ‌(فَصْلٌ) في العفو عن القصاص

- ‌فصل فيما يوجب القصاص فيما دون النفس

- ‌(فَصْلٌ) في الديات

- ‌فصل

- ‌(فَصْلٌ) في مقادير ديات النفس

- ‌(فَصْلٌ) في دية الأعضاء ومنافعها

- ‌فصل في دية المنافع

- ‌فصل في الشِّجاج

- ‌(فَصْلٌ) في العاقلة

- ‌فصل في كفارة القتل

- ‌فصل في القَسَامة

- ‌(كِتَابُ الحُدُودِ)

- ‌فصل في حد الزنى

- ‌فصل في حد القذف

- ‌فصل في التعزير

- ‌(فَصْلٌ) في حد المسكر

- ‌(فَصْلٌ) القطع في السرقة

- ‌(فَصْلٌ) في حد قطَّاع الطريق

- ‌فصل في دفع الصائل

- ‌فصل في قتال أهل البغي

- ‌(فَصْلٌ) في حكم المرتد

- ‌(فَصْلٌ) في الأطعمة

- ‌(فَصْلٌ) في الذكاة

- ‌(فَصْلٌ) في الصيد

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌فصل في كفارة اليمين

- ‌فصل جامع الأيمان

- ‌(فَصْلٌ) في النذر

- ‌(كِتَابُ القَضَاءِ)

- ‌فصل في آداب القاضي

- ‌(فَصْلٌ) في طريق الحكم وصفته

- ‌فصل في كتاب القاضي إلى القاضي

- ‌(فَصْلٌ) في القسمة

- ‌(كِتَابُ الشَّهَادَاتِ)

- ‌فصل في شروط من تقبل شهادته

- ‌فصل في موانع الشهادة

- ‌(فَصْلٌ) أقسام المشهود به

- ‌(فَصْلٌ) في الشهادة على الشهادة

- ‌(كِتَابُ الإِقْرَارِ)

- ‌فصل فيما يحصل به الإقرار

- ‌فصل فيما إذا وصل بإقراره ما يغيِّره

- ‌فصل في الإقرار بالمجمل

الفصل: ‌ ‌(كِتَابُ النِّكَاحِ) لغةً: الضمُّ، ومنه قولهم: تناكحت الأشجار، أي: انضم بعضها

(كِتَابُ النِّكَاحِ)

لغةً: الضمُّ، ومنه قولهم: تناكحت الأشجار، أي: انضم بعضها إلى بعض.

وشرعاً: عقدٌ يُعتبر فيه لفظ إنكاح أو تزويج في الجملة.

وهو مشروع بالإجماع، لقول الله تعالى:{فانكحوا ما طاب لكم من النساء} [النساء: 3]، ولحديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» [البخاري: 5065، ومسلم: 1400].

- مسألة: حكم النكاح، لا يخلو من أربع أحوال:

الأولى: (يُسَنُّ): وذلك (مَعَ) وجود (شَهْوَةٍ لِمَنْ لَمْ يَخَفِ الزِّنَى) من رجل وامرأة؛ لحديث ابن مسعود السابق، ولا يجب؛ لأن الله عز وجل قال:{فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3]، فعلّق سبحانه النكاح على الاستطابة، ولو كان واجبًا لم يُعلق على الاستطابة، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أقام الصوم مقام الزواج في حديث ابن مسعود، والصيام ليس واجباً اتفاقاً.

ص: 5

وعنه واختار ابن عثيمين: يجب النكاح؛ للأمر الوارد في الحديث، ولأن ترك النكاح مع القدرة عليه فيه تشبه بالنصارى الذين يعزفون عن النكاح رهبانية.

قال ابن عثيمين: ولابد من شرط الاستطاعة لقوله في الحديث: «مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ» ، وللقاعدة العامة أنه:(لا واجب مع العجز).

(وَ) الثانية: (يَجِبُ): وذلك في حالتين:

1 -

إذا نذره وكان ذا شهوة؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه سلم: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ» [البخاري: 6696].

2 -

(عَلَى مَنْ يَخَافُهُ) أي: الزنى بترك النكاح وَقَدَرَ على نكاح حرة؛ سواء كان خوفه من الوقوع في الزنى ظنًّا أو علماً، من رجل وامرأة؛ لأن النكاحَ طريقُ إعفاف نفسه وصونها عن الحرام.

واختار ابن قدامة: يجب على من يخاف مواقعة المحظور؛ لأن ما لا يتم ترك الحرام إلا به فهو واجب.

والثالثة: يباح: وذلك لمن لا شهوة له؛ كالعِنِّينِ، ومن ذهبت شهوته لكبر أو مرض؛ لأن العلة التي لها يجب النكاح أو يستحب - وهو خوف الزنى أو وجود الشهوة - مفقودة فيه، ولأن المقصود من النكاح الولد، وهو فيمن لا شهوة له غير موجود، فلا ينصرف إليه الخطاب به.

ص: 6

قال ابن عثيمين: إن قصد بذلك إعفاف الزوجة وتحصين الفرج كان مسنونًا؛ لمصلحة الآخرين.

والرابعة: يحرم: وذلك إذا دخل دار حرب بأمانٍ؛ كتاجر؛ قال أحمد: (من أجل الولد؛ لئلا يُستَعْبَد)، إلا إذا كان النكاح لضرورة؛ فيباح؛ لأن الضرورات تبيح المحظورات.

إلا الأسير، فلا يحل له ولو لضرورة؛ لأنه يمنع من وطء امرأته إذا أسرت معه مع صحة نكاحهما؛ لئلا يستعبد الولد، فغيرها أولى.

وأما إن كان في جيش المسلمين فله أن يتزوج؛ لأن الكفار لا يد لهم عليه، أشبه من في دار الإسلام.

- مسألة: (وَيُسَنُّ) للرجل (نِكَاحُ) امرأة (وَاحِدَةٍ) إن حصل بها الإعفاف؛ لأن الزيادة عليها تعريض للمحرم، قال الله تعالى:{وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} [النساء: 129]، ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ يَمِيلُ لِإِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى؛ جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ أَحَدُ شِقَّيْهِ مَائِلٌ» [أحمد: 7936، وأبو داود: 2133، والترمذي: 1141، والنسائي: 3942، وابن ماجه: 1969].

وكون النبي صلى الله عليه وسلم تزوج أكثر من واحدة، فإنما هو لمصالح لا تقتصر على قضاء الوطر.

ص: 7

وقيل، واختاره ابن عثيمين: يسن التعدد عند وجود القدرة البدنية والمالية؛ للمصالح العظيمة المترتبة على النكاح، ولأن الله سبحانه وتعالى بدأ بالتعدد، فقال:{فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3]، ولما ورد عن سعيد بن جبير قال: قال لي ابن عباس رضي الله عنهما: «هَلْ تَزَوَّجْتَ؟ » ، قلت: لا، قال:«فَتَزَوَّجْ، فَإِنَّ خَيْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ أَكْثَرُهَا نِسَاءً» [البخاري: 5069].

- مسألة: يستحب أن يختار امرأةً متصفةً بصفاتٍ، منها:

1 -

(حَسِيبَةٌ)، وهي النسيبة، أي: طيبة الأصل؛ ليكون ولدها نجيبًا، فإنه ربما أشبه أهلها ونَزَع إليهم.

2 -

(دَيِّنَةٌ)؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تُنْكَحُ المَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَدَاكَ» [البخاري: 5090، ومسلم: 1466].

3 -

(أَجْنَبِيَّةٌ)؛ لأن ولدها يكون أنجب، ولأنه لا يأمن الطلاق فيفضي مع القرابة إلى قطيعة الرحم.

واختار ابن عثيمين: أنه يراعي الأصلح في زواجه من الأجنبية أو القريبة؛ لزواج النبي صلى الله عليه وسلم من بنت عمته زينب بنت جحش رضي الله عنها، وزواج علي من فاطمة رضي الله عنهما.

4 -

(بِكْرٌ)؛ لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هَلَّا تَزَوَّجْتَ بِكْرًا تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ» [البخاري: 2967، ومسلم: 715]، إلا أن

ص: 8

تكون مصلحته في نكاح الثيب أرجح، فيقدمه على البكر؛ لحديث جابر السابق، وفيه قول جابر رضي الله عنه:«فَتَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا لِتَقُومَ عَلَيْهِنَّ وَتُؤَدِّبَهُنَّ» .

5 -

(وَلُودٌ)؛ أي: من نساء يعرفن بكثرة الأولاد؛ لحديث مَعْقِلِ بن يَسَارٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه سلم: «تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ، فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ» [أبو داود: 2050، والنسائي: 3227].

- مسألة: (وَ) يباح (لِمُرِيدِ خِطْبَةِ امْرَأَةٍ) أن ينظر إليها؛ لما ورد عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أراد أن يتزوج امرأة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا، فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا» [أحمد: 18137، والترمذي: 1087، والنسائي: 3235، وابن ماجه: 1865]، وورود الأمر بالنظر بعد الحظر يدل على الإباحة.

واختار شيخ الإسلام، وابن عثيمين: أنه يستحب؛ للأمر الوارد، ولما يترتب عليه من المصالح.

- فرع: يشترط لإباحة النظر لمن عزم على خطبة امرأة شروط:

الأول: أن يكون النظر (مَعَ ظَنِّ إِجَابَةٍ)، فإن ظن عدم إجابته للنكاح لو خطب، أو شك في ذلك؛ لم يجز له النظر؛ لأن الأصل تحريم النظر إلى الأجنبية، ولم يوجد ما يبيحه.

ص: 9

الثاني: أن يكون الـ (نَظَرُ إِلَى مَا يَظْهَرُ مِنْهَا غَالِباً)، كالوجه والرقبة واليد والقدم؛ لحديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمُ المَرْأَةَ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ» [أحمد: 14586، وأبو داود: 2082]، فلما أذن في النظر إليها من غير علمها، عُلم أنه أذن في النظر إلى جميع ما يظهر غالبًا، إذ لا يُمكِن إفراد الوجه بالنظر مع مشاركة غيره في الظهور، وما عدا ذلك فيبقى على الأصل وهو التحريم.

وقيل: له النظر إلى الرأس أيضًا؛ لأن الرأس داخل فيما يدعوه إلى نكاحها.

الثالث: أن يكون النظر (بِلَا خَلْوَةٍ)؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، وَلا تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ» [البخاري: 3006، ومسلم: 1341].

الرابع: أن ينظر إليها (إِنْ أَمِنَ الشَّهْوَةَ)؛ لأن المقصود بالنظر الاستعلام لا الاستمتاع.

- مسألة: (وَلَهُ) أي: الرجل (نَظَرُ ذَلِكَ) أي: ما يظهر غالبًا، (وَ) نظر (رَأْسٍ وَسَاقٍ) أيضًا (مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ)، وهن من تحرم عليه أبدًا بنسب أو سبب مباح؛ لقوله تعالى:(ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن)، ولما روت عائشة رضي الله عنها: أن امرأة أبا حذيفة - سهلة بنت

ص: 10

سهيل - قالت: يا رسول الله، إنا كنا نرى سالمًا ولدًا، وكان يأوي معي ومع أبي حذيفة في بيت واحد، ويراني فُضْلًا، وقد أنزل الله عز وجل فيهم ما قد علمت، فكيف ترى فيه؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:«أَرْضِعِيهِ» [أحمد: 25650، وأبو داود: 2061]، وقولها:(فضلاً) أي: في ثياب البِذْلة التي لا تستر الأطراف، ولأن التحرز من هذا لا يمكن، فأبيح كالوجه.

وما لا يظهر غالبًا لا يباح؛ لأن الحاجة لا تدعو إليه، ولا تؤمن معه الشهوة ومواقعة المحظور.

- فرع: (وَ) لرجل نظر ما يظهر غالبًا، وإلى رأس وساق (مِنْ أَمَةٍ) سواء كانت مستامة - أي: معروضة للبيع - أم غير مستامة؛ لما ورد عن صفية بنت أبي عبيد: أن عمر رضي الله عنه رأى وهو يخطب الناس أمةً خرجت من بيت حفصة تجوس الناس ملتبسة لباس الحرائر، فلما انصرف دخل على حفصة ابنة عمر، فقال:«مَنِ المَرْأَةُ الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ عِنْدِكِ تَجُوسُ الرِّجَالَ؟ » قالت: تلك جارية عبد الرحمن قال: «فَمَا يَحْمِلُكِ أَنْ تُلْبِسِي جَارِيَةَ أَخِيكِ لِبَاسَ الحَرَائِرِ؟ » [عبد الرزاق: 5062]، ولما ورد عن عطاء: أن عمر بن الخطاب كان ينهى الإماء من الجلابيب أن يتشبهن بالحرائر [عبد الرزاق: 5059].

واختار ابن عثيمين: إن الأمة كالحرة؛ لأن الطبيعة واحدة والخلقة واحدة، والرق وصف عارض خارج عن حقيقتها وماهيتها، ولا دليل على التفريق بينها وبين الحرة.

ص: 11

قال شيخ الإسلام: (وقد كانت الإماء على عهد الصحابة يمشين في الطرقات منكشفات الرؤوس، ويخدمن الرجال، مع سلامة القلوب، فلو أراد الرجل أن يترك الإماء التركيات الحسان يمشين بين الناس في مثل هذه البلاد والأوقات كما كان أولئك الإماء يمشين؛ كان هذا من باب الفساد).

- ضابط: (كل من أبيح له النظر إلى من لا يحل له الاستمتاع به؛ لم يجز له ذلك لشهوة وتلذذ)؛ لأن هذا النظر إذن داعية إلى الفتنة.

- مسألة: الخِطبة، بكسر الخاء: هي طلب التزوج من المرأة، وتجوز تصريحًا وتعريضًا، والتصريح: هو ما لا يحتمل غير النكاح، والتعريض: هو ما يحتمل النكاح وغيره، كقوله للمرأة: إني لمثلك لراغب.

- فرع: (وَ) خطبة المعتدة لا تخلو من ثلاثة أقسام:

1 -

(حَرُمَ تَصْرِيحٌ) بالنكاح فقط دون التعريض (بِخِطْبَةِ) امرأة (مُعْتَدَّةٍ)، سواء من وفاة أو المبانة حال الحياة (عَلَى غَيْرِ زَوْجٍ تَحِلُّ لَهُ)؛ لمفهوم قَوْله تَعَالَى:{لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} [البقرة: 235]، قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسيرها:«يَقُولُ: إِنِّي أُرِيدُ التَّزْوِيجَ، وَلَوَدِدْتُ أَنَّهُ تَيَسَّرَ لِي امْرَأَةٌ صَالِحَةٌ» [البخاري: 5124]، ولحديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها لما طُلِّقت:«فَإِذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي» [مسلم: 1480].

2 -

يباح التصريح والتعريض: وذلك لمن أبان زوجته بدون ثلاث؛

ص: 12

كالمختلعة، والبائن بفسخ لِعِنَّة وعيب، ونحوه، فيجوز له التصريح والتعريض بالنكاح؛ لأنه يباح له نكاحها في عدتها.

وأما مطلقته الرجعية، فإن له رجعتها في عدتها؛ لأنها في حكم الزوجات، بدليل قوله تعالى:{وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا} [البقرة: 228]، فسمى الله عز وجل الزوج المطلق بعلًا، مما يدل على أنها زوجة.

3 -

(وَ) يحرم تصريحٌ و (تَعْرِيضٌ) في حالين:

أ) (بِخِطْبَةِ) معتدةٍ (رَجْعِيَّةٍ) من غيره؛ لما تقدم.

ب) خطبة الرجل معتدتَه التي أبانها بثلاث طلقات؛ لأنه لا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره، كما سيأتي.

- فرع: المرأة في جواب خاطب كالخاطب فيما يحل ويحرم من تصريح وتعريض.

- مسألة: (وَ) تحرم (خِطْبَةُ) مسلم (عَلَى خِطْبَةِ مُسْلِمٍ) إذا (أُجِيبَ) الخاطب الأول إلى النكاح، ولو تعريضًا، إن علم الثاني بخطبة الأول وإجابته؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وَلا يَخْطُبِ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ، حَتَّى يَتْرُكَ الخَاطِبُ قَبْلَهُ أَوْ يَأْذَنَ لَهُ الخَاطِبُ» [البخاري: 5142، ومسلم: 1412]، فإن لم يعلم بخطبة الأول؛ كان معذورًا بالجهل.

ص: 13

وتجوز في حالات:

1 -

إذا رُدَّ الخاطب الأول، فيجوز للثاني الخطبة، اتفاقًا؛ لأن الإعراض عن الأول ليس من قِبَله.

2 -

إذا أَذِن الخاطب الأول للخاطب الثاني بالخطبة، فيجوز؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما السابق، ولأن الحق له وقد أسقطه.

قال ابن عثيمين: لكن لابد من الرضا ظاهرًا وباطنًا، فلو أذن حياءً لم يجز؛ لأن ذلك من شروط صحة الهبة، قال الله عز وجل:{فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا} [النساء: 4].

3 -

إذا ترك الخاطب الأول الخطبة جاز؛ للحديث السابق.

4 -

إذا استأذن الخاطب الثاني الخاطب الأول وسكت، فيجوز؛ لأنه في معنى الترك.

5 -

إذا جهل الخاطب الثاني بالحال، بأن لم يعلم أُجيب الأول أو لا؛ جاز للثاني أن يخطب؛ لأنه معذور بالجهل، والأصل عدم الإجابة، ولأن فاطمة بنت قيس رضي الله تعالى عنها خطبها ثلاثة: معاوية، وأبو الجهم، وأسامة رضي الله عنهم [مسلم: 1480]، فدل على جوازه.

وقيل، واختاره العثيمين: يحرم؛ لعموم حديث ابن عمر السابق، ولأن هذا الرجل صار له حق التقدم، فالخطبة على خطبته حينئذ يكون فيها ظلم وتعدي.

ص: 14

6 -

لو كان الأول قد عرَّض لها بالخطبة في العدة، فيجوز للثاني أن يخطب، قال شيخ الإسلام:(ومن خطب تعريضًا في العدة أو بعدها فلا يُنهى غيره عن الخطبة)؛ لأن التعريض ليس صريحاً في إرادة النكاح.

7 -

لو لم يَعُد الخاطب حتى طالت المدة وتضررت المرأة بذلك، فيجوز للثاني الخطبة.

- فرع: لا تحرم الخطبة على كافر؛ لمفهوم حديث ابن عمر رضي الله عنهما السابق: «وَلا يَخْطُبِ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ» ، ولأن النهي خاص بالمسلم، وإلحاق غيره به إنما يصح إذا كان مثله، وليس الذمي كالمسلم، ولا حرمته كحرمته.

واختار ابن عثيمين: تحرم الخطبة على خطبة الكافر؛ لما فيه من الظلم والاعتداء، والحديث خرج مخرج الغالب، إلا الحربي؛ لأنه لا حرمة له.

- مسألة: (وَسُنَّ عَقْدُهُ) أي: النكاح (يَوْمَ الجُمُعَةِ مَسَاءً)؛ لأن فيه ساعة الإجابة، ولأن جماعة من السلف استحبوا ذلك، قال في الشرح الكبير:(منهم ضَمْرَة بن حبيب، وراشد بن سعد، وحبيب بن عتبة).

وقال ابن عثيمين: (لا أعلم في هذا سنة، وأما كونه ساعة إجابة، فإنه لا يُعرف من هدي النبي صلى الله عليه وسلم تحري ذلك الوقت، فالصواب: أنه متى تيسر العقد عقد).

- فرع: سن كون الِخطبة (بَعْدَ خُطْبَةِ) عبد الله (ابْنِ مَسْعُودٍ) رضي الله عنه،

ص: 15