الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فَصْلٌ) في شروط وجوب القصاص
- مسألة: (وَلِلْقِصَاصِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ)، بالاستقراء، وزاد في الإقناع خامساً:
الشرط الأول: (تَكْلِيفُ قَاتِلٍ)؛ بأن يكون بالغًا عاقلًا قاصدًا؛ لأن القصاص عقوبة مغلظة، وغير المكلف ليس محلًّا لها، فلا تجب على صغير ومجنون ومعتوه، ولأنهم ليس لهم قصد صحيح؛ كقاتل خطأ.
(وَ) الشرط الثاني: (عِصْمَةُ مَقْتُولٍ)، بأن لا يكون مهدر الدم؛ لأن القصاص إنما شرع حفظًا للدماء المعصومة، وزجرًا عن إتلاف البنية المطلوب بقاؤها، وذلك معدوم في غير المعصوم، فلا يجب قصاص ولا دية ولا كفارة بقتل:
1 -
حربي؛ لأنه مباح الدم على الإطلاق.
2 -
مرتد قبل توبة؛ لأنه مباح الدم أشبه الحربي.
وأما إن قتل المرتد بعد التوبة -إن قبلت توبته ظاهرًا-؛ فيقتل قاتله إذن؛ لأنه معصوم.
3 -
زان محصن، ولو قبل ثبوته عند حاكم؛ لأنه مباح الدم، متحتم
قتله، فلم يضمن كالحربي.
وأما إن كان الزاني غير محصن؛ فيجب قتل قاتله؛ لأنه معصوم الدم.
4 -
قاطع طريق تحتم قتله؛ بأن قتل وأخذ المال قبل التوبة؛ لأنه مباح الدم، أشبه الحربي.
ويعزر قاتل غير معصوم؛ لافتئاته على ولي الأمر.
وأما قتل المحارب بعد التوبة: فإن كان من ولي المقتول؛ فقد استوفى حقه، وإن كان من غيره ولا شبهة؛ فإنه يقتل؛ لأنه معصوم بالنسبة إلى غير ولي المقتول؛ كالقاتل في غير المحاربة؛ لسقوط التحتم بالتوبة.
- فرع: القاتل معصوم الدم لغير مستحِق دمه؛ لأنه لا سبب فيه يباح به دمه لغير ولي مقتول.
(وَ) الشرط الثالث: (مُكَافَأَتُهُ) أي: المقتول (لِقَاتِلٍ)؛ لأن المجني عليه إذا لم يكافئ الجاني كان أخذه به أخذاً لأكثر من الحق.
وتعتبر المكافأة حال الجناية؛ لأنه وقت انعقاد السبب.
- فرع: المكافأة تكون بأمرين:
الأمر الأول: (بِدِينٍ)، وعلى هذا:
1 -
يقتل المسلم بمثله، الحر بالحر، والعبد بالعبد، ولو تفاوتا في العلم والشرف، والغنى والفقر، والصحة والمرض ونحوها؛ لحديث عبد الله بن عمرو
رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَلَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ» [أحمد 7021، وأبو داود 2751، والنسائي 47466].
2 -
ويقتل الذمي بمثله، والمستأمن بمثله، والذمي بالمستأمن، والعكس، الحر بالحر، والعبد بالعبد، اتفقت أديانهم أو اختلفت؛ لقوله تعالى:{كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر} [البقرة: 178].
3 -
ويقتل الكافر بالمسلم، إجماعاً؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قتل يهوديًّا بجارية [البخاري 2413، ومسلم 1672]، ولأنه إذا قتل بمثله فمن فوقه أولى.
إلا أن يكون الكافر قتل المسلم وهو حربي، ثم أسلم، فلا يقتل؛ لقوله تعالى:{قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} [الأنفال: 38]، ولأنه صلى الله عليه وسلم لم يقتل قاتل حمزة [البخاري 4072].
وإن كان القاتل للمسلم ذميًّا قُتل؛ لنقضه العهد، وعليه دية حر إن كان المسلم المقتول حرًّا، أو قيمة عبد إن كان المسلم المقتول عبدًا.
4 -
ولا يقتل مسلم -ولو عبدًا-، بكافر، كتابي أو مجوسي، ذمي أو معاهد؛ لحديث علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» [البخاري 111]، وورد عن عمر، وزيد [عبد الرزاق 18509]، وعثمان [عبد الرزاق 18492]، وعلي رضي الله عنهم [ابن أبي شيبة 27477]، ولأن القصاص يقتضي المساواة، ولا مساواة بين الكافر والمسلم.
وعنه، واختاره شيخ الإسلام: لا يقتل مسلم بذمي، إلا أن يقتله غيلة لأخذ ماله؛ لأن القتل فيه حدٌّ، فلا تتعين فيه المكافأة، ويأتي، ولما روي عن عبد الرحمن بن البيلماني، أن رجلاً من المسلمين قتل رجلًا من أهل الذمة، فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«أَنَا أَحَقُّ مَنْ أَوْفَى بِذِمَّتِهِ» ، ثم أمر به فقتل [سنن الدارقطني 1/ 343، وفيه ضعف]، ولما روي عن عمر رضي الله عنه أنه كتب في مسلم قتل معاهدًا:«إِنْ كَانَتْ طَيْرَةً فِي غَضَبٍ فَأَغْرِمْ أَرْبَعَةَ آلَافٍ، وَإِنْ كَانَ لِصًّا عَادِيًا فَاقْتُلْهُ» [سنن البيهقي 15929، وفيه ضعف].
(وَ) الأمر الثاني: بـ (حُرِّيَّةٍ)، وعلى هذا:
1 -
يقتل العبد بالعبد: المسلم بالمسلم، والذمي بالذمي، وسواء تساوت القيمة أو لا؛ لحصول المكافأة بينهما.
2 -
ويقتل العبد بالحر؛ إجماعاً.
3 -
ولا يقتل حرٌّ -ولو ذميًّا -بعبد؛ لقوله تعالى: {الحر بالحر والعبد بالعبد} [البقرة: 178]، فدل على أنه لا يُقتل به الحر، وروي عن أبي بكر وعمر [عبد الرزاق 18139]، وعلي رضي الله عنهم [ابن أبي شيبة 27477]، ولأنه لا يقطع طرفه بطرفه مع التساوي في السلامة، فلا يقتل به؛ كالأب مع ابنه، والعمومات مخصِّصة بذلك.
لكن إذا قتل الكافر الحر عبدًا مسلمًا؛ لم يقتل به قصاصًا؛ لأنه فضله بالحرية، وتؤخذ منه قيمته لسيده، ويقتل الكافر لنقضه العهد بقتل المسلم.
واختار شيخ الإسلام: أن الحر يقتل بالعبد؛ لعموم قوله تعالى: (كتب عليكم القصاص في القتلى)، ولحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما السابق:«الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ» ، ولحديث سمرة رضي الله عنه مرفوعاً:«مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ، وَمَنْ جَدَعَ عَبْدَهُ جَدَعْنَاهُ» [أحمد 20104، وأبو داود 4515، والترمذي 1414، والنسائي 4736، وابن ماجه 2663]، وعن علي وابن مسعود رضي الله عنهما أنهما قالا:«إِذَا قَتَلَ الْحُرُّ الْعَبْدَ فَهُوَ بِهِ قَوَدُهُ» [ابن أبي شيبة 27516].
وأما قوله تعالى: (الحر بالحر والعبد بالعبد)، فهو ذكر لبعض أفراد العام بحكم يوافق العام، فلا يقتضي التخصيص.
- فرع: يقتل ذكر بأنثى، وبخنثى، وتقتل الأنثى والخنثى بالذكر؛ لعموم قوله تعالى:(وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس)، ولأنه صلى الله عليه وسلم قتل يهوديًّا بجارية، ولحديث عمرو بن حزم رضي الله عنه مرفوعاً:«وَأَنَّ الرَّجُلَ يُقْتَلُ بِالْمَرْأَةِ» [النسائي 4853]، وللمساواة في النفس، والحرية، أو الرق.
(وَ) الشرط الرابع: (عَدَمُ الوِلَادَةِ (، بألا يكون المقتول ولدًا للقاتل وإن سَفَل، ولا ولداً لبنته وإن سفلت، فلا يقتل أحد الأبوين وإن علا بالولد وإن سفل؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا يُقْتَلُ الوَالِدُ بِالوَلَدِ» [الترمذي 1401، وابن ماجه 2661]، ولوروده عن عمر رضي الله عنه أنه قضى
على الأب بالدية المغلظة بقتل ابنه ولم يقتله به [عبدالرزاق 17780]، ولأنه سبب إيجاده فلا ينبغي أن يسلط بسببه على إعدامه.
ويدخل في ذلك الجد؛ لأنه والد، فيدخل في عموم النص، ولأن ذلك حكم يتعلق بالولادة، فاستوى فيه القريب والبعيد؛ كالمحرمية.
وعنه، واختاره شيخ الإسلام: أن الجد يُقتل بقتل حفيده؛ لأن السنة إنما وردت في الأب، فيبقى ما عداه على الأصل من وجوب القصاص، قال شيخ الإسلام:(وإلحاق الجد بالأب بعيد).
واختار ابن عثيمين: يقتل الوالد بالولد؛ للعمومات، والأدلة التي استدلوا بها ضعيفة.
- فرع: يُقتل الولد بكل من الأبوين وإن علوا، إجماعاً؛ لعموم قوله تعالى:(كتب عليكم القصاص في القتلى)، وهو عام في كل قتيل، والمسألة السابقة مخصوصة بالنص، فبقي ما عداها.
الشرط الخامس، وهو مقتضى ما في الإقناع: أن تكون الجناية عمدًا محضًا، بخلاف شبه العمد والخطأ، فلا قصاص فيهما إجماعًا.