الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
(أَوْ كِسْوَتِهِمْ) أي: العشرة المساكين، (كِسْوَةً تَصِحُّ بِهَا صَلَاةُ فَرْضٍ)، جديدًا أو لبيسًا، من قطن أو كتان أو غير ذلك؛ لأنه تعالى أطلق كسوتهم، فأي جنس كساهم خرج به عن العهدة، ما لم تذهب قوته، فلا يجزئ؛ لأنه صار معيبًا.
واختار ابن عثيمين: يرجع فيه إلى العرف؛ لإطلاق الآية، وللقاعدة:(إذا ورد شيء في الشرع ولم يحدد، رُجع في تحديده إلى العرف).
3 -
(أَوْ عِتْقِ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) سليمة مما يضر بالعمل ضررًا بيِّنًا، وتقدم تفصيله في الظهار.
(فَإِنْ عَجَزَ) من وجبت عليه كفارة يمين عن هذه الثلاثة، (كَـ) ـعجزٍ عن (فِطْرَةٍ) أي: عن زكاة الفطر، وتقدم تفصيله؛ (صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ)؛ للآية السابقة، بشرط كونها (مُتَتَابِعَةً)؛ لقراءة أُبي بن كعب، وابن مسعود رضي الله عنهما:(فصيام ثلاثة أيام متتابعات)[ابن أبي شيبة: 12368، وعبد الرزاق: 16104].
فصل جامع الأيمان
- مسألة: (وَمَبْنَى يَمِينٍ عَلَى العُرْفِ)؛ كالراوية: حقيقة في الجمل
يستسقى عليه، وعرفًا: للمزادة، فتتعلق اليمين بالعرف دون الحقيقة؛ لأنها صارت مهجورة فلا يعرفها أكثر الناس، ويأتي تفصيل ذلك.
- مسألة: (وَيُرْجَعُ فِيهَا) أي: في الأيمان إلى مراتب:
المرتبة الأولى: يرجع في الأيمان (إِلَى نِيَّةِ حَالَفٍ)، ولا يرجع إلى نيته إلا بشرطين:
الشرط الأول: أن يكون الحالف (لَيْسَ ظَالِماً) باليمين، فإن كان ظالمًا فإن يمينه على ما يصدقه صاحبها الذي استحلفه؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَمِينُكَ عَلَى مَا يُصَدِّقُكَ عَلَيْهِ صَاحِبُكَ» [مسلم 1653]، وتقدم تفصيل ذلك في كتاب الطلاق.
الشرط الثاني: (إِنِ احْتَمَلَهَا) أي: النية (لَفْظُهُ) أي: الحالف، ولا تخلو نية الحالف من ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن يحتمل لفظه نيته احتمالًا قريبًا أو متوسطًا؛ (كَنِيَّتِهِ بِبِنَاءٍ وَسَقْفٍ: السَّمَاءَ)، وكنيته بالفراش وبالبساط: الأرضَ؛ فتصرف اليمين إليه بالنية؛ لحديث عمر رضي الله عنه مرفوعاً: «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» [البخاري: 1، ومسلم: 1907]، ولأن كلام الشارع يحمل على ما دل دليل على إرادته به، فكذا كلام غيره.
ويُقدَّم ما نواه على عموم لفظه؛ لأنه نوى بلفظه ما يحتمله ويسوغ لغة التعبير به عنه، فانصرفت يمينه إليه، والعام قد يراد به الخاص؛ كقوله تعالى:{الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم} [آل عمران: 173] فالناس الأول: أريد به نعيم بن مسعود الأشجعي، والناس الثاني: أبو سفيان وأصحابه، وكقوله:{تدمر كل شيء بأمر ربها} [الأحقاف: 25]، ولم تدمر السماء ولا الأرض ولا مساكنهم، فحيث احتمله اللفظ، وجب صرف اليمين إليه بالنية.
القسم الثاني: أن يحتمل لفظه نيته احتمالًا بعيدًا: لم تقبل دعوى إرادته حكمًا، ويدين؛ لمخالفته للظاهر.
القسم الثالث: ألا يحتمله اللفظ أصلًا؛ كما لو حلف لا يأكل خبزًا، وقال: أردت لا أدخل بيتًا؛ لم تنصرف اليمين إلى المنوي؛ لأنها نية مجردة لا يحتملها لفظه، أشبه ما لو نواه بغير يمين.
المرتبة الثانية: إن عُدمت النية: رُجِع فيها إلى سبب اليمين وما هيجها؛ لدلالتها على النية؛ فمن حلف ليقضين زيدًا حقه غدًا، فقضاه قبله؛ لم يحنث، إذا قَصَد عدم تجاوز الغد، ومن حلف لا يشرب لفلان الماء، - والسبب الدافع لذلك: قطع مِنَّتِه -: حنث بأكل خبزه، واستعارة دابته، وكل ما فيه منة.
المرتبة الثالثة: إن عُدم سبب اليمين وما هيجها: رُجِع إلى التعيين، وهو الإشارة؛ لأنه أبلغ من دلالة الاسم على مسماه، لنفيه الإبهام بالكلية، فمن
حلف لا يدخل دار فلان هذه، فدخلها وقد باعها، أو قال: لا لبست هذا القميص، فلبسه وهو عمامة أو سراويل، أو حلف: لا كلمتُ هذا الصبي، فصار شيخًا، ولا نية له ولا سبب: حنث؛ لبقاء عين المحلوف عليه.
المرتبة الرابعة: إن عُدِم التعيين: رُجِع إلى ما يتناوله الاسم؛ لأنه دليل على إرادة المسمى، ولا معارض له هنا، فوجب أن يرجع إليه؛ عملًا به لسلامته عن المعارضة.
والاسم يتناول: الشرعي، والعرفي، والحقيقي وهو اللغوي، ولا تخلو هذه الدلالات من حالين:
الأولى: ألا تختلف الدلالات الثلاث، بأن لم يكن للاسم إلا مسمَّى واحد؛ كسماء، وأرض، ورجل، وإنسان، ونحوها: فينصرف الاسم إلى مسماه بلا خلاف.
الثانية: إذا اختلفت الدلالات الثلاث: فيُقدَّم الاسم الشرعي عند الإطلاق؛ لأنه المتبادر للفهم عند الإطلاق، ولذلك حُمِل عليه كلام الشارع حيث لا صارف، ثم الاسم العرفي؛ لأنه الذي يريده بيمينه ويفهم من كلامه، أشبه الحقيقة في غيره، ثم اللغوي.
- والاسم الشرعي: هو ما له موضوع شرعًا وموضوع لغةً؛ كالصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والوضوء، والبيع، ونحوه: فاليمين المطلقة على فعل شيء من ذلك أو تركه تنصرف إلى الموضوع الشرعي؛ لأنه المتبادر
للفهم عند الإطلاق، ولذلك حُمِل عليه كلام الشارع حيث لا صارف.
- والاسم العرفي: هو ما اشتَهَر مجازه حتى غلب على حقيقته؛ كالرَّاوِية، حقيقة: في الجمل يُستسقى عليه، وعُرفًا: للمزادة، وكالظعينة، حقيقة: الناقة يظعن عليها، وعُرفًا: المرأة في الهودج، وكالدابة، حقيقة: ما دَبَّ ودرج، وعُرفًا: الخيل والبغال والحمير: فتتعلق اليمين فيه بالعُرف دون الحقيقة؛ لأن الحقيقة صارت مهجورة، فلا يعرفها أكثر الناس.
فمن حلف: لا يأكل عيشًا؛ حَنِث بأكل خبز؛ لأنه المعروف فيه، والعيش لغة: الحياة، ومن حلف: لا يطأ دارًا ولا يضع قدمه في دار؛ حنث بدخولها راكبًا وماشيًا وحافيًا ومنتعلًا، كما لو حلف لا يدخلها؛ لأن ظاهر الحال أن القصد امتناعه من دخولها.
- والاسم الحقيقي وهو اللغوي: هو ما لم يغلب مجازه على حقيقته، فمن حلف: لا يأكل لحمًا؛ حنث بأكل لحم سمك، ولا يحنث بأكل مخ وكبد وكلية؛ لأن مطلق اللحم لا يتناول شيئًا من ذلك، وإن حلف: لا يَلْبَس شيئًا فلبس قَلَنْسوة؛ حنث؛ لأنه ملبوس حقيقة وعرفًا. وإن حلف لا يكلِّم إنساناً؛ حنث بكلام كل إنسان.