الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رَأْسُهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ» [البخاري 2413، ومسلم 1672]، وأما حديث:«لَا قَوَدَ إِلَّا بِالسَّيْفِ» ؛ فقال البيهقي: (وأحاديث هذا الباب كلها ضعيفة).
(فَصْلٌ) في العفو عن القصاص
العفو: المحو، والتجاوز، والإسقاط.
أجمعوا على جواز العفو عن القصاص، وأنه أفضل؛ لقوله تعالى:{فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة} [البقرة: 178]، ولأن القصاص حق له، فجاز تركه؛ كسائر الحقوق.
- مسألة: (وَيَجِبُ بِعَمْدٍ) أحد شيئين: (القَوَدُ، أَوِ الدِّيَةُ)؛ لقوله تعالى: {فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان} [البقرة: 178]، أوجب الاتباع بمجرد العفو، ولو وجب بالعمد القصاص عينًا؛ لم تجب الدية عند العفو المطلق.
(فَيُخَيَّرُ) بينهما (وَلِيٌّ)، فإن شاء اقتص، وإن شاء أخذ الدية ولو لم يرض الجاني؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا:«مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يُفْدَى، وَإِمَّا أَنْ يُقْتَلَ» [البخاري 112، ومسلم 1355].
وذكر شيخ الإسلام مواضع لا يجوز العفو فيه، وهي:
1 -
قاتل الإمام؛ فيتحتم قتله حدًّا؛ لأن فساده عام أعظم من المحارب، وهو وجه في المذهب، واختاره القاضي.
2 -
ألا يحصل بالعفو ضرر، فإذا حصل منه ضرر كان ظلمًا من العافي إما لنفسه وإما لغيره، فلا يشرع العفو؛ لقوله تعالى:(فمن عفا وأصلح فأجره على الله)، فإن كان القاتل ممن عرف بالشر والفساد؛ فإن القصاص منه أفضل (1).
3 -
إذا كان القتل غيلة -والغيلة: القتل سرًّا لأخذ المال-؛ لأنه في معنى الحرابة، والمحارب إذا قتل وجب قتله، ولا يجوز العفو عنه؛ لحديث أنس رضي الله عنه:«أَنَّ يَهُودِيًّا رَضَّ رَأْسَ جَارِيَةٍ بَيْنَ حَجَرَيْنِ، قِيلَ: مَنْ فَعَلَ هَذَا بِكِ، أَفُلانٌ، أَفُلانٌ؟ حَتَّى سُمِّيَ اليَهُودِيُّ، فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا، فَأُخِذَ اليَهُودِيُّ، فَاعْتَرَفَ، فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَرُضَّ رَأْسُهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ» [البخاري 2413، ومسلم
(1) قال شيخ الإسلام: (العدل نوعان، أحدهما: هو الغاية، وهو العدل بين الناس، والثاني: ما يكون الإحسان أفضل منه؛ وهو عدل الإنسان بينه وبين خصمه في الدم، والمال، والعرض، فإنَّ استيفاء حقه عدل، والعفو إحسان، والإحسان هنا أفضل، لكن هذا الإحسان لا يكون إحسانًا إلا بعد العدل، وهو أن لا يحصل بالعفو ضرر، فإذا حصل منه ضرر كان ظلمًا من العافي لنفسه، وأما لغيره فلا يشرع، ومحله ما لم يكن لمجنون أو صغير؛ فلا يصح العفو إلى غير مال؛ لأنه لا يملك إسقاط حقه). ينظر: كشاف القناع (13/ 290).
1672]، قال ابن القيم:(ولم يقل: إن شئتم فاقتلوه، وإن شئتم فاعفوا عنه، بل قتله حتمًا، وهذا مذهب مالك، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، ومن قال: إنه فعل ذلك لنقض العهد؛ لم يصح، فإن ناقض العهد لا ترضخ رأسه بالحجارة، بل يقتل بالسيف).
4 -
إذا طالب المجني عليه قبل موته بالقود؛ فإنه يتحتم قتله، فلا يُمكَّن الورثة بعد ذلك من العفو؛ لقول علي رضي الله عنه لما طعنه ابن ملجم:«النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، إِنْ هَلَكْتُ فَاقْتُلُوهُ كَمَا قَتَلَنِي، وَإِنْ بَقِيتُ رَأَيْتُ فِيهِ رَأْيِي» [المعجم الكبير للطبراني 168]، فلما مات علي رضي الله عنه قتله الحسن رضي الله عنه، ولأن الحق في الأصل للمقتول، والورثة نواب عنه، فإذا طالب به تعين.
- فرع: (وَالعَفْوُ مَجَّاناً أَفْضَلُ)؛ لقوله تعالى: {فمن تصدق به فهو كفارة له} [المائدة: 45]، وقوله تعالى:{فمن عفا وأصلح فأجره على الله} [الشورى: 40].
ويستثنى من جواز العفو مجاناً:
1 -
المفلس، والسفيه، ووارث المفلس، والمكاتب، والمريض فيما زاد على الثلث، يصح عفوهم عن القصاص؛ لأنه ليس بمال، لا العفو مجاناً؛ لأن المال واجب، وليس لهم إسقاطه، كذا في الإقناع.
والمذهب كما في المنتهى: صحة العفو من هؤلاء مجانًا؛ لأن الدية لم تتعين.
2 -
إذا كان فيه حق لمجنون أو صغير؛ فلا يصح العفو إلى غير مال؛ لأنه لا يملك إسقاط حقهما.
- مسألة: (وَ) تتعين الدية في أحوال:
1 -
(مَتَى اخْتَارَ) الولي (الدِّيَةَ)؛ تعينت وسقط القود، قال أحمد:(إذا أخذ الدية فقد عفا عن الدم)، ولا يملك طلب القود بعد اختيار الدية؛ لأنه إذا سقط لا يعود.
2 -
(أَوْ عَفَا) الولي (مُطْلَقاً)؛ بأن لم يقيِّده بقود ولا دية؛ فله الدية؛ لانصراف العفو إلى القود؛ لأنه في مقابلة الانتقام، والانتقام إنما يكون بالقتل.
3 -
(أَوْ هَلَكَ جَانٍ؛ تَعَيَّنَتِ الدِّيَةُ) في ماله؛ لتعذر استيفاء القود.
4 -
أو عفا عن القود مطلقًا، فقال: عفوت عن القود، ولم يقل على مال أو بلا مال؛ فله الدية؛ لانصراف العفو إلى القصاص دون الدية؛ لأن العفو عن القصاص هو المطلوب الأعظم في باب القود.
5 -
أو عفا على غير مال؛ بأن عفا على خمر ونحوه؛ فله الدية.
- فرع: إن اختار ولي الجناية القود، أو عفا عن الدية فقط دون القصاص؛ فله أخذ الدية؛ لأن القصاص أعلى، فإذا اختاره لم يمتنع عليه الانتقال إلى الأدنى.