الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عثيمين، وقال: لأنه لم يخدع، وقد استحل الفرج بعقد صحيح.
فصل في نكاح الكفار، وما يتعلق به
- مسألة: حكم نكاح الكفار كحكم نكاح المسلمين، في كل ما يترتب عليه من الآثار؛ كالصحة، ووقوع الطلاق، والظهار، والإيلاء، ووجوب المهر والنفقة، والقسم، والإحصان، وغيرها؛ لأن الله تعالى أضاف النساء إليهم فقال:{وامرأته حمالة الحطب} [المسد: 4]، وقال:{امرأت فرعون} [القصص: 9].
- مسألة: (وَيُقَرُّ الكُفَّارُ عَلَى نِكَاحٍ فَاسِدٍ)، وإن خالف أنكحة المسلمين بشرطين:
1 -
(إِنِ اعْتَقَدُوا صِحَّتَهُ)(1) في شرعهم، بخلاف ما لا يعتقدون حِلَّه؛ لأن ما لا يعتقدون حِلَّه ليس من دينهم فلا يقرون عليه؛ كالزنى والسرقة.
2 -
أن لا يترافعوا إلينا؛ لقوله تعالى: {فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} الآية [المائدة: 42]، فدل أنهم يُخلَّون وأحكامَهم إن لم يجيئوا إلينا،
(1) قال ابن عثيمين في الشرح الممتع (12/ 237): (لو عبر المؤلف بعبارة أسد فقال: إذا كان صحيحًا في شرعهم؛ لأنهم قد يعتقدون الصحة، وهو ليس بصحيح بمقتضى شرعهم).
ولأنه صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هَجَرٍ، ولم يعترض عليهم في أنكحتهم، مع علمه أنهم يستبيحون نكاح محارمهم.
- فرع: إن ترافع الكفار إلينا لم يخلُ ذلك من أمرين:
الأمر الأول: أن يأتونا قبل عقد النكاح بينهم؛ فنعقده على حكمنا، بإيجاب وقبول وشاهدي عدل؛ كأنكحة المسلمين؛ لقوله تعالى:{وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط} [المائدة: 42].
(وَ) الأمر الثاني: (إِنْ) أتونا بعد العقد فيما بينهم، أو (أَسْلَمَ الزَّوْجَانِ) على نكاح: لم نتعرض لكيفية عقدهم؛ لأنه أسلم خلق كثير في عصر النبي صلى الله عليه وسلم فأقرهم على أنكحتهم ولم يكشف عن كيفيتها، فأولى إذا ارتفعوا إلينا من غير إسلام.
- فرع: (وَ) إذا تقرر ذلك: فإن ترافعوا إلينا بعد العقد فيما بينهم، أو أسلم الزوجان؛ لم يخل ذلك من أمرين:
1 -
أن تكون (المَرْأَةُ تُبَاحُ إِذاً) أي: يجوز ابتداء نكاحها وقت الترافع إلينا أو الإسلام؛ كما لو عقد عليها في العدة ثم فرغت عدتها، أو يعقد على أخت زوجته ثم تموت قبل الترافع، أو وقع العقد بلا صيغة أو ولي أو شهود:(أُقِرَّا) على نكاحهما، إجماعاً؛ لما تقدم، ولأن ابتداء النكاح حينئذ لا مانع فيه، فلا مانع من استدامته.
2 -
أن تكون الزوجة ممن يحرم ابتداء نكاحها وقت الترافع إلينا أو الإسلام؛ كذات محرم من نسب أو رضاع أو مصاهرة، أو مزوجة في عدة من غيره لم تفرغ عدتها، أو مطلقته ثلاثًا قبل أن تنكح زوجًا غيره، ونحو ذلك: فرق بينهما؛ لأنه حال يمنع من ابتداء العقد، فمنع من استدامته؛ كنكاح ذوات المحارم.
واختار شيخ الإسلام فيما إذا أسلم وتحته معتدة من غيره: أن النكاح لا ينفسخ، ولا يخلو من حالين:
1 -
إن كان لم يدخل بها: فيمنع من وطئها حتى تنقضي العدة.
2 -
إن كان دخل بها: فلا يمنع من الوطء، إلا أن يكون حَبَلٌ قبل وطئه.
وقال أيضًا: (يحتمل أن يقال في أنكحة الكفار التي نقضي بفسادها (1): إن كان حصل بها دخول؛ استقرت، وإن لم يكن حصل دخول؛ فُرِّق بينهما).
(1) هكذا العبارة في الفتاوى الكبرى (5/ 446)، والمستدرك على مجموع الفتاوى (4/ 181)، والذي في الاختيارات للبعلي المطبوع (ص: 324): (التي انقضى مفسدها
…
)، ويشكل على ما في الاختيارات قوله:(وإن لم يكن حصل دخول؛ فرق بينهما)، لأنه لو انقضى المفسد لم يفرق بينهما.
(بَابُ الصَّدَاقِ)
يقال: أصدقتُ المرأة، ومهرتُها، وأمهرتُها.
وهو: عوض يسمى في النكاح وما ألحق به كوطء الشبهة، أو بعده.
- مسألة: (يُسَنُّ تَسْمِيَتُهُ) أي: الصداق (فِي العَقْدِ)؛ لحديث سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث الواهبة: «هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ تُصْدِقُهَا؟ » قال: لا، قال:«التَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» [البخاري: 5135]، ولأنه أقطع للنزاع، ويكره ترك تسمية الصداق؛ لأنه قد يؤدي إلى التنازع في فرضه.
وليس شرطًا لصحة النكاح؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 236].
- مسألة: (وَ) يسن (تَخْفِيفُهُ) أي: الصداق؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُنَّ مَؤُونَةً» [أحمد: 25119]، ولما روى أبو العَجْفاء السُّلَمي، قال: خَطَبَنا عمر رضي الله عنه، فقال:«أَلَا لَا تُغَالُوا بِصُدُقِ النِّسَاءِ، فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا، أَوْ تَقْوَى عِنْدَ اللهِ؛ لَكَانَ أَوْلَاكُمْ بِهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، مَا أَصْدَقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ، وَلَا أُصْدِقَتْ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ أَكْثَرَ مِنْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً» [أحمد: 285، وأبو داود:
2106، والترمذي: 1114، وابن ماجه: 1887]، ولأنه إذا كثر ربما تعذر عليه، فيتعرض للضرر في الدنيا والآخرة.
- مسألة: (وَ) لا يَتقدَّرُ الصداقُ بشيء، بل (كُلُّ مَا صَحَّ) أن يكون (ثَمَنًا) في بيع، (أَوْ أُجْرَةً) في إجارة؛ (صَحَّ) أن يكون (مَهْرًا)؛ لقوله تعالى:(أن تبتغوا بأموالكم)، ولحديث سهل بن سعد السابق، وفيه:«التَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» .
قال شيخ الإسلام: (والصداق المقدم إذا كثر وهو قادر على ذلك لم يكره إلا أن يقترن بذلك ما يوجب الكراهة من معنى المباهاة ونحو ذلك).
- فرع: لا حد لأقل المهر؛ لحديث سهل السابق.
وفي الإقناع، تبعًا للموفق والشارح: يشترط أن يكون الصداق له نصف يتمول ويبذل العوض في مثله عرفًا؛ لأن الطلاق بعوض فيه قبل الدخول، فلا يبقى للمرأة فيه إلا نصفه، فيجب أن يبقى لها مال تنتفع به، قال الزركشي:(وليس في كلام أحمد هذا الشرط وكذا أكثر أصحابه).
- مسألة: (فَإِنْ لَمْ يُسَمَّ) مهرٌ في عقد النكاح، -وهو تفويض البضع-، (أَوْ بَطَلَتِ التَّسْمِيَةُ)؛ كما لو سَمَّى مهرًا فاسدًا؛ كخمر؛ (وَجَبَ مَهْرُ مِثْلٍ بِعَقْدِ) النكاح؛ لما ورد عن عبد الله بن مسعود أنه قال في رجل تزوج امرأةً فمات عنها، ولم يَدخل بها ولم يَفرض لها الصداق: «لَهَا الصَّدَاقُ
كَامِلًا، وَعَلَيْهَا العِدَّةُ، وَلَهَا المِيرَاثُ»، فقال مَعْقِلُ بن سِنان:«سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِهِ فِي بَرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ» [أحمد: 4276، وأبو داود: 2114، والترمذي: 1145، والنسائي: 3355، وابن ماجه: 1891]، ولأن المرأة لا تُسلِّم نفسها إلا ببدلٍ، ولم يُسلَّم، وتَعذَّر ردُّ العِوض، فوجب بدله؛ كما لو باعه سلعة بخمر، فتلفت عند المشتري.
- مسألة: إذا اشتُرِط شيءٌ من المهر لغير الزوجة لم يخلُ من قسمين:
الأول: أن يكون الاشتراط من قِبل الأب، وأشار إليه بقوله:(وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ لَهَا وَأَلْفٍ لِأَبِيهَا)، أو على أن الكلَّ للأب؛ (صَحَّ) ذلك، وكان الألفان جميعًا مهرَها؛ لقوله تعالى في قصة شعيب {إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج} [القصص: 27]، فجعل الصداق الإجارة على رعاية غنمه، وهو شرط لنفسه، ولأن للوالد أخذ ما شاء من مال ولده بشروطه، كما في حديث جابر رضي الله عنه، وفيه:«أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» [ابن ماجه: 2291]، ولا يملكه الأب إلا بالقبض مع النية؛ كسائر مالها.
وعنه، واختاره ابن عثيمين: أن المسمى كله للزوجة، قال ابن عثيمين: ما كان قبل العقد فهو للزوجة مطلقًا، ثم إذا ملكته فللأب أن يتملَّك بشروطه، وما كان بعد العقد فهو لمن أُهدِيَ إليه؛ لأن الأب لن ينظر إلى مصلحة موليته حينئذٍ، بل ينظر إلى مصلحته، والواجب النظر في مصلحة موليته.
- فرع: (فَلَوْ طَلَّقَ) الزوج (قَبْلَ دُخُولٍ) وبعد قبض الزوجة الألف وقبض أبيها الألف؛ (رَجَعَ) على الزوجة (بِأَلْفِهَا) دون أبيها؛ لأنه نصف الصداق، (ولَا شَيْءَ عَلَى الأَبِ لَهُمَا) أي: للمطلق والمطلقة؛ لأنا قَدَّرْنا أن الجميع صار لها، ثم أخذه الأب منها، فتصير كأنها قبضته ثم أخذه منها.
وقيل، واختاره ابن عثيمين: يرجع بنصف المهر، فيأخذ من كل منهما نصف ما دفع، قال في الإنصاف:(والنفس تميل إلى ذلك)؛ لأن هذا أقرب إلى العدل؛ لأن المهر مهر بقدره وجنسه ووصفه، ومن وصفه أنه نصف للأب ونصف للزوجة.
الثاني: أن يكون الاشتراط من غير الأب، وأشار إليه بقوله:(وَإِنْ شُرِطَ) أي: الصداق أو بعضه (لِغَيْرِ الأَبِ)؛ كالجد والأخ وغيرهما من الأولياء، (شَيْءٌ) من الصداق؛ فالتسمية صحيحة، ويلغو الشرط، (فَالكُلُّ) أي: كل المسمى (لَهَا) أي: للزوجة؛ لأن الصداق عِوض بُضْعِها، والشرط باطل؛ لأنه ليس للغير أن يأخذ شيئًا بغير إذن.
- مسألة: (وَيَصِحُّ تَأْجِيلُهُ) أي: الصداق، كله أو بعضه؛ لأنه عقد معاوضة، فجاز ذلك فيه؛ كالثمن.
- فرع: لا يخلو تأجيل الصداق من أمرين:
الأول: إن عُيِّن الأجلُ: فهو إلى الأجل الذي أُنيط به؛ كسائر الحقوق المؤجلة.
(وَ) الثاني: (إِنْ أُطْلِقَ الأَجَلُ: فَـ) تصح التسمية، و (مَحَلُّهُ الفُرْقَةُ) البائنة بموت أو غيره، واختاره شيخ الإسلام، وذكر ابن القيم أنه قول الصحابة، وقال:(وحكاه الليث إجماعًا منهم)؛ عملًا بالعرف والعادة، والعرف في الصداق ترك المطالبة به إلى حين الفرقة بالموت أو البينونة، فجرت العادة مجرى الشرط.
الثالث: إذا عُيِّن أجل مجهول؛ كقدوم زيد: لم يصح التأجيل؛ لجهالته، وإنما صح المطلق؛ لأن أجله الفرقة بحكم العادة، وقد صُرف هنا من العادة ذكر الأجل ولم يبينه فبقي مجهولًا.
قال في الشرح: يحتمل أن يبطل التأجيل ويحل، قال البهوتي:(وهو قياس ما تقدم في المبيع).
- مسألة: (وَ) المرأة (تَمْلِكُهُ) أي: الصداق، سواء كان حالًّا أو مؤجلًا، معينًا أو غير معينٍ، (بِعَقْدِ) النكاح؛ لأنه عقد يُملَك به العوض فتملك به المعوض كاملًا؛ كالبيع، ولحديث سهل بن سعد السابق، وفي رواية: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «إِزَارُكَ إِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ مِنْهُ شَيْءٌ» [البخاري: 5871]، فدل على أن الصَّداق كله للمرأة ولا يبقى للرجل فيه شيء.