الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في النشوز
مأخوذ من النَّشَز: وهو ما ارتفع من الأرض، فكأنها ارتفعت وتعالت عما فرض عليها من المعاشرة بالمعروف.
- مسألة: (وَالنُّشُوزُ حَرَامٌ)؛ لقوله تعالى: (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن) الآية.
- فرع: (وَهُوَ) أي: النشوز: (مَعْصِيَتُهَا إِيَّاهُ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهَا) طاعته فيه؛ لأنها مأمورة بطاعة زوجها في غير معصية الله تعالى؛ وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا؛ لَعَنَتْهَا المَلائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ» [البخاري: 3237، ومسلم: 1436].
- مسألة: (فَمَتَى ظَهَرَ أَمَارَتُهُ) أي: النشوز، بأن لا تجيبه إلى الاستمتاع، أو تجيبه وهي متثاقلة أو متكرهة، أو تخرج بدون إذنه، أو يختل أدبها في حقه، ونحو ذلك، فإنه يعالج ذلك النشوز بمراتب:
المرتبة الأولى: (وَعَظَهَا) أي: خوَّفها الله تعالى وذكَّرها ما أوجب الله عليها من الحق والطاعة، وما يلحقها من الإثم بالمخالفة؛ لقوله تعالى:{واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن} [النساء: 34].
المرتبة الثانية: (فَإِنْ أَصَرَّتْ) على النشوز بعد وعظها: (هَجَرَهَا فِي المَضْجَعِ) أي: يهجر فراشها فلا يضاجعها فيه، (مَا شَاءَ)؛ حتى ترجع إلى الطاعة؛ للإطلاق في قوله تعالى:{واهجروهن في المضاجع} [النساء: 34]، قال ابن عباس رضي الله عنهما:«لَا تُضَاجِعْهَا فِي فِرَاشِكَ» [تفسير ابن أبي حاتم: 5271، وفيه ضعف]، ولحديث أم سلمة رضي الله عنها:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم آلَى مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا» [البخاري: 1910].
واختار ابن عثيمين: أن الهجر في المضجع يكون على ثلاث مراتب:
1 -
أن لا ينام في حجرتها، وهذا أشد شيء.
2 -
أن لا ينام على الفراش معها، وهذا أهون من الأول.
3 -
أن ينام معها في الفراش، ولكن يلقيها ظهره ولا يحدثها، وهذا أهونها.
ويبدأ بالأهون فالأهون؛ لأن ما كان المقصود به المدافعةَ فالواجب البداءة بالأسهل فالأسهل؛ كالصائل.
- فرع: (وَ) هجرها (فِي الكَلَامِ ثَلَاثاً) أي: ثلاثة أيام فقط؛ لحديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ» [البخاري: 6065، ومسلم: 2558].
واختار ابن عثيمين: أن الهجر إلى ثلاث جائز، وفوق الثلاث حرام إلا
لمصلحة، وعليه تحمل قصة الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك.
المرتبة الثالثة: (فَإِنْ أَصَرَّتْ) بعد الهجر المذكور: (ضَرَبَهَا)؛ لقوله تعالى: {واضربوهن} [النساء: 34]، ويكون الضرب للزوجة الناشز، وللابن، وغيره ممن يباح ضربه بشروط:
1 -
أن يكون الضرب (غَيْرَ شَدِيدٍ)؛ لحديث عبد الله بن زَمْعة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا يَجْلِدُ أَحَدُكُمُ امْرَأَتَهُ جَلْدَ العَبْدِ، ثُمَّ يُجَامِعُهَا فِي آخِرِ اليَوْمِ» [البخاري: 5204].
2 -
أن يجتنب فيه الوجه؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْتَنِبِ الوَجْهَ» [البخاري: 2559، ومسلم: 2612].
3 -
أن يجتنب فيه المقاتل والمواضع المخوفة والمستحسنة؛ لئلا يهلكه أو يشوهها.
4 -
ألا يزيد على عشرة أسواط؛ لحديث أبي بردة الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا يُجْلَدُ أَحَدٌ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ، إِلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ» [البخاري: 6850، ومسلم: 1708].
واختار ابن عثيمين: أن له الزيادة على عشرة أسواط تبعًا للمصلحة والزجر؛ والمراد بقوله في الحديث: «إِلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ» : تركُ الواجب أو فعلُ المحرم؛ لأن الله تعالى سمى المحرمات حدودًا، فقال:(تلك حدود الله فلا تقربوها)، وسمى الواجبات حدودًا، فقال:
(تلك حدود الله فلا تعتدوها)، والنشوز داخل في ذلك.
- مسألة: (وَلَهُ) أي: للزوج (أَيْضاً ضَرْبُهَا) وتأديبها (عَلَى تَرْكِ فَرَائِضِ اللهِ تَعَالى)؛ قال علي رضي الله عنه في قوله تعالى: {قوا أنفسكم وأهليكم نارا} [التحريم: 6]، قال:«عَلِّمُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمُ الخَيْرَ» [الحاكم: 3826]، ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عَلِّقُوا السَّوْطَ حَيْثُ يَرَاهُ أَهْلُ الْبَيْتِ؛ فَإِنَّهُ لَهُمْ أَدَبٌ» [الطبراني في المعجم الكبير: 10671].
ولا يؤدبها في حادث متعلق بحق الله تعالى؛ كسحاق؛ لأنها وظيفة الحاكم.
(بَابُ الخُلْعِ)
وهو فراق الزوجة بعوض بألفاظ مخصوصة، سمي بذلك؛ لأن المرأة تخلع نفسها من الزوج كما تخلع اللباس، قال تعالى:{هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: 187].
وفائدته: تخليصها من الزوج على وجه لا رجعة له عليها إلا برضاها.
- مسألة: حكم الخلع لا يخلو من أقسام:
القسم الأول: (يُبَاحُ) الخلع (لِسُوءِ عِشْرَةٍ) بين الزوجين (1) بأن صار كلًّا منهما كارهاً للآخر لا يحسن صحبته، (وَ) يباح لـ (بِغْضَةِ) زوجها، تخشى أن لا تقيم حدود الله في حقه، (وَ) يباح لـ (كِبَرٍ، وَقِلَّةِ دِينٍ)، ونحو ذلك، وخافت إثمًا بترك حقه، فيباح لها أن تخالعه على عوض تفتدي به نفسها منه؛ لقوله
(1) قال في الإنصاف (8/ 382): (قال الشيخ تقي الدين رحمه الله: عبارة الخرقي ومن تابعه أجود من عبارة صاحب المحرر ومن تابعه، فإن صاحب المحرر وغيره، قال: الخلع لسوء العشرة بين الزوجين جائز، فإن قولهم: لسوء العشرة بين الزوجين، فيه نظر، فإن النشوز قد يكون من الرجل، فتحتاج هي أن تقابله).
وعبارة الخرقي (ص: 109): (وإذا كانت المرأة مبغضة للرجل وتكره أن تمنعه ما تكون عاصية بمنعه؛ فلا بأس بأن تفتدي نفسها).
تعالى: {فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به} [البقرة: 229]، ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما الآتي.
- فرع: يسن للزوج إجابتها في الخلع؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، ثابت بن قيس، ما أعتِبُ عليه في خُلُق ولا دِين، ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ » قالت: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«اقْبَلِ الحَدِيقَةَ، وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً» [البخاري 5273].
واختار ابن عثيمين: أنه يجب؛ لحديث ابن عباس السابق، حيث أمره بفراقها، والأمر يفيد الوجوب، ولأن بقاءها معه في هذه الحال يحدث عداوة بين الطرفين.
قال في الفروع: (واختلف كلام شيخنا -أي: شيخ الإسلام - في وجوبه).
- فرع: يباح الخلع في الصورة السابقة إلا أن يكون الزوج له إليها ميل ومحبة، فيستحب صبرها وعدم افتدائها منه؛ دفعًا لضرره، قال أحمد:(ينبغي لها أن لا تختلع منه وأن تصبر).
واختار شيخ الإسلام: كراهة الخلع مع محبة الزوج لها (1).
(1) هكذا في الفتاوى الكبرى (4/ 485)، وفي الاختيارات للبعلي (ص: 359).
والذي في مجموع الفتاوى (32/ 283) أنه غير واجب على الزوج، قال رحمه الله:(إذا أبغضته وهو محسن إليها؛ فإنه يطلب منه الفرقة من غير أن يلزم بذلك، فإن فعل وإلا أمرت المرأة بالصبر عليه إذا لم يكن ما يبيح الفسخ).
(وَ) القسم الثاني: (يُكْرَهُ) الخلع (مَعَ اسْتِقَامَةِ) الحال بين الزوجين، ويقع، أما الكراهة؛ فلحديث ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ؛ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الجَنَّةِ» [أحمد 22379، وأبوداود 2226، والترمذي 1187، وابن ماجه 2055]، ولأنه عبث، وأما الصحة؛ فلعموم قوله تعالى:{فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا} [النساء: 4].
وعنه، ومال إليه ابن قدامة، واختاره ابن عثيمين: يحرم، ولا يصح؛ لقول الله تعالى:{ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله} ، فاشترط لإباحة الخلع الخوف من عدم إقامة حدود الله، وإلا فلا يباح، ولحديث ثوبان السابق، ولأنه إضرار بها وبزوجها، وإزالة لمصالح النكاح من غير حاجة، وإذا قلنا بأنه يحرم فإنه لا يقع؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» [مسلم 1718]، وأما قوله تعالى:(فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا)، فإنه ليس في حال الخلع، بل في جواز ترك المرأة بعض صداقها.
قال شيخ الإسلام: (الخلع الذي جاء به الكتاب والسنة: أن تكون المرأة كارهة للزوج تريد فراقه، فتعطيه الصداق أو بعضه فداء نفسها، كما يفتدي الأسير، وأما إذا كان كل منهما مريدًا لصاحبه، فهذا الخلع محدث في الإسلام).
والقسم الثالث: يحرم الخلع ولا يصح: وذلك إذا عضلها بضرب أو تضييق أو نحوهما، ظلمًا لتفتدي منه، ولم يكن عَضْله إياها لزناها، أو نشوزها، أو تركها فرضًا، فافتدت به، واختاره شيخ الإسلام؛ لقوله تعالى:{وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [النساء: 19]، ولأنه عوض أُكرهت على بذله بغير حق، فلم يستحقه آخذه؛ كالثمن في البيع.
فإن عضلها الزوج لتفتدي منه بسبب زناها، أو نشوزها، أو تركها فرضاً؛ كصلاة أو صوم؛ جاز وصح؛ لقوله تعالى:{إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} [الطلاق: 1]، والاستثناء من النهي إباحة، ولأنه لا يؤمن أن تُلحق به ولدًا من غيره، وقيس الباقي عليه.
- مسألة: (وَهُوَ) أي: الخلع لا يخلو من أمرين:
الأمر الأول: أن يكون (بِلَفْظِ خُلْعٍ، أَوْ فَسْخٍ، أَوْ مُفَادَاةٍ)، بأن قال: خلعت، أو: فسخت، أو: فاديت، ولم ينو به الطلاق: فهو (فَسْخٌ)، ولو لم ينو الفسخ؛ لأنها ألفاظ صريحة فيه، ولا ينقص به عدد الطلاق؛ لقوله
تعالى: {الطلاق مرتان} ، ثم قال:{فلا جناح عليهما فيما افتدت به} ، ثم قال:{فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} [البقرة: 230]، فذكر تطليقتين، والخلع، وتطليقة بعدها، فلو كان الخلع طلاقًا لكان أربعًا، واحتج بذلك ابن عباس رضي الله عنهما [عبدالرزاق 11771]، ولأن الخلع فرقة خلت عن صريح الطلاق ونيته، فكانت فسخًا كسائر الفسوخ.
وأما ما روي عن عثمان وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم من أنه طلقة بائنة بكل حال [عبدالرزاق 6/ 481 وما بعدها]؛ فقد ضعفه أحمد، وقال:(ليس لنا في الباب شيء أصحَّ من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه فسخ).
(وَ) الأمر الثاني: أن يكون (بِلَفْظِ) صريحِ (طَلَاقٍ، أَوْ نِيَّتِهِ) أي: نية الطلاق، (أَوْ كِنَايَتِهِ) أي: كناية الطلاق وقصده به الطلاق: فهو (طَلْقَةٌ)؛ لأنه نوى الطلاق، وتكون (بَائِنَةً)؛ لقوله تعالى:{فلا جناح عليهما فيما افتدت به} [البقرة: 229]، وإنما يكون فداء إذا خرجت من قبضته وسلطانه، ولو لم يكن بائنًا لملك الرجعة، وكانت تحت حكمه وقبضته، ولأن القصد إزالة الضرر عنها، فلو جازت الرجعة لعاد الضرر.
وعنه، واختاره شيخ الإسلام، وجعله قول قدماء أصحاب أحمد: أنه خلع ولو كان بلفظ الطلاق وكنايته؛ لقول ابن عباس رضي الله عنهما: «كُلُّ شَيْءٍ أَجَازَهُ المَالُ فَلَيْسَ بِطَلَاقٍ» [عبدالرزاق 11770]، ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما السابق في امرأة ثابت بن قيس:«اقْبَلِ الحَدِيقَةَ، وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً» ، فذكر الطلاق في
معرض الخلع، فدل على أن الخلع يقع بلفظ الطلاق، ولأن الاعتبار في العقود بمقاصدها ومعانيها لا بألفاظها، قال ابن القيم:(وهو مذهب ابن عباس وعثمان وابن عمر والرُّبَيِّع وعمها رضي الله عنهم، ولا يصح عن صحابي أنه طلاق البتة).
- مسألة: (وَلَا يَصِحُّ) الخلع (إِلَّا بِعِوَضٍ يُبْذَلُ لِزَوْجٍ)؛ لأن العوض ركن فيه، لقوله تعالى:(فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ)، فلا يصح تركه؛ كالثمن في البيع، ولأنه لا يملك فسخ النكاح لغير مقتضٍ يبيحه.
فإن خالعها بغير عوض، فلا يخلو من حالين:
1 -
أن يكون بلفظ طلاق أو نيته: فيقع طلاقًا رجعيًّا؛ لأنه طلاق لا عوض فيه، فكان رجعيًّا كغيره، ولأنه يصلح كناية عن الطلاق.
2 -
ألا يكون بلفظ الطلاق ولا نيته: لم يقع خلع ولا طلاق؛ لأن الشيء إذا لم يكن صحيحًا لم يترتب عليه شيء؛ كالبيع الفاسد.
وعنه، واختاره شيخ الإسلام: يصح الخلع بغير عوض؛ قال شيخ الإسلام: (وهذا القول له مأخذان:
أحدهما: أن الرجعة حق للزوجين، فإذا تراضيا على إسقاط الرجعة سقطت.
والثاني: أن ذلك فرقة بعوض؛ لأنها رضيت بترك النفقة والسكنى، ورضي هو بترك ارتجاعها.
- مسألة: ما صح مهراً من عين مالية أو منفعة مباحة؛ صح الخلع به؛ لعموم قوله تعالى: (فلا جناح عليهما فيما افتدت به).
- فرع: (وَيُكْرَهُ) خلع زوجة (بِأَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا)؛ لحديث ثابت بن قيس، وفيه قال النبي صلى الله عليه وسلم:«أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ الَّتِي أَعْطَاكِ؟ » ، قالت: نعم وزيادة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«أَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا، وَلَكِنْ حَدِيقَتُهُ» [الدارقطني 3629]، وعن علي بن أبي طالب:«أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا» [مصنف ابن أبي شيبة 18523].
ويصح الخلع، ولا يحرم؛ لعموم قوله تعالى:{فلا جناح عليهما فيما افتدت به} [البقرة: 229] ولقول الرُّبَيِّع بنت مُعَوِّذ لزوجها: «أختلع منك بكل شيء أملكه، فقال: نعم، قلت: ففعلت، فخاصم عمي معاذ بن عفراء إلى عثمان، فأجاز الخلع، قالت: وأمره أن يأخذ عقاص رأسي فما دونه» [عبدالرزاق 11850]، ونحوه عن ابن عمر رضي الله عنه [عبدالرزاق 11852].
- مسألة: (وَيَصِحُّ بَذْلُهُ) أي: عوض الخلع (مِمَّنْ يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ)، وهو الحر الرشيد غير المحجور عليه لسفه أو صغر أو جنون، فإن بذل عوض الخلع من لا يصح تبرعه كالمحجور عليه لسفه أو صغر أو جنون لم يصح الخلع؛ لأنه تصرف في المال وليس من أهله، فلم يصح كالهبة.
أما المحجور عليه لفلس فيصح بذله عوض الخلع؛ لأنه يصح الخلع منها على مال في ذمتها لا في عين مالها؛ لصحة تصرفها في ذمتها.
- مسألة: يصح بذل العوض (مِنْ زَوْجَةٍ وَأَجْنَبِيٍّ)، اتفاقاً؛ لأنه بذل مال في مقابلة ما ليس بمال ولا منفعة، فصار كالمتبرع.
وقال شيخ الإسلام في خلع الأجنبي: (ينبغي أن يكون ذلك مشروطًا بما إذا كان قصده تخليصها من رق الزوج لمصلحتها).
وقال ابن عثيمين: خلع الأجنبي لا يخلو من أربعة أقسام:
1 -
أن يكون لمصلحة الزوج: فيجوز؛ لما فيه من الإحسان إلى الغير.
2 -
أن يكون لمصلحة الزوجة: فيجوز؛ لما تقدم.
3 -
أن يكون بقصد الإضرار: فهو حرام؛ لأنه عدوان وظلم.
4 -
أن يكون لمصلحة غير الزوجين، سواء الأجنبي نفسه أو غيره: فهو حرام؛ لأنه عدوان، ولأن فيه إفساد المرأة على زوجها.
- مسألة: (وَيَصِحُّ) الخلع (بِمَجْهُولٍ)؛ كما لو خالعته على ما في بيتها أو يدها من دراهم، (وَ) يصح الخلع بـ (مَعْدُومٍ) ينتظر وجوده؛ كما لو خالعته على ما تحمل شجرتها؛ لأن الخلع إسقاط لحقه من البُضع، وليس فيه تمليك شيء، والإسقاط تدخله المسامحة، ولذلك جاز بغير عوض على رواية.
فإن لم يحصل منه شيء؛ وجب فيه أقل ما يطلق عليه الاسم من هذه الأشياء؛ لصدق الاسم عليه.
- مسألة: (لَا) يصح الخلع (بِلَا عِوَضٍ)، وسبق.
- مسألة: الخلع بعوض محرم لا يخلو من أمرين:
الأول: إن كان المتخالعان يعلمان أنه محرم، فقال رحمه الله:(وَلَا) يصح الخلع (بِـ) عوض (مُحَرَّمٍ) يعلمانه؛ كالخمر والخنزير، ويكون لغواً؛ لخلوه عن العوض؛ كالخلع بلا عوض؛ لأن الخلع على ذلك مع العلم بتحريمه يدل على رضا فاعله بغير شيء.
ويقع طلاقاً رجعيًّا إن كان بلفظ الطلاق أو نيته طلاق؛ لأن الخلع من كنايات الطلاق، فإذا نواه به وقع، وقد خلا عن العوض فكان رجعيًّا، فإن لم ينو به طلاقًا؛ فلغو.
واختار شيخ الإسلام: أنه يصح خلعاً، وله مهر المثل، كما لو كان النكاح بمهر محرم؛ فإنه يثبت مهر المثل، فكذا الخلع وأولى.
والثاني: إن كان المتخالعان يجهلان كونه محرمًا، بأن لم يعلما أنه خمر أو خنزير؛ صح الخلع، وكان للزوج بدله، أي: مثل المثلي وقيمة المتقوم، كما لو خالعها على عبد فبان حرًّا، أو على خلٍّ فبان خمرًا؛ صح الخلع، وللزوج قيمة العبد ومثل الخل؛ لأن الخلع معاوضة بالبضع، فلا يفسد بفساد العوض؛ كالنكاح.