الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- مسألة: (وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَدٌّ) فلا يخلو من أمرين:
الأول: أن يكون حدًّا (لِلهِ) تعالى؛ من حد سرقة أو زنىً أو شرب، (فَـ) إن (تَابَ) منه (قَبْلَ ثُبُوتِهِ) عند الحاكم؛ (سَقَطَ) عنه بمجرد توبته قبل إصلاح عمل؛ لقوله تعالى:{واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما} [النساء: 16]، وقوله بعد ذكر حد السارق:{فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح، فإن الله يتوب عليه} [المائدة: 39]، ولحديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ، كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ» [ابن ماجه 4250]، ولأنه خالص حق الله تعالى فيسقط بالتوبة؛ كحد المحارب.
وإن ثبت عند الحاكم لم يسقط بالتوبة؛ لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تَعَافَوُا الْحُدُودَ فِيمَا بَيْنَكُمْ، فَمَا بَلَغَنِي مِنْ حَدٍّ فَقَدْ وَجَبَ» [أبو داود 4376، والنسائي 4885].
الثاني: أن يكون الحد لآدمي؛ كحد القذف: فلا يسقط؛ لعموم الأدلة.
فصل في دفع الصائل
- مسألة: (وَمَنْ أُرِيدَ) أخْذ (مَالِهِ) ولو قل، (أَوْ) أريدت (نَفْسُهُ)، أي: قُصِدت لقتل أو يُفعل بها الفاحشة، (أَوْ) أريدت (حُرْمَتُهُ)؛ كأمه وأخته
وزوجته ونحوهنّ لزنىً أو قتل: فله دفعه عن نفسه وحرمته وماله بأسهل شيء يظن اندفاعه به؛ لئلا يؤدي إلى تلفه وأذاه وتسلط الناس بعضهم على بعض، فيفضي إلى الهرج والمرج، ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل فقال: يا رسول الله؛ أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: «فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ» ، قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: «قَاتِلْهُ» ، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: «فَأَنْتَ شَهِيدٌ» ، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: «هُوَ فِي النَّارِ» [مسلم 140]، ولأن الغرض من ذلك الدفع، فإن اندفع بالأسهل حرم الأصعب؛ لعدم الحاجة إليه.
(وَ) إن (لَمْ يَنْدَفِعِ المُرِيدُ إِلَّا بِالقَتْلِ؛ أُبِيحَ) قتله، (وَلَا ضَمَانَ) عليه؛ لظاهر الخبر السابق.
- فرع: حكم دفع الصائل لا يخلو من أقسام:
1 -
أن يكون الدفع عن نسائه: فهو واجب؛ فمن رأى مع امرأته أو بنته ونحوها رجلًا يزني بها، أو مع ولده ونحوه رجلًا يلوط به؛ وجب عليه قتله إن لم يندفع بدونه؛ لأنه يؤدي به حق الله تعالى من الكف عن الفاحشة، وحق نفسه بالمنع عن أهله، فلا يسعه إضاعة الحقين.
2 -
أن يكون الدفع عن نفسه أو عن غيره، فلا يخلو:
أ-أن يكون الدفع في غير فتنة: فالدفع واجب؛ لقوله تعالى: {ولا تلقوا
بأيديكم إلى التهلكة} [البقرة: 195]، وكما يحرم عليه قتل نفسه يحرم عليه إباحة قتلها، ولأنه قدر على إحياء نفسه فوجب عليه فعل ما يتقي به؛ كالمضطر للميتة.
وكذا الدفع عن نفس غيره إذا ظن سلامة نفسه فهو واجب؛ كإحياء نفس غيره ببذل طعامه له.
ب أن يكون الدفع في فتنة: فلا يجب الدفع عن نفسه؛ لحديث خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة: «فَإِنْ أَدْرَكْتَ ذَاكَ، فَكُنْ عَبْدَ اللهِ الْمَقْتُولَ، وَلَا تَكُنْ عَبْدَ اللهِ الْقَاتِلَ» [أحمد 21064]، ولأن عثمان رضي الله عنه ترك القتال على من بغى عليه مع القدرة عليه، ومنع غيره قتالهم، وصبر على ذلك، ولو لم يجز؛ لأنكر الصحابة عليه بذلك.
3 -
أن يكون الدفع عن ماله: فلا يلزمه الدفع عن ماله، ولا حفظه من الضياع والهلاك؛ لأنه يجوز بذله.
- مسألة: إن قتل رجلًا، وادعى أنه هجم عليه في منزله، وأنه لم يمكنه دفعه إلا بالقتل؛ لم يُقبل قوله بغير بينة؛ لأن البينة على المدعي.
واختار شيخ الإسلام: أن المقتول إن كان معروفًا بالفجور، والقاتل معروفاً بالبر؛ فالقول قول القاتل مع يمينه، لا سيما إذا كان معروفاً بالتعرض له قبل ذلك؛ لأن وجود البينة في مثل هذه الأحوال متعذر أو متعسر، ولا يمكن إصلاح الخلق إلا بهذا، ووافقه ابن عثيمين، وقال: يعمل بالقرائن.