الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في قتال أهل البغي
البغي: هو الجور، والظلم، والعدول عن الحق.
والمراد هنا: الظلمة الخارجون عن طاعة الإمام، المعتدون عليه.
والأصل في قتالهم: قوله تعالى: {فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله} [الحجرات: 9]، ولحديث عرفجة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ، يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ، أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ؛ فَاقْتُلُوهُ» [مسلم 1852].
- مسألة: الخارجون عن طاعة الإمام أربعة أصناف:
الأول: قوم امتنعوا من طاعته، وخرجوا عن قبضته بغير تأويل-أي: شبهة-، أو تأويل غير سائغ، فهؤلاء قطاع الطريق، وتقدم ذكرهم في الفصل قبله.
الثاني: قوم لهم تأويل، إلا أنهم نفر يسير لا قوة لهم؛ كالعشرة ونحوهم، وحكمهم حكم قطاع الطريق، لأنا لو أثبتنا للعدد اليسير حكم البغاة في سقوط ضمان ما أتلفوا؛ أفضى إلى إتلاف أموال الناس.
الثالث: الخوارج الذين يكفرون المسلم بالذنب، ويكفرون أهل الحق، وكثيرًا من الصحابة رضي الله عنهم، ويستحلون دماء المسلمين وأموالهم إلا من خرج
معهم: فهم فسقة باعتقادهم الفاسد، قال في المبدع:(تتعين استتابتهم، فإن تابوا وإلا قتلوا على إفسادهم لا على كفرهم).
وعنه، وصوبه المرداوي، واختاره ابن باز: أنهم كفار مرتدون، حكمهم حكم المرتدين؛ لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخوارج: «يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاتَهُ مَعَ صَلاتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، يَقْرَؤُونَ القُرْآنَ لا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ» [البخاري 3610، ومسلم 1064]، قال أحمد:(الخوارج كلاب النار، صح الحديث فيهم من عشرة أوجه).
الرابع: قوم من أهل الحق، بايعوا الإمام، وأرادوا عزله أو مخالفته، بتأويل سائغ، صواب أو خطأ، ولهم منعة وشوكة بحيث يحتاج في كفهم إلى جمع جيش، وهم البغاة المقصودون هنا.
فمن خرج على إمام ولو غير عدل، بأحد هذه الوجوه الأربعة باغياً: وجب قتاله؛ لما تقدم أول الفصل.
- مسألة: (وَالبُغَاةُ: ذُوُوا شَوْكَةٍ يَخْرُجُونَ عَلَى الإِمَامِ) ولو غير عدل، (بِتَأْوِيلٍ سَائِغٍ)، ولو لم يكن فيهم مطاع، أو كانوا في طرف ولايته، أو في موضع متوسط تحيط به ولايته، أو لا؛ لعموم الأدلة، (فَيَلْزَمُهُ) أي: الإمام:
1 -
(مُرَاسَلَتُهُمْ)، ويسألهم ما ينقمون منه؛ لأن ذلك طريق إلى الصلح، ووسيلة إلى الرجوع إلى الحق، وقد روي أن عليًّا رضي الله عنه راسل أهل البصرة قبل وقعة الجمل [الكامل لابن الأثير 3/ 236]، ولما اعتزلته الحرورية بعث إليهم ابن عباس رضي الله عنهما فواضعوه كتاب الله ثلاثة أيام، فرجع منهم عشرون ألفًا، وبقي منهم أربعة آلاف [عبدالرزاق 18678].
2 -
(وَ) يلزمه (إِزَالَةُ مَا يَدَّعُونَهُ مِنْ شُبْهَةٍ)؛ ليرجعوا إلى الحق، (وَ) إزالة ما يدعونه من (مَظْلَمَةٍ)؛ لأنه وسيلة إلى الصلح المأمور بقوله تعالى:{فأصلحوا بينهما} [الحجرات: 9]، فإن نقموا ما لا يحل فعله؛ أزاله، وإن نقموا ما يحل فعله لالتباس الأمر فيه عليهم فاعتقدوا مخالفته للحق؛ بين لهم دليله، وأظهر لهم وجهه؛ لما تقدم من بعث علي ابن عباس رضي الله عنهم إلى الخوارج يناظرهم ليزيل شبهتهم.
- فرع: لا يجوز قتالهم قبل ذلك؛ لأنه يفضي إلى القتل والهرج والمرج قبل دعاء الحاجة إليه، إلا أن يخاف شرهم؛ كالصائل إذا خاف أن يبدأه بالقتل.
- فرع: إن أبوا الرجوع؛ وعَظَهم وخوفهم بالقتال؛ لأن المقصود دفع شرهم لا قتلهم، (فَإِنْ فَاؤُوا) أي: رجعوا عن البغي وطلب القتال؛ تَرَكَهم الإمام، (وَإِلَّا) يفيئوا:(قَاتَلَهُمْ) إمام (قَادِرٌ)، وجوباً؛ لإجماع الصحابة على