الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في الاستثناء في الطلاق
الاستثناء: استفعال من الثَّنْي، وهو الرجوع.
واصطلاحًا: إخراج بعض الجملة بإلا، أو إحدى أخواتها.
- مسألة: يشترط لصحة الاستثناء في الطلاق أربعة شروط:
الشرط الأول: أن يستثني النصف فأقل، وأشار إليه بقوله:(وَيَصِحُّ) من زوج (اسْتِثْنَاءُ النِّصْفِ فَأَقَلَّ، مِنْ طَلَقَاتٍ، وَ) من (مُطَلَّقَاتٍ)؛ فإذا قال: أنت طالق طلقتين إلا واحدة؛ وقعت واحدة، أو قال: نسائي طوالق إلا فلانة؛ لم تطلق؛ وإنما صح الاستثناء لأنه كلام متصل أبان به أن المستثنى غير مراد بالأول؛ فصح.
ويصح الاستثناء ولو بالنصف؛ لقوله تعالى: (قم الليل إلا قليلاً نصفه أو انقص منه قليلاً).
وعلى هذا:
1 -
إن استثنى الكل، بطل الاستثناء، وحُكي إجماعاً، فإذا قال: أنت طالق ثلاثًا إلا ثلاثًا؛ طلقت ثلاثًا؛ لأن استثناء الكل رَفْع لما أوقعه، فلم يرتفع.
2 -
إن استثنى أكثر من النصف؛ لم يصح الاستثناء، فإذا قال: أنت
طالق ثلاثًا إلا اثنتين؛ طلقت ثلاثًا؛ لأن استثناء الأكثر كالكل؛ لأن الأكثر يقوم مقام الكل في مواضع كثيرة.
وقيل، واختاره الخلال وابن عثيمين: يصح استثناء الأكثر؛ لقوله تعالى: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين} [الحجر: 42]، والغاوون أكثر؛ لقوله تعالى:(وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين)، ولأنه كالتخصيص بالشرط، وهو جائز بأكثر من النصف اتفاقاً، ولأن المدار على المعنى، وإن كان ذلك ليس من فصيح لسان العرب، إلا أنه معقول المعنى.
(وَ) الثاني: (شُرِطَ: تَلَفُّظٌ) بالمستثنى، فلو استثنى بقلبه لم ينفعه الاستثناء، إلا ما يأتي.
(وَ) الشرط الثالث: (اتِّصَالٌ مُعْتَادٌ)، إما لفظًا: بأن يأتي به متواليًا، أو حكمًا: كانقطاعه بتنفس، وسعال وعطاس، فلو انفصل وأمكن الكلام دونه؛ بطل الاستثناء (1)؛ لقوله تعالى:(خذ بيدك ضغثاً فاضرب به ولا تحنث)، ولو صح الاستثناء بعد انفصاله عن الكلام لأرشد الله تعالى إليه، وقال أحمد: (حديث النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن سَمُرة رضي الله عنه: «إِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ» [البخاري 6622، ومسلم
(1) نقل في الكشاف عند هذا الشرط قول الطوفي: (قال الطوفي: فلا يبطله الفصل اليسير عرفاً)، فأوهم أنه المذهب، وإنما هي رواية أخرى في المذهب.
1652] ولم يقل: واستثن)، ولأن الاتصال يجعل اللفظ جملة واحدة، فلا يقع الطلاق قبل تمامها، بخلاف غير المتصل، فإنه لفظ يقتضي رفع ما وقع بالأول، والطلاق إذا وقع لا يمكن رفعه.
وعنه، واختاره شيخ الإسلام: لا يضر فصل يسير بكلام أو سكوت؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: «قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عليهما السلام: لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ بِمِائَةِ امْرَأَةٍ، تَلِدُ كُلُّ امْرَأَةٍ غُلَامًا يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَقَالَ لَهُ المَلَكُ: قُلْ إِنْ شَاءَ اللهُ، فَلَمْ يَقُلْ وَنَسِيَ، فَأَطَافَ بِهِنَّ، وَلَمْ تَلِدْ مِنْهُنَّ إِلَّا امْرَأَةٌ نِصْفَ إِنْسَانٍ» ، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«لَوْ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَكَانَ أَرْجَى لِحَاجَتِهِ» [البخاري 5242، مسلم 1654].
(وَ) الشرط الرابع: (نِيَّتُهُ) للاستثناء (قَبْلَ تَمَامِ مُسْتَثْنىً مِنْهُ)، فقوله: أنت طالق ثلاثًا إلا واحدة، لا يعتد بالاستثناء إلا إن نواه قبل تمام قوله: أنت طالق ثلاثًا؛ لأنها صوارف للفظ عن مقتضاه؛ فوجب مقارنتها لفظاً ونية.
واختار شيخ الإسلام: ينفعه الاستثناء، ولو لم ينوه إلا بعد فراغه من كلامه، وقال:(دل عليه كلام الإمام أحمد)؛ لحديث أبي هريرة السابق في قصة سليمان عليه السلام.
- مسألة: (وَيَصِحُّ) أن يستثني (بِقَلْبِ) ـه النصفَ فأقل (مِنْ) عدد (مُطَلَّقَاتٍ)، ولا يخلو ذلك من حالين:
1 -
أن يذكر ذلك بلفظ عام بدون عدد؛ كأن يقول من له أربع نسوة: