الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(كِتَابُ الجِنَايَاتِ)
جمع جناية، وهي لغة: التعدي على بدن أو مال أو عرض.
واصطلاحًا: التعدي على البدن بما يوجب قصاصًا أو مالًا أو كفارة.
وأجمعوا على تحريم القتل بغير حق، وهو ذنب كبير؛ لقوله تعالى:{ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها} الآية [النساء: 93].
- مسألة: (القَتْلُ)، وهو فعل ما يكون سببًا لزهوق النفس، وهو مفارقة الروح البدن، ثلاثة أضرب:
الأول: (عَمْدٌ)؛ لقوله تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ).
(وَ) الثاني: (شِبْهُ عَمْدٍ)؛ لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَلَا إِنَّ دِيَةَ الْخَطَإِ شِبْهِ الْعَمْدِ مَا كَانَ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا مِائَةٌ مِنَ الإِبِلِ: مِنْهَا أَرْبَعُونَ فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا» [أبوداود 4588، والنسائي 4800، وابن ماجه 2627]، وورد عن عمر وعلي رضي الله عنهما [أبوداود 4550 - 4551].
(وَ) الثالث: (خَطَأٌ)؛ لقوله تعالى: (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا).
(فَـ) الضرب الأول: القتل (العَمْدُ، يَخْتَصُّ القَوَدُ بِهِ)، فلا يثبت في غيره إجماعاً، والقود: قتل القاتل بمن قتله، مأخوذ من قَوَدِ الدابة؛ لأنه يُقاد إلى القتل بمن قتله.
- فرع: (وَهُوَ) أي: القتل العمد: (أَنْ يَقْصِدَ مَنْ يَعْلَمُهُ آدَمِيًّا مَعْصُوماً، فَيَقْتُلَهُ بِمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مَوْتُهُ بِهِ)، فلا قصاص فيما يلي:
- إن لم يقصد قتله؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً: «إِنَّ الله وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» [ابن ماجه: 2045].
- أو قصد غير معصوم؛ لأن القصاص شرع لحفظ الدماء المعصومة، وهذا معدوم في غير المعصومة.
- ولا بما لا يقتل غالبًا؛ لأن حصول القتل بما لا يغلب على الظن موته به يكون وقوع الموت عنده اتفاقاً لسبب أوجب الموت غيره.
- فرع: العمد الذي يختص به القود له تسع صور بالاستقراء، أشار إلى بعضها بقوله:(كَجَرْحِهِ بِمَا لَهُ نُفُوذٌ فِي البَدَنِ)؛ من حديد؛ كسكين وحربة وسيف، أو من غير الحديد؛ كشوكة وخشب وقصب، فلو جرحه جرحاً
كبيراً؛ فمات، فهو عمد، بغير خلاف نعلمه، قاله في المبدع.
(وَ) كـ (ضَرْبِهِ بِـ) بمثَقَّل كبير؛ كـ (حَجَرٍ كَبِيرٍ)؛ لحديث أنس رضي الله عنه: «أَنَّ يَهُودِيًّا رَضَّ رَأْسَ جَارِيَةٍ بَيْنَ حَجَرَيْنِ، قِيلَ: مَنْ فَعَلَ هَذَا بِكِ، أَفُلانٌ، أَفُلانٌ؟ حَتَّى سُمِّيَ اليَهُودِيُّ، فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا، فَأُخِذَ اليَهُودِيُّ، فَاعْتَرَفَ، فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَرُضَّ رَأْسُهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ» [البخاري 2413، ومسلم 1672]، ولو كان ذلك في غير مقتل؛ لأنه يقتل غالبًا، فيتناوله عموم قوله تعالى:{كتب عليكم القصاص في القتلى} [البقرة: 178].
فإن كان الحجر صغيرًا فليس بعمد؛ لأنه لا يقتل غالباً، وفيه الدية؛ لأنه قتلٌ شبه عمد، إلا إن كان في مقتل، أو في حال ضعف قوةٍ؛ من مرض، أو صغر، أو كبر، أو حر مفرط، أو برد شديد ونحوه، فمات فعليه القود؛ لأن ذلك الفعل يقتل غالبًا.
(وَ) الضرب الثاني: القتل (شِبْهُ العَمْدِ)، ويسمى: خطأ العمد، وعمد الخطأ؛ لاجتماعهما فيه، وهو:(أَنْ يَقْصِدَ جِنَايَةً لَا تَقْتُلُ غَالِباً، وَلَمْ يَجْرَحْهُ بِهَا) أي: بالجناية؛ (كَضَرْبٍ بِسَوْطٍ، أَوْ عَصاً)، أو حجر صغير، ونحوه، ويترتب عليه أمور:
1 -
أنه لا قصاص فيه إجماعاً؛ لحديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما مرفوعاً: «عَقْلُ شِبْهِ الْعَمْدِ مُغَلَّظٌ مِثْلُ عَقْلِ الْعَمْدِ» [أحمد 6718، وأبو داود 4565].
2 -
أن فيه الكفارة من مال الجاني؛ لقوله تعالى: (ومن قتل مؤمنا خطا فتحرير رقبة) الآية، والخطأ موجود في هذه الصور؛ أنه لم يقصد قتله بذلك الفعل.
3 -
أن فيه الدية المغلظة، ويأتي بيانها.
(وَ) الضرب الثالث: القتل (الخَطَأُ)، وهو نوعان:
النوع الأول: خطأ في الفعل: بـ (أَنْ يَفْعَلَ مَا لَهُ فِعْلُهُ؛ كَرَمْيِ صَيْدٍ وَنَحْوِهِ)؛ كغرض، أو ينقلب وهو نائم على إنسان فيموت، (فَيُصِيبَ آدَمِيًّا) معصوماً لم يقصده.
والنوع الثاني: خطأ في القصد، وهو قسمان:
1 -
أن يرمي ما يظنه صيدًا، أو هدفًا، أو مباح الدم؛ فيصيب آدميًّا لم يقصده.
2 -
أن يقتل في دار الحرب من يظنه حربيًّا فيتبين أنه مسلم، أو يرمي إلى صف الكفار فيصيب مسلمًا لم يقصده، أو يتترس الكفار بمسلم، ويخاف على المسلمين إن لم يرمهم، فيرميهم فيقتل المسلم؛ لوروده عن