الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كالوطء المباح، وكما لو وطئها وقد ضاق وقت الصلاة، أو وطئها مريضة يضرها الوطء.
- فرع: (أَوْ) وطئها في (رِدَّةٍ) من الزوج الثاني أو منها؛ لم يحلها؛ لأنه إن لم يُسْلِم الزوج الثاني في العدة؛ لم يصادف الوطء نكاحًا، وإن عاد إلى الإسلام؛ فقد وقع الوطء في نكاح غير تام؛ لانعقاد سبب البينونة.
(فَصْلٌ) في الإيلاء
بالمدِّ، أي: الحلِفِ، مصدرُ: آلَى يُولِي، والألِيَّةُ اليمينُ.
- مسألة: (وَالإِيلَاءُ حَرَامٌ)؛ لأنه يمين على ترك واجب، ولما فيه من الإضرار بالمرأة بترك معاشرتها بالمعروف.
والأصل فيه قوله تعالى: {للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر} الآية [البقرة: 226]، وكان أُبَي بن كعب، وابن عباس رضي الله عنهم، يقرآن {يقسمون} مكان {يؤلون} ، وكان أهل الجاهلية إذا طلب الرجل من امرأته شيئًا فأبت أن تعطيه، حلف أن لا يقربها السنة والسنتين والثلاث، فيدعها لا أيمًا ولا ذات بعل، فلما كان الإسلام جعل الله ذلك للمسلمين أربعة أشهر.
- مسألة: (وَ) الإيلاء شرعًا: (هُوَ حَلِفُ زَوْجٍ)، فلا يصح من غيره، (عَاقِلٍ)، فلا يصح من مجنون، (يُمْكِنُهُ الوَطْءُ)، فلا يصح من عاجز عنه لنحو جَبٍّ أو شَلَلٍ، (بِاللهِ) تعالى، (أَوْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ)؛ كعزة الله، وقدرة الله، (عَلَى تَرْكِ وَطْءِ زَوْجَتِهِ)، لا أمته، أو أجنبية، (المُمْكِنِ) جماعها، لا نحو رتقاء، (فِي قُبُلٍ) لا دبرٍ، ولا ما دون الفرج، (أَبَداً، أَوْ مُطْلَقاً، أَوْ فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) مصرحًا بها، أو ينويها، بأن يحلف أن لا يطأها وينوي فوق أربعة أشهر.
- فرع: يشترط في الإيلاء أربعة شروط:
الشرط الأول: أن يحلف الزوج على ترك وطء زوجته في القبل، وعلى هذا فلا يكون موليًا:
- إن ترك الوطء بغير يمين؛ لظاهر الآية، ويأتي.
- ولا إن حلف على ترك وطء أمته أو أجنبية؛ لظاهر قوله: (يؤلون من نسائهم)، والأمة من ماله وليست من نسائه.
- ولا إن حلف على ترك وطء الدبر، ولا ما دون الفرج؛ لأنه لم يترك الوطء الواجب عليه، ولا تتضرر المرأة بتركه.
الشرط الثاني: أن يحلف بالله تعالى، أو بصفة من صفاته، ولا خلاف أن الحلف بذلك إيلاء؛ لقوله تعالى:{فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم} [البقرة: 226]، والغفران إنما يدخل اليمين بالله تعالى.
فإن حلف على ترك الوطء بنذر، أو عتق، أو طلاق، أو تحريم مباح، ونحوه؛ كما لو قال: علي الطلاق أن لا أطأ زوجتي مدة سنة، أو قال: إن وطئت زوجتي قبل سنة فرقيقي حر، ونحو ذلك؛ فليس بمول؛ لأنه لم يحلف بالله تعالى أشبه ما لو حلف بالكعبة، ولأن هذا تعليق بشرط، ولهذا لا يؤتى فيه بحرف القسم، ولا يجاب بجوابه، ولا ذكره أهل العربية في باب القسم، وإنما يسمى حلفًا تجوزًا؛ لمشاركته القسم في الحث على الفعل أو المنع منه.
واختار ابن القيم وابن عثيمين: أنه يكون موليًا بذلك؛ لأن اليمين بالطلاق ونحوه يمين مكفرة، قال شيخ الإسلام:(القول بأنه يمين مكفرة هو مقتضى المنقول عن الصحابة في الحلف بالعتق، بل بطريق الأولى؛ فإنهم إذا أفتوا من قال: "إن لم أفعل كذا فكل مملوك لي حر"، بأنه يمين تكفر، فالحالف بالطلاق أولى).
الشرط الثالث: أن يحلف على ترك الوطء أكثر من أربعة أشهر؛ لظاهر الآية، ولقول ابن عباس رضي الله عنهما:«كَانَ إِيلَاءُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَوَقَّتَ اللهُ عز وجل لَهُمْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَمَنْ كَانَ إِيلَاؤُهُ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلَيْسَ بِإِيلَاءٍ» [البيهقي: 15238].
فإذا حلف على أربعة أشهر فما دونها فلا معنى للتربص؛ لأن مدة الإيلاء تنقضي قبل ذلك أو مع انقضائه، وتقدير التربص بأربعة أشهر يقتضي كونه في مدة يتناولها الإيلاء.
الشرط الرابع: أن يكون من زوج عاقل يُمكنه الوطء، وعلى هذا فلا يكون إيلاء:
- إن كان الإيلاء من أجنبي؛ لظاهرة الآية.
- ولا إن كان الزوج لا يمكنه الوطء لجَبٍّ ونحوه؛ لأن الإيلاء هي اليمين المانعة من الجماع، ويمين من لا يُمكنه لا تَمنعه، بل فعل ذلك متعذر منه.
- ولا إن كان الزوج مجنونًا أو مغمىً عليه أو غير مميز؛ لعدم وجود القصد منهم، واليمين تحتاج إلى القصد.
- مسألة: فإذا صح الإيلاء لاجتماع شروطه السابقة، ضربت للمولي مدة أربعة أشهر من حين اليمين، ولا يطالب بالوطء فيهن؛ لقوله تعالى:{للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر} [البقرة: 226]، (فَمَتَى مَضَى أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ مِنْ يَمِينِهِ، وَلَمْ يُجَامِعْ فِيهَا، بِلَا عُذْرٍ)، ولم تُعفِه زوجته من ذلك، فإن أعفته سقط حقها؛ لأن الحق لها وقد أسقطته:
1 -
(أُمِرَ بِهِ) أي: أمره الحاكم بالجماع، فإن وطئ بتغييب الحشفة أو قدرها عند عدمها في الفرج فقد فاء؛ لأن الفيئة الجماع وقد أتى به.
2 -
(فَإِنْ أَبَى) المُولي الفيئة (أُمِرَ بِالطَّلَاقِ) أي: أمره الحاكم بالطلاق، إن طلبت الزوجة ذلك؛ لقوله تعالى:{فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} ، ومن امتنع من بذل ما وجب عليه لم يمسك بمعروف، فيؤمر بتسريح بإحسان.
ولا تطلق بمجرد مضي المدة؛ لظاهر قوله تعالى: {فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم} ، فإن الفاء للتعقيب، ثم قال:(وإن عزموا الطلاق)، فلو وقع بمضي المدة لم يحتج إلى عزم عليه، وقوله:(سميع عليم)، يقتضي أن الطلاق مسموع، ولا يكون المسموع إلا كلامًا، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: إِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ: يُوقَفُ حَتَّى يُطَلِّقَ، وَلا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلاقُ حَتَّى يُطَلِّقَ [البخاري: 5290]، قال البخاري: (ويذكر ذلك عن: عثمان، وعلي، وأبي الدرداء، وعائشة، واثني عشر رجلًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم، وقال أحمد: (قال ذلك: عمر، وعثمان، وعلي، وابن عمر رضي الله عنهم.
3 -
(فَإِنِ امْتَنَعَ) المُولي أن يفيء أو يطلق؛ (طَلَّقَ عَلَيْهِ حَاكِمٌ) إن طلبت الزوجة ذلك؛ لأنه حق تعيَّن مُستحِقُّه فدخلته النيابة؛ كقضاء الدين.
فيطلق عليه الحاكم إما طلقة واحدة، أو ثلاثًا، أو يفسخ؛ لأن الحاكم قائم مقام الزوج، فملك ما يملكه، والخِيَرة في ذلك للحاكم يفعل ما فيه المصلحة.
وقال البهوتي: (تقدم أن إيقاع الثلاث بكلمة واحدة محرم، فهنا أولى)، ووافقه ابن عثيمين، وقال:(وإن طلق ثلاثًا فالثلاث واحدة، وعليه فلا يملك الحاكم الطلاق الثلاث؛ لأنها لن تفيد زيادة بينونة).
- مسألة: (وَيَجِبُ) على المولي (بِوَطْئِهِ) زوجته؛ (كَفَّارَةُ يَمِينٍ)؛ لحنثه، وتنحل يمينه؛ لأنه فعل ما حلف على تركه، فانحلت يمينه به.
- مسألة: (وَتَارِكُ الوَطْءِ) أي: إن ترك الزوج وطء زوجته بلا يمين، على قسمين:
القسم الأول: إذا كان بغير قصد المضارَّة: فلا يُحكم له بحكم الإيلاء؛ لأن حكم الإيلاء شرع لإزالة الضرر عن المرأة، ولذلك لا يطالب بالفيئة والطلاق إلا بطلبها، فإن لم يكن ضرر لم يأخذ حكمه.
قال ابن عقيل: متى حصل إضرارها بامتناعه من الوطء -وإن كان ذاهلًا عن قصد الإضرار - تضرب له المدة.
القسم الثاني: أن يكون ترك الوطء (ضِرَاراً) بها، وكان (بِلَا عُذْرٍ) له على ترك الوطء، من مرض أو حبس ونحوهما؛ لأن الوطء غير واجب حينئذ: فهو (كَمُولٍ)، تضرب له مدة الإيلاء، ويحكم له بحكمه؛ لأنه تارك لوطئها إضرارًا بها، أشبه المولي.