المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل فيما يلحق من النسب - الدلائل والإشارات على أخصر المختصرات - جـ ٣

[عبد العزيز العيدان]

فهرس الكتاب

- ‌(كِتَابُ النِّكَاحِ)

- ‌(فَصْلٌ) في أركان النكاح

- ‌فصل في شروط النكاح

- ‌(فَصْلٌ) في المحرمات في النكاح

- ‌فصل

- ‌(فَصْلٌ) في الشروط في النكاح

- ‌(فَصْلٌ) في العيوب في النكاح

- ‌فصل في نكاح الكفار، وما يتعلق به

- ‌فصل في التفويض وغيره

- ‌(فَصْلٌ) في وليمة العرس

- ‌(فَصْلٌ) في عشرة النساء

- ‌فصل في أحكام الجماع والمبيت

- ‌فصل في القَسْم

- ‌فصل في النشوز

- ‌فصل في تعليق طلاقها أو خلعها أو تنجيزه

- ‌(كِتَابُ الطَّلَاقِ)

- ‌فصل في سنة الطلاق وبدعته

- ‌فصل في صريح الطلاق وكنايته

- ‌فصل

- ‌فصل فيما يختلف به عدد الطلاق

- ‌فصل في الاستثناء في الطلاق

- ‌فصل

- ‌(فَصْلٌ) في تعليق الطلاق بالشروط

- ‌فصل في تعليق الطلاق بالكلام، والإذن، ونحو ذلك

- ‌فصل في تعليق الطلاق بالمشيئة

- ‌فصل في مسائل متفرقة

- ‌فصل في التأويل في الحلف بالطلاق أو غيره

- ‌فصل في الشك في الطلاق

- ‌(فَصْلٌ) في الرجعة

- ‌فصل

- ‌(فَصْلٌ) في الإيلاء

- ‌(فَصْلٌ) في الظهار

- ‌فصل في كفارة الظهار

- ‌(فَصْلٌ) في اللعان

- ‌فصل فيما يلحق من النسب

- ‌فصل في الإحداد

- ‌فصل في الاستبراء

- ‌(فَصْلٌ) في الرضاع

- ‌فصل

- ‌(فَصْلٌ)في نفقة الأقارب، والمماليك، والبهائم

- ‌(فَصْلٌ) في الحضانة

- ‌فصل في تخيير المحضون بين أبويه

- ‌(كِتَابُ الجِنَايَاتِ)

- ‌فصل

- ‌(فَصْلٌ) في شروط وجوب القصاص

- ‌فصل في استيفاء القصاص

- ‌(فَصْلٌ) في العفو عن القصاص

- ‌فصل فيما يوجب القصاص فيما دون النفس

- ‌(فَصْلٌ) في الديات

- ‌فصل

- ‌(فَصْلٌ) في مقادير ديات النفس

- ‌(فَصْلٌ) في دية الأعضاء ومنافعها

- ‌فصل في دية المنافع

- ‌فصل في الشِّجاج

- ‌(فَصْلٌ) في العاقلة

- ‌فصل في كفارة القتل

- ‌فصل في القَسَامة

- ‌(كِتَابُ الحُدُودِ)

- ‌فصل في حد الزنى

- ‌فصل في حد القذف

- ‌فصل في التعزير

- ‌(فَصْلٌ) في حد المسكر

- ‌(فَصْلٌ) القطع في السرقة

- ‌(فَصْلٌ) في حد قطَّاع الطريق

- ‌فصل في دفع الصائل

- ‌فصل في قتال أهل البغي

- ‌(فَصْلٌ) في حكم المرتد

- ‌(فَصْلٌ) في الأطعمة

- ‌(فَصْلٌ) في الذكاة

- ‌(فَصْلٌ) في الصيد

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌فصل في كفارة اليمين

- ‌فصل جامع الأيمان

- ‌(فَصْلٌ) في النذر

- ‌(كِتَابُ القَضَاءِ)

- ‌فصل في آداب القاضي

- ‌(فَصْلٌ) في طريق الحكم وصفته

- ‌فصل في كتاب القاضي إلى القاضي

- ‌(فَصْلٌ) في القسمة

- ‌(كِتَابُ الشَّهَادَاتِ)

- ‌فصل في شروط من تقبل شهادته

- ‌فصل في موانع الشهادة

- ‌(فَصْلٌ) أقسام المشهود به

- ‌(فَصْلٌ) في الشهادة على الشهادة

- ‌(كِتَابُ الإِقْرَارِ)

- ‌فصل فيما يحصل به الإقرار

- ‌فصل فيما إذا وصل بإقراره ما يغيِّره

- ‌فصل في الإقرار بالمجمل

الفصل: ‌فصل فيما يلحق من النسب

ب) ألا يستبرئها: فإن نفاه في اللعان انتفى، وإلا لحق به؛ لأنه أمكن كونه منه.

‌فصل فيما يلحق من النسب

- مسألة: (وَمَنْ أَتَتْ زَوْجَتُهُ بِوَلَدٍ بَعْدَ نِصْفِ سَنَةٍ) أي: بعد ستة أشهر هلالية، (مُنْذُ أَمْكَنَ اجْتِمَاعُهُ بِهَا)، ولو مع غيبة فوق أربع سنين، (أَوْ) أتت به (لِدُونِ أَرْبَعِ سِنِينَ مُنْذُ أَبَانَهَا) زوجها، (وَلَوْ) كان الزوج (ابْنَ عَشْرِ) سنين فيما إذا أتت به لدون ستة أشهر منذ أمكن اجتماعه بها، أو لدون أربع سنين منذ أبانها؛ (لَحِقَهُ نَسَبُهُ) وإن لم يتحقق الدخول؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الوَلَدُ لِلفِرَاشِ» [البخاري: 2053، ومسلم: 1457]، ولإمكان كونه منه؛ حفظًا للنسب احتياطًا.

وقدرنا بعشر سنين فما زاد؛ لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي المَضَاجِعِ» [أحمد: 6756، وأبو داود: 495]، فأَمْرُه بالتفريق دليل على إمكان الوطء الذي هو سبب الولادة.

وعلى هذا:

ص: 224

- إن ولدته لدون نصف سنة منذ تزوجها وعاش الولد؛ لم يلحقه نسبه؛ لأنها مدة لا يمكن أن تحمل وتلد فيها، فعلم أنها كانت حاملة قبل تزوجها.

- إن ولدته لأكثر من أربع سنين منذ أبانها؛ لم يلحقه نسبه؛ لأنا علمنا أنها حملت به بعد بينونتها.

- إن عُلم أنه لم يجتمع بها، بأن تزوجها بحضرة حاكم أو غيره ثم أبانها، أو مات في المجلس؛ للعلم بأنه ليس منه، أو يتزوجها بينهما مسافة بعيدة لا يقطعها في المدة التي ولدت فيها؛ لم يلحقه نسبه؛ لأنه لم يحصل إمكان الوطء في هذا العقد.

- إن كان الزوج صبيًّا له دون عشر سنين؛ لم يلحقه نسب؛ لأنه لم يُعهَد بلوغ قبلها.

واختار شيخ الإسلام وابن القيم: أنه لا تصير المرأة فراشًا ولا يلحق به الولد إلا بالدخول؛ لأن المرأة لا تكون فراشًا في العرف ولا في اللغة قبل البناء بها، قال ابن القيم:(قال شيخ الإسلام: إن أحمد أشار إليه في رواية حرب، فإنه نصَّ في روايته فيمن طلَّق قبل البناء، وأتت امرأته بولد فأنكره، أنه ينتفي عنه بغير لعان)، ثم قال ابن القيم:(وهذا الذي نص عليه في رواية حرب هو الذي تقتضيه قواعده وأصول مذهبه).

- فرع: (وَ) مع لحوق النسب بابن عشر فأكثر؛ فـ (لَا يُحْكَمُ بِبُلُوغِهِ) أي: ابن عشر سنين فأكثر، (مَعَ شَكٍّ فِيهِ) أي: في بلوغه؛ لأن الأصل

ص: 225

عدمه، ولأن الحكم بالبلوغ يستدعي يقينًا تَرتُّب الأحكام عليه من التكاليف، ووجوب الغرامات، فلا يحكم به مع الشك، وإنما ألحقنا الولد به؛ احتياطًا، حفظًا للنسب.

- مسألة: (وَمَنْ أَعْتَقَ، أَوْ بَاعَ مَنْ) أي: أمةً (أَقَرَّ بِوَطْئِهَا) في الفرج أو دونه؛ لأنه قد يجامِع في غير الفرج، فيسبِقُ الماء إلى الفرج؛ (فَوَلَدَتْ لِدُونِ نِصْفِ سَنَةٍ) منذ أعتقها أو باعها؛ (لَحِقَهُ) أي: البائعَ أو المعتِق نَسَبُ ما ولدته، وإن ادعى العزل أو عدم الإنزال؛ لحديث عائشة السابق:«الوَلَدُ لِلفِرَاشِ» ، ولما صح عن عمر رضي الله عنه أنه قال:«لَا تَأْتِينِي وَلِيدَةٌ يَعْتَرِفُ سَيِّدُهَا أَنْ قَدْ أَلَمَّ بِهَا، إِلَّا أَلحَقْتُ بِهِ وَلَدَهَا، فَاعْزِلُوا بَعْدُ، أَوِ اتْرُكُوا» [مالك: 24]، وتصير به الأمة أم ولد؛ لكونها حملت به في ملكه، (والبَيْعُ بَاطِلٌ)، لأنها صارت أم ولد.

إلا أن يدعي الاستبراء بعد الوطء بحيضة؛ فلا يلحقه؛ لأنه بالاستبراء يُتيقَّن براءة رحمها.

ص: 226

(بَابُ العِدَدِ)

بكسر العين، واحدها: عدة، وهي مأخوذة من العدد؛ لأن أزمنة العدة محصورة مقدرة بعدد الأزمان والأحوال؛ كالحيض والأشهر.

وشرعًا: التربص المحدود شرعاً.

وأجمعوا على وجوبها، للكتاب والسنة في الجملة، ويأتي في مواضعه.

والقصد منها: استبراء رحم المرأة من الحمل؛ لئلا يطأها غير المفارق لها قبل العلم، فيحصل الاشتباه وتضيع الأنساب.

- مسألة: (لَا عِدَّةَ فِي فُرْقَةِ) زوج (حَيٍّ قَبْلَ وَطْءٍ، وَ) قبل (خَلْوَةٍ)، إجماعًا؛ لقوله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها} [الأحزاب: 49]، ولأن العدة إنما وجبت في الأصل لبراءة الرحم، وهي متيقنة هنا.

فخرج بذلك:

1 -

فرقة الوفاة، فتجب بها العدة مطلقاً، ويأتي.

2 -

فرقة الحي بعد الوطء، بلا خلاف؛ لمفهوم الآية السابقة.

ص: 227

3 -

فرقة الحي بعد الخلوة -ولو لم يَمَسَّها-؛ فتوجب العدة؛ للآية السابقة، ولقول زُرارة بن أوْفَى:«قَضَى الخُلَفَاءُ المَهْدِيُّونَ الرَّاشِدُونَ أَنَّهُ مَنْ أَغْلَقَ بَابًا، أَوْ أَرْخَى سِتْرًا، فَقَدْ وَجَبَ المَهْرُ، وَوَجَبَتِ العِدَّةُ» [ابن أبي شيبة 16695]، وهذه قضية اشتهرت ولم تنكر، فكانت كالإجماع، وضعف أحمد ما روي خلافه.

- فرع: لا تجب العِدَّة بالقُبلة واللمس من غير خلوة؛ لأن العدة في الأصل إنما وجبت لبراءة الرحم، وهي متيقنة، خولف في الخلوة؛ لآثار الصحابة.

- مسألة: (وَشُرِطَ) في وجوب عدَّةٍ (لِوَطْءٍ) وخلوة: (كَوْنُهَا) أي: الموطوءة (يُوطَأُ مِثْلُهَا)؛ كبنت تسع، (وَكَوْنُهُ) أي: الواطئ (يَلْحَقُ بِهِ الوَلَدُ)؛ كابن عشر، فإن وُطِئت بنت دون تسع، أو وَطِئَ ابنٌ دون عشر؛ فلا عدة لذلك الوطء؛ لتيقن براءة الرحم من الحمل.

قال ابن عثيمين: وفي النفس منها شيء؛ لقوله تعالى: {من قبل أن تمسوهن} ، فعلق الحكم بالمسيس، وهذا الصبي قد مس وهو زوج، وكوننا نقول:(لا يولد لمثله) ليست هذه هي العلة، ولهذا لو كان عنينًا وجامعها، بل لو خلا بها فعليها العدة.

- مسألة: (وَ) شُرِط في وجوب عدَّةٍ (لِخَلْوَةٍ) شروط، وهي:

ص: 228

1 -

(مُطَاوَعَتُهَا) أي: الزوجة، فإن خلا بها مكرهة على الخلوة فلا عدة؛ لأن الخلوة إنما أقيمت مقام الوطء لأنها مظنته، ولا تكون كذلك إلا مع التمكين.

واختار ابن عثيمين: أنه لا يشترط مطاوعتها؛ لأن الرجل إذا خلا بالمرأة فهو مظنة الجماع، سواء كانت مطاوِعة أو غير مطاوِعة.

2 -

(وَعِلْمُهُ) أي: علم الزوج (بِهَا) أي: بالزوجة، فلو خلا بها أعمى لا يبصر، ولم يعلم بها، أو تركت بمَخْدَع من البيت بحيث لا يراها البصير ولم يعلم بها الزوج؛ فلا عدة؛ لعدم التمكين الموجب للعدة.

3 -

كون الموطوءة يوطأ مثلها، وكون الواطئ يلحق به ولد، كما في الوطء وأولى.

فحيث وجدت شروط الخلوة؛ وجبت العدة؛ لقضاء الخلفاء بذلك كما تقدم، (وَلَوْ مَعَ مَانِعٍ) شرعي؛ كإحرام، وصوم، وحيض، أو حسي؛ كجَبٍّ، وعُنَّة، ورَتَق؛ إناطةً للحكم بمجرد الخلوة التي هي مظنة الإصابة دون حقيقتها.

- مسألة: (وَتَلْزَمُ) العدة (لِوَفَاةٍ مُطْلَقاً)، كبيرًا كان الزوج أو صغيرًا، يمكنه وطء أو لا، خلا بها أو لا، كبيرة كانت الزوجة أو صغيرة؛ لعموم قوله تعالى:{والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} [البقرة: 234].

ص: 229

- مسألة: (وَالمُعْتَدَّاتُ سِتٌّ):

الأولى: (الحَامِلُ، وَعِدَّتُهَا مُطْلَقاً) من موت أو طلاق أو فسخ، حرة كانت أو أمة، مسلمة أو كافرة:(إِلَى وَضْعِ كُلِّ حَمْلٍ)، واحداً كان أو أكثر؛ لعموم قوله تعالى:{وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} [الطلاق: 4]، وآية الاعتداد بالحمل متأخرة عن آية الاعتداد بالأشهر، قال ابن مسعود رضي الله عنه:«مَنْ شَاءَ لَاعَنْتُهُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ الَّتِي فِي سُورَةِ النِّسَاءِ الْقُصْرَى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] نَزَلَتْ بَعْدَ الْآيَةِ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوَنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ}» [عبد الرزاق 11714]، والخاص مقدم على العام.

فلو ظهر بعض الولد فهي في عدة حتى ينفصل باقيه إن كان واحداً، وباقي الأخير إن كان أكثر من واحد؛ لقول علي وابن عباس رضي الله عنهم:«إِذَا وَضَعَتْ وَلَدًا، وَبَقِيَ فِي بَطْنِهَا وَلَدٌ، فَهُوَ أَحَقُّ بِرَجْعَتِهَا مَا لَمْ تَضَعِ الآخَرَ» [ابن أبي شيبة 4/ 151]، ولأن بقاء بعض الحمل يوجب بقاء العدة؛ لأنها لم تضع حملها بل بعضه.

ص: 230

- فرع: لا تنقضي عدة حامل إلا بوضع (ما تَصِيرُ بِهِ أَمَةٌ أُمَّ وَلَدٍ (1)،

وهو ما تبَيَّن فيه شيء من خلق الإنسان؛ كرأس ورجل، ولو خفيًّا، فتنقضي به العدة إجماعًا، حكاه ابن المنذر؛ لأنه عُلِم أنه حمل، فيدخل في عموم النص.

وعلى هذا:

1 -

إذا ألقت نطفة أو دمًا أو علقة: لم يتعلق به شيء من الأحكام؛ لأنه لم يثبت أنه ولد بالمشاهدة ولا بالبينة.

2 -

إذا وضعت مضغة لا يتبين فيها خلق الإنسان: لم تنقضِ به العدة؛ لأنه لم يصر ولدًا، أشبه العلقة، ولو ذكر ثقات من النساء: أنه مبدأ خلق آدمي؛ لأنه مشكوك في كونه ولداً، فلم يحكم بانقضاء العدة المتيقنة بأمر مشكوك فيه.

3 -

إذا وضعت مضغة لم يظهر فيها الخلق، فشهدت ثقات من القوابل

(1) قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع (13/ 337): (وقوله: «بما تصير به أمة أم ولد» لماذا لم يقل: إلى وضع كل الحمل إذا كان مخلقاً؛ مع أن هذا أقرب إلى الفهم من قوله: «بما تصير به أمة أم ولد» ؟ الجواب على هذا:

أولاً: أن الفقهاء رحمهم الله يتناقلون العبارات، فتجد هذه العبارة تكلم بها أول واحد، وتبعه الناس.

ثانياً: من أجل أن ترتبط العلوم بعضها ببعض، فأنت إذا قرأت:«بما تصير به أمة أم ولد» لزمك أن تراجع ما تصير به أمة أم ولد، فترتبط العلوم بعضها ببعض.).

ص: 231

أن فيها صورة خفية، بَان بها أنها خلقة آدمي: فتنقضي به العدة؛ لأنه حمل، فيدخل في عموم النص.

- فرع: أقل ما يتبين به خلق الولد: أحد وثمانون يومًا؛ لحديث ابن مسعود رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، وَيُقَالُ لَهُ: اكْتُبْ عَمَلَهُ، وَرِزْقَهُ، وَأَجَلَهُ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ» [البخاري 3208، ومسلم 2643]، والعدة لا تنقضي بما دون المضغة، فوجب أن يكون بعد الثمانين.

وبعد أربعة أشهر فليس فيه إشكال أنه خُلِّق، وذكر المجد: أن غالب ما يتبين فيه خلقه: ثلاثة أشهر.

- مسألة: (وَشُرِطَ) للحمل: (لُحُوقُهُ لِلزَّوْجِ)، فإن أتت بولد لا يلحق الزوج نسبه؛ كامرأةِ صغيرٍ لا يولد لمثله؛ بأن يكون دون عشر، وامرأة خصيٍّ، ومفارَقةٍ عقب عقد؛ بأن طلقها أو مات عنها بالمجلس، ونحو ذلك؛ لأنه حمل ليس منه يقينًا فلم تعتد بوضعه، كما لو ظهر بعد موته.

- مسألة: (وَأَقَلُّ مُدَّتِهِ) أي: الحمل التي يعيش فيها: (سِتَّةُ أَشْهُرٍ)، اتفاقاً، لما روى أبو الأسود قال: رُفِع إلى عمر رضي الله عنه امرأة وَلَدت لستة أشهر، فأراد عمر أن يرجمها، فجاءت أختها إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه،

ص: 232

فقالت: إن عمر يرجم أختي، فأنشدك الله إن كنت تعلم أن لها عذرًا لما أخبرتني به، فقال علي:«إِنَّ لَهَا عُذْرًا» ، فكبرت تكبيرة سمعها عمر من عنده، فانطلقت إلى عمر فقالت: إن عليًّا زعم أن لأختي عذرًا، فأرسل عمر إلى علي: ما عذرها؟ قال: «إِنَّ اللَهَ عز وجل يَقُولُ: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233]، وَقَالَ: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15]، فَالحَمْلُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَالفَصْلُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ شَهْرًا» ، قال: فخلَّى عمر سبيلها [عبدالرزاق 13444].

- فرع: (وَغَالِبُهَا) أي: مدة الحمل (تِسْعَةُ) أشهر؛ لأن غالب النساء كذلك يحملن، وهذا أمر معروف بين الناس.

- فرع: (وَأَكْثَرُهَا) أي: مدة الحمل: (أَرْبَعُ سِنِينَ)؛ لأن ما لا نص فيه يرجع فيه إلى الوجود، وقد وُجِد من تحمل أربع سنين، فروى الدارقطني [3877] عن الوليد بن مسلم قال: قلت لمالك بن أنس عن حديث عائشة قالت: «لَا تَزِيدُ المَرْأَةُ فِي حَمْلِهَا عَلَى سَنَتَيْنِ قَدْرَ ظِلِّ المِغْزَلِ» ، فقال: سبحان الله من يقول هذا؟ هذه جارتنا امرأة محمد بن عجلان امرأة صدق، وزوجها رجل صدق؛ حملت ثلاثة أبطن في اثني عشر سنة، وقال الشافعي:(بقي محمد بن عجلان في بطن أمه أربع سنين)، وقال أحمد:(نساء بني عجلان تحمل أربع سنين).

واختار ابن القيم وابن عثيمين: أنه لا حد لأكثر مدة الحمل؛ لعدم

ص: 233

الدليل على تحديد أكثره.

- مسألة: إلقاء الحمل - وهو الإجهاض- ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

1 -

إلقاؤه في مرحلة الأربعين يوماً وهو نطفة، فقال رحمه الله:(وَيُبَاحُ) للمرأة (إِلْقَاءُ نُطْفَةٍ قَبْلَ أَرْبَعِينَ يَوْماً)، وأن يكون ذلك (بِدَوَاءٍ مُبَاحٍ)؛ لأنها لم تخلق؛ فجاز إسقاطها، ولأنه يجوز له أن يعزل، وهذا شبيه بالعزل.

وأفتت اللجنة الدائمة للإفتاء: لا يجوز إسقاطه إلا إذا كان في إسقاطه مصلحة شرعية أو دفع ضرر يتوقع حصوله على الأم؛ لقوله تعالى: (فجعلناه في قرار مكين)، فمتى استقر في هذا القرار لم يجز الاعتداء عليه.

2 -

إلقاؤه بعد الأربعين وقبل الأربعة أشهر: فيحرم؛ لأنَّه ولدٌ انعقدَ، بخلاف النُّطفة.

قال ابن عثيمين: إلا إن كان في بقائه خطرٌ على الأم فيجوز إسقاطه؛ لأنه لم تنفخ فيه الروح.

3 -

إلقاؤه بعد مرور الأربعة أشهر: يحرم اتفاقاً؛ لأنه نفخت فيه الروح؛ لحديث ابن مسعود السابق.

قال ابن عثيمين: أما بعد نفخ الروح فيه؛ فإنه لا يجوز إلقاؤه، وله حالان:

ص: 234

الأولى: أن يُلقَى في حال يعيش فيها؛ مثل إذا أتمت المرأة التاسع، وحصل عليها صعوبة في الوضع: فيجوز إلقاؤه بشرط أن لا يكون في ذلك خطر على حياته، أو على حياة أمه؛ فإن كان في ذلك خطر فهو حرام.

الثانية: أن يُلقَى قبل أوان نزوله؛ مثل أن يلقى وله خمسة شهور أو ستة شهور: فيحرم، ولو دعت إليه الضرورة؛ لأنه قتل نفس، إلا إذا ماتت الأم وهو حي، ورُجِيَ بقاؤه لو أخرج فلا بأس بذلك، بل قد يجب؛ لأن في هذا إنقاذًا لحياة الجنين.

وأفتت اللجنة الدائمة: أنه لا يجوز إسقاط الحمل بعد نفخ الروح فيه إلا إذا كان بقاؤه سبباً لموت الأم؛ دفعاً لأعظم الضررين.

(الثَّانِيَةُ) من المعتدات: (المُتَوَفَّى عَنْهَا) زوجها (بِلَا حَمْلٍ) منه -وتقدم حكم الحامل- قبل الدخول أو بعده، ولو كان طفلاً أو كانت طفلة لا يولد لمثلهما، (فَتَعْتَدُّ):

1 -

(حُرَّةٌ: أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرَ لَيَالٍ بِعَشَرَةِ أَيَّامٍ)، إجماعًا في الجملة؛ لقوله تعالى:(وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا)، ولحديث أم حبيبة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ، تُحِدُّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاثٍ، إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» [البخاري 1281، ومسلم 1486].

ص: 235

2 -

(وَ) تعتد (أَمَةٌ) توفي عنها زوجها: (نِصْفَهَا) أي: شهرين وخمسة أيام بلياليها؛ لأن الصحابة أجمعوا على أن عدة الأمة على النصف من عدة الحرة، قاله في المبدع.

واختار ابن حزم وابن عثيمين: أن عدتها كعدة الحرة؛ لعموم الآية، وقال ابن سيرين:(ما أرى عدة الأمة إلا كعدة الحرة، إلا أن تكون قد مضت في ذلك سنة، فإن السنة أحق أن تُتبع).

3 -

(وَ) تعتد (مُبَعَّضَةٌ) توفي عنها زوجها: (بِالحِسَابِ) من عدة حرة وأمة، ويجبر بالكسر، فمن نصفها حر ونصفها رقيق: تعتد ثلاثة أشهر وثمانية أيام بلياليها، ومن ثلثها حر: شهرين وسبعة وعشرين يومًا.

- مسألة: المطلقة إن مات عنها زوجها في عدتها لا تخلو من ثلاثة أقسام:

1 -

أن تكون رجعية، ثم يموت زوجها في عدتها: فتستأنف عدة الوفاة من حين موته؛ لأنها زوجة، فتدخل في عموم قوله:{والذين يتوفون منكم} الآية [البقرة: 234]، وسقطت عدة الطلاق؛ لأنها تعتد للوفاة، فلا يجتمع معها غيرها إجماعًا، حكاه ابن المنذر.

2 -

أن تكون مبانة في حال الصحة، ثم يموت في عدتها: فلا تنتقل عن عدة الطلاق؛ لأنها أجنبية منه في النظر إليها، والتوارث، ولحوقها طلاقه ونحوه، فلا تعتد لوفاته.

ص: 236

3 -

أن تكون مبانة في مرض موت الزوج، ثم يموت عنها، فلا تخلو من قسمين:

أأن تكون وارثة، فقال رحمه الله:(وَتَعْتَدُّ مَنْ أَبَانَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ) المخُوف ضرارًا: (الأَطْوَلَ مِنْ عِدَّةِ وَفَاةٍ أَوْ طَلَاقٍ إِنْ وَرِثَتْ)؛ لأنها وارثة، فيجب عليها أن تعتد للوفاة، ومطلقة؛ فيجب عليها أن تعتد للطلاق، فتعتد بأطولهما، ضرورة أنها لا تخرج عن العهدة يقينًا إلا بذلك.

وعنه، واختاره ابن عثيمين: تعتد عدة طلاق؛ لأنه مات وهي ليست زوجة له؛ لأنها بائن، وكونها ترثه لا علاقة به في العدة؛ لأنها ترثه ولو بعد العدة، إن طلقها بقصد حرمانها من الميراث، ما لم تتزوج أو ترتد.

ب أن تكون غير وارثة، فقال رحمه الله:(وَإِلَّا) تكن البائن في مرض موته وارثة؛ كالأمة، أو الحرة يطلقها العبد، أو الذمية الكتابية يطلقها المسلم، أو تكون هي سألته الطلاق، أو سألته الخلع؛ فتعتد (عِدَّةَ طَلَاقٍ) لا غير؛ لأنها ليست وارثة، أشبهت المبانة في الصحة.

(الثَّالِثَةُ) من المعتدات: (ذَاتُ الحَيْضِ المُفَارَقَةُ فِي الحَيَاةِ)، بعد الدخول أو الخلوة، (فَتَعْتَدُّ):

1 -

إذا كانت (حُرَّةً): بثلاث حيضات، واختاره ابن عثيمين؛ لقوله

ص: 237

تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} [البقرة: 228]، والقروء: الحِيَض؛ لقول عمر وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم، وقال عمرو بن دينار:(الأقراء: الحِيَض، عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم [عبدالرزاق 6/ 315]؛ ولأنه المعهود في لسان الشرع؛ لحديث عدي بن ثابت عن أبيه عن جده مرفوعاً: «تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا» [أبو داود 297، والترمذي 126، وابن ماجه 625]، ولم يعهد في لسانه استعمال القرء بمعنى الطهر، وإن كان في اللغة القرء مشتركًا بين الحيض والطهر، قال الإمام أحمد: (كنت أقول إنه الأطهار، ثم رجعت لقول الأكابر).

2 -

(وَ) تعتد (مُبَعَّضَةٌ: بِثَلَاثِ حَيْضَاتٍ) أيضاً؛ لأن عدة الأمة بالقروء قرءان، فأدنى ما يكون فيها من الحرية يوجب قرءًا ثالثًا؛ لأنه لا يتبعض.

وقال شيخ الإسلام: (ويتوجه في المعتَقِ بعضها إذا كان الحر ثلثَها فما دون: أن لا تجب الثلاثة الأقراء، فإن تكميل القرءين من الأمة إنما كان لضرورة، فيؤخذ للمعتَقِ بعضها بحاسب الأصل ويكمل).

وعلى هذا: لو كان نصفها حرًّا ونصفها أمة، فبالحرية لها حيضة ونصف، وبالرق ثلاثة أرباع حيضة، فالمجموع: حيضتان وربع، فيجبر الكسر، وتكون عدتها ثلاث حيض.

وأما إن كان ثلثها حرًّا وثلثاها أمة، فبالحرية لها حيضة، وبالرق لها حيضة، فيكون المجموع: حيضتين.

ص: 238

3 -

(وَ) تعتد (أَمَةٌ: بِحَيْضَتَيْنِ)؛ صح ذلك عن عمر وابنه [عبد الرزاق 12871 - 12959]، وروي عن علي أيضاً رضي الله عنهم [ابن أبي شيبة 4/ 146]، ولا يعرف لهم مخالف في الصحابة، وكالحد، وكان القياس يقتضي أن تكون حيضة ونصفًا، كما أن حدها النصف من الحرة، إلا أن الحيض لا يتبعض، فوجب تكميله كالطلقة.

- فرع: عدة المفارَقة في الحياة بعد الدخول أو الخلوة إن كانت من ذوات الأقراء لا تخلو من ثلاث حالات:

1 -

أن تكون الفرقة بطلاق رجعي أو بائن دون الثلاث، فتعتد على ما سبق في عدة ذات الحيض.

2 -

أن تكون مفارقة بطلقة ثالثة، فتعتد على ما سبق؛ لعموم قوله تعالى:{والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} ، وقد حكاه في الفروع إجماعًا.

وقال شيخ الإسلام: المطلقة ثلاثاً تعتد بحيضة إن قال به أحد ولم يخالف إجماع (1)،

وقال: (والحديث -أي: حديث فاطمة بنت قيس لما

(1) كذا في مجموع الفتاوى (32/ 342)، وفي الإنصاف (24/ 101) الجزم بأن شيخ الإسلام يرى أنها تستبرأ بحيضة.

وقال ابن القيم في إعلام الموقعين (2/ 55): (وقيل: بل عدتها حيضة واحدة، وهي اختيار أبي الحسين بن اللبان؛ فإن كان مسبوقا بالإجماع فالصواب اتباع الإجماع، وأن لا يلتفت إلى قوله، وإن لم يكن في المسألة إجماع فقوله قوي ظاهر).

ص: 239

طلقها زوجها آخر ثلاث تطليقات- وإن لم يكن في لفظه أن تعتد ثلاث حيض؛ فهذا هو المعروف عند من بلغنا قوله من العلماء، فإن كان هذا إجماعًا فهو الحق، والأمة لا تجتمع على ضلالة، وإن كان من العلماء من قال: إن المطلقة ثلاثًا إنما عليها الاستبراء لا الاعتداد بثلاث حيض؛ فهذا له وجه قوي، بأن يكون طول العدة في مقابلة استحقاق الرجعة، وهذا هو السبب في كونها جعلت ثلاثة قروء، فمن لا رجعة عليها لا تتربص ثلاثة قروء؛ وليس في ظاهر القرآن إلا ما يوافق هذا القول؛ لا يخالفه).

3 -

أن تكون الفرقة بخلع أو فسخ، فتعتد على ما سبق؛ قياساً على المطلقة.

وعنه، واختاره شيخ الإسلام: أن المخلوعة والمفسوخة تعتد بحيضة؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: «أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عِدَّتَهَا حَيْضَةً» [أبو داود 2229، والترمذي 1185]، ولما روى نافع: أن الرُّبيع اختلعت من زوجها، فأتى عمُّها عثمانَ، فقال:«تَعْتَدُّ بِحَيْضَةٍ» ، وكان ابن عمر يقول:«تَعْتَدُّ ثَلَاثَ حِيَضٍ» ، حتى قال هذا عثمان، فكان يفتي به ويقول:«خَيْرُنَا وَأَعْلَمُنَا» [ابن أبي شيبة 18462]، وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما [ابن أبي شيبة 18464]، قال شيخ الإسلام:(ولم يثبت عن صحابي خلافه، فإنه روي خلافه عن عمر وعلي بإسناد ضعيف)، ولا يصح قياس الخلع على

ص: 240

الطلاق؛ لأنه فسخ لا طلاق.

(الرَّابِعَةُ) من المعتدات: (المُفَارَقَةُ فِي الحَيَاةِ، وَلَمْ تَحِضْ لِصِغَرٍ أَوْ إِيَاسٍ) من الحيض، والإياس: بلوغها سن الخمسين، وعند شيخ الإسلام: لا حدَّ لأكثره، وتقدم في الحيض، (فَتَعْتَدُّ):

1 -

إذا كانت (حُرَّةً: بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ)؛ لقوله تعالى: {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن} [الطلاق: 4] أي: كذلك.

وتبدأ المدة من وقت الفرقة، فإن فارقها نصف الليل أو النهار اعتدت من ذلك الوقت إلى مثله.

2 -

(وَ) إذا كانت (أَمَةً): فتعتد (بِشَهْرَيْنِ)؛ لقول عمر رضي الله عنه: «تَعْتَدُّ الْأَمَةُ حَيْضَتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ تَحِضْ فَشَهْرَيْنِ» [عبد الرزاق 12872]، ولأن كل شهر مقام قرء، وعدتها بالأقراء قرءان، فكذا بدلهما شهران.

3 -

(وَ) إذا كانت (مُبَعَّضَةً) فتعتد: (بِالحِسَابِ)، فتزيد على الشهرين من الشهر الثالث بقدر ما فيها من الحرية، فمن ثلثها حر؛ تعتد بشهرين وعشرة أيام، ومن نصفها حر؛ فعدتها شهران ونصف شهر، ومن ثلثاها حران؛ عدتها شهران وعشرون يومًا، ويجبر الكسر، فلو كان ربعها حرًّا؛ فعدتها شهران وثمانية أيام.

ص: 241

(الخَامِسَةُ) من المعتدات: (مَنِ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا)، ولو بعد حيضة أو أكثر، وهي على قسمين:

الأول: من ارتفع حيضها (وَلَمْ تَعْلَمْ مَا رَفَعَهُ) أي: سببه: (فَتَعْتَدُّ لِلْحَمْلِ غَالِبَ مُدَّتِهِ)، تسعة أشهر؛ ليعلم براءة رحمها، (ثُمَّ تَعْتَدُّ) بعد ذلك (كَآيِسَةٍ)، على ما سبق تفصيله آنفًا في الحرة والمبعضة والأمة، واختاره شيخ الإسلام؛ لقول عمر رضي الله عنه:«أَيُّمَا رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، فَحَاضَتْ حَيْضَةً أَوْ حَيْضَتَيْنِ، ثُمَّ قَعَدَتْ، فَلْتَجْلِسْ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ حَتَّى يَسْتَبِينَ حَمْلُهَا، فَإِنْ لَمْ يَسْتَبِنْ حَمْلُهَا فِي التِّسْعَةِ أَشْهُرٍ؛ فَلْتَعْتَدَّ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ بَعْدَ التِّسْعَةِ الَّتِي قَعَدَتْ مِنَ الْمَحِيضِ» [عبد الرزاق 11095]، قال الشافعي:(هذا قضاء عمر بين المهاجرين والأنصار، لا ينكره منهم منكر علمناه)، ولأن الغرض بالعدة معرفة براءة رحمها، وهي تحصل بذلك، فاكتفي به، وإنما وجبت العدة بعد التسعة أشهر؛ لأن عدة الشهور إنما تجب بعد العلم ببراءة الرحم من الحمل، إما بالصغر أو الإياس، وهنا لما احتمل انقطاع الحيض للحمل أو للإياس؛ اعتبرت البراءة من الحمل بمضي مدته، فتعين كون الانقطاع للإياس، فوجبت عدته عند تعيينه، ولم يعتبر ما مضى من الحيض قبل الإياس؛ لأن الإياس طرأ عليه.

فتكون عدة الحرة: سنة، تسعة للحمل، وثلاثة أشهر للعدة.

وعدة أمة: أحد عشر شهرًا، تسعة للحمل، وشهران للعدة.

ص: 242

(وَ) الثاني: (إِنْ عَلِمَتْ) معتدة انقطع حيضها (مَا رَفَعَهُ) من مرض أو رضاع أو نفاس: (فَلَا تَزَالُ) في عدة (حَتَّى يَعُودَ) حيضها (فَتَعْتَدَّ بِهِ) وإن طال الزمن؛ لعدم إياسها من الحيض، فتدخل في عموم قوله تعالى:(والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء)؛ ولما روى الزهري: (أن رجلًا من الأنصار يقال له: حبان بن منقذ، طلق امرأته وهي ترضع، وهو يوم طلقها صحيح، فمكثت سبعة أشهر لا تحيض، يمنعها الرضاع الحيضة، ثم مرض حبان بعد أن طلقها بأشهر، فقيل له: إن امرأتك ترثك إن مت، فقال لهم: احملوني إلى عثمان، فحملوه، فذكر شأن امرأته وعنده علي بن أبي طالب، وزيد بن ثابت رضي الله عنهم، فقال لهما عثمان: «مَا تَرَيَانِ؟ » قالا: «نَرَى أَنَّهَا تَرِثُهُ إِنْ مَاتْ، وَأَنَّهُ يَرِثُهَا إِنْ مَاتَتْ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الْقَوَاعِدِ اللَّاتِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ، وَلَيْسَتْ مِنَ الْأَبْكَارِ اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ، فَهِيَ عِنْدَهُ عَلَى عِدَّةِ حَيْضَتِهَا قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ»، فرجع إلى أهله، فأخذ ابنته من امرأته، فلما فقدت الرضاع حاضت حيضة، ثم أخرى في الهلال، ثم توفي حبان قبل أن تحيض الثالثة، فاعتدت عدة المتوفى عنها وورثته)[البيهقي 15410].

(أَوْ) حتى (تَصِيرَ) التي انقطع حيضها وعلمت ما رفعه (آيِسَةً) أي: تبلغ سن الإياس، (فَتَعْتَدَّ عِدَّتَهَا)؛ لأنها آيسة أشبهت سائر الآيسات.

ص: 243

واختار شيخ الإسلام: إن علمت عدم عوده؛ فكآيسة، وإلا اعتدت سنة؛ لقضاء عمر السابق، وقال:(ومن قال: إنها تدخل في سن الآيسات؛ فهذا قول ضعيف جدًّا، مع ما فيه من الضرر الذي لا تأتي الشريعة بمثله).

- مسألة: (وَعِدَّةُ بَالِغَةٍ لَمْ تَحِضْ)؛ كآيسة: ثلاثة أشهر إن كانت حرة، وشهران إن كانت أمة؛ لدخولها في عموم قوله تعالى:{واللائي يئسن من المحيض} الآية [الطلاق: 4].

(وَ) عدة (مُسْتَحَاضَةٍ مُبْتَدَأَةٍ، أَوْ نَاسِيَةٍ) لعادتها ولا تمييز؛ (كَآيِسَةٍ)، ثلاثة أشهر إن كانت حرة، وشهران إن كانت أمة؛ لأنهما لا يعلمان وقت حيضهما، والغالب على النساء أن يحضن في كل شهر حيضة، ويطهرن باقيه، كما في حديث حمنة بنت جحش رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تجلس في كل شهر ستة أيام أو سبعة [أحمد 27144، وأبو داود 287، والترمذي 128، وابن ماجه 627].

وإن كانت لها عادة أو تمييز؛ عملت به؛ كما تعمل به في الصلاة والصوم.

ص: 244

(السَّادِسَةُ) من المعتدات: (امْرَأَةُ المَفْقُودِ)، أي: من انقطع خبره فلم تعلم حياته ولا موته: (تَتَرَبَّصُ، وَلَوْ) كانت (أَمَةً)، ولا يخلو تربصها من أمرين:

الحالة الأولى: تتربص (أَرْبَعَ سِنِينَ: إِنِ انْقَطَعَ خَبَرُهُ لِغَيْبَةٍ ظَاهِرُهَا الهَلَاكُ)؛ كالمفقود من بين أهله، أو في مفازة، أو بين الصفين في حال الحرب، ونحوه، ثم تعتد للوفاة، الحرة أربعة أشهر وعشرًا، والأمة شهرين وخمسة أيام؛ لما ورد عن ابن المسيب:«أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي الله عنهما قَضَيَا فِي الْمَفْقُودِ أَنَّ امْرَأَتَهُ تَتَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِينَ وَأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا بَعْدَ ذَلِكَ، ثُمَّ تُزَوَّجَ؛ فَإِنَّ جَاءَ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ؛ خُيِّرَ بَيْنَ الصَّدَاقِ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ» [عبد الرزاق 12317]، قال أحمد: (من تركها هذا أي شيء يقول؟ ! هو عن خمسة من الصحابة: عمر وعثمان وعلي وابن عباس وابن الزبير رضي الله عنهم.

(وَ) الحالة الثانية: تتربص تمام (تِسْعِينَ) سنة (مُنْذُ وُلِدَ: إِنْ كَانَ ظَاهِرُهَا السَّلَامَةَ)؛ كسفر تاجر في غير مهلكة، وإباق العبد، والسفر لطلب العلم والسياحة، والأسر عند من ليس عادته القتل؛ لأن الظاهر أنه لا يعيش أكثر منها، فإن فُقِد ابن تسعين؛ اجتهد الحاكم، (ثُمَّ تَعْتَدُّ لِلْوَفَاةِ)، الحرة أربعة أشهر وعشرًا، والأمة شهرين وخمسة أيام؛ لأنه قد حكم بموته،

ص: 245

ثم تحل للأزواج.

واختار ابن عثيمين: أنه يرجع في تقدير مدة التربص إلى اجتهاد الحاكم، وهو يختلف باختلاف الأحوال، والأزمان، والأمكنة، والأسباب التي بها فقد؛ لأن الأصل حياة المفقود، ولا يخرج عن هذا الأصل إلا بيقين أو ما في حكمه.

- فرع: الأمة كالحرة في التربص؛ لأن تربص المدة المذكورة ليُعْلَم حاله من حياة وموت، وذلك لا يختلف بحال زوجته.

- مسألة: (وَإِنْ طَلَّقَ) زوج (غَائِبٌ، أَوْ مَاتَ) زوجها الغائب عنها؛ (فَابْتِدَاءُ العِدَّةِ مِنَ الفُرْقَةِ) أي: وقت الطلاق أو الموت، لا من حين علمت بالخبر؛ لوروده عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم [عبد الرزاق 6/ 327]، كما لو كان حاضرًا، ولأن القصد غير معتبر في العدة بدليل الصغيرة والمجنونة، وإن لم تجتنب ما تجتنبه المعتدة؛ لأن الإحداد الواجب ليس بشرط في العدة؛ لظاهر النصوص.

- مسألة: (وَعِدَّةُ مَنْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ، أَوْ) وطئت بـ (زِنىً)، أو وطئت بعقد فاسد؛ على قسمين:

1 -

أن تكون حرة، أو أمة مزوجة: فعدتها (كَـ) عدة (مُطَلَّقَةٍ)؛ لأنه وطء يقتضي شغل الرحم، فوجبت العدة منه؛ كالوطء في النكاح.

ص: 246

وعنه، واختاره شيخ الإسلام: أن كل واحدة منهن تستبرأ بحيضة؛ لأنه لم يرد إيجاب العدة بثلاثة قروء إلا على المطلقات؛ لا على من فارقها زوجها بغير طلاق، وقياساً على المختلعة.

2 -

أن تكون أمة غير مزوجة، وأشار إليها بقوله:(إِلَّا أَمَةً غَيْرَ مُزَوَّجَةٍ؛ فَـ) لا تعتد، وإنما (تُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةٍ)؛ لأن استبراءها من الوطء المباح يحصل بذلك، فكذا غيره.

- مسألة: (وَإِنْ وُطِئَتْ مُعْتَدَّةٌ بِشُبْهَةٍ، أَوْ) وطئت بـ (زِنىً، أَوْ) وطئت بـ (نِكَاحٍ فَاسِدٍ)؛ فُرِّق بينهما، أي: بين المعتدة الموطوءة والواطئ؛ لأن العقد الفاسد وجوده كعدمه، و (أَتَمَّتْ عِدَّةَ الأَوَّلِ)، سواء كانت عدته من نكاح صحيح أو فاسد، أو وطء شبهة أو زنىً؛ لأن سببها سابق على الوطء المذكور، ما لم تحمل من الثاني؛ فتنقضي عدتها منه بوضع الحمل، ثم تتمم عدة الأول.

(وَلَا يُحْتَسَبُ مِنْهَا) أي: من عدة الأول مدة (مُقَامِهَا عِنْدَ) واطئ (ثَانٍ) بعد الوطء، بل ابتداؤها من التفريق بينهما؛ لانقطاعها بوطئه، (ثُمَّ اعْتَدَّتْ) بعد تتمة عدة الأول (لِـ) واطئ (ثَانٍ)؛ لأن العدتين من رجلين لا يتداخلان؛ كالدينين، وعن علي رضي الله عنه: «أَنَّهُ قَضَى فِي الَّتِي تُزَوَّجُ فِي عِدَّتِهَا أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَلَهَا الصَّدَاقُ بِمَا اسْتَحَلَّ

ص: 247