الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في القَسْم
وهو: توزيع الزمان على زوجاته إن كُنَّ ثنتين فأكثر.
- مسألة: (وَ) يجب (عَلَى) زوج (غَيْرِ طِفْلٍ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ زَوْجَاتٍ)، والتسوية تكون في أمور:
الأمر الأول: التسوية بينهن (فِي القَسْمِ) إذا كنَّ حرائر كلهن، أو كن إماء كلهن: وهو واجب؛ لقوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19]، وتمييز إحداهما ميل، وليس مع الميل معروف، ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا؛ جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ» [أبو داود: 2133].
الأمر الثاني: التسوية بينهن في الوطء، وأشار إليه بقوله:(لَا) يجب التسوية بينهن (فِي وَطْءٍ) ودواعيه، اتفاقًا؛ لأن ذلك طريقة الشهوة والميل، ولا سبيل إلى التسوية بينهن في ذلك، ويستحب؛ لأنه أبلغ في العدل بينهن.
واختار ابن عثيمين: أنه يجب عليه أن يساوي بينهن في الوطء إذا قدر؛ لأن علة المنع من وجوب العدل في الوطء بأن ذلك أمر لا يمكنه العدل فيه، فإذا أمكنه زالت العلة، وبقي الحكم على العدل.
(وَ) الأمر الثالث: التسوية بينهن في النفقة والكسوة، وأشار إليه بقوله: ولا تجب التسوية في (كِسْوَةٍ، وَنَحْوِهِمَا) أي: نحو الوطء والكسوة من النفقات، (إِذَا قَامَ) الزوج (بِالوَاجِبِ) من النفقة لكل واحدة من زوجاته؛ لأن التسوية في هذا كله تَشُقُّ، فلو وجب لم يمكنه القيام به إلا بحرج، فسقط وجوبه؛ كالتسوية في الوطء، ويستحب؛ لأنه أبلغ في العدل بينهن.
واختار شيخ الإسلام: وجوب التسوية بينهن في النفقة والكسوة؛ لدخوله في العدل المأمور به.
والأمر الرابع: التسوية بينهن في الهبة: لا يجب؛ لأن الواجب هو الإنفاق، وقد قام به.
واختار ابن عثيمين: أنه يجب عليه العدل في الهبة؛ لأن ترك العدل في الهبة يوقعه في الميل المحرم، مع قدرته على تركه.
والأمر الخامس: التسوية بينهن في المحبة: لا يجب؛ وفيه أنزل الله تعالى: {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم} قال شيخ الإسلام: (أي: في الحب والجماع)، ولحديث عائشة رضي الله عنه قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم فيعدل، ويقول:«اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ، فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ» [أبو داود: 2134].
- مسألة: (وَعِمَادُهُ) أي: القسم، (اللَّيْلُ)، وذلك لمن معاشه في النهار اتفاقًا؛ لأنه يأوي فيه الإنسان إلى منزله، ويسكن إلى أهله، وينام على فراشه
مع زوجته عادة، والنهار للمعاش، قال الله تعالى:{وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا} [النبأ: 10 - 11].
(إِلَّا فِي حَارِسٍ، وَنَحْوِهِ) ممن معاشه في الليل، (فَـ) إن عماده (النَّهَارُ)، ويكون النهار في حقه كالليل في حق غيره؛ لأن النهار محل سكنه.
- مسألة: يكون القسم ليلة ليلة؛ لأنه إن قسم ليلتين ليلتين أو أكثر من ذلك كان في ذلك تأخير لحق من لها الليلة الثانية للتي قبلها، إلا أن يرضين بالقسم أكثر من ليلة وليلة ; لأن الحق لا يعدوهن.
- فرع: (وَزَوْجَةٌ أَمَةٌ) في القسم مع زوجة حرة (عَلَى النِّصْفِ مِنْ) زوجة (حُرَّةٍ)، فلها مع الحرة ليلة من ثلاث ليال؛ لقول علي رضي الله عنه:«إِذَا تَزَوَّجَ الحُرَّةَ عَلَى الأَمَةِ، قَسَمَ لِهَذِهِ يَوْمًا، وَلِهَذِهِ يَوْمَيْنِ» [ابن أبي شيبة: 16090، واحتج به أحمد]، ولأن الحرة يجب تسليمها ليلًا ونهارًا، فكان حقها في الإيواء أكثر.
(وَ) يقسم من تحته (مُبَعَّضَةٌ بِالحِسَابِ)، بأن يجعل لحريتها بحساب ما للحرة، ولِرِقِّها بحساب ما للأمة، فإن كان نصفها حرًّا: فلها ثلاث ليال وللحرة أربع؛ لأنا نجعل لجزئها الرقيق ليلة، فيكون لما يقابله من الحرة ليلتان ضعف ذلك، ويجعل لجزئها الحر ليلتين، فيكون لما يقابله من الحرة ليلتان مثل ذلك.
- مسألة: (وَ) يسقط القَسْم والنفقة عن المرأة بأمور، منها:
1 -
(إِنْ أَبَتِ) الزوجة (المَبِيتَ مَعَهُ) في فراشه: فلا قسم لها ولا نفقة؛ لأنها عاصية كالناشز.
2 -
(أَوْ) أبت الزوجة (السَّفَرَ) معه: فلا قسم لها ولا نفقة؛ لما تقدم.
3 -
(أَوْ سَافَرَتْ) الزوجة، ولا يخلو سفرها من قسمين:
الأول: أن تسافر بدون إذن الزوج: فيسقط قسمها ونفقتها؛ لأنها عاصية بذلك، فهي كالناشز.
الثانية: أن تسافر بإذن الزوج، ولا يخلو من ثلاث حالات:
أ) أن تسافر (فِي حَاجَتِهَا: سَقَطَ قَسْمُهَا وَنَفَقَتُهَا) ولو بإذن الزوج؛ لتعذر الاستمتاع من جهتها.
واختار ابن عثيمين: أنها إن سافرت بإذنه فإن قَسْمها يسقط؛ لأنها اختارت ذلك بسفرها، وأما نفقتها فلا تسقط؛ لأن الزوج أسقط حقه بإذنه في سفرها، فلا يسقط حقها هي بذلك.
ب) أن تسافر لحاجة الزوج: فلا يسقط حقها من نفقة ولا قسم؛ لأن تعذر استمتاعه بسبب من جهته، ويقضي لها بحسب ما أقام عند ضرتها؛ ليسوِّيَ بينهما.
ت) أن تسافر لحاجة أجنبي: فإنه يسقط حقها من القَسم والنفقة؛ لأن الامتناع إنما جاء من جهتها.
وتقدم كلام ابن عثيمين في سقوط القسم وعدم سقوط النفقة.
- مسألة: (وَإِنْ تَزَوَّجَ بِكْرًا) ومعه غيرها؛ (أَقَامَ عِنْدَها) أي: عند البكر (سَبْعًا) أي: سبع ليالٍ، ولو كانت البكر أمة والأخريات حرائر؛ لعموم ما يأتي، ثم دار، (أَوْ) تزوج (ثَيِّبًا؛ أَقَامَ) عندها (ثَلَاثًا) أي: ثلاث ليال (ثُمَّ دَارَ) أي: إذا انتهت مدة إقامته عند الجديدة، عاد إلى القَسْم بين زوجاته كما كان قبل أن يتزوج الجديدة، ودخلت الجديدة بينهن، فصارت آخرهن نوبة؛ لقول أنس رضي الله عنه:«السُّنَّةُ إِذَا تَزَوَّجَ البِكْرَ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا، وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا» [البخاري: 5213، ومسلم: 1461]، وخُصّت البكر بزيادة؛ لأن حياءها أكثر، والثلاث مدة معتبرة في الشرع، والسبعة؛ لأنها أيام الدنيا وما زاد عليها يتكرر، وحينئذ ينقطع الدور.
- فرع: إن أحبت الثيب أن يقيم الزوج عندها سبعًا؛ فعل وقضى للبواقي من ضراتها سبعًا سبعًا؛ لما روت أم سلمة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوجها أقام عندها ثلاثًا، وقال:«إِنَّهُ لَيْسَ بِكِ عَلَى أَهْلِكِ هَوَانٌ، إِنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ لَكِ، وَإِنْ سَبَّعْتُ لَكِ، سَبَّعْتُ لِنِسَائِي» [مسلم: 1460].