الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
الضرب الثاني: المحرمات إلى أمد، وهن نوعان:
النوع الأول: محرمات لأجل الجمع، وأشار إليه بقوله:(وَيَحْرُمُ إِلَى أَمَدٍ):
1 -
(أُخْتُ مُعْتَدَّتِهِ) قبل انقضاء عدتها؛ لأنها في حكم الزوجة، (أَوْ) أختُ (زَوْجَتِهِ)، سواء كانت أختها من نسب أو رضاع، قبل الدخول أو بعده؛ لعموم قوله تعالى:{وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} [النساء: 23].
واختار ابن عثيمين: إن كانت معتدتَه من طلاق بائن بينونة كبرى؛ جاز أن يتزوج من أختها؛ لأنه لا يمكنه الرجوع إليها.
2 -
الجمع بين المرأة وعمتها، أو بين المرأة وخالتها، ولو رضيتا، وسواء كانت العمة والخالة حقيقة أو مجازًا؛ كعمات آبائهن وخالات آبائهن وإن علون، وعمات أمهاتهن وخالاتهن وإن علت درجتهن، من نسب أو رضاع؛ لعموم حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا يُجْمَعُ بَيْنَ المَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، وَلَا بَيْنَ المَرْأَةِ وَخَالَتِهَا» [البخاري 5109، ومسلم 1408]، قال ابن المنذر: (أجمع أهل العلم على القول به، وليس فيه بحمد الله اختلاف، إلا أن بعض أهل البدع ممن لا تعد مخالفته خلافًا، وهم الرافضة والخوارج؛ لم يحرموا ذلك، ولم يقولوا بالسنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- ضابط: يحرم الجمع بين كل امرأتين لو كانت إحداهما ذكرًا والأخرى أنثى حرم نكاحه، أي: الذكر لها، لقرابة أو رضاع؛ لأن المعنى الذي حرم الجمع من أجله إفضاؤه إلى قطيعة الرحم القريبة، لما في الطباع من التنافر والغيرة بين الضرائر.
- فرع: يحرم الجمع بين المرأة وأختها، أو عمتها، أو خالتها ولو من رضاع؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ» [البخاري 2645، ومسلم 1447].
واختار شيخ الإسلام: أنه لا يحرم الجمع مع الرضاع، فلا يحرم الجمع بين الأختين من الرضاع، ولا بين المرأة وخالتها أو عمتها من الرضاع؛ لأن الأصل الحل، وقد قال تعالى:(وأحل لكم ما وراء ذلكم).
- فرع: لا يحرم الجمع بين مبانة شخص وبنته من غيرها؛ لأنه وإن حرمت إحداهما على الأخرى لو قُدِّرت ذكرًا، لم يكن تحريمها إلا للمصاهرة؛ لأنه لا قرابة بينهما ولا رضاع، قال قُثَمُ مولى ابن عباس:«تَزَوَّجَ عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ رضي الله عنه ابْنَةَ عَلِيٍّ، وَامْرَأَةَ عَلِيٍّ النَّهْشَلِيَّةَ» [علقه البخاري 7/ 11، ووصله الدارقطني 3867].
- فرع: إن طُلِّقت المرأة، وفرغت العدة، أو ماتت؛ أبيحت له أختها، أو عمتها، أو خالتها، أو نحوهن ممن تقدم؛ لعدم المانع.
3 -
ليس للحر أن يجمع بين أكثرَ من أربع زوجات؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لغَيْلانَ بن سَلَمة رضي الله عنه حين أسلم وتحته عشر نسوة: «اخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا» [أحمد 4609، والترمذي 1128، وابن ماجه 1953]، فإذا منع استدامة ما زاد على أربع فالابتداء أولى، وقوله تعالى:{فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع} [النساء: 3]، أريد به التخيير بين اثنتين وثلاث وأربع، كما قال تعالى:{أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع} [فاطر: 1]، ولم يرد أن لكلٍّ تسعة أجنحة، ولو أراده لقال:(تسعة)، ولم يكن للتطويل معنى.
إلا النبي صلى الله عليه وسلم فكان له أن يتزوج بأي عدد شاء؛ تكرمة له من الله تعالى.
- فرع: ليس للعبد أن يتزوج أكثرَ من اثنتين، لقول عمر وعلي وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم [مصنف عبدالرزاق 7/ 174]، وقد روى ليث بن أبي سُليم عن الحكم بن عتيبة أنه قال:(أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن العبد لا ينكح أكثر من ثنتين)، وهذا يخص عموم قوله تعالى:(فانكحوا ما طاب لكم من النساء)، مع أن فيها ما يدل على إرادة الأحرار وهو قوله:(أو ما ملكت أيمانكم).
النوع الثاني من المحرمات لأمد: محرمات لعارض يزول، وهن أصناف:
الأول: زوجة غيره؛ لقوله تعالى: {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم} [النساء: 24].
والثاني: تحرم عليه المعتدة من غيره، اتفاقاً؛ لقوله:{ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله} [البقرة: 235].
وتحرم أيضًا المستبرأة من غيره؛ لأن تزوُّجَها زمن استبرائها يفضي إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب.
وسواء في ذلك المعتدة، والمستبرأة من وطء مباح، أو محرم؛ كشبهة وزنى، أو من غير وطء؛ كالمتوفى عنها زوجها قبل الدخول؛ لعموم ما تقدم.
(وَ) الثالث: تحرم (زَانِيَةٌ) على زان وغيره، واختاره شيخ الإسلام؛ لحديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن مَرْثَدَ بنَ أبي مَرْثَدٍ الغَنَويَّ كان يحمل الأُسارى بمكة، وكان بمكة بَغِيٌّ يقال لها: عَنَاقُ، وكانت صديقتَه، قال: جئتُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، أَنْكِحُ عَنَاقَ؟ قال: فسكت عني، فنزلت:{والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك} (1)[النور: 3] فدعاني فقرأها عليَّ، وقال:«لَا تَنْكِحْهَا» [أبوداود 2051، والترمذي 3177، والنسائي 328].
فلا تباح الزانية إلا بشرطين:
(1) قال ابن القيم: (وأما نكاح الزانية، فقد صرح سبحانه وتعالى بتحريمه في سورة النور، وأخبر أن من نكحها، فهو إما زان أو مشرك، فإنه إما أن يلتزم حُكمه سبحانه ويعتقد وجوبه عليه، أو لا، فإن لم يلتزمه ولم يعتقده، فهو مشرك، وإن التزمه واعتقد وجوبه وخالفه، فهو زان، ثم صرح بتحريمه فقال {وحرم ذلك على المؤمنين}) زاد المعاد 5/ 104.
1 -
(حَتَّى تَتُوبَ)؛ لأنها إذا تابت زال ذلك الحكم عنها.
2 -
(وَتَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا)، ولا فرق في ذلك بين الزاني وغيره؛ لأن ولدها لا يلحق نسبه بأحد، فيؤدي تزويجها قبل انقضاء عدتها إلى اشتباه النسب (1).
- فرع: توبة الزانية: أن تُراوَدَ على الزنى فتمتنع منه، واختاره شيخ الإسلام؛ لما روي أنه قيل لابن عمر رضي الله عنهما: كيف تعرف توبتها؟ قال: «يُرِيدُهَا عَلَى ذَلِكَ: فَإِنْ طَاوَعَتْهُ فَلَمْ تَتُبْ، وَإِنْ أَبَتْ فَقَدْ تَابَتْ» [ذكره ابن قدامة ولم نقف عليه]، وقال شيخ الإسلام: (وهو مروي عن عمر وابنه وابن عباس رضي الله عنهم.
(1) هذا بناء على أن الزاني لا يلحقه ولده من الزنى في النسب، وعند شيخ الإسلام أنه إذا استلحق الزاني الولد، ولم يكن للمرأة فراش؛ لحقه الولد. ولم نقف على كلامه في حكم نكاح الزاني من المزني بها قبل انقضاء العدة إن تابا، لكن قد يخرج جواز ذلك من قوله: باستلحاقه ولده من الزنى.
وقال ابن عثيمين في فتاوى نور على الدرب (2/ 19) فيمن زنى بامرأة ثم أراد أن يتزوجها: (يجب عليهما جميعاً أن يتوبا إلى الله فإذا تابا إلى الله ورجعا عما فعلا حلت له، ولكن في هذه الحال لو تزوجها يجب أن يستبرئها بحيضة، بمعنى أن لا يجامعها حتى تحيض؛ لأنه يحتمل أن تحمل من الجماع الأول السابق على عقد النكاح، وهذا الولد الذي أتى من الجماع الأول السابق على عقد النكاح يعتبر ولد زنًى لا يلحق والده؛ لأنه ليس على عقدٍ شرعي، اللهم إلا أن يكون لهذا الواطئ أو لهذا الرجل شبهة ويعتقد أنه يطؤها على وجهٍ حلال، فإنه يكون حينئذٍ مولودًا من وطء شبهة وينسب إلى أبيه).
واختار ابن قدامة وابن عثيمين: أن توبة الزانية كتوبة غيرها، ندم وإقلاع وعزم أن لا تعود، وقال:(لا ينبغي لمسلم أن يدعو امرأة إلى الزنى، ويطلبه منها، ولأن طلبه ذلك منها إنما يكون في خلوة، ولا تحل الخلوة بأجنبية، ثم لا يأمن إن أجابته إلى ذلك أن تعود إلى المعصية).
- فرع: إذا تابت من الزنى وانقضت عدتها؛ حلَّ نكاحها للزاني وغيره، ورد ذلك عن أبي بكر، وعمر، وابنه، وابن عباس، وجابر رضي الله عنهم [مصنف عبدالرزاق 7/ 202 - 205]، ولأن الحكم يدور مع علته، فإذا تابت ارتفع عنها وصف الزنى.
وأما ما روي عن ابن مسعود والبراء بن عازب وعائشة رضي الله عنهم [مصنف ابن أبي شيبة 3/ 529]: أنها لا تحل للزاني بحال، فيحتمل أنهم أرادوا بذلك ما قبل التوبة، أو قبل استبرائها.
- فرع: لا يشترط لصحة نكاحها توبة الزاني بها إذا أراد أن ينكح الزانية؛ كالزاني بغيرها.
وعنه، واختاره شيخ الإسلام: يمنع الزاني من تزوج العفيفة حتى يتوب؛ للآية السابقة.
(وَ) الرابع: تحرم (مُطَلَّقَتُهُ ثَلَاثاً حَتَّى يَطَأَهَا زَوْجٌ غَيْرُهُ، بِشَرْطِهِ)؛ بأن ينكحها نكاحًا صحيحًا، ويطأها في قُبُل، مع انتشار، ويطلقَها وتنقضيَ
عدتها، ويأتي في الطلاق؛ لقوله تعالى:{فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} [البقرة: 230]، ولحديث عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت امرأة رِفاعةَ القُرَظِي النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: كنت عند رفاعة، فطلقني، فأبت طلاقي، فتزوجت عبدَ الرحمن بنَ الزَّبِير إنما معه مثلُ هُدْبَةِ الثوب، فقال:«أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ؟ لَا، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ» [البخاري 2639، ومسلم 1433].
والخامس: تحرم المُحْرِمة حتى تَحِلَّ من إحرامها؛ لحديث عثمان رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ، وَلَا يُنْكَحُ، وَلَا يَخْطُبُ» [مسلم 1409]، وتقدم تفصيله في محظورات الإحرام.
(وَ) السادس: تحرم (مُسْلِمَةٌ عَلَى كَافِرٍ) حتى يُسْلِم، إجماعًا؛ لقوله تعالى:{وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} [البقرة: 221].
(وَ) السابع: تحرم (كَافِرَةٌ عَلَى مُسْلِمٍ)، ولو كان عبداً؛ لقوله تعالى:{ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} [البقرة: 221]، (إِلَّا) أن يجتمع فيها ثلاثة شروط:
1 -
أن تكون (حُرَّةً)، فلا يحل لمسلم ولو عبدًا نكاحُ أمة كتابية؛ لقوله تعالى:{فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات} [النساء: 25]، ولئلا يؤدي إلى استرقاق الكافر ولدَها المسلم؛ لأنه يقر ملكه على أمته الكافرة، وولدها مملوك سيدها.
وقال شيخ الإسلام: تباح الأمة الكتابية إذا شرط عتق ولدها منه، والآية إنما دلت على تحريم غير المؤمنات بالمفهوم، ولا عموم له، بل يصدق بصورةٍ؛ لانتفاء علة المنع، وهي استرقاق ولده منها.
ب أن تكون (كِتَابِيَّةً)؛ لقوله تعالى: {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} [المائدة: 5]، قال ابن قدامة:(ليس بين أهل العلم اختلاف في حل نساء أهل الكتاب).
وأهل الكتاب هم: من دان بالتوراة والإنجيل خاصة، ولو من بني تَغْلِبَ، ومن في معناهم من نصارى العرب ويهودهم.
قال شيخ الإسلام: (الصواب المقطوع به أن كون الرجل كتابيًّا أو غير كتابي هو حكم مستقل بنفسه لا بنسبه، وكل من تدين بدين أهل الكتاب فهو منهم، سواء كان أبوه أو جده دخل في دينهم أو لم يدخل، وسواء كان دخوله قبل النسخ والتبديل أو بعد ذلك،
…
وهذا هو المنصوص الصريح عن أحمد، وإن كان بين أصحابه في ذلك نزاع معروف، وهذا القول هو الثابت عن الصحابة رضي الله عنهم، ولا أعلم بين الصحابة في ذلك نزاعًا).
3 -
أن يكون أبواها كتابيين؛ فإن كان أحد أبويها غير كتابي؛ لم تحل لمسلم؛ لأنها لم تتمحض كتابية؛ ولأنها مولدة بين من يَحِل وبين من لا يَحِل، فلم تحل؛ كالسِّمْع - وهو ولد الذئب من الضبع -، والبغل.
وعنه، واختاره الموفق وشيخ الإسلام: تحل الكتابية ولو كان أبواها غير كتابيين؛ اعتباراً بنفسها، ولدخولها في عموم الآية المبيحة، ولأنها كتابية، فأشبهت من أبواها كتابيان، قال شيخ الإسلام:(هو المنصوص عن الإمام أحمد رحمه الله في عامة أجوبته)، وقال الزركشي عن الرواية الأولى:(ولم أر من ذكر عن أحمد بذلك نصًّا).
- فرع: الأَوْلى أن لا يتزوج من نساء أهل الكتاب مع وجود الحرائر المسلمات، وقال شيخ الإسلام: يكره؛ لأن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه نكح بنت عظيم يهود، فعزم عليه عمر رضي الله عنه إلا ما طلقها [عبدالرزاق 12672]، وقياساً على أكل ذبائحهم بلا حاجة تدعو إليه.
(وَ) الثامن: تحرم (عَلَى حُرٍّ مُسْلِمٍ) نكاح (أَمَةٍ مُسْلِمَةٍ) - لا كافرة، ولو كتابية، فلا يجوز نكاحها ولو مع الشروط الآتية؛ لما سبق - إلا بشرطين:
الشرط الأول: أن يخشى مشقة ترك النكاح، وأشار إليه بقوله:(مَا لَمْ يَخَفِ) الحر (عَنَتَ عُزُوبَةٍ) أي: مشقة عدم الزواج، (لِحَاجَةِ مُتْعَةٍ، أَوْ) لحاجة (خِدْمَةٍ) له، لكبر أو مرض أو غيرهما.
(وَ) الشرط الثاني: أن (يَعْجِزَ عَنْ طَوْلِ حُرَّةٍ) أي: مالٍ حاضرٍ يكفي نكاح حرة.
والدليل على هذين الشرطين: قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ} إلى قوله: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النساء: 25]، والصبر عن نكاحها مع الشرطين أولى، لقوله تعالى:{وأن تصبروا خير لكم} .
(أَوْ) لا يقدر على (ثَمَنِ أَمَةٍ)، ولو كتابية، وتبع فيه صاحب الإقناع، واختاره ابن قدامة؛ لأنه لا يخاف العنت، ولأنه قدر على صيانة ولده عن الرق، فلم يجز له إرقاقه، أشبه القادر على طول الحرة.
والمذهب كما في المنتهى: يجوز له نكاح الأمة بالشرطين ولو قدر على ثمن أمة؛ لظاهر الآية السابقة.
واختار شيخ الإسلام: أنه يباح نكاح الأمة لمن فقد هذه الشروط إذا شرط على السيد عتق كل من يولد منها؛ لامتناع مفسدة إرقاق ولده.
(وَ) التاسع: يحرم (عَلَى عَبْدٍ) ولا يصح منه نكاح (سَيِّدَتِهِ) المالكة له أو لبعضه، حكاه ابن المنذر إجماعًا، لأن أحكام الملك والنكاح تتناقص، إذ ملكها إياه يقتضي وجوب نفقته عليها، وأن يكون بحكمها، ونكاحه إياها يقتضي عكس ذلك، وعن جابر رضي الله عنه قال: جاءت امرأة إلى عمر بن الخطاب ونحن بالجابِيَّة نكحت عبدها فانتهرها، وهَمَّ أن يرجمها، وقال:«لَا يَحِلُّ لَكِ مُسْلِمٌ بَعْدَهُ» [عبدالرزاق 12817، وصححه ابن حزم].
(وَ) العاشر: يحرم (عَلَى سَيِّدٍ) ولا يصح منه نكاح (أَمَتِهِ)؛ لأن ملك الرقبة يفيد ملك المنفعة وإباحة البُضْع، فلا يجمع معه عقد أضعف منه.
(وَ) الحادي عشر: يحرم على الحر أن ينكح (أَمَةَ وَلَدِهِ) من النسب؛ لأن له فيها شبهة ملك، دون الرضاع، فله أن يتزوج أمة ولده من الرضاع بشرطه؛ كالأجنبي.
واختار ابن عثيمين: يجوز للأب أن يتزوج أمة ابنه إذا تم في حقه شروط جواز نكاح الإماء، بشرط: ألا يكون الابن قد جامعها؛ فإن جامعها الابن فإنها لا تحل للأب؛ لأنها مما نكح ابنه، وأما قولهم: له شبهة مِلك، فليس كذلك، بل للأب شبهة تملك، فليس الأب مشاركاً للابن.
- فرع: علم مما تقدم: أن للعبد نكاح أمةٍ ولو فُقِد الشرطان، ولو على حرة، لأنها تساويه، ولو كانت أَمَة لابنه، قال في الإنصاف:(بلا نزاع)؛ لأن الرق قطع ولايته عن ولده وماله، فهو كالأجنبي منه.
وعلم أيضاً: أن للأمة نكاح عبد ولو كان العبد لابنها؛ لمساوتها له في الرق، ولقطع التوارث بينها وبين ابنها، فكان كالأجنبي منها.
(وَ) الثاني عشر: يحرم (عَلَى حُرَّةٍ) نكاح (قِنِّ وَلَدِهَا)؛ لأنه لو ملك أحد الزوجين الآخر لانفسخ النكاح بغير خلاف، فكذا لو ملك ولد أحد الزوجين الآخر؛ لأن ملك الابن كملكه في إسقاط الحد، وحرمة الاستيلاد، فكان كملكه في إبطال النكاح.
واختار ابن عثيمين: يجوز للحرة أن تنكح قن ولدها، ولا ينفسخ النكاح إذا ملك ولد أحد الزوجين الآخر؛ لأنه داخل في عموم قوله تعالى:{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24]، ولأنه لا يملكها بملك الابن، فلم يبطل نكاحه كما لو ملكه أجنبي، ولأن الأصل بقاء النكاح.
والثالث عشر: يحرم ولا يصح نكاح خنثى مشكل قبل تبين أمره؛ لعدم تحقق مبيح النكاح.
- مسألة: (وَمَنْ حَرُمَ وَطْؤُهَا بِعَقْدٍ)؛ كالمعتدة، والمُحْرِمة، والزانية، والمطلقة ثلاثًا؛ (حَرُمَ) وطؤها (بِمِلْكِ يَمِينٍ)؛ لأن النكاح إذا حرم لكونه طريقًا إلى الوطء، فلأن يحرم الوطء بطريق الأولى، (إِلَّا أَمَةً كِتَابِيَّةً)، فيحرم نكاحها ولا يحرم وطؤها بملك اليمين؛ لدخولهن في قوله تعالى:{أو ما ملكت أيمانكم} [النساء: 3]، ولأنها ممن يحل نكاح حرائرهم، فحل له التسري بها؛ كالمسلمة، وهذا معدوم في غير الكتابية، فأما نكاح الأمة الكتابية فيحرم؛ لأنه فيه إرقاق ولده وإبقاؤه مع كافرة، بخلاف التسري.
- فرع: وطء المسلم للأمة ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
1 -
أن تكون الأمة مسلمة: فيجوز نكاحها بشرطه، ويجوز وطؤها بملك اليمين، وتقدم الكلام عليها.
2 -
أن تكون الأمة كتابية: فيحرم نكاحها، وتقدم الكلام عليها، ويجوز وطؤها بملك اليمين.
3 -
أن تكون الأمة كافرة غير كتابية؛ كالمجوسية: فيحرم نكاحها، وسبقت المسألة، ويجوز أن يملكها، لكن يحرم وطؤها بملك يمين؛ لما تقدم من أن النكاح إذا حرم لكونه طريقًا إلى الوطء، فلأن يحرم الوطء بطريق الأولى، ولم يستثن إلا الكتابية، فيبقى ما عداها على التحريم.
واختار شيخ الإسلام: جواز وطء إماء غير أهل الكتاب؛ لعموم قوله تعالى: (أو ما ملكت أيمانكم)، لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه:«أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ حُنَيْنٍ بَعَثَ جَيْشًا إِلَى أَوْطَاسَ، فَلَقُوا عَدُوًّا، فَقَاتَلُوهُمْ فَظَهَرُوا عَلَيْهِمْ، وَأَصَابُوا لَهُمْ سَبَايَا، فَكَأَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَحَرَّجُوا مِنْ غِشْيَانِهِنَّ مِنْ أَجْلِ أَزْوَاجِهِنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل فِي ذَلِكَ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24]، أَيْ: فَهُنَّ لَكُمْ حَلَالٌ إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ» [مسلم 1456]، قال ابن القيم:(دل هذا القضاء النبوي على جواز وطء الإماء الوثنيات بملك اليمين، فإن سبايا أوطاس لم يكن كتابيات، ولم يشترط رسول الله صلى الله عليه وسلم في وطئهن إسلامهن، ولم يجعل المانع منه إلا الاستبراء فقط، وتأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع مع أنهم حديثو عهد بالإسلام).