الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في كتاب القاضي إلى القاضي
أجمعوا على قبول كتاب القاضي إلى القاضي؛ لدعاء الحاجة إليه، فإن من له حق في غير بلده لا يمكنه إثباته والطلب به بغير ذلك، إذ يتعذر عليه السفر بالشهود، وربما كانوا غير معروفين به، فيتعذر الإثبات به عند حاكم.
- مسألة: (وَ) الذي (يُقْبَلُ) فيه (كِتَابُ قَاضٍ إِلَى قَاضٍ) لا يخلو من قسمين:
القسم الأول: أن يكون (فِي كُلِّ حَقِّ آدَمِيٍّ)، ولا يخلو من أمرين:
1 -
أن يكون الحق مالًا أو ما يقصد به المال؛ كبيع، وقرض، وغصب، ووصية بمال، ورهن وجناية توجب مالًا: فإنه يقبل فيه كتاب القاضي إلى القاضي، قال في المبدع:(بغير خلاف نعلمه)؛ لأنه في معنى الشهادة على الشهادة.
2 -
أن يكون فيما لا يُقبل فيها إلا رجلان؛ كقود، وطلاق، ونسب، ونكاح، وتوكيل وإيصاء في غير مال، وحد قذف ونحو ذلك: فيقبل كتاب القاضي إلى القاضي؛ لأنه حق آدمي لا يدرأ بالشبهة.
القسم الثاني: أن يكون في حقوق الله؛ كحد زنىً وشرب مسكر، وكالعبادات، فلا يُقبل؛ لأن حقوق الله مبنية على الستر
والدرء بالشبهة، ولهذا لا تقبل فيها الشهادة على الشهادة؛ فكذا كتاب القاضي إلى القاضي.
وعنه، واختاره شيخ الإسلام: يقبل كتاب القاضي إلى القاضي في حقوق الله تعالى؛ كزنىً، وشرب خمر، وسرقة، وترك صلاة، وما يوجب تعزيرًا؛ لأن الحاجة إليه حاصلة كما هي حاصلة في حقوق الآدميين.
- مسألة: (وَ) كتاب القاضي إلى القاضي له صورتان:
الصورة الأولى: أن يكتب إليه (فِيمَا حَكَمَ بِهِ) الكاتب، مِن حقٍّ على إنسان، فيتعين عليه وفاؤه، أو على غائب بعد إقامة البينة عنده، (لِيُنَفِّذَهُ) المكتوب إليه، سواء كان الكاتب والمكتوب إليه ببلد واحد أو ببلدين؛ لأن الحكم يجب إمضاؤه بكل حال.
الصورة الثانية: أن يكتب إليه فيما ثبت عنده ليحكم به الآخر، فـ (لَا) يقبل (فِيمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ) أي: الحاكم (لِيَحْكُمَ بِهِ) المكتوب إليه؛ (إِلَّا فِي مَسَافَةِ قَصْرٍ) فأكثر، فيجوز؛ لأنه نقل شهادة، فيُعتبر فيه ما يعتبر في الشهادة على الشهادة، وكتابه بالحكم ليس هو نقلًا، وإنما هو خبر.
واختار شيخ الإسلام: أنه يجوز أن يكتب فيما ثبت عنده ليحكم به، وإن كانا في بلد واحد؛ لأنه كالخبر، والخبر لا يشترط له طول المسافة، ولأنه كتاب الحاكم بما ثبت عنده، فجاز قبوله مع القرب؛ ككتابه بحكمه.