الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 -
(وَ) سن (تَكْبِيرٌ) مع التسمية، أي: قول باسم الله والله أكبر؛ لحديث أنس رضي الله عنه قال: «ضَحَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا» [البخاري 5558، ومسلم 1966].
(فَصْلٌ) في الصيد
وهو مصدر صاد يصيد، وشرعًا: اقتناص حيوان، حلال، مستوحش طبعًا، غير مقدور عليه ولا مملوك.
- مسألة: (الصَّيْدِ مُبَاحٌ) إجماعًا؛ لقوله تعالى: {يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم، واذكروا اسم الله عليه} [المائدة: 4]، ولحديث أبي ثعلبة الخُشني رضي الله عنه، وفيه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ أَنَّكَ بِأَرْضِ صَيْدٍ: فَمَا صِدْتَ بِقَوْسِكَ فَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ، ثُمَّ كُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ المُعَلَّمِ فَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ ثُمَّ كُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الَّذِي لَيْسَ مُعَلَّمًا فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ؛ فَكُلْ» [البخاري: 5488، ومسلم: 1930].
ويخرج الصيد عن حكم الإباحة إلى:
1 -
الكراهة: إذا كان لهوًا؛ لأنه عبث.
وقال ابن عثيمين: (ولو قيل بتحريمه لكان له وجه).
2 -
التحريم: إن كان فيه ظلم الناس بالعدوان على زروعهم وأموالهم؛ لأن الوسائل لها أحكام المقاصد.
- مسألة: (وَشُرُوطُهُ) أي: شروط إباحة الصيد (أَرْبَعَةُ) شروط:
الشرط الأول: (كَوْنُ صَائِدٍ مِنْ أَهْلِ ذَكَاةٍ) أي: ممن تحل ذبيحته؛ لحديث عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ فَكُلْ، فَإِنَّ أَخْذَ الكَلْبِ ذَكَاةٌ» [البخاري: 5475، ومسلم: 1929]، والصائد بمنزلة المذكي، فلا يحل صيد مجوسي، أو وثني، وكذا ما شارك فيه؛ لأنه اجتمع في قتله سبب إباحة وسبب تحريم، فغلب التحريم.
إلا ما لا يفتقر إلى ذكاة؛ كسمك وجراد؛ فيباح إذا صاده من لا تباح ذبيحته من مجوسي ونحوه؛ لأنه لا ذكاة فيه أشبه ما لو وجده ميتًا.
(وَ) الشرط الثاني: (الآلَةُ، وَهِيَ) نوعان:
1 -
(آلَةُ ذَكَاةٍ) أي: مُحدَّد، يشترط فيه ما يشترط في آلة الذبح؛ لأن جرحه قائم مقام ذكاته، فاعتبر ما يعتبر في آلة الذكاة، ويشترط فيه أيضًا جَرْح الصيد به؛ لمفهوم حديث رافع بن خديج رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ، وَذُكِرَ اسْمُ الله عَلَيْهِ فَكُلُوهُ، لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ» [البخاري: 2488، ومسلم: 1968].
فإن قتله بثقله؛ كالعصا والحصى ولم يجرحه؛ لم يبح؛ لحديث عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، إنا نرمي بالمِعْراض؟ قال:«كُلْ مَا خَزَقَ، وَمَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَلَا تَأْكُلْ» [البخاري: 5477، ومسلم: 1929].
2 -
(أَوْ جَارِحٌ)، فيباح ما قتله جارح (مُعَلَّمٌ)؛ مما يصيد بنابه كالفهود والكلاب، أو بمخلبه من الطير؛ لقوله تعالى:{وما علمتم من الجوارح مكلبين} الآية [المائدة: 4]، قال ابن عباس رضي الله عنهما:«مِنَ الكِلَابِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يُعَلَّمُ مِنَ الصُّقُورِ، وَالبُزَاةِ، وَالفُهُودِ، وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ» [عبد الرزاق: 8497].
- فرع: يستثنى الكلب الأسود البهيم - وهو ما لا بياض فيه -؛ فيحرم صيده؛ لحديث جابر رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب، وقال:«عَلَيْكُمْ بِالْأَسْوَدِ البَهِيمِ ذِي النُّقْطَتَيْنِ، فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ» [مسلم: 1572]، والحل لا يستفاد من المحرم؛ لأنه علل بكونه شيطانًا، وما قتله الشيطان لا يباح أكله، كالمنخنقة.
- فرع: (وَهُوَ) أي: الجارح نوعان:
النوع الأول: ما يصيد بنابه؛ كفهد، وكلب، وكل ما يمكن الاصطياد به، وتعليمه يكون بثلاثة أمور:
الأول: (أَنْ يَسْتَرْسِلَ إِذَا أُرْسِلَ)؛ لأن العادة في الجوارح المعلمة ذلك، فإذا لم يكن كذلك لم يدخل في عموم قوله تعالى:{وما علّمتم من الجوارح} [المائدة: 4].
(وَ) الثاني: أن (يَنْزَجِزَ إِذَا زُجِرَ)؛ لما تقدم.
(وَ) الثالث: أنه (إِذَا أَمْسَكَ) الصيد (لَمْ يَأْكُلْ) منه؛ لحديث عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ المُعَلَّمَ فَقَتَلَ فَكُلْ، وَإِذَا أَكَلَ فَلا تَأْكُلْ، فَإِنَّمَا أَمْسَكَهُ عَلَى نَفْسِهِ» [البخاري: 175، ومسلم: 1929]، ولأن عادة المعلَّم أن ينتظر صاحبَه ليطعمه.
فإن أكل منه لم يُبَحْ؛ للخبر السابق، ولقوله تعالى:{فكلوا مما أمسكن عليكم} [المائدة: 4]، وهذا إنما أمسكه على نفسه.
وقال ابن قدامة: (لا أحسب هذه الخصال تعتبر في غير الكلب، فإنه الذي يجيب صاحبه إذا دعاه وينزجر إذا زجر، والفهد لا يكاد يجيب داعيًا وإن عُدَّ متعلمًا، فيكون التعليم في حقه بترك الأكل خاصة، أو بما يعده أهل العرف متعلمًا).
قال شيخ الإسلام: (والتحقيق أن المرجع في تعليم الفهد إلى أهل الخبرة، فإن قالوا: إنه من جنس تعليم الصقر بالأكل؛ ألحق به، وإن قالوا: إنه يتعلم بترك الأكل كالكلب؛ ألحق به).
النوع الثاني: ما يصيد بمِخلبه؛ كباز، وصقر، فيكون معلمًا بالأمرين الأولين، ولا يشترط أن يترك الأكل؛ لقول ابن عباس رضي الله عنهما:«إِذَا أَكَلَ الْكَلْبُ المُعَلَّمُ، فَلَا تَأْكُلْ، وَأَمَّا الصَّقْرُ وَالبَازِيُّ فَإِنَّهُ إِذَا أَكَلَ أُكِلَ» [عبد الرزاق: 8514]، ولأن تعليمه بالأكل، ويتعذر تعليمه بدونه، بخلاف ما يصيد بنابه.
- فرع: يعتبر لحلِّ صَيْدِ ذي ناب، أو صيد ذي مخلب؛ جرحه للصيد؛ لأنه آلة القتل، كالمحدد، فلو قتل الجارح الصيد بصدم أو خنق لم يُبَح؛ لعدم جرحه، كالمعراض إذا قتل بثقله.
(وَ) الشرط الثالث من شروط إباحة الصيد: قصد الفعل، وذلك بـ (ـإِرْسَالِهَا) أي: الآلة (قَاصِداً) الصيد، (فَلَوِ اسْتَرْسَلَ جَارِحٌ بِنَفْسِهِ فَقَتَلَ صَيْداً)، أو سقط السهم من يده فعقره؛ (لَمْ يَحِلَّ) الصيد؛ لحديث عدي السابق، وفيه:«إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ المُعَلَّمَ فَقَتَلَ؛ فَكُلْ» ، ولأن إرسال الجارحة جُعِل بمنزلة الذبح، ولذلك اعتبرت التسمية معه، ولأن قتل الصيد أمر يُعتبر له الدين، فاعتبر له القصد؛ كطهارة الحدث.
- فرع: يستثنى من ذلك:
1 -
إذا استرسل الجارح دون إرسال، فزجره صاحبه، فزاد في عدوه في طلب الصيد؛ حل الصيد حيث سمى؛ لأن زجره أثَّر في عدوه، فصار كما لو أرسله، ولأن فعل الآدمي إذا انضاف إلى فعل البهيمة كان الاعتبار لفعل الآدمي.
فإن زجره ولم يَزِد عَدْوُه؛ لم يحل الصيد؛ لأن الزجر لم يزد شيئًا عند استرسال الجارح بنفسه.
2 -
إذا زجره صاحبه فوقف، ثم أرسله وسمَّى عند إرساله؛ حلَّ صيده؛ لتحقق الشرط حينئذ.
(وَ) الشرط الرابع: (التَّسْمِيَةُ عِنْدَ رَمْيِ) السهم، (أَوْ) عند (إِرْسَالِ) الجارحة؛ لقوله تعالى:{ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} [الأنعام: 121]، ولحديث عدي السابق، وفيه:«إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ المُعَلَّمَ، وَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ؛ فَكُلْ» ، ولأن الإرسال هو الفعل الموجود من المُرْسِل، فاعتبرت التسمية عنده، كما تعتبر عند الذبح.
- فرع: (وَلَا تَسْقُطُ) التسمية هنا (بِحَالٍ) أي: سواء تركها عمدًا أو سهوًا، واختاره ابن عثيمين؛ للآية السابقة والحديث، والفرق بين الصيد والذبيحة: أن الذبح وقع في محله، فجاز أن يسامح فيه، بخلاف الصيد، ولأن في الصيد نصوصًا خاصة، ولأن الذبيحة تكثر ويكثر النسيان فيها.
- فرع: (وَسُنَّ تَكْبِيرٌ مَعَهَا) أي: مع التسمية، فيقول: باسم الله والله أكبر؛ قياسًا على الذكاة.
- مسألة: (وَمَنْ أَعْتَقَ صَيْداً) بأن أرسل صيدًا، وقال: أعتقتك، (أَوْ أَرْسَلَ بَعِيراً، أَوْ) أرسل (غَيْرَهُ) كبقرة؛ (لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ)، ولا يملكه آخذه بإعراضه عنه؛ لأن الإرسال والاعتاق لا يوجب زوال ذلك.
(بَابُ الأَيْمَانِ)
جمع يمين، وهي: الحَلِف والقَسَم، وأصل اليمين: اليد المعروفة، سُمي بها الحلف؛ لإعطاء الحالف يمينه فيه؛ كالعهد والمعاقدة.
وشرعًا: توكيد محلوف عليه، بذكر معظَّم، على وجه مخصوص.
وهي مشروعة في الجملة إجماعًا؛ لقوله تعالى: {ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان} [المائدة: 89]، ولحديث عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ، وَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» [البخاري: 6622، ومسلم: 1652].
- مسألة: (تَحْرُمُ) اليمين ولا تنعقد إذا كانت:
أولاً: (بِغَيْرِ اللهِ) تعالى، فيجب الحلف بالله تعالى، نحو: والله، وبالله، وتالله، أو باسم من أسمائه، نحو: والرحمن، والخالق، ونحوها، والحلف بأسماء الله تعالى لا يخلو من أربعة أقسام:
القسم الأول: أن يكون مما لا يُسمى به غيره؛ مثل: الله، والرحمن، ورب العالمين، ومالك يوم الدين، ونحوها: فتكون يمينًا بكل حال، نوى به
اليمين أو لا؛ لأن ذلك صريح في مقصوده، فلم يفتقر إلى نية، كصريح الطلاق ونحوه.
القسم الثاني: أن يكون مما يُسمى به الله ويسمى به غيره تعالى، وإطلاقه ينصرف إلى الله تعالى؛ كالعظيم، والرحيم، والرازق: فلا يخلو من ثلاث حالات:
الأولى: أن ينوي به الله تعالى: فينعقد يمينًا؛ لأنه نوى بلفظه ما يحتمله، فكان يمينًا.
والثانية: ألا ينوي شيئًا: فينعقد يمينًا؛ لأنه بإطلاقه ينصرف إليه تعالى.
والثالثة: أن ينوي به غيره تعالى: فليس بيمين؛ لأنه يستعمل في غيره، كما في قوله تعالى:{ارجع إلى ربك} [يوسف: 50]{بالمؤمنين رؤوف رحيم} .
القسم الثالث: أن يكون مما يسمى به الله ويُسمى به غيره، ولا يغلب إطلاقه على الله، مثل: الحي والعزيز والمؤمن ونحوه، فلا يخلو من ثلاث حالات أيضًا:
الأولى: أن ينوي به الله: فينعقد به الحلف؛ لأنه نوى بلفظه ما يحتمله، فكان يمينًا.
والثانية: أن ينوي به غير الله: فليس بيمين؛ لأن الحلف الذي تجب به
الكفارة لم يُقصد، ولا اللفظ ظاهر في إرادته، فوجب ألا يترتب عليه على الحالف بالله تعالى.
والثالثة: ألا ينوي به شيئًا: فليس بيمين؛ لما تقدم.
وقيل: ينعقد به الحلف؛ لأن الأصل بالمسلم أنه لا يحلف إلا بالله.
القسم الرابع: أن يكون مما لا يُعد من أسماء الله تعالى؛ كالشيء والموجود ونحوه ذلك: فحكمه كالقسم السابق.
ثانيًا: (أَوْ) أي: تنعقد اليمين إذا كانت بـ (صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ) تعالى؛ سواء كانت صفة ذاتية؛ كعزة الله، ووجه الله، وسمع الله، أو صفة فعلية؛ ككلام الله، ونحو ذلك؛ فينعقد الحلف بذلك؛ لقوله تعالى:(قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ)[ص: 82]، ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال:«أَكْثَرُ مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَحْلِفُ: لَا وَمُقَلِّبِ القُلُوبِ» [البخاري: 6628]، ولما روى أبو جحيفة رضي الله عنه، قال: قلت لعلي رضي الله عنه: هل عندكم شيء من الوحي إلا ما في كتاب الله؟ قال: «لَا وَالَّذِي فَلَقَ الحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، مَا أَعْلَمُهُ، إِلَّا فَهْمًا يُعْطِيهِ اللهُ رَجُلًا فِي القُرْآنِ، وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ» [مسلم: 3047].
ثالثاً: (أَوِ) أي: تنعقد اليمين إذا كانت بـ (القُرْآنِ)، أو بسورة منه، أو بآية من آياته؛ فينعقد الحلف بها؛ لأنه حلف بصفة من صفاته تعالى.
ومثله: لو حلف بالمصحف؛ لأن الحالف إنما قصد المكتوب فيه، وهو القرآن.
- فرع: الحلف بغير الله محرم؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَلَا إِنَّ اللهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» [البخاري: 6646، ومسلم: 1646].
وهو شرك بالله تعالى؛ لما روى سعد بن عبيدة، قال: سمع ابن عمر رجلًا يحلف: لا والكعبة، فقال له ابن عمر: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللهِ فَقَدْ أَشْرَكَ» [أحمد: 6072، وأبو داود: 3251، والترمذي: 1535].
وأما حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قصة الأعرابي: «أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ» [مسلم: 11]، فقال ابن عبد البر:(هذه لفظة غير محفوظة في هذا الحديث)، ثم حكم عليها بالنكارة، وعلى القول بثبوته يقال: هو قبل النهي؛ للأحاديث الكثيرة في تحريم الحلف بغير الله تعالى.
- فرع: لا تجب الكفارة بالحلف بغير الله؛ لأنها إنما وجبت في الحلف بالله، صيانة لأسمائه تعالى، وغيره لا يساويه في ذلك.
- فرع: يكره الحلف بالطلاق والعتق؛ لحديث ابن عمر السابق: «أَلَا إِنَّ اللهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» ، ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، وَلَا بِأُمَّهَاتِكُمْ، وَلَا بِالْأَنْدَادِ، وَلَا تَحْلِفُوا إِلَّا بِاللهِ، وَلَا تَحْلِفُوا بِاللهِ إِلَّا وَأَنْتُمْ صَادِقُونَ» [أبو داود: 3248، والنسائي: 3769]، قيل لأحمد: يكره الحلف بعتق
أو طلاق أو شيء؟ قال: (سبحان الله! لِمَ لا يكره؛ لا يحلف إلا بالله تعالى).
قال في الفروع: (واختار شيخنا - يعني: شيخ الإسلام - التحريم وتعزيره، وفاقًا لمالك، واختار في موضع: لا يكره، وأنه قول غير واحد من أصحابنا؛ لأنه لم يحلف بمخلوق، ولم يلتزم لغير الله شيئًا، وإنما التزم لله كما يلتزم بالنذر، والالتزام لله أبلغ من الالتزام به، بدليل النذر له واليمين به، ولهذا لم ينكر الصحابة على من حلف بذلك، كما أنكروا على من حلف بالكعبة).
وسبق في كتاب الطلاق حكم وقوع الطلاق أو عدمه.
- مسألة: (فَمَنْ حَلَفَ) يمينًا بالله، أو بصفة من صفاته، أو بالقرآن، (وَحَنِثَ) بها، - ويأتي معنى الحنث -؛ (وَجَبَتْ عَلَيْهِ) أي: على الحالف (الكَفَّارَةُ)؛ لحديث عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه السابق، وفيه:«إِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ وَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» .
- مسألة: (وَ) يشترط (لِوُجُوبِهَا) أي: الكفارة باليمين (أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ)(1):
(1) في الإقناع وشرحه: ثلاثة شروط، وجعل الشرط الأول والثاني شرطًا واحدًا.
الشرط الأول: (قَصْدُ عَقْدِ اليَمِينِ)؛ لقوله تعالى: {ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان} [المائدة: 89]، فلا تنعقد اليمين:
1 -
إذا كانت لغوًا؛ بأن سبقت اليمين على لسان الحالف بلا قصد؛ كقوله: لا والله، وبلى والله، في عرض حديثه، ولا كفارة فيها؛ لقول عائشة رضي الله عنها:«أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} فِي قَوْلِ الرَّجُلِ: لا وَاللهِ، وَبَلَى وَاللهِ» [البخاري: 4613].
2 -
إذا كانت من نائم، وصغير، ومجنون، ومغمىً عليه، ونحوهم؛ لأنه لا قصد لهم.
(وَ) الشرط الثاني: (كَوْنُهَا) أي: اليمين منعقدة، وهي التي يُمكِن فيها البر والحنث، وذلك بأن يكون الحلف مشتملًا على وصفين:
الوصف الأول: أن يكون الحلف (عَلَى مُسْتَقْبَلٍ)؛ لقوله تعالى: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان} [المائدة: 89]، فأوجب الكفارة في الأيمان المنعقدة، فظاهره إرادة المستقبل من الزمان؛ لأن العقد إنما يكون في المستقبل دون الماضي.
- فرع: وعلى هذا: (فَلَا تَنْعَقِدُ) اليمين بحلف (عَلَى مَاضٍ)؛ لأن شرط الانعقاد إمكان البر والحنث، وذلك متعذر في الماضي.
واليمين على الماضي نوعان:
الأول: أن يكون الحالف (كَاذِباً عَالِماً بِهِ) أي: بكذبه، (وَهِيَ) التي تُسمى: اليمينَ (الغَمُوسَ)؛ لأنها تغمس الحالف بها في الإثم، ثم في النار، ولا كفارة فيها، لقول ابن مسعود رضي الله عنه:«كُنَّا نَعُدُّ مِنَ الذَّنْبِ الَّذِي لَا كَفَّارَةَ لَهُ: اليَمِينَ الغَمُوسَ» [البيهقي: 19883].
واليمين الغموس من الكبائر؛ لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الكَبَائِرُ: الإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَاليَمِينُ الغَمُوسُ» [البخاري: 6675].
(وَ) النوع الثاني: (لَا) تنعقد اليمين بحلف على ماضٍ (ظَانًّا صِدْقَ نَفْسِهِ، فَيَبِينُ بِخِلَافِهِ) أي: خلاف ظنه، كمن حلف: ما فعلت كذا، يظن أنه لم يفعله فبان أنه فعله؛ فلا يحنث، ولا كفارة عليه، وحكاه ابن عبد البر إجماعًا؛ لقوله تعالى:{لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} [المائدة: 89] وهذا منه؛ لأنه يكثر، فلو وجبت به كفارة؛ لشق وحصل الضرر، وهو منتف شرعًا.
- فرع: فأما إن حلف على أمر مستقبل ظانًّا صدق نفسه، فبان بخلافه؛ كمن حلف على غيره يظن أنه سوف يعطيه، فلم يفعل؛ فإنه يحنث؛ لعدم وجود المحلوف عليه.
واختار شيخ الإسلام: أنه لا يحنث لو حلف على أمر في المستقبل ظانًّا
صدقه؛ لأنه بارٌّ بيمينه، حيث أخبر عن اعتقاده، إلا أنه تبين أنه على خلاف اعتقاده، والاعتبار بما قصده في قلبه.
الوصف الثاني في اليمين المنعقدة: أن يكون الحلف على أمر ممكن، فإن حلف على أمر مستحيل، فلا يخلو من حالين:
1 -
أن يكون الحلف على فعل المستحيل، كقوله: والله لأصعدن السماء، وقوله: والله لأقلِبَنَّ الحجر ذهبًا، ونحو ذلك؛ انعقدت يمينه؛ لأنها يمين على مستقبل، وعليه الكفارة في الحال؛ لأنه ميؤوس منه.
2 -
أن يكون الحلف على عدم فعل المستحيل، وأشار إليه بقوله:(وَلَا) تنعقد يمين عُلِّق الحنث فيها (عَلَى فِعْلِ مُسْتَحِيلٍ)؛ كقوله: والله لا صعدت السماء، أو يقول: والله لا رددت أمس، أو يقول: والله لا قلبت الحجر ذهبًا، ونحو ذلك؛ فهي يمين لغو لا كفارة فيها؛ لعدم وجود المحلوف عليه.
- فرع: إن حلف على حاضر فقال: والله لتفعلن يا فلان كذا، أو قال: لا تفعلن كذا، فلم يطعه؛ حَنِثَ الحالف؛ لعدم وجود المحلوف عليه.
واختار شيخ الإسلام: أنه لا حنث عليه إذا حلف على غيره ليفعلنه فخالفه، إذا قصد إكرامه لا إلزامه به؛ لأنه كالأمر إذا فُهم منه الإكرام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر بالوقوف في الصف ولم يقف [البخاري: 664، ومسلم: 421].
(وَ) الشرط الثالث: (كَوْنُ حَالِفٍ مُخْتَاراً) لليمين، فلا تنعقد من مكره
عليها؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الله وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» [ابن ماجه: 2045].
(وَ) الشرط الرابع: (حِنْثُهُ) في يمينه، وذلك (بِفِعْل مَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ، أَوْ تَرْكِ مَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِهِ)، فإن لم يحنث فلا كفارة؛ لأن من لم يحنث لم يهتك حرمة القسم.
بشرط أن يكون الحنث من (غَيْرِ):
1 -
(مُكْرَهٍ)، فمن حلف لا يدخل دارًا، فحُمِل مكرهًا، فأُدخِلها؛ لم يحنث؛ لأن فعل المكره لا ينسب إليه؛ للخبر السابق.
2 -
(أَوْ جَاهِلٍ)؛ كما لو دخل في المثال السابق جاهلًا أنها الدار المحلوف عليها؛ قياسًا على الناسي.
3 -
(أَوْ نَاسٍ)؛ كما لو دخل في المثال السابق ناسيًا ليمينه، أو أنها الدار المحلوف عليها، فلا كفارة؛ لحديث ابن عباس السابق.
4 -
أو مجنونٍ، فلا يحنث لو فعل المحلوف عليه حال كونه مجنونًا؛ لأنه لا قصد له.
- مسألة: لا يخلو حكم الحنث من خمسة أقسام:
القسم الأول: المسنون، وأشار إليه بقوله:(وَيُسَنُّ حِنْثٌ، وَيُكْرَهُ بِرٌّ: إِذَا كَانَتِ) اليمين (عَلَى فِعْلِ مَكْرُوهٍ)؛ كمن حلف أن يأكل ثومًا، (أَوْ) كانت اليمين على (تَرْكِ مَنْدُوبٍ)؛ كمن حلف على ترك صلاة الضحى، أو ترك إصلاح بين اثنين، ونحو ذلك، ويكره برُّه؛ لحديث عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه السابق، وفيه:«إِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ، وَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» ، ولما يترتب عليه من الثواب بترك المكروه امتثالًا وفعل المندوب.
القسم الثاني: المكروه: إذا كانت اليمين على فعل مندوب، أو ترك مكروه؛ فيكره الحنث في اليمين، ويستحب بره؛ لما يترتب على بِرِّهِ من الثواب الحاصل بفعل المندوب، وترك المكروه، وأشار إليه بقوله:(وَعَكْسُهُ بِعَكْسِهِ).
القسم الثالث: الواجب، وأشار إليه بقوله:(وَيَجِبُ) الحنث (إِنْ كَانَتْ) اليمين (عَلَى فِعْلِ مُحَرَّمٍ)؛ كمن حلف أن يشرب خمرًا، (أَوْ) كانت اليمين على (تَرْكِ وَاجِبٍ)؛ كمن حلف أن يقطع رحمه، ويحرم بره؛ لما في بِرِّهِ من الإثم بفعل المحرم، أو ترك الواجب.
القسم الرابع: المحرم، وأشار إليه بقوله:(وَعَكْسُهُ) أي: عكس الوجوب، وهو التحريم، إذا كانت اليمين على فعل واجب، أو ترك محرم،