الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فَصْلٌ) أقسام المشهود به
من حيث عددُ شهوده؛ لاختلاف الشهود باختلاف المشهود به.
وأقسامه سبعة بالاستقراء:
القسم الأول: الزنى واللواط، وأشار إليه بقوله:(وَشُرِطَ فِي الزِّنَى)، واللواط:(أَرْبَعَةُ رِجَالٍ) عدول (يَشْهَدُونَ بِهِ)؛ لقوله تعالى: {لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء} الآية [النور: 13]، فجعلهم كاذبين إن لم يأتوا بالأربعة، فوجب ألا تقبل الثلاثة، واللواط في معنى الزنى المستدعي لوجوب الحد، (أَوْ) يشهد أربعة شهود (أَنَّهُ) أي: المشهود عليه (أَقَرَّ بِهِ) أي: بالزنى أو اللواط (أَرْبَعاً)؛ لأنه إثبات للزنى، فاعتبر فيه أربعة؛ كشهود الفعل، وتقدم في حد الزنى ما يشترط في الشهود.
(وَ) القسم الثاني: (فِي دَعْوَى فَقْرٍ)، فلا تقبل (مِمَّنْ عُرِفَ بِغِنًى): أنه فقير؛ ليأخذ من نحو زكاة، إلا بـ (ثَلَاثَةِ) رجال؛ لحديث قبيصة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَا قَبِيصَةُ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ،
…
-وذكر منهم-: وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ، حَتَّى يَقُومَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ: لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ، فَمَا
سِوَاهُنَّ مِنَ الْمَسْأَلَةِ يَا قَبِيصَةُ سُحْتًا يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتًا» [مسلم: 1044].
(وَ) القسم الثالث: (فِي) دعوى (قَوَدٍ)، فيثبت برجلين؛ لأنه أحد نوعي القصاص، فيقبل فيه اثنان؛ كقطع الطريق.
(وَ) كذا في دعوى (إِعْسَارٍ، وَ) وطءٍ (مُوجِبِ تَعْزِيرٍ)؛ كوطء أمة مشتركة، وبهيمة: فيثبت برجلين.
(أَوْ) دعوى إثبات (حَدٍّ) غير الزنى واللواط؛ كحد قذف وشرب وقطع طريق؛ يثبت برجلين؛ لقول الزهري: «مَضَتِ السُّنَّةُ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَالْخَلِيفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ: أَلَّا تَجُوزَ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ» [ابن أبي شيبة 28714]، و «اتَّفَقَ عُمَرُ وَعَلِيٌّ رضي الله عنهما: عَلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الطَّلَاقِ؛ وَلَا فِي النِّكَاحِ، وَلَا فِي الدِّمَاءِ، وَلَا الْحُدُودِ» [علقه ابن حزم في المحلى 8/ 478]، ولأنه يسقط، فلا تقبل فيه شهادة النساء بالشبهة.
(وَ) القسم الرابع: في دعوى (نِكَاحٍ، وَنَحْوِهِ مِمَّا لَيْسَ) عقوبة، ولا (مَالاً، وَلَا يُقْصَدُ بِهِ المَالُ)؛ كطلاق، ورجعة، ونسب، وولاء، وإيصاء في غير مال، وتوكيل في غير مال، وتعديل شهود وجرحهم، (وَيَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ غَالِباً): فيقبل فيه (رَجُلَانِ)، ولا يقبل أقل من ذلك؛ لقوله تعالى:{وأشهدوا ذوي عدل منكم} [الطلاق: 2]، قاله في الرجعة، والباقي قياسًا، ولأنه ليس بمال ولا يقصد به المال، فلا مدخل للنساء فيه، أشبه العقوبات،
ولأن الله تعالى ذكر شهادة الرجل والمرأتين في الأموال، دون الرجعة والوصية وما معهما.
وقال شيخ الإسلام: (والصحيح قبول شهادة النساء في الرجعة، فإن حضورهن عنده أيسر من حضورهن عند كتابة الوثائق).
وقوى ابن القيم، وحكاه رواية: أنه يقبل في العتق والنكاح والرجعة ونحوهما: رجل وامرأتان؛ لقول الله تعالى: (فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء)، ولحديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَلَيْسَ شَهَادَةُ المَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ» [البخاري 304، ومسلم 79]، فجعل شهادة الرجل والمرأتين شهادة على الإطلاق، فاقتضى أن يكون لهن شهادة في سائر الأحكام إلا ما قيد بدليل.
وأما قوله تعالى: {وأشهدوا ذوي عدل منكم} ، فقال ابن القيم:(قد استقر في عرف الشارع أن الأحكام المذكورة بصيغة المذَكَّرين إذا أطلقت ولم تقترن بالمؤنث، فإنها تتناول الرجال والنساء؛ لأنه يغلب المذكر عند الاجتماع).
(وَ) القسم الخامس: (فِي) دعوى (مَالٍ، وَمَا يُقْصَدُ بِهِ) المال؛ كقرض، ورهن، ووديعة، وغصب، وإجارة، وشركة، وإتلاف مال، وتوكيل فيه، وإيصاء فيه، وبيع، وأجله، وخيار فيه، وجناية خطأ أو عمدًا لا توجب قودًا بحالٍ؛ كجائفة؛ فيقبل فيه:
1 -
(رَجُلَانِ).
2 -
(أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ).
ويدل له: قوله تعالى: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ)، وسياق الآية يدل على الاختصاص بالأموال، والإجماع منعقد على ذلك.
3 -
(أَوْ رَجُلٌ وَيَمِينُ المُدَّعِي)؛ لما روى ابن عباس رضي الله عنهما: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِيَمِينٍ وَشَاهِدٍ» [مسلم 1712].
- فرع: لا تقبل شهادة امرأتين ويمين المدعي في الأموال وما يقصد به المال؛ لأن شهادة المرأة ناقصة، وإنما انجبرت بانضمام الرجل إليها.
وعنه، واختاره شيخ الإسلام: يجوز القضاء بشهادة المرأتين ويمين المدعي فيها؛ لقوله تعالى: (فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ)، فالله تعالى لما جعل شهادة امرأتين بدل شهادة رجل؛ وجب أن يكون حكمُهما حكمَه، فكما أن للمدعي أن يحلف مع الشاهد، فإن له أن يحلف مع شهادة المرأتين.
وقال شيخ الإسلام: (ولو قيل: يحكم بشهادة امرأة ويمين الطالب؛ لكان متوجهًا، فالطريق التي يحكم بها الحاكم أوسع من الطرق التي أرشد الله
صاحب الحق إلى أن يحفظ حقه بها) (1).
- فرع: لا تقبل شهادة أربع نسوة فأكثر مقام رجلين، إجماعًا، قاله في المبدع.
واختار ابن حزم وابن عثيمين: أنها تثبت بشهادة أربع نسوة؛ لأن الله تعالى جعل المرأتين مقام الرجل الواحد، فقامت الأربع مقام الرجلين.
(وَ) القسم السادس: (فِي) دعوى (دَاءِ دَابَّةٍ، وَ) في دعوى (مُوضِحَةٍ، وَنَحْوِهَا)؛ كهاشمة، ومنقِّلة، وداء بعين: فيقبل فيه (قَوْلُ اثْنَيْنِ) أي: طبيبين، أو بيطاريين؛ كسائر ما يطلع عليه الرجال وليس بمال.
(وَمَعَ عُذْرٍ)؛ بأن لم يكن بالبلد من أهل المعرفة به أكثرُ من واحد يعلم ذلك: يقبل قول طبيب (وَاحِدٍ)، وبيطار واحد، وكَحَّال واحد؛ لأنه مما يعسر إشهاد اثنين عليه، فكفى الواحد؛ كالرضاع.
(وَ) القسم السابع: (مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ غَالِباً؛ كَعُيُوبِ نِسَاءٍ تَحْتَ ثِيَابٍ، وَرَضَاعٍ، وَاسْتِهْلَالٍ) أي: صراخ المولود، وبكارة وثيوبة، ونحو
(1) هكذا نقله ابن القيم في إعلام الموقعين (1/ 75)، وصاحب الاختيارات (ص 525)، وجزم ابن عثيمين في الشرح الممتع (15/ 453) أنه اختيار شيخ الإسلام.