الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- فرع: (وَيُجْزِئُ) في الكفارات كلها: (مِنَ البُرِّ: مُدٌّ لِكُلِّ مِسْكِينٍ؛ وَ) إن أخرج (مِنْ غَيْرِهِ) أي: غير البرِّ: (مُدَّانِ)؛ لما روى أبو يزيد المدني رحمه الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فَإِنَّ مُدَّيْ شَعِيرٍ مَكَانَ مُدِّ بُرٍّ» [ذكره في المغني (8/ 31) بإسناد أحمد به، ولم نقف عليه في المسند، وهو مرسل]، وحكاه الإمام أحمد عن زيد بن ثابت، وابن عباس، وابن عمر رضي الله عنهم [عبد الرزاق 8/ 506، وما بعدها].
وذكر شيخ الإسلام: أن قَدْر ما يُخرَج في الكفارة المطلقة غير محدد، بل المرجع فيه إلى العرف، من غير تقدير ولا اشتراط تمليك؛ لأن الإطعام في آية الظهار ورد مطلقًا دون تحديد بمقدار معين، وما ليس له حد في الشرع ولا في اللغة رجع فيه إلى العرف، وآثار الصحابة في ذلك مختلفة.
(فَصْلٌ) في اللعان
مُشتقٌّ من اللَّعن؛ لأنَّ كلَّ واحد من الزوجين يلعن نفسه في الخامسة إن كان كاذباً.
واصطلاحًا: شهاداتٌ مؤكَّداتٌ بأيمانٍ من الجانبين، مقرونةٌ بلعنٍ من زوج، وغضبٍ من زوجة.
- مسألة: (وَيَجُوزُ اللِّعَانُ)؛ لقوله تعالى: {والذين يرمون أزواجهم} الآيات
[النور: 6]، وحديث سهل بن سعد رضي الله عنه: أن عُوَيمرًا العجلاني رضي الله عنه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، رجل وجد مع امرأته رجلًا، أيقتله فتقتلونه، أم كيف يصنع؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«قَدْ أَنْزَلَ الله القُرْآنَ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ» ، فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بالملاعنة بما سمى الله في كتابه، فلاعَنَها [البخاري: 4745، ومسلم: 1492]، وقصةِ هلال بن أمية [البخاري: 2671].
- مسألة: لا يصح اللعان إلا بثلاثة شروط:
الشرط الأول: أن يكون (بَيْنَ زَوْجَيْنِ)، ولو قبل الدخول، فلا لعان بقذف أمته، ولا بقذف أجنبية؛ لقوله تعالى:{والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة} [النور: 4]، ثم خص الأزواج من عمومها بقوله:{والذين يرمون أزواجهم} [النور: 6]، فيبقى ما عداه على مقتضى العموم.
بشرط أن يكون الزوجان: (بَالِغَيْنِ، عَاقِلَينِ)؛ لأنه لهما يمين، أو شهادة، وكلاهما لا يصح من مجنون، ولا من غير بالغ، إذ لا عبرة بقولهما.
فإذا قذف أجنبية فعليه الحد؛ للآية السابقة، وليس له أن يلاعنها؛ لما تقدم، أما إن قذف زوجته بالزنى؛ فله أن يلاعنها (لِإِسْقَاطِ الحَدِّ).
الشرط الثاني: وجود القذف الذي يترتب عليه الحد أو التعزير، بأن يقذفها بالزنى في القُبل أو الدبر؛ لأن كُلًّا قذف يجب به الحد، (فَمَنْ قَذَفَ
زَوْجَتَهُ بِالزِّنَى لَفْظاً)؛ كقوله: يا زانية، أو: رأيتك تزنين، فله أن يلاعن؛ للآية السابقة.
فإن قال: وُطِئتِ بشبهة، أو وُطئتِ مكرهة، أو وُطئتِ نائمة، ونحو ذلك؛ فلا لعان بينهما؛ لأنه لم يقذفها بما يوجب الحد.
الشرط الثالث: أن تكذِّبه الزوجة، ويستمر تكذيبها إلى انقضاء اللعان، وأشار إليه بقوله:(وَكَذَّبَتْهُ) أي: الزوجة فيما رماها به من الزنى.
فإن صدقته، أو سكتت، أو عَفَت عن الطلب بحد القذف، أو ثبت زناها بأربعة سواه، ونحو ذلك؛ فلا لعان بينهما؛ لأن اللعان كالبينة إنما يقام مع الإنكار، ولا حد؛ لتصديقها إياه أو لعدم الطلب.
فإذا تمت الشروط الثلاثة؛ (فَلَهُ لِعَانُهَا)؛ لإسقاط الحد إن كانت محصنة، أو التعزير إن لم تكن محصنة.
- مسألة: صفة اللعان:
1 -
(بِأَنْ) يبدأ الزوج باللعان بحضور الحاكم أو نائبه، فـ (يَقُولَ أَرْبَعاً: أَشْهَدُ بِاللهِ إِنِّي لَصَادِقٌ فِيمَا رَمَيْتُهَا بِهِ مِنَ الزِّنَى)، مشيرًا إليها مع حضورها، ومع غيبتها يسميها وينسبها بما تتميز به.
2 -
(وَ) يزيد (فِي الخَامِسَةِ: وَإِنَّ لَعْنَةَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الكَاذِبِينَ)، ولا يشترط أن يقول في الخامسة: فيما رميتها به من الزنا؛ لعدم ذكره في الآية.
3 -
(ثُمَّ تَقُولَ هِيَ) أي: الزوجة بعد زوجها: (أَرْبَعاً: أَشْهَدُ بِاللهِ إِنَّهُ لَكَاذِبٌ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنَ الزِّنَى)، مشيرة إليه مع حضوره، ومع غيبته تسميه وتنسبه بما يتميز به.
4 -
(وَ) تزيد (فِي الخَامِسَةِ: وَإِنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ)، ولا يشترط في الخامسة أن تقول: فيما رماني به من الزنى؛ لعدم ذكره في الآية (1).
وعلى هذا، فيشترط في صفة اللعان شروط:
(1) هكذا في الإنصاف وكشاف القناع وشرح المنتهى، وظن صاحب الروض الندي (ص 420)، أن المراد عدم اشتراط ذلك في جميع الجمل الخمس، فقال:(وتتعين هذه الألفاظ المذكورة، لكن ذكر في شرح المنتهى لا يشترط أن يقول: فيما رماها به من الزنى، ولا قولها: فيما رماني به من الزنى)، والذي مشى عليه صاحب الروض الندي من عدم اشتراط ذكر الرمي بالزنى في الجمل الأربع الأولى هو وجه في المذهب، ومشى عليه في الإقناع. ينظر: الإنصاف (9/ 236).
الشرط الأول: أن تكون باللغة العربية لمن يحسنها؛ لأن الشرع ورد بالعربية فلم يصح بغيرها، كأذكار الصلاة.
واختار ابن عثيمين: أنه يصح بلغتهما وإن عرفا العربية؛ لأن ألفاظ اللعان ليست ألفاظاً تعبدية حتى نحافظ عليها، إنما هي ألفاظ يعبر بها الإنسان عما في نفسه، فمتى علمت لغته أجزأ اللعان.
الشرط الثاني: أن يبدأ به الزوج، فإن بدأت الزوجة باللعان؛ لم يعتد به؛ لأنه خلاف ما ورد به الشرع، ولأن لعان الرجل بينة الإثبات، ولعان المرأة بينة الإنكار، فلم يجز تقديم الإنكار على الإثبات.
الشرط الثالث: أن يأتي بالجمل الخمسة كاملة، فلو نقَصَ جملةً من الجمل، أو ما يختل به المعنى؛ لم يعتد به؛ لأن الله تعالى علق الحكم عليها، ولأنها بينة فلم يجز النقص من عددها؛ كالشهادة.
لا يضر نقص بعض الألفاظ حيث أتى بالجمل الخمسة.
الشرط الرابع: أن يذكر الرمي بالزنى في الجمل الأربعة الأولى، فإن لم يذكرها؛ لم يعتد باللعان ولو ذكر أنها زنت؛ لئلا تتأول، فتقول: أشهد بالله أنه كاذب يعني في شيء آخر غير هذه المسألة.
واختار ابن القيم وابن عثيمين: لا يشترط ذلك؛ لأن الله سبحانه أنزل ذلك وبينه، ولم يذكر هذا الاشتراط.
الشرط الخامس: أن يكون بلفظ الشهادة، فإن أبدل لفظة (أشهد) بـ (أقسم)، أو (أحلف)؛ لم يصح اللعان؛ لأن اللعان يقصد فيه التغليظ، ولفظ الشهادة أبلغ فيه.
الشرط السادس: أن يأتي الزوج في الخامسة بلفظة (اللعنة)، والزوجة بلفظة (الغضب)، فإن أبدل الزوج لفظة (اللعنة) بـ (الإبعاد) أو (الغضب) ونحوه، أو أبدلت الزوجة لفظة (الغضب) بـ (السخط) ونحوه؛ لم يصح اللعان؛ لمخالفة النص.
الشرط السابع: أن يكون اللعان منجزًا، فإن علقه بشرط؛ لم يصح؛ لمخالفته للنص؛ ولأنه ورد في القرآن على خلاف القياس، فوجب أن يتقيد بلفظه؛ كتكبير الصلاة.
الشرط الثامن: الموالاة بين الكلمات، فإن فرق بينها عرفًا لم يعتد به؛ لما تقدم.
الشرط التاسع: أن يكون اللعان بحضرة الحاكم أو من ينوب عنه، فإن حصل بدون حضور أحدهما؛ لم يعتد باللعان؛ لأنه يمين في دعوى، فاعتبر فيه أمر الحاكم؛ كسائر الدعاوى.
الشرط العاشر: أن يأتي باللعان بعد إلقاء الحاكم أو نائبه عليه، فإن أتى باللعان قبل إلقائه عليه من الإمام أو نائبه لم يعتد به؛ كما لو حلف قبل أن يحلفه الحاكم.
الحادي عشر: أن يشير كل واحد منهما إلى صاحبه إن كان حاضرًا، أو يسميه وينسبه إن كان غائبًا؛ حتى تنتفي المشاركة بينها وبين غيرها.
- فرع: (فَإِذَا تَمَّ) اللعان بينهما، ترتب عليه أربعة أحكام:
الحكم الأول: (سَقَطَ الحَدُّ) إن كانت الزوجة محصنة، أو التعزيرُ إن كانت غير محصنة؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما في قصة الملاعنة، قال هلال بن أمية رضي الله عنه:«وَاللهِ لَا يُعَذِّبُنِي اللهُ عَلَيْهَا، كَمَا لَمْ يَجْلِدْنِي عَلَيْهَا» [أحمد: 2131، وأبو داود: 2256]، ولأن شهادته أقيمت مقام بينته، وهي تُسقط الحد، فكذا لعانه.
(وَ) الحكم الثاني: (ثَبَتَتْ الفُرْقَةُ) بين الزوجين، ولو لم يفرق بينهما الحاكم؛ لقول سهل بن سعد رضي الله عنه في اللعان:«مَضَتِ السُّنَّةُ بَعْدُ فِي المُتَلَاعِنَيْنِ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا» [أبو داود: 2250]، ولقول عمر رضي الله عنه:«المُتَلَاعِنَانِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَلَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا» [سعيد بن منصور: 1561]، ولأنه معنىً يقتضي التحريم المؤبد، فلم يقف على حكم حاكم؛ كالرضاع.
والحكم الثالث: حرمتهما (المُؤَبَّدَةُ) بتمام اللعان؛ لما تقدم عن سهل وعمر رضي الله عنهما، ونحوه عن علي [عبد الرزاق: 12436]، وابن مسعود رضي الله عنهما [عبد الرزاق: 12434].
(وَ) الحكم الرابع: (يَنْتَفِي الوَلَدُ)؛ لقول ابن عباس في الحديث السابق
في قصة هلال بن أمية: «فَفَرَّقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُمَا، وَقَضَى أَنْ لَا يُدْعَى وَلَدُهَا لِأَبٍ، وَلَا تُرْمَى، وَلَا يُرْمَى وَلَدُهَا، وَمَنْ رَمَاهَا أَوْ رَمَى وَلَدَهَا فَعَلَيْهِ الحَدُّ» .
وإنما ينتفي الولد (بِنَفْيهِ) في اللعان، صريحًا، أو تضمنًا؛ كقوله: أشهد بالله لقد زنت وما هذا ولدي، وتعكس هي، وذلك في كل مرة من الجمل الخمس.
فإن لم يذكر الولد في اللعان لا صريحًا ولا تضمنًا؛ لم ينتف؛ احتياطًا للنسب، إلا أن يعيد اللعان ويذكر نفيه.
وذكر ابن القيم أن نفي الولد على أقسام:
الأول: إن كان الحمل سابقًا على ما رماها به، وعلم أنها زنت وهي حامل: فالولد له قطعًا، ولا ينتفي بلعانه، ولا يحل له نفيه.
الثاني: إن كان لا يعلم بالحمل، فلا يخلو من أمرين:
1 -
أن تأتي به لأقل من ستة أشهر من الزنى: فالولد له ولا ينتفي باللعان.
2 -
أن تأتي به لأكثر من ستة أشهر، فعلى قسمين:
أ) أن يستبرئها قبل زناها: فينتفي الولد بمجرد اللعان، نفاه الزوج أو لا، قال ابن القيم:(ولابد من ذكره عند من يشترطه).